مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

التقديم والتأخير في الحديث: “مفهومه، ونماذجه”

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم: 

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

    فإن الناظر في كتب الحديث التي جمعت الأحاديث النبوية ، يلاحظ وجود مسألة التقديم والتأخير في بعض الروايات، أي: تقديم كلمة ّأو جملة، وتأخير أخرى في الأحاديث سواء كان مخرج الحديث واحدا، أو أكثر، وقد رخص بعض السلف في هذه المسألة إذا لم يخل بالمعنى. قال الحسن بن أبي الحسن: “لابأس بالحديث أن  تقدم أو تؤخر إذا أصيب المعنى” [1]، وقال إبراهيم النخعي: “لابأس بتقديم الحديث وتأخيره إذا أصبت المعنى”[2].

وهذا المقال سأحاول أن أبين فيه معنى التقديم والتأخير لغة واصطلاحا، ثم أذكر نماذج الروايات التي وقع فيها التقديم والتأخير ، دون أن أتطرق إلى دلالة التقديم والتأخير  في روايات الحديث من الناحية البلاغية؛ لأن هذا موضوع آخر، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق: 

أولا: معنى التقديم والتأخير لغة واصطلاحا:

التقديم لغة: هو السبق والأولوية وما في معناهما. قال ابن فارس: “القاف، والدال، والميم أصل صحيح يدل على سبق ورعف، ثم يفرع منه ما يقاربه: يقولون: القدم: خلاف الحدوث. ويقال: شيء قديم، إذا كان زمانه سالفا. وأصله قولهم: مضى فلان قدما: لم يعرج ولم ينثن”[3].

وقال ابن منظور: “… مقدمة كل شيء أوله، ومقدم كل شيء نقيض مؤخره ” [4].

والتأخير لغة: خلاف التقدم قال ابن فارس: الهمزة، والخاء، والراء أصل واحد إليه ترجع فروعه، وهو خلاف التقدم. وهذا قياس أخذناه عن الخليل فإنه قال: الآخر نقيض المتقدم، والأخر نقيض القدم، تقول مضى قدما، وتأخر أخرا”[5].

والتقديم والتأخير اصطلاحا هو : تقديم الشيء وتحويله من مكان إلى آخر، قال الجرجاني في دلائل الإعجاز في تعريفه: “تحويل اللفظ عن مكان إلى مكان “[6].

ثانيا: التقديم والتأخير في الحديث النبوي  (نماذج منتقاة).

  يقع التقديم والتأخير في الحديث النبوي بتقديم كلمة ،أو جملة، وتأخير أخرى في الأحاديث التي تحتوي عدة أمور معطوفة، ومن نماذج ذلك أذكر:

1-حديث أنس بن مالك: في رواية البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار”[7] وفي رواية لمسلم أيضا  عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:  ” حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق.” [8].

ففي الرواية الأولى تم تقديم  “آية الإيمان”،  و”آية النفاق” على “حب الأنصار”،  و”بغض الأنصار “كما في الرواية الثانية .

2-حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في رواية البخاري “فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه”[9].

وفي رواية للبخاري كذلك بلفظ: “فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله”[10].

ففي الرواية الأولى تم تقديم  “فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ” التي أخرت في لفظ الحديث الثاني.

3-حديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه: في رواية أبي داود والنسائي: “من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه  “[11]، وفي رواية الترمذي: “من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه”[12].

والتقديم والتأخير هنا كذلك واضح  في جملة “ترك ثلاث جمع”، وفي الرواية الثانية “ترك الجمعة ثلاث مرات” .

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى:  أن التقديم والتأخير أي: تقديم كلمة ّأو جملة، وتأخير أخرى ، أمر وارد في بعض روايات الحديث التي تحتوي عدة أمور معطوفة، وقد رخص بعض السلف لهذه المسألة إذا لم يخل بالمعنى، وهو من تعدد الروايات، وقد مثلت لذلك بنماذج ثلاثة من الأحاديث التي وقع فيها ذلك.

والحمد لله رب العالمين.

******************

هوامش المقال:

[1]  –  المحدث الفاصل بين الراوي والواعي (ص: 541).

[2]  – المحدث الفاصل بين الراوي والواعي (ص: 541).

[3]  – معجم مقاييس اللغة (5 /65) مادة: “قذف”.

[4]  –  لسان العرب (12 /465) مادة: “قدم”.

[5]  –  معجم مقاييس اللغة (1 /70).

[6]  –  دلائل الإعجاز ص: (83).

[7]  –  أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 39)،  كتاب :  مناقب الأنصار، باب : حب الأنصار من الإيمان، برقم: (3784).

[8]  – أخرجه مسلم في صحيحه (1 /50)، كتاب: الإيمان، باب:  الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق برقم: (74).

[9]  – أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 35)، كتاب: الإيمان، باب: ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى، برقم: (54).

[10]  – أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 67)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، برقم: (3898).

[11]  –  أخرجه أبو داود في سننه (2/ 284-285)، كتاب: تفريغ أبواب الجمعة،  باب: التشديد في ترك الجمعة، برقم: (1052)، والنسائي في سننه (ص: 193)، كتاب الجمعة، باب: التشديد في التخلف عن الجمعة برقم: (1369).

[12]  – أخرجه الترمذي في سننه (1/509-510)، كتاب: الجمعة ، باب: ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر برقم: (500).

********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ.

الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق: بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي – بيروت ط 1998.

دلائل الإعجاز في علم المعاني. لعبد القاهر الجرجاني. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. بيروت. ط1/ 1409هـ- 1988مـ

سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي. حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي. دار الرسالة العالمية بيروت . 2009هـ- 1430مـ

سنن النسائي. لأحمد بن شعيب بن علي بن سنان النسائي. تحقيق: رائد بن صبري ابن أبي علفة. دار الحضارة الرياض. ط2/ 1436هـ- 2015مـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي. دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006 مـ.

لسان العرب (م12). لابن منظور. دار صادر بيروت. ط6/ 1417هـ- 1997مـ.

المحدث الفاصل  بين الراوي والواعي. للحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي . تحقيق: محمد عجاج الخطيب. دار الفكر  بيروت. ط3/ 1404هـ- 1984مـ

معجم مقاييس اللغة. لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر . بيروت 1399 هـ- 1979مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق