مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

تاريخ علم الفلك من خلال نماذجه الهندسية

 

تقديم : عبدالعزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

تكتسي مسألة استثمار التطور التقني المعاصر في دراسة بعض الجوانبالعلمية التراثية أهمية بالغة. يتجلى هذا الأمر في عدة مستويات ووفق كيفيات مختلفة، منها على سبيل المثال استعمال التطور التقني في إعادة صناعة بعض الأدوات العلمية التراثية كالمزاول الشمسية أو الأسطرلابات الفلكية … وذلك قصد عرضها في بعض المتاحف الخاصة بتاريخ التقنيات. وغني عن البيان أن الاستفادة من هذا الجانب بالنسبة لعموم الباحثين والقراء يبقى محدودا ونسبيا، إذ يتطلب الأمر زيارات ميدانية لعين المكان قصد مشاهدة أو دراسة تلك النماذج. لذا، فإن هناك بعدا آخر أكثر أهمية وفائدة من هذا الجانب، ويتجلى هذا البعد في استثمار الثورة الرقمية المعاصرة في دراسة هذه الجوانب العلمية من تاريخ البشرية، سواء تعلق الأمر بدارسات المتخصصين المعمقة أو بعملية التعريف بإنجازات علماء حضارة ما وتبسيطها للعموم في إطار مستوى إشعاعي يضع في اعتباره، في المقام الأول، عموم القراء وكذا الباحثين المنتمين لمجالات بحثية أخرى …

أما الفوائد المرجوة من خطوات كهذه فهي كثيرة ومتنوعة. منها مثلا إشاعة روح الثقافة العلمية بين عموم الناس، وتعريف هؤلاء بالتاريخ المديد الذي قطعته البشرية في سبيل التقدم العلمي والتطور التقني، ناهيك عن تعريفهم بإسهامات أسلافهم العلمية والتقنية في إطار حضارة معينة … ولئن كانت بعض ثقافات العالم قد شهدت تقدما ملموسا في هذا المستوى، فإنه يبدو أن الثقافة العربية – الإسلامية المعاصرة لا تزال دون المستوى المطلوب في استثمار الجانب التقني في التعريف بمنجزات علماء الحضارة العربية – الإسلامية ودراستها دراسة علمية دقيقة.

   في هذا الإطار، يسعدنا أن نقدم للمتلقي العربي إحدى المبادرات الفردية التي تستحق التشجيع والتنويه. وهي مبادرة تتعلق أساسا باستعمال الجانب الرقمي في تقديم وتبسيط وشرح بعض النماذج الفلكية التي أنجزها فلكييو الحضارة اليونانية –الهلينيةوالهلينيستية– وعلماء الحضارة العربية الإسلامية. لا يخفى ما تضطلع به مبادرة كهذه من أهمية بالغة، ويكفي أن نشير – مثلا – إلى أن من بين أهم الصعوبات التي تعترض الباحثين في علم الفلك هو محاولة فهم بعض النماذج الفلكية التي تتضمنها المتون العلمية التراثية. حيث يكون أحيانا من الصعوبة بمكان تتبع التفصيلات العلمية الدقيقة التي يعرضها نموذج فلكي ما، سواء في جانبه الرياضي-الهندسي أو في التعليقات النثرية المرافقة له. لكن مشاهدة رسم هندسي يتحرك أمام ناظرينا (سواء كان ثنائي الأبعاد أو ثلاثيها) سيكون، في اعتقادنا، كافيا لتجاوز كل هذه العقبات التقنية واختصار الوقت والجهد على الباحثين المتخصيين أو المبتدئين. لا شك في أن إيجابيات هذه المبادرة تتجاوز المثال السالف، ولا نرى داعيا هنا لمحاولة استقصاء كل أوجه الاستفادة من هذا العمل المميز، فهي على كل حال أوجه تختلف حسب اهتمامات كل باحث والأهداف العلمية التي يتوخاها من أبحاثه …

   كما قلنا أعلاه، فهذه المبادرة هي مبادرة فردية قام بها أحد أبناء المغرب، وهو الباحث محمد بن بوطيب[1] ابن مدينة تازة، الذي تلقى تعليمه الأولي بالمغرب،ثم استكمل دراسته في ما بعدبأوربا. حيث سيدرس ابتداء من سنة 1974 بمدينة مانهايم الألمانية إدارة المقاولات الصناعية والبرمجة، ليشتغل بعد ذلك كأستاذ لمادة “دينامية المنظومات” System Dynamics بنفس الجامعة. كما سيشتغل فيما بعد، أي ابتداء من سنة 1983، بالسكك الحديدة الفرنسية بالقسم الخاص بالمعلومياتService Informatique.

لا شك في أن هذا المسار المهني، المرتبط خصوصا بالجانب المعلوماتي، قد ساعد الأستاذ بن بوطيب كثيرا،إذ سيخوّل له استثمار المكاسب الرقمية المعاصرة بشكل جيد في تقديم وتبسيط إنجازات علماء الفلك اليونان والعرب في إطار هذه المبادرة التي نأمل أن تلقى ما تستحقه من اهتمام، وأن تشهد مع مرور الأيام تطويرا وتجويدا أكثر لمادتها العلمية.نشير كذلك إلى أن الأستاذ بن بوطيب يشتغل حاليا على بعض القضايا المتعلقة بتاريخ علم الفلك النظري والعملي، وكان من الثمار الأولية لهذاالمجهودكتاب حول علم الفلك (عنوانه “كتاب في الهيئة للبطروجي”) سيصدر في قادم الأيام عن إحدى دور النشر العربية.

نشير ختاما إلى أننا فضلنا هنا عدم تقديم أي توصيف تفصيلي لمحتوى هذا الموقع، وذلك نظرا لأن وصفا كهذا لن يكون في أفضل الأحوال إلا مختزلا وجزئيا. لذا، فإن تصفح الموقع وحده كفيل بتكوين رأي موضوعي عن أهمية محتوياته وجدتها.

رابط الموقع : https://sites.google.com/view/tarikh-al-falak/accueil

[1]– البريد الإلكتروني للأستاذ بن بوطيب : [email protected]

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق