مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

الحلة السيراء فيمن حل بمراكش من القراء

(من كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي ت703ه‍)

38- محمدُ بن عليِّ بن محمد بن إبراهيمَ بن محمدٍ الهَمْدانيُّ، وادِيَاشيٌّ أبو القاسم، ابنُ البَرّاق(1)

رَوى عن أبي بحرٍ يوسُفَ بن أحمدَ بن أبي عَيْشون، وآباءِ بكر: ابن رِزْق، والعُقَيْليِّ وتلا بالسَّبع عليه، وابن أبي ليلى، وآباءِ الحَسَن: ابن غُرِّ الناس وابن فَيْد وابن إبراهيمَ ابن المَلّ وابن النِّعمة، ونَجَبةَ ولقِيَه بمَرّاكُشَ، ووليدِ بن موفَّق، وأبوَيْ عبد الله: ابن يوسُفَ بن سَعادةَ ولازَمَه أزيَدَ من ستِّ سنينَ وأكثَرَ عنهُ، وابن الفَرَس، وآباءِ العبّاس: ابن إدريسَ، والخَرُّوبيِّ وتَلا عليه بالسَّبع، وأكثَرَ عنهُ وعَرَضَ عليه مِن حِفْظِه كثيرًا، ومن ذلك: «الموطَّأُ» و«الملخَّصُ» وغيرُ ذلك، وابنِ مَضَاء، وأبي عليِّ بن عَرِيب، وأبوَي القاسم: ابن حُبَيْش وابن عبد الجَبّار، وآباءِ محمد: ابن سَهْل الضَّرير وعاشِرٍ وقاسم بن دَحْمانَ، وأبي يوسف بن طلحةَ.

وأجاز له: آباءُ بكر: ابنُ خَيْر وابنُ العَرَبيّ وابنُ فَنْدِلةَ وابنُ نُمَارةَ، وآباءُ الحَسَن: شُرَيْحٌ وابنُ هُذَيل ويونُسُ بن مُغيث، وأبو الخليل مُفَرِّجُ بن سَلَمةَ، وأبو عبد الله حَفيدُ مكِّي، وأبو عبد الرّحمن بن مُساعِد، وذَكَرَ ابنُ الأبار أنه سَمِعَ منه، ولم يَذْكُرْ ذلك ابنُ البَرّاق في «برنامَجِه» الذي وقَفْتُ عليه، بل سمّاه في جُملةِ الذين أجازوا له ولم يلقَهم، وأبو عامرٍ محمدُ بن أحمدَ السالِميُّ، وأبو القاسم ابنُ بَشْكُوالَ، وأبو محمد بنُ عُبَيد الله، ولقِيَه في قولِ ابن الرُّوميّة وهو باطلٌ؛ وأبَوا مَرْوانَ: الباجِيُّ وابنُ قُزْمان، وأبو الوليد بنُ حَجّاج؛ وله بَرنامَجٌ ذكَرَهم فيه وبيَّن كيفيَّةَ أخْذِه عنهم، وقَفْتُ على نُسخةٍ منه عليها خَطُّه في عَقِبِ شعبانِ أحدٍ وتسعينَ وخمس مئة، ووقَفْتُ على خطِّ أبي العبّاس بن علي بن هارونَ أنَّ أبا القاسم ابنَ البَرّاق أجاز له، وأحالَه في ذكْرِ شيوخِه على هذا البرنامَج الذي ذكَرْتُ وتوفِّي عليه..

وقد ذَكَرَ ابنُ البَرّاقِ شيوخَه في فِهرِستِه على أربعةِ أصناف:

الأوّل: الذين أجازوا له ولم يَلْقَهم.

الثاني: قال فيه: ومِن شيوخي الذين أخَذْتُ عنهم بشَرْق الأندَلُس وضاعَ لي بالفتنةِ خَطُّه: أبو عامرٍ السالِميُّ، كتَبَ لي بخطِّه ووَجَّهه إليّ من مُرْسِيَةَ، ابنُ بَشْكُوال: كتَبَ لي خطَّ يدِه ووَجَّهه به إليَّ من قُرطُبةَ في ذي قَعْدةِ خمس وستينَ وخمسِ مئة، أبو الحَسَن بنُ هُذَيْل: كتَبَ لي خطَّ يدِه ووَجَّهه إليَّ من بَلَنْسِيَة على فِهرِسةِ أبي داودَ في صَفَرِ ثمانيةٍ وخمسينَ وخمس مئة وعلى فِهرِسةِ خازِم في جُمادى الأولى سنةَ اثنتين وستينَ وخمس مئة، أبو بكر بن نُمارةَ: كتَبَ إليّ على فِهرِستِه في جُمادى الأولى ثِنتينِ وستينَ وخمسِ مئة، وعلى تسميةِ أشياخِه في شعبانِ ثمانٍ وخمسينَ وخمس مئة، ووَجَّه به إليّ من بَلَنْسِيَة، أبو محمد بنُ عُبَيد الله: كتَبَ لي ولأبي القاسم إجازةً عامّةً ووَجَّهَ بها إليَّ من سَبْتةَ في ربيع الآخِر من سنةِ إحدى وثمانينَ وخمس مئة. فهكذا أورَدَ ذِكْرَ هؤلاءِ الصِّنف ولم يَذكُرْ لقاءه واحدًا منهم، وفي قولِه في كلِّ واحدٍ منهم: أنه وَجَّهَ إليه خطَّه، ما يُشعرُ إشعارًا قويًّا أنه لم يَلْقَه، واللهُ أعلم.

الثالثُ: قال فيه: الأشياخُ الذين أخَذْتُ عنهم بالمُدارَسة والمُذاكَرة: أبو بكرٍ العُقَيليُّ، أبو العبّاس الخَرُّوبيُّ وأجاز له لفظًا، أبو الحَسَن وليدُ بن موفَّق وأجاز له ما أخَذَ عنهُ، أبو بكر بنُ رِزق وأجاز له جميعَ ما يَحمِلُ وتَناوَلَ منه كثيرًا، أبو عبد الله بنُ سَعادةَ أكثَرَ عنهُ ولازَمَهُ وأجازَ له ما قرَأَ عليه، أبو عبد الله بنُ عبد الرّحيم قَرَأَ عليه جُملةً صالحةً وأجاز له، أبو القاسم بنُ حُبَيْش وأكثَرَ عنه وأجاز له ما قرَأَهُ عليه وجميعَ موضوعاتِه، أبو بكر عبدُ الرّحمن بن أبي ليلى أخَذَ عنه وأجازَ له جميعَ ما قرَأَهُ عليه وجميعَ ما رَواهُ عن بعضِ أشياخِه، أبو الحَسَن ابنُ النِّعمة قَرَأَ عليه وتَناوَلَ منه وأجاز له، أبو عُمرَ يوسُفُ بن أبي عَيْشُون عَلَّق عنه جملةً من نَظْمِه ونثرِه وقَرَأَ عليه وأجاز له.

الرابع: الشُّيوخُ الذين أجازوه بالمُشافَهة: أبو القاسم بنُ عبد الجَبّار، أبو الحَسَن بنُ إبراهيم، أبو يوسُفَ يعقوبُ بن طلحةَ لقِيَه بإشبيلِيَةَ وقد كان كتَبَ إليه من جزيرةِ شُقْر، أبو العبّاس بنُ إدريسَ لقِيَه بمُرْسِيَةَ، أبو الحَسَن بن غُرِّ الناس لقِيَه بمُرْسِيَةَ غيرَ مرّة، أبو الحَسَن بنُ فَيْد كتَبَ إليه من إلْش ثم لقِيَه بمَرْسِيَةَ، أبو عليّ بن عَرِيب كتَبَ له بمُرْسِيَةَ ولقِيَه بها وحضَرَ مجالسَ إقرائه غيرَ مرّة، أبو محمد بن سَهْل لقِيَه بمُرْسِيَةَ مرّاتٍ وكُتِب له عنهُ لعُذرِه، أبو محمدٍ قاسمُ بن دَحْمان لقِيَه بمالَقةَ وكتَبَ إليه منها، أبو العباس بنُ مَضَاء كتَبَ له ولابنِه القاسم، أبو الحَسَن لقِيَه بمَرّاكُشَ وكتَبَ له ولابنِه، أبو محمد عاشرٌ، أجاز له لفظًا لضَرَرِه..

رَوى عنه ابنُه القاسمُ، وأبو الحَسَن بنُ محمد بن بَقِيّ الغَسّانيُّ، وأبو عبد الله ابن يحيى السُّكَّريُّ، وأبو العبّاس النَّبَاتيُّ، وأبو عُمرَ بن عَيّاد، وهو أسَنُّ منه، وأبو الكَرَم جُوديٌّ.

وكان محدِّثًا حافظًا راوِيةً مُكثِرًا ضابِطًا ثقةً، شُهِرَ بحفظِ كُتُبٍ كثيرة من الحديثِ وغيره، ذا نظرٍ صالح في الطّب، أديبًا بارِعًا كاتبًا بليغًا مُكثِرًا مُجِيدًا سريعَ البديهة في النَّظْم والنثر، والأدبُ أغلبُ عليه؛ قال أبو القاسم ابنُ المَواعِينيِّ: ما رأيتُ في عبادِ الله أسرعَ ارتجالًا منهُ.

وصنَّفَ في الآدابِ مصنَّفات، منها: «بهجةُ الأفكار وفُرجةُ التَّذكار في مختارِ الأشعار»، و«مباشرةُ ليلةِ السَّفْح، من خبَرِ أبي الأصبَغ عبد العزيز بن أبي الفَتْح، معَ الأعلام الجِلّة: أبي إسحاقَ الخَفَاجيِّ وأبي الفَضْل بن شَرَف وأبي الحَسَن ابن الزّقاق»، ومنها مقالةٌ في الإخوان، خَرَّجها من شواهدِ الحِكم، ومصنَّفٌ في أخبارِ مُعاوية، ومنها: «الدُّرُّ المُنظَّم في الاختيارِ المعظَّم»، وهو مقسَّمٌ على تأليفينِ أحَدُهما: «مُلَحُ الخَواطر ولُمح الدفاتر» والثاني: «مجموعٌ في ألغاز»، ومنها «رَوْضةُ الحدائق في تأليفِ الكلام الرائق» وهو مجموعُ نظْمِه ونثْرِه وفيه فصولٌ منها: مُلتقَى السَّبيل في فَضْل رمضان، وقصيدةٌ في ذكْرِ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، وأصحابِه رضيّ اللهُ عنهم، وسَمّاها «القَرارةَ اليَثْربيّة المخصوصةَ بشَرَفِ الأحناءِ القُدُسيّة»، وستأتي بتسميطِ أبي الكَرَم جُوديٍّ إن شاء الله، و«خَطَراتُ الواجِد في رثاءِ الماجد»، و«رجوعُ الإنذار بهجوم العذار»، و «تصريحُ الاعتذار عن تقبيح العذار»، وقطعٌ من شعرِه: زُهْديّةٌ ووَعْظيّة، إلى غيرِ ذلك من الفصُول. ومن مصنَّفاتِه: مجموعُ موشَّحاتِه، وهي نحوُ أربع مئة، وصَدَّره بمقالةٍ سَمّاها: الإفصاحَ والتصريح عن حقيقةِ الشِّعر والتوشيح؛ قال: وغيرُ ذلك من المصنَّفاتِ المشروع فيها ولم تتمَّ، وهي متّصلةٌ بمدى العُمر.

أنشَدتُ على شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيِّ رحمَه اللهُ، ونقَلتُه من خطِّه، قال: سمِعتُ من لفظِه، يعني أبا الحَسَن بنَ محمد بن بَقِيّ، قصيدةً طويلةً في النبيِّ، صلى الله عليه وسلم،

وأصحابِه رضوانُ الله عليهم، لشيخِه المحدِّث الأديب أبي القاسم محمدِ بن عليٍّ الهَمْدانيِّ ابنِ البَرّاق الوادِيَاشيِّ، وسَمّاها بـ«القَرارةَ اليَثْربيّة المخصوصةَ بشَرَف الأحناءِ القُدُسيّة»؛ قال المصنّفُ عَفَا اللهُ عنه: هي التي ذكَرْتُ أنّ تلميذَه الأخصَّ به أبا الكَرَم جُوديًّا سَمَّطَها، فرأيتُ إثباتَها هنا بتسميطِها؛ تبرُّكًا بها، ولم أُنشِدْها على شيخِنا أبي الحَسَن -رحمه الله- إلّا مجرَّدة عن التسميطِ، وهي هذه:

يا مُسْبلًا من عينهِ عَبَراتِها … أشجَتْكَ هاتفةٌ على أثَلاتِها

أم شِمتَ بارقةً بِعُرْضِ فَلاتِها … بالهَضْبِ هَضْبِ زَرُودَ أو تَلَعاتِها

شاقَتْكَ هاتفةً على نَغَماتِها

محبورةٌ ما بينَ ظلِّ فروعِها … مشهورةٌ بغَرامِها وولوعِها

معذورةٌ لو شَحَّ فيضُ دموعِها … مصدورةٌ تفتَنُّ في ترجيعِها

فيبيِنُ نَفْثُ السِّحرِ في نَفثَاتِها

حَكَتِ الخَريرَ وطوَّلَتْ أسجاعَها … في روضةٍ عَشِقَ الحيا إيناعَها

فمَنِ الكفيلُ بأنْ تردَّ طِباعَها … إنْ راقَها رَأْدُ الضُّحى أو راعَها؟

جُنحُ الدُّجى سِيّانِ في ذِكَرَاتِها

يا ساقَ حُرٍّ للحِمامِ يَسوقُها … كَلَفٌ بذكرِكَ ضَلَّ فيه طريقُها

والفجرُ من خلَلِ السّحابِ يَروقُها … هذا يُمتِّعُها وذاك يَشوقُها

فالموتُ في يَقَظاتِها وسِناتِها(2)

وكلامُه نظمًا ونثرًا كثيرٌ جيِّد.

وُلد سنةَ تسع وعشرينَ، وقال ابنُ الزُّبيرِ عن المَلّاحيّ: بعدَ سنة عَشْر، ولم يوافَقْ عليه. وغرَّبَه الأميرُ ابنُ سَعْد عن وطنهِ، وألزَمَه سُكْنى مُرْسِيَةَ ثم بَلَنْسِيَة، ولمّا مات ابنُ سَعْدٍ آخرَ يوم من رجبِ سبع وستّينَ وخمس مئة عاد إلى وطنِه واستقَرَّ به يُفيدُ ما لدَيْه، إلى أن توفِّي به، ودُفنَ لثلاثٍ بقِينَ من رمضانِ ستٍّ وتسعينَ وخمس مئة، قال أبو القاسم ابنُ المَواعينيّ: إنه عَثَرَ في مَشْيِه فسَقَطَ فكان سببَ منيّتِه، رحمَهُ الله.

  • الذيل والتكملة 4/ 502-527 بتصرف.
  • ذكرها ابن عبد الملك كاملة، واقتصرت على المثبت لطولها، فليرجعها كاملة من شاء في الذيل.
Science

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق