مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

العلامة سيدي محمد الكبير بن محمد السرغيني (1164هـ) وعنايته بالحديث النبوي الشريف

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

وبعد:

     فمن الأعلام المغاربة الذين كان لهم الحضور البارز في مختلف العلوم، بما في ذلك علم الحديث النبوي الشريف، الإمام المدرس النفَّاع، العلامة الهمام، الفهامة الفقيه، سيدي محمد الكبير بن محمد السرغيني المتوفى (1164هـ) ([1]) رحمه الله، وفي هذا المقال سأعرف بهذا العلم أولا، ثم أبرز عن أهم جهوده في خدمة الحديث النبوي الشريف من خلال الآتي:

أولا: التعريف بأبي عبد الله محمد الكبير السرغيني.

ثانيا: عنايته بالحديث النبوي الشريف.

وهذا أوان الشروع في الموضوع فأقول وبالله التوفيق:

أولا: التعريف بسيدي محمد الكبير السرغيني في سطور

1-اسمه ونسبه وكنيته ومولده

     هو : محمد الكبير  بن محمد بن محمد بن محمد السرغيني، العنبري، العبدي، ويكنى بأبي عبد الله([2])، هذا ولم تذكر لنا كتب التراجم شيئا عن تاريخ مولده، سوى ما ذكرته من أنه دخل مدينة فاس للمشيخة في حدود عشرة ومائة وألف([3])، فيكون مولده قبل هذا التاريخ. 

2- نشأته العلمية ومشيخته

        ترادفت عوامل النبوغ عند  العلامة سيدي محمد الكبير  بن محمد السرغيني؛  من  بيئة  علمية صالحة،  إلى صحبة علماء كبار اشتهروا بالعلم والصلاح، إلى رحلته لطلب العلم ، إلى اشتغاله بالتدريس، وولايته للخطابة والإمامة، حتى وصفه كل من ترجم له بالعلم والتحصيل والإتقان، والزهد والورع والولاية والعرفان، ومن الشيوخ الذين لازمهم وأخذ عنهم أذكر منهم:  العلامة سيدي أحمد بن محمد اليمني (1113هـ) ([4])، والعلامة أبي عبد الله محمد بن أحمد المسناوي (1136هـ) ([5])، والعلامة سيدي الحسن بن رحال المعداني (1140هـ) ([6])، والعلامة سيدي محمد بن عبد الرحمن الصومعي التادلي (1163هـ) ([7])، والعلامة سيدي العافية محمد بن عبد الله الشريف([8])،وغيرهم من العلماء.

3-  من تلاميذه

     تتلمذ على العلامة محمد الكبير السرغيني جمع من التلاميذ وتخرجوا على يديه، ومن بينهم أذكر:  العلامة سيدي محمد بن الطيب القادري (1187هـ) ([9])، والعلامة سيدي علي زين العابدين بن هاشم العراقي (1194هـ) ([10])، والعلامة أبي عبد الله محمد بن علي المنالي الزبادي (1209هـ) ([11])، والعلامة سيدي محمد بن المبارك الجابري (1164هـ)([12])، وغيرهم من عامة علماء عصره ومصره.

4-ثناء العلماء عليه

أثنى جمع من العلماء الأعلام على مترجمنا، ووصفوه بجميل الأوصاف، وكبير الألقاب؛ لما كان عليه من العلم والأدب والأخلاق؛ وقد أشار إلى هذه المكانة جل العلماء الذين ترجموا  له، ومن هؤلاء أذكر:

العلامة عبد السلام القادري (1179هـ) في فهرسته قال: ” العلامة الزاهد، الورع البركة، المنور الصالح، الناصح المدرس النفَّاع الأشهر ،صاحب الخشية والمراقبة، والدؤوب على العبادة والمواظبة ” ([13])

وتلميذه العلامة محمد بن الطيب القادري (1187هـ) الذي وصفه في كتابه نشر المثاني بقوله: “الفقيه الإمام العالم، العلامة الهمام الزاهد، الورع الصوام القوام، الساجد الراكع على الدوام، المدرس المحصل النفَّاع، الولي الصالح المنور التلامذة والأتباع”([14])

وحلاه تلميذه الآخر العلامة أبي عبد الله محمد المنالي (1209هـ) في كتابه سلوك الطريق الوارية بقوله: “كان عالما عاملا، زاهدا ورعا، قائما على الحق، مصمما عليه، لا تأخذه في الله لومة لائم، صائما قائما ذاكرا، إمام خطيبا”([15])

وأختم هذه الأقوال بما أثنى عليه العلامة محمد بن جعفر الكتاني (1345هـ) في سلوة الأنفاس قال: “كان رحمه الله أحد أعلام الزمان، المشهورين بالعلم والتحصيل والإتقان، والزهد والورع والولاية والعرفان، ذا هيبة ووقار، وسكينة وتؤدة ومقدار، وسمت بهي، وخلق سني، متين الدين، قوي الورع  واليقين..”. ([16])

5-وفاته

     توفي العلامة سيدي محمد الكبير السرغيني –رحمه الله- يوم الجمعة خامس أو رابع من جمادى الثانية عام أربعة وستين ومائة وألف، ودفن بعد صلاة العصر داخل قبة شيخه سيدي أحمد اليمني، بالجنان خارج باب الفتوح بفاس، فرحم الله هذا العالم الفذ، بواسع رحمته، ونفعنا به وبعلمه آمين.

ثانيا: عنايته بالحديث النبوي

تصدر العلامة سيدي محمد الكبير السرغيني للتدريس والإفتاء والإمامة، ولا يتصدى لهذه المناصب إلا من كان أهلا لذلك ، وكانت مجالس دروسه مجالس إفادة وبيان، بعيدة عن الكلل والاستثقال، وفي هذا يقول تلميذه العلامة القادري (1187هـ) في كتابه نشر المثاني: “ومجلسه مجلس تحصيل، وبيان، وتدقيق، وتذكر وخشوع، سريع الإنصاف، وقبول النصوص، وكثيرا ما يجلب من الفوائد والنقول، مع حلاوة لفظه ونطقه” ([17]) ،وكان لعلم الحديث النبوي حضور بارز في دروسه؛ قال القادري في نشر المثاني:  ” الغالب على تدريسه بعد صلاة الصبح تفسير القرآن، يفتتح بالإعراب والشواهد، ثم يقدم ما ورد تفسيره بالحديث ويقول:  كل من لم يسافر في بحر السنة فسفينته غرق…” ([18])  ومن الكتب التي كان يدرسها في الحديث كتاب الموطأ للإمام مالك (179هـ)، و الجامع الصحيح للإمام البخاري (256هـ)، وكتاب الصحيح للإمام مسلم (261هـ)، ولنترك تلميذه القادري يحدثنا عن ذلك حيث قال: ” ثم يدرس البخاري ينقل فيه كلام الفتح لابن حجر ، ثم بعد فراغه يجدُّ في الذكر إلى أن يصلي العصر، فيقرئ غيره من الكتب .. إلى أن قال: “والغالب على تدريسه من الكتب مختصر خليل، والتفسير، والصحيحين، والموطأ، والرسالة، والمرشد ، وجمع الجوامع، والألفية…” ([19])

وقال أيضا: “وحضرت تدريسه بلفظي مختصر خليل ثلاث ختمات، والرابعة من القضاء إلى تمامه، وكثيرا من التفسير والبخاري وقرأت عليه بلفظي أيضا              الموطأ ..” ([20])

وقال تلميذه الآخر العلامة محمد المنالي  (1209هـ) في سلوك الطريق الوارية: ” وكان يدرس بكرسي القبة سيدي خليل، وتفسير القرآن، والبخاري، كنت أحضره في بعض الأحيان، فكانت على مجلس تدريسه هيبة وسكينة ووقار” ([21])

كما كان شديد العناية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والذب عنها؛ بحيث كان لا يمسك نفسه إذا رأى منكرا حتى يأمر بتغييره، قال أبو عبد الله المنالي (1209هـ) في كتابه سلوك الطريق الوارية: “كان يوما رحمه الله على المنبر  في خطبة الجمعة، ودخل بعض الأدارسة يتخطى رقاب الناس، فقطع رحمه الله الخطبة، وجعل يقول: التخطي حرام، قالها ثلاثا أو أكثر، ورجع إلى خطبته”([22]بل وينكر البدع ويقول كما جاء في سلوة الأنفاس للكتاني (1345): “من أظهر بدعة أحمد سنة، وما شاعت بدعة إلا شاع شؤمها في الخلائق، ويتعرض في مجلس درسه لما ظهر منها في الوقت وينكر ذلك بلسانه جهرا”([23])

كما كانت له دراية حسنة ومعرفة تامة بأحوال الرجال ومراتب المحدثين وطبقاتهم([24])، ومن جهوده كذلك في الحديث، عنايته بالتأليف فيه؛  حيث ذكر المترجمون له كتابا  في هذا الباب، وهو مختصره على صحيح الإمام مسلم (261هـ) رحمه الله ([25])، هذا ولم أقف له على غيره  من المؤلفات في الحديث النبوي من خلال ما وقفت عليه من المصادر .

     هذه بعض أوجه عناية العلامة سيدي محمد الكبير السرغيني بالحديث النبوي من خلال عنايته بتدريس حديث النبي صلى الله عليه وسلم و الذب عنه، والتأليف فيه، وكذا عنايته بعلم الرجال باختصار ، سائلة الله تعالى أن يرحم مترجمنا الإمام السرغيني بواسع الرحمة والمغفرة وسائر علماء الأمة الإسلامية والحمد لله رب العالمين.

*******************

هوامش المقال: 

([1])  من مصادر ترجمته التي وقفت عليها ورجعت لها: ثلاثة فهارس مغربية (المورد الهني بأخبار الإمام عبد السلام القادري ) (ص: 104)، نشر المثاني للقادري (4 /84-89)، التقاط الدرر  له أيضا (ص: 419-422)، سلوك الطريق الوارية للمنالي (ص: 152-153)،  أزهار البستان في طبقات الأعيان لابن عجيبة الحسني (ص: 260-265) ، السر الظاهر فيمن أحرز بفاس الشرف الباهر  لسليمان الحوات (ص: 490-491)، تذكرة المحسنين (ضمن موسوعة أعلام المغرب) لعبد الكبير الفاسي (6 /2174)، سلوة الأنفاس للكتاني (2 /383-386)، موسوعة أعلام المغرب لمحمد حجي (7/ 2308)، التفسير والمفسرون في غرب أفريقيا (1 /349)، المختار المصون من أعلام القرون لمحمد حسن بن عقيل (ص: 1481-1486).

([2])  قال بهذه الكنية سليمان الحوات في كتابه السر الظاهر فيمن أحرز بفاس الشرف الباهر (ص: 490)، ووجدت في موضع آخر أن له ولدا اسمه محمد وهو الذي مات في وباء 1155هـ ذكر ذلك تلميذه العلامة  أبي عبد الله محمد المنالي (1209هـ) في كتابه سلوك الطريق الوارية (ص: 153).

([3])  انظر: سلوة الأنفاس للكتاني (2 /385).

([4])  ترجمته في: سلوة الأنفاس للكتاني (2 /377).

([5])  ترجمته في: التقاط الدرر للقادري (2 /327-330)، كما تنظر بعض مصادر الترجمة في المقال المتقدم الذي أنجزته والمعنون ب: من أعلام الدرس الحديثي بالمغرب في العهد العلوي: العلامة  سيدي محمد بن أحمد المسناوي المتوفى (1136هـ).

([6])  ترجمته في: نشر المثاني للقادري (3/ 294-295).

([7])  ترجمته وبعض مصادرها في: الأعلام للزركلي  (6/ 197).

([8])  لم أقف له على ترجمة ولم أعرف تاريخ وفاته وذكره  السملالي في الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام بهذا الاسم (6/ 48).

([9])  ترجمته وبعض مصادرها في: سلوة الأنفاس للكتاني (2 /396-397).

([10])  ترجمته وبعض مصادرها في: سلوة الأنفاس للكتاني (3 /140-141).

([11])  ترجمته في: سلوة الأنفاس للكتاني (2/ 213).

([12])  ترجمته وبعض مصادرها في: سلوة الأنفاس للكتاني (1 /282).

([13])  ثلاثة فهارس مغربية (المورد الهني بأخبار الإمام عبد السلام القادري ) (ص: 104).

([14])  نشر المثاني للقادري (4 /84).

([15])  سلوك الطريق الوارية  (ص: 152).

([16])  سلوة الأنفاس للكتاني (2 /383).

([17])  نشر المثاني للقادري (4 /85).

([18])  نشر المثاني للقادري (4 /85).

([19])  نشر المثاني للقادري (4/ 85).

([20])  نشر المثاني للقادري (4 /86).

([21])  سلوك الطريق الوارية في الشيخ والمريد والزاوية لأبي عبد الله المنالي (ص: 152).

([22])  سلوك الطريق الوارية في الشيخ والمريد والزاوية لأبي عبد الله المنالي (ص: 153).

([23])  سلوة الأنفاس للكتاني (2 /384).

([24])  سلوة الأنفاس للكتاني (2 /385).

([25])  انظر على سبيل المثال:  التقاط الدرر للقادري (ص: 420)، سلوة الأنفاس للكتاني (2 /385).

******************

لائحة المراجع والمصادر المعتمدة:

  1. أزهار البستان في طبقات الأعيان. لأحمد بن محمد بن عجيبة الحسني، قدمه: عبد السلام العمراني الخالدي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
  2. الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام. للعباس بن إبراهيم السملالي، راجعه: عبد الوهاب بن منصور، ط2 /1413هـ- 1993مـ، المطبعة الملكية الرباط.
  3. الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين المستشرقين. لخير الدين الزركلي، ط 15/ 2002، دار العلم للملايين لبنان.
  4. تذكرة المحسنين بوفيات الأعيان وحوادث السنين. لعبد الكبير بن المجذوب الفاسي، ومعه شرف الطالب في أسنى المطالب لأحمد بن قنفذ القسمطيني، دار الغرب الإسلامي ط2/ 2008
  5. التفسير والمفسرون في غرب أفريقيا. لمحمد بن رزق بن طرهوني، ط1 /1426هـ دار ابن الجوزي السعودية .
  6. التقاط الدرر ومستفاد المواعظ والعبر من أخبار وأعيان المائة الحادية والثانية عشر. لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق: هاشم العلوي القاسمي، ط1/ 1403هـ – 1983مـ، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت.
  7. ثلاثة فهارس مغربية: الفهرسة الأولى: إمداد ذوي الاستعداد إلى معالم الرواية والإسناد لعبد القادر بن أحمد الكوهن الفاسي، الفهرسة الثانية المورد الهني بأخبار الإمام مولاي عبد السلام الشريف القادري لمحمد بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي، الفهرسة الثالثة: فهرسة العلامة القاضي سيدي أحمد بن محمد بن عبد السلام بناني، ضبط وتصحيح وتعليق: عبد الرحمن سعيدي، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
  8. السر الظاهر فيمن أحرز الشرف الباهر من أعقاب الشيخ عبد القادر. لأبي الربيع سليمان الحوات الشفشاوني، دراسة وتحقيق:  حسن بلحبيب، إشراف د الطيب الوزاني، دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
  9. سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس. لمحمد بن جعفر الكتاني، تحقيق: عبد الله الكامل الكتاني، حمزة بن محمد الطيب الكتاني، محمد بن حمزة بن علي الكتاني، ط1: 1425/ 2004، دار الثقافة، الدار البيضاء المغرب.
  10. سلوك الطريق الوارية في الشيخ والمريد والزاوية. لأبي عبد الله محمد المنالي الزبادي الفاسي، تقديم وتحقيق: د عبد الحي اليملاحي، سلسلة التراث والفكر بالمغرب، 1433هـ- 2012 مـ، منشورات جمعية تطاون أسمير ، مطبعة الخليج العربي تطوان.
  11. المختار المصون من أعلام القرون (مختارات تسعة عشر كتابا) من القرن الثامن حتى القرن الثالث عشر. اختيارات وفهرسة: محمد بن حسن بن عقيل موسى، ط1 /1415هـ-1995مـ، دار الأندلس الخضراء جدة السعودية.
  12. موسوعة أعلام المغرب. تنسيق وتحقيق: محمد حجي، ط2 /2008مـ،دار الغرب الإسلامي.
  13. نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني. لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق: محمد حجي، وأحمد التوفيق، ط1/ 1407هـ-1986مـ.مكتبة الطالب الرباط.

*راجع المقال: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق