مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

سلسلة التعريف بالمصادر النحوية 1- كتاب سيبويه

كتبته: فرح الشويخ الباحثة بمركز ابن أبي الربيع السبتي
تمهيد
يعد علم النحو من أجل العلوم التي وضعت لحفظ اللغة العربية من اللحن وضبط قواعدها، إذ به يتوصل إلى أعظم مطلوبين هما: المحافظة على كتاب الله تعالى والمحافظة على كلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وتزخر المكتبة النحوية العربية بمؤلفات جليلة كان لها فضل واسع في إرساء قواعد هذا العلم ومبادئه الأولى، وضبط أصوله ومسائله، حتى غدت مصادر وأمّات لغيرها من الكتب، وسنقوم إن شاء الله تعالى في هذه السلسلة بالتعريف بأهم المصادر النحوية العربية التي لا غنى لطالب العربية عنها، وأولها «كتاب سيبويه» الذي يعد المصدر الأول والأهم بين هذه الأمات، والذي سماه القدماء “قرآن النحو”.
التعريف بالمؤلِّف:
اسمه ومولده:
إمام النحو، حجة العرب عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري (1)، يكنى أبا بشر وأبا الحسن، شيخ النحاة وإمامهم جميعا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب مع حداثة سنه (2)، ولد سيبويه بقرية من قرى شيراز، يقال لها “البيضاء” من عمل فارس، ثم قدم البصرة (3)إلا أنه لم يعرف بالضبط تاريخ ميلاده.

 تمهيد

يعد علم النحو من أجل العلوم التي وضعت لحفظ اللغة العربية من اللحن وضبط قواعدها، إذ به يتوصل إلى أعظم مطلوبين هما: المحافظة على كتاب الله تعالى والمحافظة على كلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وتزخر المكتبة النحوية العربية بمؤلفات جليلة كان لها فضل واسع في إرساء قواعد هذا العلم ومبادئه الأولى، وضبط أصوله ومسائله، حتى غدت مصادر وأمّات لغيرها من الكتب، وسنقوم إن شاء الله تعالى في هذه السلسلة بالتعريف بأهم المصادر النحوية العربية التي لا غنى لطالب العربية عنها، وأولها «كتاب سيبويه» الذي يعد المصدر الأول والأهم بين هذه الأمات، والذي سماه القدماء “قرآن النحو”.

التعريف بالمؤلِّف:

اسمه ومولده:

إمام النحو، حجة العرب عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري (1)، يكنى أبا بشر وأبا الحسن، شيخ النحاة وإمامهم جميعا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب مع حداثة سنه (2)، ولد سيبويه بقرية من قرى شيراز، يقال لها “البيضاء” من عمل فارس، ثم قدم البصرة (3)إلا أنه لم يعرف بالضبط تاريخ ميلاده.

شيوخه وتلامذته:

أخذ سيبويه النحو عن الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي ولازمه وتتلمذ له، وكان كثير المجالسة له، يقول الأزهري(370هـ):”جالس الخليل بن أحمد وأخذ عنه مذاهبه في النحو”(4)، وإلى جانب الخليل تتلمذ سيبويه لألمع شيوخ زمانه نذكر منهم: حماد بن سلمة بن دينار البصري، وأبو الخطاب الأخفش الأكبر، ويعقوب بن إسحاق البصري القارئ، وعيسى بن عمر الثقفي البصري، وكذلك أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري، ومن شيوخه أيضا هارون بن موسى النحوي.

أما تلاميذه الذين أخذوا عنه علم النحو فأبرزهم ثلاثة وهم: أبو الحسن الأخفش الأوسط، وقطرب الذي كان ملازما له، وكذلك الناشئ، وكان المبرد يقول:« أحفظ من أخذ عن سيبويه الأخفش ثم الناشئ ثم قطرب»(5).

وفاته:

اختلف المؤرخون في السنة التي توفي فيها سيبويه، فقيل: إنه توفي سنة 180هـ، وقيل سنة 194هـ، وقيل مات سنة 188هـ، والأرجح أن تكون وفاته سنة 180هـ(6)، وقد رثاه الزمخشري بقوله:

ألَا صَلَّى الإله صَلَاة صِدْق        على عمرو بن عثمان بن قنبرْ

فإن كتَابه لم يغن عــنه         بنو قلم ولا أبــناء منبرْ(7)

التعريف بالمؤلَّف:

مكانته وأهميته وثناء العلماء عليه:

ذكر صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس(417هـ) قال: “لا أعرف كتابا ألف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب: أحدها المجسطي لبطلميوس في علم هيئة الأفلاك، والثاني كتاب أرسطاطاليس في علم المنطق، والثالث كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كلّ واحد من هذه [الكتب الثلاثة] لم يشذّ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له”(8).

حظي كتاب سيبويه بين كتب النحو العربية بمكانة عالية، وأقبل عليه كبار العلماء قدماء ومحدثين إقبالا متناهيا، وعكفوا على خدمته بين شارح ومعلق ومختصر؛ منهم المشارقة ومنهم المغاربة والأندلسيون، وقد أحصى محقق الكتاب «عبد السلام محمد هارون» نحو خمسة وخمسين شرحا، بين شرح للكتاب كلّه مثل «شرح السيرافي»، وشرح مشكلاته ونكته وأبنيته مثل «شرح الزبيدي الموسوم بـالاستدراك على سيبويه في كتابة الأبنية والزيادات»، أو شرح شواهده مثل «شرح الأعلم الشنتمري تحت عنوان: النكت في تفسير كتاب سيبويه وتبيين الخفي من لفظه وشرح أبياته وغريبه»، وممن اختصره أو اختصر شروحه مثل «تلخيص أبي حيان الأندلسي لشرح الصفار وسماه: الإسفار الملخص من شرح سيبويه للصفار»، وممن ألف في الاعتراض عليه، أو الرَّد على تلك الاعتراضات نذكر كتاب المبرد « الرد على سيبويه»، وممن شرحه من المعاصرين الدكتور هادي نهر وسماه « الشرح المعاصر لكتاب سيبويه».

وقد أثنى عليه العلماء ثناء جميلا ومن ذلك ما قاله الجاحظ(255هـ): “أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم، ففكرت في شيء أهديه له، فلم أجد شيئا أشرف من كتاب سيبويه، فلما وصلت إليه قلت، لم أجد شيئا أهديه لك مثل هذا الكتاب، وقد اشتريته من ميراث الفرّاء، فقال: والله ما أهديت لي شيئا أحبّ إليّ منه”(9)، وكان يقول أيضا:” لم يكتب الناس في النحو كتابا مثله، وجميع كتب الناس عليه عيال”(10)، وقال ابن سلَّام:”كان سيبويه النحوي غاية الخلق في النحو وكتابه هو الإمام فيه”(11).

وقال ابن خلكان في «وفيات الأعيان»:” كان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو، ولم يوضع فيه مثل كتابه”(12).

 ومن طريف ما يروى في شأن الكتاب أن المبرّد كان إذا أراد أحد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له: هل ركبت البحر! تعظيما له، واستعظاما لما فيه”(13).

ويقول القفطي: ” وعمل كتابه المنسوب إليه في النحو وهو مما لم يسبق إليه أحد” (14).

وكان أبو عثمان المازني (249)يقول:” من أراد أن يعمل كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي” (15).

ويقول الذهبي:” وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير لا يدرك شأوه فيه”(16).

ويقول أبو جعفر أحمد بن محمد: لم يزل أهل العربية يفضلون كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، المعروف بسيبويه، حتى لقد قال محمد بن يزيد:” لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه، وذلك أن الكتب المصنفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج من فهمه إلى غيره”(17).

مضامينه:

لا ريب في أن كتاب سيبويه – كما يقول المحقق عبد السلام هارون – إنما هو لقاح جهود النحاة الذين سبقوه؛ إذ لا يعقل أن يبتدع سيبويه هذا العلم المتكامل دون أن يفيد من تلك الجهود الأصيلة التي رسمت كثيرا من أصول النحو ومسائله ومقاييسه وعلله(18)، وخاصة جهود أستاذه الخليل بن أحمد ذِي «العقل الجبار المبتكر الذي قَلَّ أن يوجد له نظير في علماء ذلك العصر»(19)، والذي كان له الفضل الأكبر في الكتاب.

ويمثل الكتاب خلاصة الفكر النحوي العربي، وجمع أبو عذره بين دفتيه مسائلَ علم النحو وكذلك مسائل علم الصرف – علما بأن العلمين كانا مترابطين في أول الأمر- ، فقسم مادة كتابه إلى قسمين: القسم الأول خاص بعلم النحو، والقسم الثاني أتى فيه بمسائل علم الصرف، وهو كثير الأبواب جدا(20) بحيث بلغ عدد أبوابه ثمانمائة وعشرين بابا أولها باب «ما الكلم من العربية».

وقد كان حاجي خليفة يرى أن الكتاب” ليس فيه: ترتيب، ولا خطبة، ولا خاتمة”(21)، في حين يرى أحد الباحثين المعاصرين أن الأبواب السبعة المختصرة التي ابتدأ بها سيبويه كتابه تشكل مقدمة شاملة أقام عليها سيبويه بعد ذلك جل كتابه(22)، وقد تناول في هذه الأبواب السبعة أقسام الكلام العربي والمبني والمعرب من الأسماء والأفعال، وكذلك المسند والمسند إليه.

وينتقل بعد ذلك إلى عرض العلاقات التركيبية أو الوظائف النحوية في العربية كالفاعل والفعل والمفعول واسم الفاعل والصفة المشبهة والمصدر، وهذا ما يؤكد على أنه سار في عرض مادة كتابه على أساس الوظيفة النحوية التي تؤديها الكلمة في الجملة أو التركيب.

 وقد جعل القسم الثاني من الكتاب خاصا بمسائل الصرف بدءًا بالقلب المكاني والإلحاق وحروف الزيادة، مرورا بمعاني الصيغ الصرفية وأبنية الأفعال والأسماء وغيرها من المسائل الصرفية التي بسط القول فيها تبسيطا بما في ذلك الإعلال والإبدال والقلب، وانتهاء بالمسائل الصوتية التي تحدث فيها عن الحروف العربية الأصلية والفرعية، وكذلك مخارج هذه الحروف وصفاتها.

منهجه:

يكاد يجزم أغلب الباحثين أن سيبويه لم يضع نصب عينه منهجية محددة أثناء تأليفه للكتاب، ولعل العلةَ في ذلك ما تقتضيه سُنَّةُ النشوء؛ فالنحو كانَ في بادئ الأمر نتفا متفرقة حتى جمعها سيبويه في كتاب يعد أول ما وصلنا من التأليف في النحو، ويذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى أن الكتاب قائم على أسس منهجية ثابتة قوامها سمة التدرج من الأصول النحوية والصرفية إلى دراسة الفروع والجزئيات، إلى جانب السماع والقياس والتعليل.

ولا ريب في أن أسلوب الكتاب يشوبه الكثير من الغموض، فقد ضمنه صاحبه الكثير من العبارات الصعبة والغريبة وفي ذلك يقول ابن كيسان: «نظرنا في كتاب سيبويه فوجدناه في الموضع الذي يستحقه، ووجدنا ألفاظه تحتاج إلى عبارة وإيضاح، لأنه كتاب ألف في زمان كان أهله يألفون مثل هذه الألفاظ، فاختصر على مذاهبهم»(23)، وقد شكل هذا الجانب مجالا خصبا للتأليف النحوي من خلال إقامة الشروح على الكتاب بغية تبسيط مسائله ولغته وكشف غوامض فنونه، وكذلك شرح شواهده التي عزز بها ما عرضه في كتابه هذا، وهي نحو خمسين وألف شاهد تنوعت بين القرآن الكريم والسنة النبوية والشعر العربي وغيرها من الشواهد التي اعتمدها في سن قواعد النحو العربي.

طبعاته:

نشر كتاب سيبويه وطبع عدة طبعات، ومنها حسب التسلسل الزمني:

الأولى: على يد المستشرق الفرنسي « هرتويغ درنبرغ» تحت عنوان « كتاب سيبويه المشهور في النحو واسمه الكتاب» في مجلدين اثنين، وذلك سنة 1881م، وطبع في المطبعة الأهلية بباريس.

الثانية: طبعة كلكتا في الهند تحت عنوان « هذا الكتاب اسمه الكتاب، وهو في النحو مثل أم الكتاب، بتصحيح المفتقر إلى الله أحد، كبير الدين أحمد»، وذلك سنة 1887م.

الثالثة: طبعة  المطبعة الأميرية ببولاق التي اتخذت من طبعة باريس أصلا لها، وقد أشرف على طبعها «محمود مصطفى»، وذلك سنة 1896م، يقول بروكلمان:” وأصح طبعات الكتاب طبعة بولاق”.

الرابعة: طبعة بغداد وهي عبارة عن طبعة مطابقة لطبعة بولاق اعتنى بها الأستاذ قاسم رجب.

الخامسة: وهي عبارة عن شرح وتحقيق وتخريج وضبط لما جاء في الكتاب، قام به المحقق عبد السلام محمد هارون، في خمسة أجزاء نشرته مكتبة الخانجي بالقاهرة، عام 1966م.

السادسة: طبعة دار الكتب العلمية، بتحقيق إميل بديع يعقوب في خمسة أجزاء أيضا، وذلك سنة 1999م.

السابعة: قام بها الدكتور محمد كاظم البكاء، تحت عنوان «كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان  بن قنبر الملقب بسيبويه تصنيف منهجي وشرح وتحقيق علمي»، في ستة مجلدات، من منشورات زين الحقوقية الأدبية، وذلك سنة 2015م، اعتمد في التحقيق على نسخ مخطوطة قديمة من الكتاب، وعلى نسخة نفيسة لم يطلع عليها أحد من الذين نشروا الكتاب، وفيها إضافات مهمة ومخالفة لغيرها.

وفي الختام يمكن القول: إن هذا الصرح العلمي الذي بناه سيبويه ما زال يتصدر قائمة مصادر النحو العربية على مرور السنين وتواتر التأليف في النحو، “وما زال كتاب سيبويه – على كثرة ما ألف بعده من كتب النحو- هو المورد العذب، فلم تتغير بهجته، ولم تخلق جِدته وما ذهب بهاؤه، ولا خمد سناؤه، فهو كالدوحة الباسقة وغيره أغصان لها وفروع، وكالنهر المتدفق يغذي فروعه وجداوله”(24).

ــــــــــــــــــ

الهوامش:

1-سير أعلام النبلاء 8/351.

2-مقولةللعيشي أو ابن عائشة، إنباه الرواة على أنباه النحاة 2/352.

3-طبقات النحويين ص:66.

4-تهذيب اللغة 1/17.

5- معجم الأدباء 3/1376.

6-مقدمة تحقيق الكتاب لعبد السلام محمد هارون 1/19.

7-البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة 1/224.

8-معجم الأدباء5/2124.

9-مسالك الأبصار في ممالك الأمصار 7/86.

10-المصدر نفسه.

11-نزهة الألباء في طبقات الأدباء ص:55.

12-وفيات الأعيان3/463.

13-نزهة الألباء في طبقات الأدباء ص:55، بغية الوعاة 2/229.

14-إنباه الرواة على أنباه النحاة 2/346-347.

15-نزهة الألباء في طبقات الأدباء ص:56.

16-سير أعلام النبلاء 8/351.

17-خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 1/371.

18-مقدمة تحقيق الكتاب لعبد السلام محمد هارون 1/25-26.

19-ضحى الإسلام 2/222.

20-كشف الظنون 2/1428.

21-المصدر نفسه.

22-الشرح المعاصر لكتاب سيبويه 1/9.

23-خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 1/371.

24-فهارس كتاب سيبويه ودراسة له ص:26.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق