مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

الحلة السيراء فيمن حل بمراكش من القراء (من كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي ت703ه‍) -41- محمدُ بن أحمدَ بن عبد الرّحمن ابن الصَّقْرِ، أبو عبد الله(1)

محمدُ بن أحمدَ بن عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الرّحمن بن محمد ابن الصَّقْرِ الأنصاريُّ الخَزْرَجيُّ، مَرّاكُشيٌّ، أبو عبد الله، ابنُ الصَّقْر. وقد تقَدَّم ذكْرُ أصل سَلَفِه في رَسْم أبيه(2) وجدِّه.

تَلا على أبيه ولم يُعيِّن القراءات، وأخَذَ عنه كثيرًا من كُتُبِ الحديث والفقه وغير ذلك، ولازَمَه طويلًا، وبالسَّبع على أبي بكرٍ يحيى بن الخَلُوف، وبحَرْفِ نافِع على أبي بكر بن مَسْعود، وأبي جعفر بن عليّ ابن الباذِش، وأخَذَ عنهما غيرَ ذلك، وأبي عبد الله بن عبد الرّحمن النُّمَيْريّ، قال: وأفدتُ منه جُملةً هي معظمُ ما عندي، وهو الذي شَحَذَ فَهْمي وأنار خاطِري، وبقراءاتِ الحرميين وأبي عَمْرٍو على أبي الحَسَن بن عبد الله بن ثابِت.

وسَمِعَ الحديثَ على أبي بكر بن الحَسَن بن بِشْر، والحديثَ وغيرَه على أبي الحَسَن بن محمد بن الضَّحّاك، وأجازوا له، وأجاز له أبو الحَسَن شُرَيْح.

واستجازَ له أبوه أبوَيْ بكر: ابنَ عبد الله التُّجِيبيَّ، وابنَ العَرَبيّ، وأبا جعفرٍ ابن رِزق، وأبا الحَسَن عَبّادَ بن سِرْحان، وآباءَ عبدِ الله: ابنَ عبد الرّحمن بن مَعْمَر وابنَ عبد المؤمن الطَّلَبيَّ وابنَ يحيى وابنَ الحاجِّ الجَيّانيَّ، قال: وحَمَلَني إليه لمّا وَلِيَ القضاءَ بغَرناطةَ وأنا ابنُ نحوٍ من ثمانيةِ أعوام؛ وأبا الفَضْل عِيَاضًا لمّا استُقضيَ بغَرناطة، قال: وحَمَلَني إليه وأنا ابنُ ستةِ أعوام، فكان يمسَحُ رأسي بيدِه؛ وأبوَي القاسم: خَلَفَ ابنَ بَشْكُوال، ومحمدَ بن هشام بن أبي جَمْرةَ، وحَمَلَني إليه إذِ استُقضيَ بغَرناطةَ وأنا ابنُ أربعةِ أعوام؛ وآباءَ محمد: الوَحِيديَّ وابنَ عليّ سِبْط أبي عُمرَ بن عبد البَرّ وعبدَ الحقِّ بن عَطِيّةَ وابنَ بُونُه وأبا الوليد هشامَ بنَ بَقْوى.

وأبو الحَسَن بنُ الضَّحّاك(3): أبا إسحاقَ بنَ مَرْوان .. وأبا بكر بنَ أحمد ابن طاهر صاحبَ الغَسّاني، وأبا الحَكَم عبدَ الرّحمن بن غَشِلْيان، وأبا عبد الله بن عبد الرزّاق.

وأبو عبد الله النُّميريُّ: أبا الحَسَن يونُسَ بن محمد بن مُغيث، وأبا عبد الله جعفرَ بن محمد بن مكِّي، وأبا القاسم أحمدَ بن محمد بن بَقِيّ، فأجازوا كلُّهم له.

رَوى عنه ابنُه أبو الحُسَين يحيى، وأبو الخَطّاب عُمرُ ابن الجُمَيِّل.

وكان مقرئًا مجوِّدًا، محدِّثًا راوِيةً مُكثِرًا متّسعَ السَّماع صحيحَه، عُنيَ به أبوه فأسمَعَه في صِغَرِه وسَمِعَ بنفسِه، ونَشَأَ طالبًا فاستكثَرَ من الأخْذِ عن الشّيوخ وشُغِف بتقييدِ العلم وجَمْع الفوائد، مُعانًا على ذلك بجَوْدة الخَطّ سِرايةً من أبيه وسُرعةِ الكَتْب، وكان عاقدًا للشُّروط مبرِّزًا في معرفتِها صَدْرًا في أُولي البَصَرِ بها، زاهدًا، وَرِعًا فاضلًا، مُؤْثِرًا للخَلوة والانقطاع إلى الله تعالى والانقباض عن خُلطةِ الناس، تعيَّشَ دهرًا طويلًا بالوِراقة، وكتَبَ بخطِّه الكثيرَ وأتقَنَه، واستُنيبَ على القضاءِ بمَرّاكُشَ في أوقات، فشُكِرت سيرتُه، وحُمِدتِ أحوالُه كلُّها، ذا حظٍّ من قَرْض الشِّعر صالح، وأكثرُه في الزهدِ والحِكَم وما نحا ذلك، وسلَكَ تلك المسالك، فمنه قولُه:

إليكَ إلهَ العرشِ يَشكو ترحُّما … عليلٌ بأمراضِ الذنوبِ تألَّما

شَكَا قلبُه لمّا تَعاظَمَ ذنبُهُ … فحَطَّ بأرجاءِ الرجاءِ مخيِّما

وعاجَ برَبْع الجُودِ يسألُ ضارعًا … عوارفَ ربٍّ لم يزَلْ مُتكرِّما

يُداوي سَقامَ المذنبينَ بعفوِهِ … فيَصفحُ إفضالًا ويسمَحُ مُنعِما

فكيف يُرى في بابِ جودِك خائبًا … وما خابَ عبدٌ قَطُّ جودَكَ يمَّما

وله من هذا النّمطِ كثير.

ومَوْلدُه سنةَ سبع وعشرينَ وخمس مئة بمَرّاكُشَ، وتوفِّي بها في حدود التسعينَ وخمس مئة، وله عَقِبٌ خاملٌ بها إلى الآن، والذين شُهِروا ببني الصَّقْر فيها بأخَرةٍ إنّما هم بنو أُختِه من بني وليد، فهو خالهُم، كانوا أصهَروا إلى أبيه بغَرناطة، وقدِ انقَرضوا إلّا القليلَ الخاملَ إلا شيخًا نَزْرَ العلم يَعتمِدُ على الارتزاقِ من باديةٍ له يَرجِعُ إلى جَوْدةٍ ونفورٍ عن الناس .. اسمُه عليُّ بن أحمدَ بن وليدٍ الأنصاريّ.

  • الذيل والتكملة 5/ 137-140.
  • الترجمة 292 من الذيل والتكملة.
  • أي: واستجاز له أبو الحسن بن الضحاك.
Science

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق