مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةقراءة في كتاب

المنظر البهي في طالع مولد النبي، وما يتبعه من أعمال المولد، وحكم القيام عند ذكر مولده عليه الصلاة والسلام لمحمد بن خليل الهجرسي(ت1328هـ). تعريف وتوصيف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فإن الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، له  مميزات خاصة،  وذوق خاص، وذلك لما يمثله للمسلمين من قيمة ثابتة، ومكانة كبرى؛ لأن ولادته صلى الله عليه وسلم أنارت الكون كله، وكانت سببا في هداية البشرية، وإخراجها من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

وقد استحسن جماهير المسلمين الاحتفال بالمولد النبوي في مشارق الأرض ومغاربها؛ لأنها أجل وأشرف ولادة على الإطلاق.

 وأنكره  بعض العلماء هذا الاحتفال وعدوه بدعة مذمومة، وعبادة غير مشروعة،  لما يقترن به من المنكرات الأخرى.

 وذهب البعض الآخر: إلى أنه بدعة حسنة؛ لأنه عبارة عن الشكر لله تعالى على وجود خاتم أنبيائه، وأفضل رسله بإظهار السرور في مثل اليوم الذي ولد فيه، وبما يكون فيه من الصدقات والأذكار.

ورسالة محمد بن خليل الهجرسي  الموسومة بـ: “المنظر البهي في طالع مولد النبي، وما يتبعه من أعمال المولد، وحكم القيام عند ذكر مولده عليه الصلاة والسلام” أجابت عن مجموعة من القضايا والأعمال المختلف فيها حول ذكرى مولد النبي  صلى الله عليه وسلم، ولنفاستها وأهميتها أرتأيت التعريف بها وبصاحبها فأقول وبالله التوفيق:

*  أولا: التعريف بمؤلف الرسالة[1].

 هو محمد بن خليل، زين الدين أبو الفتوح الهجرسي الشافعي الأزهري، فقيه مصري، من علماء الأزهر، كان من نزلاء الحرمين الشريفين، مدة. له مؤلفات كثيرة، منها: “سلوان النائي في الفعل الواوي واليائي”، و”القصر المشيد في التوحيد”، و”اليسرى للمحتاج للإسراء والمعراج”، و”الجوهر النفيس على صلوات ابن إدريس”، أوله: لك الحمد يا رحمن على نعمك التى لا تحصى ولا تحصر إلخ، وهو مختصر شرحه المسمى بالفتوحات المدنية[2].

توفي رحمه الله سنة: (ت1328هـ)

* ثانيا: التعريف بالرسالة[3].

تعد رسالة ” المنظر البهي في طالع مولد النبي، وما يتبعه من أعمال المولد، وحكم القيام عند ذكر مولده عليه الصلاة والسلام ” من أفضل ما ألف في المولد النبوي الشريف، فهي صغيرة الحجم، غزيرة الفائدة، وعظيمة النفع،  أجاب الهجرسي رحمه الله فيها على أسئلة  ثلاثة وردت عليه ـ كما يظهر من عنوانها ـ:

 الأول: حول تعيين الطالع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟

 والثاني: في حكم المهرجان الذي يعقد للاحتفال بالمولد النبوي الشريف المنتشر في كافة الأقطار الإسلامية بين أظهر العلماء من تسعة قرون مضت؟

 والثالث: حول حكم القيام عند وصول قارئ المولد إلى قوله: ” فولدته صلى الله عليه وسلم”؟.

فأجاب رحمه الله على هذه الأسئلة المذكورة بالتتابع، وفق منهجية محكمة؛ فهو يعرض السؤال ثم يجيب عنه.

أما عن السؤال الأول، قال  رحمه الله: “فقد سألني بعض أجلاء السادة العلوية  التي من فروع الشجرة النبوية الزاهية في روضها الزاهر الباهية بنور نورها الباهر عن تعيين الطالع الذي ولد  فيه صاحب النور الساطع”[4].

فعندما عرض السؤال المذكور  ذكر مجموعة من الروايات الواردة في  طالع مولد  النبي صلى الله عليه وسلم، منها: ما نقل عن ابن اسحاق أنه لثاني عشر ربيع الأول مع القطع، وادعى ابن الجوزي وابن الجزار بأنه الذي عليه الإجماع[5].

ثم أتى برواية ابن دحية  الذي قال: إنها لثمان منه، ثم أتبعها بأقوال  العلماء حول هذه الرواية.[6] علاوة على رواية أخرى أتى بها.

ثم  بعد انتهائه من الجواب على السؤال الأول أتى بنص السؤالين الثاني والثالث دفعة واحدة، فقال رحمه الله:  وبعد تسطير  هذا الجواب عن السؤال السابق ورد  علي سؤال آخر  من  كثير من أهل الحرمين الشريفين  سؤال يقولون فيه بأنه إذا كان أعمال المهرجان للمولد الشريف ما حدث إلا في القرن السابع، فإذن صار بدعة، وقد ورد “كل بدعة ضلالة”،  فما الحكم في هذا الأمر المنتشر في كافة الأقطار الإسلامية بين أظهر العلماء من تسعة قرون مضت إلى هذا الوقت بلا نكير؟ إلا من طائفة الوهابية التي مرقت من الدين بتكفير عموم المسلمين في أمور لم يخالفوا فيها الكتاب والسنة، كما قرره كثير من العلماء الذين تصدوا للرد عليهم؟

ثم ما حكم القيام عند وصول قارئ المولد إلى قوله: ” فولدته صلى الله عليه وسلم”، فإنا رأينا  أيضا  بعض علماء أهل السنة ينكرون ذلك محتجين بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره القيام لذاته الشريفة  حال حياته، فكيف يفعلون ذلك المكروه لمجرد ذكر مولده، المرجو أن تكشفوا عنا لثام هذا الأوهام  عن حكم أعمال هذا المهرجان وحكم هذا القيام”؟[7].

فأجاب رحمه الله  على السؤال الأول بما نصه: “فمجرد ثبوت كون أعمال المولد عقلا يقتضي أن تكون بدعة سيئة اغترارا بظاهر قولهم: “وكل بدعة ضلالة”، فإن الكلية فيها مخصوصة بالأمور التي ليس فيها قربة إلى الله تعالى، أما المشتملة على ما فيه  القرب للرب، وأنها بدعة حسنة، فليس كل بدعة ضلالة  بالإطلاق، ودليل هذا التخصيص والتقسيم ما ورد في صحاح  كتب السنة كالبخاري ومسلم عن أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى،  لما رأى الناس يصلون القيام في رمضان بجماعة متفرقات، وربما صلى البعض فرادى، وعن له أن يجمع  الناس على إمام واحد، وأمرهم بذلك، ونظرهم   من الليلة الثانية على ما جمعهم عليه، فأعجبه وقال نعم البدعة هي، فوجب تخصيص الكلية بالبدع التي هي عن القرب خلية، ونعمت البدعة بدعة إظهار السرور والابتهاج والحبور بظهور نعمة الإيجاد والإسعاد لجميع العباد والبلاد، مع ما اشتملت عليه من مواساة الفقراء وإطعام الطعام للخاص والعام وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم”[8]. ثم أتى بأدلة أخرى.

 ثم قال: ولله الحمد والمنة على أنه يقال: إن الاحتفال ليس من الأمور المبتدعة؛  إذ يصح أن يكون سنة متبعة، واستدل بمجموعة من الأدلة منها: أنه ورد في الصحيحين ما يثبت أنه ليس ببدعة، من أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عليه الصلاة والسلام عن حكمة ذلك فقالوا: هذا يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فصامه موسى، فنحن نصومه، فقال عليه الصلاة والسلام: “أنا أحق بموسى منكم“، فصامه وأمر بصيامه أي: شكرا لله، وذلك صريح في أن تجديد إظهار الشكر على النعمة السابقة في الوقت الموافق لوقت حدوثها مطلوب؛ بل يظهر  فقها أنه يكون مطلوبا مطلقا في كل وقت تذكر فيه، وهذا الذليل هو الذي اعتمد عليه كثير من صنف في المولد كالعلامة ابن حجر”[9].

ثم انتقل إلى الجواب عن مسألة القيام بقوله: “ودعوى  منكر القيام منكرة واستنباطاته  مهدورة؛ لأن كراهته عليه السلام القيام لذاته  من أصحابه الكرام،  محمولة  على رأفته بهم  لعدم مشقتهم  وإتعابهم، لا لأن القيام مكروه  في ذاته،  أو حرام  كما ظنه  أولئك الجهلة  العوام؛  إذ لو كان القيام مكروها لما أمر به صلى الله عليه وسلم عليه وسلم أن يفعلوه  لغيره،  وهو دونه بدرجات لا تحصى في الشرف والفضل والمجد الأقصى،  وذلك حين أقبل سيدنا سعد  رضي الله عنه  عليه عليه الصلاة والسلام، فقال: “قوموا لسيدكم”، والمكروه لذاته لا يجوز الأمر به قطعا لا عقلا ولا شرعا؛ لأنه منهي عنه،  فكيف يؤمر به؛ إذ يستحيل أن يكون الشيء الواحد منهيا عنه ومأمورا  به، فوجب حمل نهيه صلى الله عليه وسلم  عن القيام لذاته الشريفة من أصحابه  على ما أسلفنا من الرأفة  والرحمة  المطبوع عليها سيد الأولين  والآخرين بنص الكتاب المبين، ولذا سكت  ولم ينكر عليه الصلاة والسلام  على سيدنا حسان  لما قام  حال مروره عليه من الله الرضوان.

ثم قال رحمه الله مبينا المقصد والغاية من هذا القيام. “ولما كان القيام عنوان التعظيم والاحترام، وقد علم عليه الصلاة والسلام بمكانته في قلوب أصحابه في كمال الإجلال والإعظام لم يحتج منهم ما يدل على ذلك الاحترام بخلاف سيدنا  سعد، فاقتضى  الأمر فيه الأمر بالقيام له إعلاما بإجلاله وتعظيمه،  فكان ذلك حجة على طلب القيام أمارة ممن لم يعلم من قلبه إعظام مقام المقام  له غاية الإعظام”[10].

ثم قال أيضا: ” وقضية كون القيام عنوان الاحترام قضية بديهية اجتماعية عند عموم الناس من الخواص والعوام”[11].

والحاصل إن رسالة المنظر البهي  في طالع مولد النبي وما يتبعه من أعمال المولد وحكم القيام عند ذكر مولده عليه الصلاة والسلام رسالة مهمة ونافعة تدل على علو كعب محمد بن خليل الهجرسي في العلم والنباهة.

***************

هوامش المقال:

[1]   من مصادر ترجمته: إيضاح المكنون(1 /385)، وهدية العارفين(7 /346)،  والأعلام للزركلي(6 /118)، ومعجم المؤلفين(9 /292).

[2]  إيضاح المكنون(1/ 385).

[3]   المنظر البهي في طالع مولد النبي وما يتبعه من أعمال المولد وحكم القيام عند ذكر مولده عليه الصلاة والسلام لمحمد بن خليل الهجرسي المصري الشافعي،  طبعت بالمطبعة العلمية بالقاهرة، في حياة المؤلف، عام: 1313.

[4]  المنظر البهي (ص: 2).

[5]  المنظر البهي (ص: 3).

[6]  المنظر البهي (ص: 3 وما بعدها).

[7]  المنظر البهي(ص: 12ـ 13).

[8]  المنظر البهي(ص: 13).

[9]  المنظر البهي(ص: 15).

[10]  المنظر البهي (ص: 15ـ 16).

[11]  المنظر البهي (ص: 16).

********************************

جريدة المصادر والمراجع:

الأعلام، لخير الدين الزركلي،  دار العلم للملايين. ط15، 2002 م.

إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لإسماعيل باشا بن محمد الباباني البغدادي، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان.

معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنى ـ بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت.

المنظر البهي في طالع مولد النبي وما يتبعه من أعمال المولد وحكم القيام عند ذكر مولده عليه الصلاة والسلام لمحمد بن خليل الهجرسي المصري الشافعي، المطبعة العلمية بالقاهرة، عام: 1313.

هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين من كشف الظنون لإسماعيل باش بن محمد أمين البغدادي، دار الكتب العلمية بيروت.

*راجع المقال الباحث يوسف أزهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق