مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

سيدي سعيد أويوسف الحنصالي

الأصل و النسب:

  هو سعيد بن يوسف بن محمد بن لحسن الحنصالي الملقب بأبي عثمان، عاش خلال القرن السابع عشر، المصادر التاريخية لا تعطينا سنة ولادته.

هو من سلالة دادا سعيد أحنصال مؤسس الزاوية الحنصالية الأم الموجود مقرها اليوم بزاوية أحنصال، يقول في هذا الإطار صاحب نشر المثاني في الترجمة له: “ومنهم الشيخ المرابط سعيد أحنصال – بهمزة أوله فحاء مهملة فنون ساكنة – صاحب الزاوية بأيت عطا”[1].

استطاع أن يخلد اسمه ضمن المتصوفة المشهورين بمنطقة تادلة حتى أنه استطاع نقل الزاوية الحنصالية بعد شبه موت لها في مركزها الأصلي، إلى إعطائها حياة جديدة، خاصة أثناء تأسيس زاوية أيت نضريف بواويزغت التي عرفت شهرة كبيرة مع ابنه يوسف بن سعيد تجاوزت النطاق التادلي. 

ارتبط اسمه أساسا بقبيلة أيت عطا، ولعب فيها دورا كبيرا انطلاقا من زاويته التي لعبت أدوارا مهمة في تأطير السكان دينيا ، بالإضافة إلى أدوارها الاجتماعية والاقتصادية. 

أما فيما يخص سنة وفاة الشيخ سعيد أحنصال فيحددها أحمد عمالك في معلمة المغرب في مادة زاوية أحنصال ب 1114 هـ / 1702 م، وهذا بالاستناد على نشر المثاني. ولكن عند عودتنا إلى هذا الأخير لا نجد أي ذكر لسنة الوفاة، واكتفى صاحب نشر المثاني بذكر اسمه و زاويته و طريقته[2].كما يعلن أحمد عمالك عن الالتباس الموجود في مكان وفاته ورجح دفنه بأيت مضريف[3]، وهو رأي نسير معه، لأنه حتى السكان المجاورين له و المشرفين على  الضريح يؤكدون وجود ضريحه هناك لكن مع بعض التحفظات بطبيعة الحال، وهذا أثناء زيااتي المتعددة إلى هذا المكان[4].

تعليمه:

ابتدأ تعليم أبو عثمان سعيد أحنصال بتعلم القران على يد فقيه من تسليت ( أيت تسليت حاليا جنوب بني ملال )، ولم يترك هذا الشيخ حتى ختم القران.

  وبعدها ازداد إصراره على طلب العلم، حيث توجه في عز شبابه إلى القصر الكبير شمال المغرب، ومكث فيها سبع سنين، وهذه المدينة كانت تابعة إلى الزاوية الدلائية[5].

  بالإضافة إلى أنه بعدما اكتمل تعليمه في هذه المدينة توجه إلى العاصمة العلمية للمغرب آنذاك وهي فاس، مكث فيها حوالي سبع سنوات، درس خلالها على ثلة من العلماء المشهورين في ذاك الوقت، ومنها انتقل إلى زاوية أخنوش بتافيلالت ، حيث بقي فيها للدرس و التعلم على يد شيوخها مدة سبع سنوات، خاصة على يد الشيخ أبو عبد الله محمد بن حفيظ المنتمي إلى بني محمد[6].

وأثناء سفره إلى المشرق نلاحظ أن سعيد أحنصال لم يتوقف عزمه على طلب العلم، وخلال هذه الرحلة نجده تلقى تعاليم الصوفية و بالضبط المنظومة الدمياطية المشهورة على يد الشيخ عيسى الجنيدي الدمياطي[7].

وبعد عودته من المشرق توجه إلى زاوية تامكروت، ومنها أخد على شيخها تامكروت، الذي لقنه مناهج الإمام الشاذلي، كما أخد عن أربعة عشر شيخا آخرين هناك.

كما توجه بعد ذلك إلى تامجوت، حيث تتلمذ على سيدي علي بن عبد الرحمان التامجوتي، وهو الذي أمره بتأسيس الزاوية بأيت مضريف[8].

أحواله:

  قضى الشيخ سعيد أحنصال مدة طفولته في الرعي عند عمه، وبعد أن هرب من عنده بدأت رحلته في طلب العلم، وكانت مدة طويلة استطاع أن يجول فيها مناطق مهمة ويتعلم فيها الكثير[9]. وفي طفولته هذه يقول عيسى العربي أثناء الحديث عن الزاوية الحنصالية: “لقد ابتلي سعيد ابن يوسف الحنصالي باليتم بفقد والده وهو طفل صغير، وكانت عناية عمه برعايته وتربيته قليلة، إذ جعل منه راعيا للغنم فقط الشيء الذي لم يرضى عنه، فقرر يوما الفرار لحفظ القران الكريم على يد فقيه  بتسليت[10]

وفي حاله يقول كذلك الإفراني في الصفوة: ” كان رحمه الله فقيها ناسكا سالم الطوية منور السريرة، طاف الأرض لملاقاة المشايخ شرقا و غربا، فلقي منهم عصابة وسلب من حاله مرارا، وكانت له مشاركة في علم الظاهر ومعرفة بالمقارئ العشرة مع الورع التام، والدين المتين، والوقوف مع [ظاهر] الشرع”[11].

ذهب لأداء مناسك الحج فألم به مرض هناك فاضطر إلى المجاورة بالمدينة المنورة ثلاث سنوات، وبعد عودته زار ضريح أبي العباس المرسي بالإسكندرية، وتجلى له – في رؤيا_ أربعين وليا، يتوسطهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمنحوه السوط إشارة إلى الإذن له بالعودة إلى المغرب[12].

وفي طريق العودة تعرض سيدي سعيد للسلب و النهب بتلمسان. ومن شدة الخوف و التعب نسي كل ما حصله من علم بالمشرق. فخارت قواه وفقد الذاكرة و الحال الصوفي الشيء الذي حفزه على استئناف الطلب و التلمذة، وانتقل إلى تامكروت للتعلم على يد الشيخ محمد بن ناصر الذي لقنه تعاليم الشاذلية، واسترجع ذاكرته بعد ذلك[13]

وبعده توجه إلى عبد الرحمان بن علي الدرعي وبقي عنده إلى أن مات، ومن تاموجوت انطلق إلى أيت نضريف، حيث أسس هناك زاوية أيت نضريف على بعد حوالي أربع كلمترات غربي ووزغت[14].  

وعاش عيشة الزاهد الورع مهتما فقط بالشؤون الدينية و بمريديه يلقن لهم مبادئ التصوف دون الدخول في الشؤون الدنيوية التي تركها لولده يوسف بن سعيد، ولم تلعب الزاوية أدوارها التاريخية إلا بعد وفاته، وفي هذا الإطار يقول الإفراني: ” وكان يلقن الأسماء الحسنى، و يحض على الإبتهال إلى الله بكرة و أصيلا”[15].

وقد ساهمت الأعمال التي كان يقوم بها سعيد أحنصال في شهرة الزاوية و كثرة أتباعها، خاصة في عهد إبنه يوسف بن سعيد الذي جمع حوله قبائل أيت عطا.

الطريقة الحنصالية:

لقد استطاع سعيد أبو عثمان الحنصالي بفعل معارفه و تجواله على المتصوفين أن يؤسس للطريقة الحنصالية، التي كانت مزيجا بين مجموعة من المشارب التي تعلمها وكذلك زيادة بعض التحسينات عليها. و استطاعت هذه الطريقة أن تعرف انتشارا كبيرا في المغرب وخارجه، وهذا يظهر في التوسع الذي عرفته خاصة بعد موت أبو عثمان ورئاسة إبنه يوسف للزاوية[16]

وكان من أهم أسس الطريقة الحنصالية التي كانت تعلم بالزاوية نجد المنظومة الدمياطية التي تعلمها سعيد أبو عثمان في مصر، وكذلك تعلم أسماء الله الحسنى، التي كانت كورد أساسي للزاوية. دون أن نغفل في هذا الإطار الورد الجزولي الذي كان أيضا أساسي و لابد من الأخذ به من طرف جميع المريدين، و الذي تعلمه سعيد أبو عثمان من شيخه علي بن عبد الرحمان الدراوي و الذي أذن له بتلقينه للمريدين، وفي هذا الإطار يقول محمد بن الطيب القادري: ” ينسب في الطريقة في الأخذ للشيخ الحسن بن علي بن عبد الرحمان الدراوي دفين تادلا”[17].     

أما فيما يخص الزاوية فقد كانت كما تم ذكره سابقا مشتهرة بفضل هذا الشيخ و خاصة مع بروز طريقته، وظلت طيلة حياة الشيخ تلعب أدوارا مهمة في جميع المجالات، حيث كان الشيخ يهتم بالتأطير الديني للسكان و كذلك مساعدة الناس إجتماعيا، وترك لولده يوسف كل ما يتعلق بالشؤون الدينية، وهو ما أكسبه خبرة مهمة في التعامل مع المشاكل التي سيواجهها فيما بعد.

خاتمة:

يظهر من خلال هذه العروض التي حاولنا من خلاله ترجمة علمين من أعلام منطقة واويزغت أن هذه المنطقة عرفت كغيرها من المناطق بالمغرب عامة و الجهة خاصة حركة صوفية مهمة ساهمت بشكل أو بآخر في تحريك تاريخ المنطقة و بروزها ضمن التاريخ العام للمغرب.

لقد لعب الأعلام الذين تناولنا ترجمتهم أدوارا مهمة خلال  حياتهم بالمنطقة، وهذا ما يظهر خلال عرضنا هذا المتواضع الذي حاول لمس بعض جوانب من شخصية سيدي امحند و كذلك سيدي سعيد أويوسف و بطبيعة الحال انطلاقا من المصادر المتوفرة لدينا. 

و هنا أريد أن أشير إلى أن عملنا هذا يبقى بداية لبحث عميق نتمنى في المستقبل أن نتمكن من الحصول على بعض الوثائق و المصادر من أجل المساهمة في دراسة تاريخ المنطقة خاصة و الجهة عامة.

الهوامش:

[1] نشر المثاني: محمد بن الطيب القادري: ص:144

[2] نفس المصدر : ص:144

[3] أحمد عمالك، مادة ووزغت ، معلمة المغرب ، الجزء: 22 ،ص: 184

[4] بحث ميداني

[5] أحمد عمالك، مادة زاوية أحنصال،معلمة المغرب، الجزء : الأول، ص : 184

[6] مولاي أسكور، أحمد مدود ، مقاومة الزاوية الحنصالية للإستعمار الفرنسي 1908_1933 ، بحث لنيل الإجازة، السنة الجامعية :2007

[7] أحمد عمالك، مادة زاوية أحنصال،معلمة المغرب ، الجزء : الأول ، ص : 184

[8]

 magali morsy . les ahnsala : examen du role historique d’une famille maraboutique de l’atlas marocain Au 18 siécle ;maison des sciences de l’homme ; paris, moton, la haye ; imprimé aux pays-bas ;p :6

[9] أحمد عمالك، مادة زاوية أحنصال،معلمة المغرب ، الجزء : الأول ، ص :184

[10] عيسى العربي، قبيلة أيت عتاب : السكان وحياتهم الدينية عبر التاريخ. الطبعة: الأولى ، السنة : 1992 ، مطبوعات الأفق، الدار

البيضاء، ص: 326

[11] محمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله: صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، تحقيق:د. عبد المجيد خيالي، مصدر سابق،صص: 356_357

[12] أحمد عمالك، مادة زاوية أحنصال،معلمة المغرب ، الجزء : الأول ، ص :184

[13] نفسه.

[14]

magali morsy . les ahnsala : examen du role historique d’une famille maraboutique de l’atlas marocain Au 18 siécle . ibid p :6

[15] محمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله: صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، مصدر سابق، ص:357

[16] عيسى العربي، قبيلة أيت عتاب : السكان وحياتهم الدينية عبر التاريخ. الطبعة: الأولى ، السنة : 1992 ، مرجع سابق ، ص: 322

[17] حمد بن الطيب القادري، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، الجزء: الثالث ، ص:144

د.منير روكي

 باحث في التاريخ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق