ظروف انتقال أسرة الشيخ إلى واويزغت:
يرجع تأسيس زاوية واويزغت لعائلة الشيخ التي قادمت من الساقية الحمراء، وهذا في إطار الهجرات التي عرفتها منطقة واويزغت من الجنوب المغربي بداية من نزوح أيت عطا شمالا، وتزعم هذه العائلة الشريف سيدي لحسن بن علي الذي انتهى به المطاف إلى الاستقرار بقبيلة أيت وزكان المصمودية بواويزغت.
وقد كانت أسباب هذا النزوح متعددة أهمها حسب بعض الوثائق، العراكات الدامية في الجنوب بسبب ارتفاع النمو الديموغرافي، و انخفاض في الإنتاج الذي أدى بدوره إلى اصطدامات كان الهدف منها الاستيلاء على الأراضي. واستقرار هذه العائلة التي ينتمي إليها سيدي امحند أمحند لم يكن الأول بل سبقه استقرار لها بتمصلوحت[1].
ويذهب فيما يخص قضية النسب هذه صاحب الصفوة مذهبا أخر حيث يردهم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث يقول في ترجمته له:" ومنهم الشيخ الرباني أبو عبد الله محمد بن الحسن الدادسي دفين ووزغت من جبال تادلا، ينتسب لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، كان قوي الحال ..."[2]
أصله ونسبه:
هو سيدي محمد بن محمد بن لحسن بن علي الملقب من طرف الساكنة بسيدي امحند أمحند[3].
و يعرف أيضا في المصادر التاريخية بمحمد بن لحسن الدادسي[4]، و كذلك بمحمد بن لحسن الواوزغتي[5].
لا تذكر لنا المصادر التاريخية تاريخ ولادة الشيخ، و إنما تقتصر فقط على وفاته و عمره وهو ما سيعيننا على تحديد تاريخ ولادته، حيث يقول في هذا الإطار صاحب دوحة البستان في مناقب سيدي علي بن عبد الرحمان عن هذا الولي :" فإن القطب الرباني الشيخ الكامل في وقته .... عاش في حياته أربعة و ثمانون عاما ، و توفي رحمه الله إثنين و ستين و ألف"[6].
ويقول هنا كذلك محمد بن الطيب القادري صاحب نشر المثاني : " توفي _رحمه الله_ سنة إثنين و ستين وألف، و سنه أربع و ثمانون سنة . هكذا أخبرني بهذه الترجمة جميعها بعض المنتسبين إليه."[7]
و من هاتين الشهادتين يتبين أن تاريخ ولادة سيدي امحند أمحند هي 978 ه.
و توفي رحمه الله حسب إجماع المصادر التي إطلعنا عليها سنة 1062 ه/ 1652 م.
الشيوخ الذين تتلمذ عليهم الشيخ سيدي امحند أمحند:
تتلمذ الشيخ سيدي محمد بن محمد على يد شيخين مهمين و هما عبد الله بن حسون السلاسي بسلا و هو من أصحاب عبد الله الهبطي، حيث بقي عنده مدة، يحددها صاحب نشر المثاني في عام و احد[8] علمه حوالي خمسين ألف ورد و" أمره أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله كل يوم و يزيد عند رأس كل مائة صلى الله عليه و سلم، فكان يقولها، و قال له تكلفت بثلاثة أمور: من عرفك فعليه أمان الله، و أصحابك لا يذوقون الحساب، و أنهم يغبطهم الناس في الموقف"[9].
وكذلك تتلمذ سيدي محمد بن محمد على الشيخ أبي بكر الدلائي، وتأثر به كثيرا لدرجة أنه هناك من يذهب إلى اعتبار الزاوية الموجودة بواويزغت فرع من الزاوية الدلائية.
وهذا ما يظهر في ترجمة محمد القادري لهذا الشيخ، حيث أنه أثناء عودة سيدي محمد بن محمد من سلا توجه إلى الزاوية الدلائية، ولقي بصاحبها أبي بكر الدلائي وزاده من علمه، فبعد أن سأل هذا الأخير ما تعلمه في سلا على يد شيخه الأول طلب منه أن يزيد في علمه لأن هذا لا يكفيه " كم وردك فقال خمسون ألفا و قراءة القران و ما تيسر من النوافل، فقال سيدي أبو بكر ما زال لك ما زال لك، يعني أنه أن يزيد على ذلك."[10]
و مما يؤكد علاقة سيدي محمد بن محمد بأبي بكر الدلائي، هو استمرار العلاقة بينهما لمدة ثلاثين سنة، وكذلك إتيان هذا الشيخ بأتباعه ومورديه إلى أبي بكر بالزاوية الدلائية إلى أن توفي أبي بكر، و بعده سيقوم بالإلتحاق بزاوية عائلته في المكان المعروف حاليا بواويزغت و بالضبط بدوار أيت سيدي امحند أمحند[11].
و هذه الصحبة يؤكدها صاحب مباحث الأنوار في ترجمة علي بن عبد الرحمان الدرعي: " كان أخدا أولا عن الشيخ عبد الله بن حسون السلاوي ، وهو الذي قال للشيخ محمد بن أبي بكر الدلائي من قيل له من مس لحمك لم تمسه النار، كيف لا يمد يده و رجله لمن يقبلهما فانتفع به ثم إنه أحس بكبر الشيخ، فقال له : يا سيدي جعلني الله تعالى فداءك،...."[12]
ثم تتلمذ الشيخ على يد أبو محمد بن حسون وهذا ما جاء في نص القادري : " و سأله الشيخ ( أبي بكر الدلائي المجاطي )، فأمره أن يزيد فيها عبدك و نبيك و رسولك قبل النبي الأمي"[13].
وجاء في هامش لمحقق كتاب "مباحث الأنوار في بعض الأخيار "، عبد العزيز بوعصاب أنه كان عبد الله الهبطي من أشياخه الذين لم يذكرهم صاحب الكتاب المحقق له ، بالإضافة إلى صحبة أشياخ الزاوية الدلائية التي كانت متميزة[14].
تلاميذه:
من أهم تلاميذة الشيخ سيدي امحند أمحند نجد الحسن بن علي بن عبد الرحمان بن أحمد إبن يعقوب بن صالح الدرعي، حيث أنه كان بأكرض يدرس القران للطلبة و يعلم الصبيان و يصلي بالناس إلى أن سمع بخبر الشيخ بووزغت و ما تناقله الناس عنه بأنه "من أكابر الأولياء" [15]وعزم على التوجه إليه من أجل الإستفادة منه و أخد طريقته.
ومن ما حدث بين هذين الاثنين أول مرة أن سيدي محمد بن محمد " قال له: أتحب أن ترى النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قلت له: نعم ، فانصرف رحمه الله إلى داره فأخذتني سنة (النوم العميق) فرأيته قد أقبل فقبض بيدي و انصرف به إلى روضة خضراء و عليه حلة خضراء، فلما جئنا باب الروضة، فتح الباب للشيخ فدخل و تركني واقفا بالباب و كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك الروضة، فقال له الشيخ: يا رسول الله رجل من أصحابي طلب رؤيتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: جئ به إلينا، فرجع إلى الشيخ فدخلت معه، فلما رأيت وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم غشاني النور، فسترني صلى الله عليه وسلم بردائه و قال لي :هكذا تعيش، و هكذا تبعث يوم القيامة فانتبهت فرحا و مسرورا"[16].
و ظل علي بن عبد الرحمان فيما بعد بووزغت عند الشيخ و أصبح من موريديه الأساسيين إلى أن توفي الشيخ، حيث تصدر لفترة ترأس الزاوية ، ومن تم ذهب إلى تاموجت حيث أسس زاويته[17].
أحواله:
كان الشيخ يتمتع بشهرة مهمة نظرا لعلمه و ما كان معروفا عليه من زهده في الدنيا و تطلعه إلى ملاقاة الصلحاء و المشدودون إلى طريق الله ، و يشير صاحب الصفوة إلى أنه " كان قوي الحال ، كثير التواجد لا يتمالك عند تلاوة القران و سماعه، له نبعث المكالمة و المناجاة"[18].
وظل قبل مخالطة أبي بكر الدلائي إذا صاحب أحدا و أحس بعدم الإنتفاع به ندم على المصاحبة[19].
و كان الشيخ يكثر من الأوراد كل يوم، حيث بلغ عدد أوراده مائة و خمسين ألفا، و يرددها كل يوم ثلاث مرات، و كذلك كتاب " تنبيه الأنام " يختمه مرة[20]، دون أن ننسى قراءة القران الذي كان في أخر أيامه لا يتمالك نفسه عند تلاوته أو سماعه، حيث يظل يعمل فيه كثيرا و يتحرك و يتواجد حتى يكاد يطير،" حتى كان في أخر أمره لا يستطيع سماعه، لسماعه له بنعت المكالمة و المناجاة[21]. و من مناقبه أنه كان يبدأ القران بعد المغرب و يختمه عند صلاة العتمة ( العشاء )[22].
و كان مدة بدايته لا ينام من الليل شيئا، بقي على ذلك ثلاثين سنة، و سرى للناس من نفحاته، فكانوا يأتونه بقصد الصحبة فيردهم، ثم ظهر له أن ذلك صد عن سبيل الله و قطع للطريق، و جعل يقبل صحبتهم على نية أنه يذهب بهم إلى الشيخ أبي بكر، فلما اجتمع منهم عدد ذهب بهم إلى الشيخ[23].
و من أقواله يذكر صاحب نشر المثاني ما يلي:
- الجلد المنتفخ لا يعمل في الدبغ حتى يزول منه إنتفاخه ، و كذلك المتكبر لا يتأثر بشيئ حتى يزول منه الكبر.
- إذا تعلم الإنسان حرفة صناعة وحصل له العلم بها، ثم لم يشتغل بخدمتها، فإنه لا يحصل له منها أجرة، وكذلك العلم و الحال و غيرهما إذا لم يشتغل صاحبهما بهما و بالعمل بمقتضاهما لم يحصل له منهما نفع.
- المرآة إذا لحسها الإنسان بريقه ذهبت صقالتها، و كذلك المؤمن إذا أعجبته نفسه ذهب ضياؤه و جماله، وفسد حاله[24].[24]
كراماته:
كغيره من الأولياء المشهورين بمنطقة تادلا خاصة والمغرب بصفة عامة فقد كان للولي مجموعة من الكرامات لا زالت بعض أصداءها تتردد على لسان الساكنة المحلية، حيث أن هذه الكرامات كان لها وقع كبير على الناس، وهي التي ساهمت بشكل أو بأخر في الاعتقاد ببركة هذا الولي و الإستمرار في الإعتقاد به إلى اليوم، و من أهم هذه البركات التي ما زالت في أذهان بعض الناس، أنه أتى بعض الناس من الجنوب قاصدين زيارته بووزغت فلما وصلوا إلى نهر واد العبيد فقدوا ولدهم، حيث جذبه النهر، و تألموا لهذا، لكن عزمهم على زيارة الولي جعلهم ينسون ألمهم وولدهم، و أثناء و وصولهم إلى مقر الشيخ ببركته وجدوا عنده ولدهم[25].
و من كراماته كذلك التي ذكرها صاحب نشر المثاني أنه ببركته إستطاع أن يجعل الوادي يعمر بالمياه و ذلك أثناء سؤاله من طرف أحد الزائرين له بالتدخل في حل مشكل هذا الوادي[26]، " فبادروا إلى ذلك تعرضا للإغاثة والاستناد إليه مما هم فيه من شدة الحال. و جمعوا له غنما كثيرة وذهبوا، و عندما قربوا من الإشراف عليه قال لهم (أحد الزائرين): إن قال لكم الشيخ يكون شيء، فقولوا يكون يا سيدي من بركتك. فلما لاقوه قال للذي أتى بهم، فقير، خير من فقير حباب، والتفت إليهم فقال لهم:كيف هو واديكم أيقدر أن يدور الرحى؟ فقالوا له: نعم يا سيدي يدورها من بركاتك، فقال لهم يدورها . فلما رجعوا إلى مكانهم وجدوا الوادي ينهمر به حس عظيم يدور الرحا وأعظم منها"[27].
وكذلك بركة الاستسقاء وهذا يظهر فيما تعرضت له جماعة من أيت عتاب أثناء العزم على زيارته، حيث طلب منهم قومهم التدخل عند الشيخ من أجل طلب الله ببركاته " فقدموا على الشيخ، ولما أرادوا الانصراف من عنده قالوا يا سيدي إن القبيلة قد عهدت إلينا أن نطلب لهم الشتاء عندك، وتوعدونا بالضرب بالحجر إن لم يغاثوا، فقال لهم ما هذا؟ وهل حكم الشتاء بيد محمد؟ - يعني نفسه – فقالوا له يا سيدي أطلب لنا الله و نحن قد إستحيينا أن نرجع إليهم دون شيء، فلما ألحوا عليه اعتراه حال فقال لهم: قوموا واذهبوا إلى الضريح الفلاني وقولوا رفعنا الوسيلة بسيد الرجال، طلبنا الفضيلة لمولى الموال، فقاموا يقولونها وذهبوا حيث أمرهم، فما وصلوا حتى أغاثهم الله بالشتاء ونزل عليهم المطر الوابل"[28].
[1] مونوغرافية دائرة واويزغت، ص : 3 [2] محمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله: صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، تحقيق:د. عبد المجيد خيالي، الطبعة: الأولى ، مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء، المغرب، السنة:2004 ،ص: 159 [3] أحمد بن محمد بن يعقوب الولالي، مباحث الأنوار في أحبار بعض الأخيار، تحقيق: عبد العزيز بوعصاب، الطبعة: الأولى، السنة: 1999،من منشورات كلية الأداب و العلوم الإنسانية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص :280 [4] محمد بن الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، تحقيق: محمد حجي و أحمد توفيق، الطبعة: الأولى،السنة: 1982، منشورات الجمعية المغربية للتأليف ز الترجمة و النشر، نشر و توزيع مكتبة الطالب،الرباط، الجزء : الثاني ، ص: 62 [5] نجد هذا الإسم كذلك عند كل من صاحب مباحث الأنوار و نشر المثاني المذكورين سابقا [6] نقلا من مونوغرافية دائرة واويزغت، ص :5 [7] محمد بن الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، الجزء: الثاني، ص: 61 [8] نفس المصدر، ص : 60 [9] نفس المصدر، ص : 61 [10] محمد بن الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، ص : 62 [11] نفس المصدر ، ص :62 [12] أحمد بن محمد بن يعقوب الولالي، مباحث الأنوار في أحبار بعض الأخيار، مصدر سابق، صص :280، 281 [13] محمد بن الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، الجزء: الثاني، ص:61 [14] أحمد بن محمد بن يعقوب الولالي ، مصدر سابق، ص :280 [15] محمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله: صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، تحقيق:د. عبد المجيد خيالي، مصدر سابق، ص : 316 [16] نفس المصدر: صص: 316، [17] أحمد عمالك، مادة واوزغت، معلمة المغرب، الجزء: 22 ، ص:7631 [18] محمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله: صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، تحقيق:د. عبد المجيد خيالي، مصدر سابق، ص: 159 [19] أحمد بن محمد بن يعقوب الولالي ، مصدر سابق، ص :281 [20] محمد بن الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، الجزء: الثاني، ص:61 [21] نفس المصدر، ص :61 [22] محمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله: صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، تحقيق:د. عبد المجيد خيالي، مصدر سابق، ص : 159 [23] محمد بن الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، الجزء: الثاني، ص: 61 [24] نفس المصدر، ص:63 [25] رواية شفوية، ليوسفي إطو [26] محمد بن الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، الجزء: الثاني، ص: [27] نفس المصدر : ص:62 [28] نفس المصدر : ص:63