مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

شهر شعبان مناسبة للإصلاح بين الناس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الغفور الرحمن، أرسل رسله للإصلاح بين بني الإنسان، وجعل الخيرة فيمن أمر بمعروف أو صدقة بإحسان، والصلاة والسلام على من جعل الإصلاح بين الناس أفضل من الصلاة والصدقة والصيام، وعلى آل بيته المصلحين الكرام، وعلى أصحابه الذين أقاموا العدل والإصلاح بين سائر الأنام.

وبعد؛ فإن قضية الإصلاح بين الناس ي كل وقت وحين، وجبر قلوبهم، وإخماد نيران العداوة بينهم، مطلب عظيم ، ومقصد شريف من مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء، التي قام عليها صرحها ، ودعا إليها القرآن والسنة الشريفة.

قال تعالى: (فاتقوا الله  وأصلحوا ذات بينكم )[1]، وقد ذكر سبحانه وتعالى أنه لا خيرة في كثير من  الناس إلا لأهل المعروف، ودعاة الإصلاح، فقال:  ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) [2].

وما جاءت الرسل إلا للدعوة إلى عبادة الله تعالى، وإصلاح بين الناس قال سيدنا هود عليه السلام لقومه: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) [3].

وفي الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة”[4].

وقضية الإصلاح بين الناس كما تقدم عامة في كل وقت وحين؛ لكن ورد في شهر شعبان أن له ميزة خاصة في ذلك ؛ حيث ورد فيه ما يدعوا إلى الإصلاح بين الناس، وكبح جماح التشاحن والتنافر  والتدابر، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك ، أو مشاحن”[5].

حقا إن شهر شعبان ، شهر للإصلاح بين الناس، شهر جبر القلوب، وصفاء النفوس، وتنقيتها من أدرانها، وضغائنها، وتعويدها على البدل والعطاء، والتسامح، والتصالح، حين جعل الله تبارك وتعالى في منتصف شعبان ليلة من أعظم ليالي العمر، ليلة تستوجب غفران الذنوب لكل من سعى للمحبة والاصلاح ، ونهى نفسه عن المشاحنة والعداوة.

إن خطورة الشحناء عظيمة، وآثار الهجر جسيمة على النفوس ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجران بين المسلم وأخيه المسلم فقال: “لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام “[6].

لذلك فشهر شعبان فرصة عظيمة ليصلح المسلم ما بينه وبين إخوانه من الشحناء والعداوة، وعلى دعاة الإصلاح أن يتقدوا إخوانهم المتشاحنين في هذا الشهر الكريم، والسعي بينهم في إبرام الصلح، ورأب الصدع، وتأليف القلوب، حتى يصدق فيهم قوله تعالى: (لا خير في كثير  من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما  ) [7].

وإن من الأمور المعينة على هذا الإصلاح بين الناس في شهر شعبان الآتي:

1-استحضار عظمة نعمة العفو عن الناس، وأن العفو خلق الأنبياء، ودأب الأتقياء، قال تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) [8]، وقوله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [9].

2-السعي إلى من كان بينك وبين أخيك في الشهر من خصام، فتكون سياقا، ومبادرا إلى طلب العفو والصفح من أخيك: “وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”[10].

3-تذكر محاسن من أساء إليك، وتفشي ذكره في المجالس، وتثني عليه (ولا تنسوا الفضل بينكم)[11]، وتقابل إساءته بإحسانك، كما فعل يوسف عليه السلام حين قال لإخوته: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) [12].

4-السعي إلى إصلاح ذات البين بينك وبين أخيك من خلال تقديم هدية إليه؛ فهي مجلبة للمحبة والألفة، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا” [13].

5-السعي إلى علاج الأمور التي كانت سببا في الخصام بينك وبين أخيك ؛ سواء كانت حقوقا تتعلق بعرضه أو ماله … الخ. مع أن الغالب في هذه الخصومات إن فتشت عن أسبابها تجدها متعلقة بدنيا فانية لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى:

1-الإصلاح بين الناس مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية.

2-دعوة القرآن الكريم إلى الإصلاح بين الناس ، وأن المصلحين هم خير الناس .

3-دعوة الرسل قائمة على التوحيد والإصلاح بين الناس.

4- شهر شعبان مناسبة للإصلاح بين الناس ونبذ التشاحن والخصام.

5-من الأمور المعينة على نجاح الإصلاح بين الناس الآتي:

أ-استحضار عظم نعمة العفو عن الناس.

ب-المبادرة إلى طلب العفو من أخيك.

ت-ذكر محاسن من أساء إليك.

ث-تقديم هدايا تعين في الإصلاح بينك وبين أخيك.

ج-السعي إلى علاج أساس المشكل الذي سبب الخصومة.

والحمد لله رب العالمين.

**************

هوامش المقال:

[1]  – سورة الأنفال (1).

[2]  – سورة النساء (114).

[3]  – سورة هود (88).

[4]  – أخرجه الترمذي في سننه (ص: 565)، كتاب: صفة القيامة ، برقم: (2509) قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح

[5]  – أخرجه ابن ماجه في سننه (ص: 247) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء ي ليلة النصف من شعبان، برقم: (1390)

[6]  – أخرجه البخاري في صحيحه (ص: 1521)، كتاب: الآداب، باب: الهجرة ، برقم: (6077).

[7]  – سورة النساء (114).

[8]  – سورة البقرة (237).

[9]  – سورة آل عمران (134).

[10]  – أخرجه البخاري في صحيحه (ص: 1521) في كتاب: الأدب، باب: الهجرة (6077).

[11]  – سورة البقرة (237).

[12]  – سورة يوسف (92).

[13]  – أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 155) برقم: (594).

***********************

لائحة المصادر والمراجع:

الأدب المفرد لمحمد بن إسماعيل البخاري. ت: محمد فؤاد عبد الباقي المطبعة السلفية القاهرة 1375 هـ

السنن لابن ماجه القزويني. حكم على أحاديثه: محمد ناصر الدين الألباني. اعتنى به: مشهور حسن سلمان. مكتبة المعارف. الرياض. ط1 (د.ت).

السنن. للترمذي محمد عيسى. حكم على أحاديثه: محمد ناصر الدين الأباني واعتنى به: مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف، الرياض. ط1 (د.ت).

صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. دار ابن كثير دمشق. ط1/ 1423هـ- 2002مـ.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق