مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

المحلّقة (ذات الحلق)

عبد الغني زيدان

مركز ابن البنا المراكشي

[1]

يعتبر الجزري[2]  العالم الكبير و المهندس البارع أول من اخترع آلة محلية الصنع و ذاتية الحركة  في الحضارة العربية الإسلامية.

وقد استمر هذا الإبداع في اختراع و تطوير الكثير من الآلات لتسهيل عمل العلماء وجعل تنبؤاتهم أكثر سهولة خصوصا فيما يتعلق بعلم الفلك. و قد كان لهذا الأخير الحظ الأوفر من الإنتاجية و الإبداع في الآلات و المعدات و بناء الأرصاد الفلكية لضرورة كشف المجهول في عالم السماء و اعتبار أن كوكب الأرض ما هو إلا كوكب محاط بكرات عديدة من الكواكب و النجوم.

أنشأ العلماء المسلمين العديد من المجسمات التي تمثل بشكل مادي ما كانوا يرونه في السماء. من بين هذه المجسمات “المحلقة أو ذات الحلق” التي سنتطرق إلى دراسة شكلها و دراسة دورها الفعال في إظهار الحركات النسبية للأجرام السماوية حول الأرض.

تتكون الآلات المسماة “ذوات الحلق” من حلقات معدنية متحدة المراكز، تحوم الأرض في مركزها و الأجرام السماوية حولها، استخدمها علماء الفلك المسلمين في العصر الوسيط فتبين أنهم اهتموا بنمذجة السماء و الحركات الكوكبية مما مكنهم إلى الاقتراب إلى الكثير من الحقائق المعروفة حاليا.

بدأ صنع المحلقات و استخدامها في القرن الثامن، و كان الفزراري المتوفى حوالي 180ه / 796م أول من كتب عنها ببغداد في كتابه ” العمل بالأسطرلاب ذات الحلق” و لكنها لم تصل إلى مستولى رفيع من التقدم إلا في القرن العاشر. و كانت تنتج من نوعين رئيسين:

النوع الأول: محلقات توضيحية تركز على الأرض، نموذج صغي للكرة الأرضية محاط بحلقات دائة البروج ( المار الظاهري للشمس حول الأرض)، و دائرة خط الاستواء و المدارات و الدوائر القطبية…و كلها مرتبطة بحلقة مدرّجة محورها محور خط الغستواء. لا تظهر القمر و لا الكواكب و لا النجوم في هذه النماذج، و لكنها تبين الحركات النسبية للأجرام السماوية حول الأرض.

النوع الثاني: محلقات رصدية مختلفة عن النوع الأول لعدم احتوائها على الكرة الأرضية في المركز، و لوجود أجهزة إبصار على الحلقات، كانت تستخدم لتحديد الإحداثيات و قيم أخرى.[3]

كتب العديد من الفلكيون عن المحلقات، مثل جابر بن أفلح الأشبيلي من القرن الثاني عشر، و قد أشار هؤلاء الفلكيون في كتاباتهم إلى العمل الوصفي لبطليموس عن هذه الآلة، كما ورد في كتابه “المجسطي”.

وجدت العديد من المحلقات في المراصد التي كان يشغل فيها العلماء المسلمين، مثل مرصد مراغة في القرن الثالث عشر، و مرصد أولغ بيك بسمرقند في القرن الخامس عشر، و مرصد إسطنبول في القرن السادس عشر.

[1] آلة ذات الحلق كما رسمها العالم المسلم (أحمد القرمي) والتي وضعها الجغرافي المسلم الكبير(مصطفى ابن عبد الله الشهير بحاجي خليفة)، في كتابه صورة العالم جهان نما باللغة التركية)، والذي توفي قبل إتمامه للكتاب والذي نشر بعد وفاته عام 1732م.

[2] هو بديع الزمان أبوالعز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري، الذي وُلد في جزيرة “ابن عمر” بتركيا ومنها جاء لقبه “الجزري”، من أوائل مَنْ فكروا ونجحوا في صنع آلات ذاتية الحركة، تعمل من دون قوة دفع بشرية، وقد احتوى كتابه “الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل”، على مخططات لمائة آلة ميكانيكية وكيفية صنع كل واحدة منها، وطريقة تشغيلها، وقد استخدم الجزري الماء المتدفق وسيلةً لتشغيل اختراعاته.

[3] – ألف اختراع و اختراع، التراث الإسلامي في عالمنا، د. سليم الحسني.

Science

ذ. زيدان عبد الغني

باحث مركز ابن البنا المراكشي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق