مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأخبار

تقرير حول مناقشة أطروحة “ملامح الدرس العقدي عند صوفية الغرب الإسلامي: الشيخ أحمد زروق نموذجا”

    نوقشت صبيحة يوم الثلاثاء 31 يناير 2017 أطروحة دكتوراه في موضوع: ملامح الدرس العقدي عند صوفية الغرب الإسلامي: الشيخ  أحمد زروق نموذجا“، والتي أعدها الطالب الباحث: هشام الحليمي تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد التمسماني، والأستاذ الدكتور محمد  الروكي ، وقد تكونت  لجنة المناقشة من السادة الأساتذة الأجلاء:

– الأستاذ الدكتور : محمد الروكي رئيسا   

 الأستاذ الدكتور محمد التمسماني  مقررا

– الأستاذ الدكتور توفيق الغلبزوري عضوا          

– الأستاذ الدكتور محمد الشنتوف عضوا   

– الأستاذ الدكتور محمد أوغانم عضوا

    وبعد المداولة قررت اللجنة العلمية منح الباحث هشام الحليمي شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع بعد الأخذ بالملاحظات و التصويبات  المطلوبة، منوهة بهذا العمل الجاد والمتميز الذي حاول من خلاله الأستاذ هشام الحليمي استدعاء جل المعطيات المبعثرة والمبثوثة بين ثنايا المصادر الكلامية الأشعرية ومدونات السلوك الصوفي بالغرب الإسلامي، كما تمكن الباحث من خلال أطروحته من إبراز ذلك التلازم والتلاحم بين منظومتي السلوك والعقيدة في شخصية الإمام أحمد زروقٌ ـ رحمه الله ورضي عنه ـ  الذي وسم الدرسَ العقدي الأشعري بنفحات صوفية صريحة، وأذواقٍ وجدانية مليحة.

    وقد شهد هذا اللقاء العلمي حضور نخبة من العلماء الأجلاء وعلى رأسهم فضيلة الدكتور محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى  وثلة من رؤساء المجالس العلمية بجهة الشمال.

نص التقرير الذي ألقاه الباحث أمام أعضاء اللجنة العلمية:

    السادةُ الأساتذةُ الفضلاء، أعضاء اللجنة العلمية الموقرة، الحضور الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    إنه لشرف عظيم لي أن أجلس بين هذه الثلة المباركة من الأساتذة العلماء، المناقشين والمقومين لأطروحتي التي عنوانها: «ملامح الدرس العقدي عند صوفية الغرب الإسلامي: الشيخ أحمد زَروق نموذجا».

    وسأحاول من خلال هذا التقرير المختصر، تقريبَ اللجنة العلمية المحترمة والحضورِ الكريم من المضمون العام لهذه الرسالة، من خلال بيان أسبابِ اختيار موضوعها، وخطةِ العمل في تحرير فصولها الخمسة، وبعضِ الاستنتاجات المتوصلِ إليها في خاتمتها، فأقول متوكلا على الله جل جلاله:

    إن الواقف على الإنتاج العلمي لصوفية الغرب الإسلامي، يجده كثيرا في عدده، شموليا في مادته وتناوله، نوعيّاً في منهجه ومقاربته؛ فقد تعمق شيوخُه في كل العلوم الشرعية، وشاركوا في جل المعارف الإنسانية، فكان منهم الفقيه، والأصولي، والمحدث، والمفسر، والمنطقي، والنحوي، مع حيازة كثير منهم قصبَ السبق في علم التوحيد، إذ لا تكاد تجد صوفيا من صوفية هذه المنطقة، إلا وأسهم بقسط وافر في تقرير هذا العلم وضبط أحكامه، كما هو الحال بالنسبة لأبي الحسن الشاذلي الغُماري (ت 656 هـ)،  ومحمدِ ابنِ عَبّاد الرُّنْدي النَّفْزي (ت 792 هـ) ، وأبي عبد الله محمدِ بنِ يوسفَ السنوسي (ت 895 هـ)، والشيخِ أحمدَ زَروقٍ الفاسي (ت 899 هـ)، وأحمدَ ابنِ عجيبةَ الحسني الأنْجَري (ت 1224 هـ)، وغيرُهم كثير.

    فهؤلاء ـ المعتبَرون من كبار رجال التصوف في العالم الإسلامي ـ جميعُهم تكلموا في علم التوحيد؛ تأصيلا وشرحا لقواعده أحيانا، وإشارة لمقاصده وأبعاده في كثير من الأحيان.

    لقد أدرك صوفية الغرب الإسلامي ـ وعلى رأسهم الإمامُ زَروق ـ ذلك الترابط القوي بين العقيدة والفقه والتصوف، باعتبار هذه العلوم الثلاثةِ ممثِّلةً للأصول المذكورة في حديث جبريل عليه السلام المعروف، فتبين لهم أن التوفيق بينها من آكد ما تجب العناية به، فاختار جلهم منهج الإمام أبي الحسن الأشعري في العقيدة، ومذهبَ الإمام مالك في الفقه، ومسلكَ الإمام الجنيدِ في التصوف، مع محافظتهم على ما اختُصوا به ـ في النهايات ـ من اعتماد الكشف الرباني، في معرفة الخالق الباري.

    ومن المحقق أن الشيخ زَروقاً رحمه الله، من أكثر الصوفية ـ في المشرق والمغرب ـ  جمعا لهذه الاختيارات الثلاثة؛ إذ كان ـ رضي الله عنه ـ أشعريَّ العقيدة، مالكيَّ المذهب الفقهي، جُنَيْديَّ السلوك الصوفي، كما تنطق بذلك مؤلفاته التي فاقت الثمانين.

ممّا دعاني إلى اختيار البحث في هذا الموضوع أسباب كثيرة، أهمها:

    ـ أَن جل ما وقفت عليه من كلام عام حول عقيدة الصوفية، يسير في اتجاهين متقابلين، الأول اختار التهجم العنيف على القوم ومناهجِهم في تحرير الدرس العقدي، والثاني يقطع بأن غير الصوفية لا يعرفون حقيقة التوحيد، لاعتمادهم طريقي النقل والعقل، المؤديين ـ في الغالب ـ إلى الحيرة والاضطراب، فكان البحث عن الرأي الوسطي الذي لا تفريط فيه ولا إفراط، من الأسباب التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع.

    ـ أنه رغم كل الجهود النوعية لصوفية الغرب الإسلامي ـ عموما، والشيخِ أحمدَ زروق خصوصا ـ في تحرير الدرس العقدي، فإن ما أُنجز حول التعريف بإنتاجهم ومنهجهم في هذا المجال، يعتبر قليلا، بل يكاد يكون منعدما؛ فإذا استثنينا بعض الكلام المجزَّإ والمفرَّق هنا وهناك، فإن الساحة العلمية ـ حسب ما انتهى إليه بحثي في الموضوع ـ خاليةٌ من الدراسات المتخصصة، المتأملةِ في إنتاجات هؤلاء الصوفية، والكاشفةِ عن ملامح منهجهم في توحيد الله تعالى، فكان تقريبُ هذه الجهود والتعريفُ بها، من الأسباب الأخرى وراء اختياري لهذا الموضوع.

    ـ أن الشيخ زروقا ـ رحمه الله ـ معروف بين أهل العلم وطلبته، بكونه من  كبار شيوخ التصوف الذين أنجبتهم منطقة الغرب الإسلامي، والذين وصل إشعاعهم إلى مختلف بقاع العالم، لكن الجانب المتعلق بالعقيدة في فكر الرجل، لم يأخذ بعد حظه من العناية والاهتمام، وإن كانت قد حُققت وطبعت مؤلفاته المباشرة في علم التوحيد، والتي لم يتجاوز فيها المحققون ضبطَ النص وإخراجَه إلى حيز المطبوعات، مع بعض التعليقات المختصرة المفيدة بلا شك، مما أبقى المنهج الزَّرُّوقيَّ العقديَّ غيرَ واضح بما فيه الكفاية، لذلك كان العملُ على بيانه والتفصيلُ في خصائصه من الأسباب الأخرى التي دفعتني إلى اختيار الشيخِ زروقٍ نموذجا تطبيقيا لهذه الدراسة، خاصة وأنه من أكثر الصوفية اعتدالا في اعتماد الكشف الإلهي واستعمال النظر العقلي في فهم وتقرير علم التوحيد.

من أهم الصعوبات التي واجهتني في إنجاز هذه الأطروحة ثلاثة:

    ـ الأولى: قلة، بل انعدامُ الدراساتِ المباشرة في الموضوع، مما ألزمني بقراءة عدد كبير من كتب الصوفية وغيرِهم في العقيدة، لاستخراج المادة التي أبحث عنها.

    ـ الثانية: صعوبةُ بعضِ المصطلحات الصوفية العقدية، التي لا يفهمها غيرُ أهلها، مما اضطرني ـ في كثير من المناسبات ـ إلى البحث عن شروحها في مصنفات المعجم الصوفي المتخصص.

    ـ الثالثة: تداخلُ ما هو عقدي بما هو صوفي في جل الكتب الصوفية الزروقية، خاصة في شروحه على الحكم العطائية، وشرحِه لأسماء الله الحسنى، مع تناثر إنتاجه العقدي في كتبه المختلفة، فكان واجبا علي قراءةُ جميع ما وصلني منها قراءة فاحصة، من أجل تقريب منهجه المتكامل في علم التوحيد.

وقد سلكت في إنجاز هذا البحث خطةً تنبني على الأسس الآتية:

    ـ انطلقت من العام إلى الخاص، فبدأت بالحديث عن عقيدة الصوفية عموما، ثم صوفيةِ الغرب الإسلامي خصوصا، وانتهيت إلى الشيخ أحمد زروق النموذجِ التطبيقي.

    ـ اعتمدت ـ في بيان المنهج العقدي لصوفية الغرب الإسلامي ـ على إنتاجات المدرسة الجنيدية السنية، التي ينتمي إليها الشيخ زَروق وأمثالُه من الصوفية المحققين.

    ـ عملت على إبراز البعد العقدي في الفكر الصوفي عموما والزَّروقي خصوصا، لما له من أهمية قصوى في عصرنا الحاضر.

    ـ تتبعت جميع ما خلَّفه الشيخُ زروق في باب علم الكلام، سواء في كتبه العقدية الصرفة، أو الصوفية المحضة، أو المختلطة، حسب ما توفر لدي من مصنفاته.

    ـ فصلت في مناهج العقيدة الأشعرية أكثر من غيرها، لكونها تمثل اختيار جلِّ صوفية الغرب الإسلامي، وعلى رأسهم الشيخُ أحمد زروق الفاسي.

    ـ عُنيت بشرح المفاهيم التي تعد أساسا في الموضوع، مثل: «الأشعرية»، و«السلف»، و«أهل السنة»، مع تقريبي لمعاني الكلمات الغريبة.

    ـ أنهيت كل فصل من الفصول الخمسة بخلاصة مختصرة، ذكَرت فيها أهم ما تضمنه الفصل بمباحثه ومطالبه.

    ـ ترجمت للأعلام الواردِ  ذكرُهم في الرسالة، مكتفيا بذكر سنة الوفاة في مشاهيرهم.

    ـ وثقت النصوص المستشهدَ بها وفق المعايير المتبعة في البحوث العلمية، المختلِفةِ من توجه إلى آخر. وقد اخترت ذكر الكتاب، متبوعا بالمؤلف، ثم المحققِ إن وجد، فالجزءِ والصفحة، مع الختم بدار النشر وسنة الطبع إن وجدت، وإلا أشرت إلى انعدامها بـ”دون تاريخ”، وذلك عند النقل الأول من المصادر والمراجع المعتمدة.

    ـ كتبت الآيات القرآنيةَ بالخط العثماني وبرواية الإمام ورش عن نافع، ذاكرا موقعها في السورة ورقمها في الإحالة.

    ـ دونت الأحاديث النبوية مشكولةً، وخرّجتها من أصولها الحديثية، معتمدا أولا على ما جاء في الصحيحين، ثم صحيحِ البخاري، فصحيحِ مسلم، فما ورد في غيرهما، مع ذكري لملخص أقوال أهل العلم في الأحاديث المتكلَّمِ فيها.

ـ ذيلت الأطروحة بخاتمة.

ولائحة للمصادر والمراجع.

 وفهرس للآيات القرآنية.

 ثم فهرسٍ للأحاديث النبوية.

وفهرسِ للأعلام.

بالإضافة إلى فهرسِ الموضوعات.

بعد ما حددت الإطار العام للبحث، رتبتُ الإشكالاتِ التي سيجيبُ عنها في أسئلة عديدة هذه أبرزها:

ما علاقة التصوف بالعقيدة؟

وهل ما جاء به الصوفية في علم التوحيد يعتبر استدراكا أم تكميلا لما أتى به غيرهم؟

كيف كان موقفهم من علم الكلام عموما، والأشعري خصوصا؟

وهل صحيح أنهم أساءوا إلى العقيدة كما ينعتهم خصوم مسلكهم؟!

كيف تمكن صوفية الغرب الإسلامي من التوفيق بين المنهج الأشعري النظري والمسلك الصوفي الكشفي في توحيد الخالق الباري؟

ثم من هو الشيخ زروق شخصيةُ هذه الأطروحة؟

وكيف كان موقفه من غوامض التصوف الفلسفي في العقيدة وتكفير شيوخه؟

إلى أي حد تأثر بمسلك الإمام أبي حامد الغزالي في تقرير العقيدة؟

ما هو المنهج الذي ارتضاه لنفسه في تحرير عقيدة أهل السنة الأشاعرة في أبواب التوحيد الثلاثة: الإلهياتِ والنبواتِ ثم السمعيات؟.

    أما تصميمٍ الموضوع فقد انتظم في مقدمةٍ، وتمهيدٍ، فخمسةِ فصولٍ ـ ضمنت كل واحد منها ثلاثةَ مباحث، وكلَّ مبحث ثلاثةَ مطالب، مراعيا الكمَّ والنوع في كل فصل ومبحث ومطلب قدر المستطاع ـ  ثم خاتمة.

    أشرت في المقدمة إلى العناية الفائقة التي أولاها صوفية الغرب الإسلامي ـ وفي مقدمتهم: الشيخ أحمد زروق الفاسي ـ لعلم العقيدة، وبيَّنتُ فيها قلة البحوث والدراسات المباشرة في الموضوع قديما وحديثا، ثم ذكَرت أسباب اختياري للموضوع وأهميتَه، والدراساتِ السابقةَ حوله، والصعوباتِ التي اعترضني في إنجازه، مع بياني للمنهج المعتمَد في تحريره وتفصيلي لخطته وتصميمه.

    أما التمهيد، فخصصته للتذكير بقيمة وأهمية علم التوحيد، وأنه أساس ومنطلقُ كلِّ العلوم والمعارف الشرعية، كما شرحت فيه الكلماتِ المفاتيحَ في عنوان الأطروحة، وهي ثلاثةٌ: «العقيدةُ»، و «التصوفُ»، ثم «الغربُ الإسلامي».

    أهمُّ ما تطرقت إليه في الفصل الأول الذي عنوانه: (خصوصيات الدرس العقدي لدى صوفية الغرب الإسلامي): العلاقةُ بين الدرسيْن العقدي والصوفي، من خلال التركيز على عناية القوم بعلم التوحيد في مؤلفاتهم الصوفية، ومسلكِ أوائلهم في تقرير أصوله ومباحثه، وموقفِهم من علم الكلام.

    كما بينت فيه خصوصيات: المرحلةِ السلفية لعلماء الغرب الإسلامي في فهم العقيدة، ومرحلةِ انفتاحهم على المنهج الكلامي الأشعري، ثم مرحلةِ تحقيقهم للوحدة العقدية والمذهبية والسلوكية، مبرزا بعد ذلك جهودَ صوفيةِ الغرب الإسلامي في خدمة المنهج الكلامي الأشعري، وتوفيقَهم بين الفتح الرباني والنظر العقلاني في توحيد الله عز وجل.

    ثم تناولت في الفصل الثاني: (الشيخ أحمد زروق وموقعُه في المنظومة الصوفية): الظروفَ السياسية والاجتماعية التي عاش فيها الإمام زَروق، والواقعَ الفكري والعقدي في العصرين: المريني والوطاسي، ثم ملامحَ الدرس الصوفي بالغرب الإسلامي في القرن التاسع الهجري وتأثيرَ الشيخ زروق في توجُّهاته.

    منتقلا بعد ذلك إلى التفصيل في نسب شخصية الأطروحة وولادته ونشأته، مع شيوخِه وتلامذته ورحلاته، بالإضافة إلى تركته ومكانته العلمية، وموقع مدرسته بين المدارس الصوفية، وخلاصةِ مبادئها في التزكية والتربية.

    أما الفصل الثالث: (الدرس العقدي في حياة الشيخ أحمد زروق؛ أخذا وعطاء)، فتطرقت فيه للدروس الأولى التي تلقاها الشيخ زروق في العقيدة، مع مباحث علم التوحيد في مؤلفاته الصوفية، و تجليات البعد العقدي في فكره الصوفي.  بالإضافة إلى تأثرِه بالمنهج العقدي للإمام أبي حامد الغزالي، والتعريف بشرحيْه ل”قواعد العقائد” الغزالية.

    كما أوضحت في هذا الفصل نظرةَ الإمام زروق لغوامض التصوف الفلسفي ومبهماته العقدية بشكل عام، وموقفَه من تكفير محي الدين ابن عربي بشكل خاص، مع تفنيد نسبته إلى المدرسة الحاتمية التي كان متعاطفا مع أقطابها.

    أبرزت في الفصل الرابع: (منهجُ الشيخ أحمد زروق في تنزيه الله تعالى وإثباتِ أسمائه وصفاته) مسلكَ الشيخ زروق في نفي مشابهة الله جل وعز للمخلوقين، وطريقتَه في تنزيه الله تعالى عن الجهة والمكان، وتقريرَه لمسألة خلق أفعال العباد ونظريةِ الكسب الأشعرية.

    ثم قاربت منهج الأشاعرة في التفويض والتأويل، مبينا أن كلا من التفويض والتأويل مذهبُ السلف والخلف. كما فصلت في ميل الشيخِ زَروقٍ إلى التفويض ودوافعِه في هذا الاختيار.

    قاربت في الفصل الخامس: (منهج الشيخ زروق في تقرير قضايا النبوات والسمعيات) مسلكَ محتسب الصوفية في إقرار وجوب الإيمان ببعثة الأنبياء والمرسلين، وتعريفَه للمعجزة وشروطِ تحققها، مع كرامةِ الأولياء وعلاقتها بالسحر والمعجزة، بالإضافة إلى ما يجب للرسل وما يجوز وما يستحيل.

    ثم انتقلت مع الشيخ زروق إلى باب السمعيات، فتوقفت عند طريق إثباتها، ووجوبِ الإيمان بحقيقة الموت وما بعده من أحداث القبر والبعث، بالإضافة إلى التصديق بيوم الحساب وما بعده من الشفاعة للموحدين.

من أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها في ختام هذه الرسالة:

    ـ بالنسبة لصوفية الغرب الإسلامي عموما، فقد خلُصتُ إلى أنهم قدموا خدمات جُلّى للعقيدة الإسلامية؛ سواء من خلال منهجهم الكلامي الأشعري، أو مسلكهم الكشفي النوراني، وأن جلهم استطاع التوفيق بين هذين المسلكين، باعتماد الأول في البدايات، والثاني في النهايات، مع تأكيدهم على أن التوحيد ليس مرتبة واحدة، وإنما هو ثلاث مراتب كبرى: أولها: توحيد العامة. وثانيها: توحيد الخاصة. وثالثها: توحيد خاصة الخاصة، وأن أحدَ هذه المراتب يغني عن الآخر، إلا أن بعضها أرفعُ قدرا من بعض. وأن الكل محقِّقٌ للإيمان المطلوب شرعا، المثمر ِ للسعادة في الدنيا والآخرة، وأن التفاضل الحاصل في مراتب الإيمان، منشؤه كثرة الطاعات والترقي في مقام الإحسان.

    ـ فيما يتعلق بالشيخِ زروقٍ رحمه الله بشكل خاص، فقد تبين لي من خلال التأمل في منهجه العام، أنه ذو قدرة فائقة على التقيُّد بلغة العلم الذي يحرر مادته؛ مضمونا ومصطلحا وأسلوبا؛ فحينما تقرأ له عقديّاً، تجده واضحا في عباراته، خبيرا بعلم الكلام الأشعري ومدلولاته، وإذا قرأت له صوفيا، تراه سابحا في عالم الفتوحات الربانية، والمواهب الإلهية اللدنية، إلى درجة تنسيك أنه من كبار رجال العقيدة الأشعرية، وكذلك الأمر حينما تقرأ له فقيها.

    ـ أما منهجه الخاص في تقرير علم التوحيد ـ من طريق العلوم الوهبية ـ فقد خلا من المبهمات العقدية الغامضة، التي طفحت بها مصنفات المدرسة الصوفية الفلسفية، بل جاء منهجه قائما على وحدة الشهود المجمَعِ عليها بين مشايخ التصوف السني.

    والتوحيد الشهودي الذي يؤمن به الشيخ زروق ويدعو إليه، هو الذي يصير فيه العبد أقربَ إلى مولاه، فيراه متجليا وظاهرا في كل شيء من مخلوقاته، أي موجدا لها، ومدبرا لشؤونها، ومتفضلا عليها بالنعم التي لا تعد ولا تحصى، وليس بالمعنى الآخر الذي يفهمه منتقدو القوم من تجلي الله تعالى وظهورِه في الأشياء ظهورا ذاتيا عينيا، فذلك محض اتحاد وحلول، لا يقول بهما  إلا مرضى القلوب والعقول.

    ثم إن هذا التوحيد الشهودي، لا يتعدى ـ عند الشيخ زروق ـ كونَه حالةً وجدانية مخصوصة، يُمنع فيها التقليد والاتباع، لعدم عموم حكمها من جهة، ولأن القوم أهل إشارة لا أصحاب عبارة من جهة ثانية، مع ضرورة التسليم لأصحابها، لأنهم أهل صدق وصلاح، وأبعد عن الكذب والادعاء.

    ـ فيما يخص منهجه العقدي من طريق العلوم الكسبية، أي علم الكلامي الأشعري، فقد أظهر الشيخ زروق ميله الصريحَ لمذهب التفويض دون التأويل في كل المتشابهات، وإن أقر بمسلك التأويل حينما لا يكون عنه بديل، وهو مذهب عموم الصوفية مشرقا ومغربا، بل هو اختيار السلف وجلِّ علماء الأمة قديما وحديثا.

    وعموما، فقد جمَّل الإمام زروقٌ ـ رحمه الله ورضي عنه ـ  الدرسَ العقدي الأشعري بنفحات صوفية صريحة، وأذواقٍ وجدانية مليحة، مبتعدا عن الشطح الصوفي الفلسفي، مقرا بحقيقة الكشف الإلهي، فصارت العقيدة ـ في عرض الرجل ـ جامعةً بين المناهج السلفية، والأنظار العقلية، والفتوحات الربانية اللدنية.

    في ختام هذا التقرير أتقدم بخالص الشكر والامتنان، وعظيم التقدير والاحترام لأستاذيّ الجليلين الكريمين، المشرفيْن على هذه الأطروحة، فضيلةِ الدكتور: محمد التمسماني، وفضيلةِ الدكتور: محمد الروكي، اللذيْن ـ رغم التزاماتهما العديدة ـ لم يتأخر أحدهما علي يوما ما، بالتوجيه والإرشاد والتصحيح والتعديل في شكل الرسالة ومضمونها. فبارك الله في علمهما وصحتهما وأوقاتهما، وجزاهما عني وعن هذا البحث خير الجزاء، وأوفى لهما العطاء، وحقَّق لهما الرجاء.

    كما أتقدم بالشكر الجزيل، لأعضاء هذه اللجنة العلمية المباركة، فضيلة الدكتور: توفيق الغلبزوري، وفضيلة الدكتور: محمد الشنتوف، وفضيلة الدكتور:  محمد أوغانم، على قبولهم فحص أطروحتي ومناقشتها، سائلا الله تعالى أن يبارك جهودَهم في خدمة العلم وطلبته.

    وخالصُ الشكرِ والامتنانِ موصولٌ أيضا لجميعِ أساتذة وإداريي كليتنا العتيدة، كليةِ أصول الدين، الذين تشرفت بمعرفتهم والقرب منهم، والنهلِ من جميلِ أخلاقهم ومعارفهم طوال سنوات الدكتوراه.

    كما لا أنسى عائلتي وشيوخي وأساتذتي وأصدقائي الذين جاءوني من مناطق مختلفة، لمشاركتي هذا اليوم البارزَ في حياتي العلمية، خاصة أستاذَ الأجيال، فضيلة العلامة الدكتور سيدي: محمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، سائلا الله تعالى أن يحفظه في صحته، ويبارك جهودَه العلمية والفكرية التي نفعت وتنفع البلاد والعباد.

    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق