وحدة الإحياءمفاهيم

نظرات في قواعد تفسير القرآن الكريم

توطئة

قواعد التفسير مجموعة من الضوابط يستفيد منها المقدم على تفسير القرآن الكريم والباحث عن معاني آياته والمستنبط لدلالات أحكامه، فهي قواعد تعين المفسر، وتيسر له سبيل الفهم والاستقراء والاستنباط، والعلم بها والانضباط لما تقتضيه هما اللذان يؤهلان المفسر لإدراك مراد الله تعالى في كتابه…

والقواعد جمع قاعدة، المراد بها: أصول التفسير وأسسه التي يقوم عليها، فالقاعدة في اللغة أصل الأس والقواعد الأساس[1]، ومنه قوله تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت﴾ [البقرة: 127].

قال أبو عبيدة ت 211ﻫ: “قواعد البيت أساسه، مخفف، والجميع أسس”[2]. وقال ابن المبارك اليزيدي ت 237ﻫ: “(قواعد البيت) أساسه، الواحدة منه قاعدة ويقال قاعد”[3].

وفي “معاني القرآن” للزجاج ت 311ﻫ: “القواعد واحدتها قاعدة وهي كالأساس والأس للبنيان، إلا أن كل قاعدة فهي للتي فوقها”[4].

وقال الفيروز أبادي ت 817ﻫ: “القعود ورد في التنزيل على سبعة أوجه: بمعنى القرار…، بمعنى التخلف…، بمعنى المكث…، بمعنى عجز النساء…، بمعنى أساس الأبنية (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت)، بمعنى رصد الطريق…، بمعنى القعود الذي هو ضد القيام…”[5].

فقواعد التفسير أسسه وأصوله، اصطلح عليها بذلك للتمييز بينها وبين مصادر التفسير وآدابه وغير ذلك من العلوم التي تخدم تفسير القرآن الكريم.

وهذه القواعد كثيرة، تدرس طائفة منه ضمن “أسباب اختلاف المفسرين” أو ضمن “مباحث الألفاظ” في علم أصول الفقه…

وأهم هذه القواعد:

1. عام القرآن يبقى على عمومه حتى يرد دليل التخصيص.

2. العدول عن المعنى الظاهر من لفظ القرآن لا يكون إلا بدليل.

3. العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

4. المدني من القرآن ينزل في الفهم على المكي.

5. اختلاف المعنى باختلاف الرسم.

6. تحديد المعنى لا يكون إلا من خلال سياق القرآن.

7. اختلاف القراءات يعدد المعنى.

8. المتشابه من الآيات تابع للمحكم منها.

9. المعنى الشرعي مقدم على اللغوي… الخ.

فهذه القواعد مجموعة من الضوابط المنهجية يطالب المقدم على التفسير عامة بمراعاتها وتطبيقها خلال بحثه عن معاني القرآن ودلالاته.

وقد جمع طائفة من هذه القواعد أبو الحسن حازم القرطاجني (ت 684ﻫ) ضمن “منهاج البلغاء وسراج الأدباء” فقال:

“ويجب أن يتحرى في التفسير مطابقة المفَسِّر المفَسَّر وأن يتحرز في ذلك من نقص المفسر عما يحتاج إليه في إيضاح المعنى المفسر، أو أن تكون في ذلك زيادة لا تليق بالغرض أو أن يكون في المفسر زيغ عن سنن المعنى المفسر وعدول عن طريقه حتى يكون غير مناسب له ولو من بعض أنحائه، بل يجهد في أن يكون وفقه من جميع الأنحاء”.

وأضاف الزركشي في البرهان بعد نقل كلام حازم: “وعليه بمراعاة الوضع الحقيقي والمجازي، ومراعاة التأليف، وأن يوافي بين المفردات وتلميح القواعد”[6].

هذا وقد كتب العديد من المعاصرين في قواعد التفسير كالشيخ مناع خليل القطان في “مباحث في علوم القرآن” ود. فهد الرومي في “بحوث في أصول التفسير وقواعده”… أما ما نشره خالد عبد الرحمن العك في “أصول التفسير وقواعده” فلا يعدو كونه “انتحالا” قبيحا لفصول ومباحث من أطروحة دكتوراه محمد أديب صالح المنشورة، والمشهورة لدى طلبة العلم والموسومة بـ”قواعد تفسير النصوص في الفقه الإسلامي” في مجلدين كبيرين.

القاعدة الأولى: عام القرآن يبقى على عمومه حتى يرد دليل التخصيص

قد يأتي اللفظ في القرآن باعتبار وضعه للمعنى عاما بحيث يدل بوضعه اللغوي على شموله واستغراقه لجميع الأفراد التي يصدق عليها معناه من غير حصر في كمية معينة[7].

ومهمة المفسر الاجتهاد في معرفة دلالة اللفظ العام، وهل هو باق على عمومه أم ورد ما يخصصه؟

أولا: المراد بالعموم فيما نزل من القرآن                                                        

يعرف العام عند العلماء في أصول الفقه بأنه: “كون اللفظ مستغرقا لكل ما يصلح له، وفي مقابلته الخصوص، وهو كونه مقصورا على بعض ما يتناوله”.

ومثل له الشافعي (ت 204ﻫ) في “الرسالة” بقوله:

“… قال الله تبارك وتعالى: ﴿الله خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل﴾، وقال تبارك وتعالى: (خلق السماوات والأرض)، وقال: ﴿وما من دابة في الاَرض إلا على الله رزقها﴾ [سورة هود: 6]، فهذا عام لا خاص فيه.ﻫ

قال الشافعي: فكل شيء من سماء وأرض، وذي روح وشجر وغير ذلك: فالله خلقه، وكل دابة فعلى الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها”[8].

والعبرة في صيغ العموم، بالنسبة لألفاظ القرآن، إنما تكون بوجه الاستعمال عند العرب، وضابطها المقتضى من معنى الكلام ومقصد الشرع.

فالضابط الأول: مقتضى معنى الكلام يرجع فيه إلى ما حمل عليه اللفظ في كلام العرب…

والضابط الثاني: مراعاة المقصد الشرعي ذلك أن اللفظ القرآني العام قد يقصد به الله تعالى غير ما يتبادر إلى فهم العامة الذين نزل القرآن بلسانهم.

قال الشاطبي (ت 790ﻫ): “فالحاصل أن العموم إنما يعتبر بالاستعمال، ووجوه الاستعمال كثيرة، لكن ضابطها مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان.

فإن قوله: ﴿تدمر كل شيء بأمر ربها﴾ [الأحقاف:25]، لم يقصد به أنها تدمر السماوات والأرض والجبال، ولا المياه ولا غيرها مما هو في معناها، وإنما المقصود تدمر كل شيء مرت عليه مما شأنها أن تؤثر فيه على الجملة، ولذلك قال: ﴿فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم﴾، وقال في الآية الأخرى: ﴿ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم﴾[9]، وهذا المعنى واضح من خلال مقتضى معنى الكلام وما يتبادر إلى الفهم لغة…

وقد يفهم عامة العرب أو بعضهم اللفظ القرآني على عمومه، لكن يراد به خلاف ما فهموا مقصدا شرعيا أخص…

قال الشاطبي رحمه الله: “… ومثل ذلك أنه لما نزلت ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ قال بعض الكفار: فقد عبدت الملائكة، وعبد المسيح، فنزل: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾ الآية، إلى أشياء كثيرة سياقها يقتضي بحسب المقصد الشرعي عموما أخص من عموم اللفظ، وقد فهموا فيها مقتضى اللفظ وبادرت أفهامهم فيه وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، ولولا أن الاعتبار عندهم لما وضع له اللفظ في الأصل لم يقع منهم فهمه”[10].

ثانيا: وجوه الخطاب في القرآن باعتبار العموم والخصوص

يندرج الخطاب القرآني باعتبار عمومه وخصوصه في أربعة مراتب[11]:

خطاب العام المراد به العموم ومثله قول الله تعالى: ﴿إن الله لا يظلم الناس شيئا﴾ وقوله ﴿هو الذي جعل لكم الاَرض قرارا﴾، وهذا الخطاب كثير في القرآن.

خطاب الخاص والمراد به الخصوص ومثله قوله تعالى: ﴿أكفرتم بعد إيمانكم فذقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾، وقوله عز وجل ﴿هذا ما كنزتم لأنفسكم﴾.

ج. خطاب الخاص والمراد به العموم كقوله تعالى: ﴿يأيها النبئ إذا طلقتم النساء﴾  [الطلاق: 1]، فافتتح الخطاب بالنبي، صلى الله عليه وسلم، والمراد سائر من يملك الطلاق، وكقوله سبحانه: ﴿وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا﴾ [الإنسان: 10]، لم يرد به مخاطب معين، بل عبر بالخطاب ليحصل لكل واحد فيه مدخل مبالغة فيما قصد الله ما في ذلك المكان من النعيم والملك.

د. خطاب العام والمراد به الخصوص كقوله تعالى: ﴿وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس﴾ [البقرة: 13] يعني عبد الله بن أبي بن سلول، روى الواحدي: “نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه…[12]” وكقوله تعالى: ﴿إن الذين ينادونك من وراء الحجرات﴾ [الحجرات: 4]، كان الخطاب فيها لجفاة بني تميم وكان فيهم الأقرع بن حابس….[13].

وما جاء من القرآن عاما مستغرقا لكل ما يصلح له حسب مقتضى الكلام ومقصد الشرع، ولم يثبت ما يخصصه فإن حكمه يسري على كل ما يدل عليه.

قال الشاطبي رحمه الله: “العمومات إذا اتحد معناها وانتشرت في أبواب الشريعة أو تكررت في مواطن بحسب الحاجة من غير تخصيص فهي مجراة على عمومها على كل حال[14].

ثالثا: أنواع العام الوارد في القرآن الكريم

ينقسم العام باعتبار وجود دليل التخصيص أو عدمه إلى نوعين:

أ‌-   ما بقي عاما ولم يرد دليل تخصيصه فإنه يؤخذ على ظاهره ولا يصرف عن شموله إلا بالدليل.

ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم في حياته، صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته كانوا يجرون ألفاظ القرآن على العموم إلا ما ورد الدليل على تخصيصه.

أخرج الإمام البخاري (ت 256ﻫ) في “الجامع الصحيح” عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أملى عليه ﴿لا يستوي القاعدون من المومنين والمجاهدون في سبيل الله﴾ فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي، قال: يا رسول الله، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت – وكان أعمى- فأنزل الله على رسوله، صلى الله عليه وسلم، وفخذه على فخدي، فثقلت علي حتى خفت أن نرض فخدي، ثم سري عنه، فأنزل الله ﴿غير أولي الضرر﴾ [النساء: 95][15].

فكل خطاب نزل عاما، وانعدم دليل تخصيصه، ظل حكمه على عمومه بالنسبة لجميع المكلفين.

ب‌-   عام القرآن الذي خصص ينصرف حكمه إلى ما دل عليه المخصص. وقد يكون هذا المخصص، إذا ورد في القرآن نفسه، في سياق الآية ذاتها فيعتبر مخصصا غير مستقل، وقد يأتي في آية أخرى فيعتبر مستقلا.

قال الشاطبي: “وإذا تقرر ما تقدم، فالتخصيص إما بالمنفصل وإما بالمتصل، فإن كان بالمتصل كالاستثناء والصفة والغاية وبدل البعض وأشباه ذلك، فليس في الحقيقة بإخراج لشيء، بل هو بيان لقصد المتكلم في عموم اللفظ إذ لا يتوهم السامع منه غير ما قصد…، وأما التخصيص بالمنفصل فإنه كذلك أيضا راجع إلى بيان المقصود في عموم الصيغ…”[16].

  1. المخصص غير المستقل أو المتصل: ومثله في القرآن قوله تعالى: ﴿ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع﴾ [النساء: 12].

ومثله قول الله تعالى: ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان﴾ [النحل: 106]. فالمخصص غير المستقل هو ما يكون جزءا من النص العام، فهو غير تام بنفسه.

  1. المخصص المستقل أو المنفصل: وهو ما لا يكون جزءا من النص الذي ورد فيه اللفظ العام، ومثله قوله تعالى: ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ [البقرة: 228]، مع قوله تعالى: ﴿وأولات الاَحمال أجلهن أن يضعن حملهن﴾ [الطلاق: 4] فالمطلقة الحامل مخصوصة من هذا العموم، وكذلك قوله عز وجل: ﴿يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المومنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها﴾ [الأحزاب:49] فهذه الآية صرفت الأولى عن عمومها وخصصت، أيضا، المطلقة قبل الدخول[17].

وقاعدة كل عام يبقى على عمومه… “تعني أن لفظ الآية الذي يحتمل أكثر من معنى يفسر بكل معانيه حتى يقوم دليل على تخصيص أحدها دون الباقي[18]، ويستوي في ذلك الخطاب العام الذي أريد به العموم، والخطاب الخاص الذي أريد به العموم أيضا.

القاعدة الثانية: العدول عن المعنى الظاهر من لفظ القرآن لا يكون إلا بدليل

الظاهر في اللغة هو الواضح، وعند علماء أصول الفقه ما أغنى لفظه عن تفسيره، وقال الغزالي: هو المتردد بين أمرين وهو في أحدهما أظهر[19].

ونقل إمام الحرمين الجويني (ت 478ﻫ) عن أبي إسحاق الاسفراييني: “الظاهر لفظ معقول، يبتدر إلى فهم البصير بجهة الفهم منه معنى…”[20] ونقل عن القاضي الباقلاني أن الظاهر “هو لفظة معقولة المعنى لها حقيقة ومجاز، فإن أجريت على حقيقتها كانت ظاهرا، وإذا عدلت إلى جهة المجاز كانت مؤولة”[21].

ولخص الشاطبي مختلف ما عرف به الأصوليون الظاهر فذهب إلى أنه “المفهوم العربي المجرد”[22].

أولا: المراد بالظاهر من ألفاظ القرآن الكريم

الظاهر من ألفاظ القرآن هو المعنى الذي يفهم من الآية، والعبرة في ذلك بلسان عربي وبما عرف عند أهل البيان، لأن القرآن أنزل بلسان عربي مبين، ومقابل الظاهر هو المؤول أو الباطن، وباطن الآية أو تأويلها هو ما قد يكون مقصودا منها، أو مراد الله من كلامه إذا توفرت شروط ذلك المعنى المؤول أو الباطن.

ومن أمثلة ذلك ما أورده الشاطبي: “فعن ابن عباس قال كان عمر يدخلني مع أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال له عبد الرحمن بن عوف أتدخله ولنا بنون مثله: فقال عمر: إنه من حيث تعلم. فسألني عن هذه الآية: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ [النصر: 1] فقلت إنما هو أجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعلمه إياه، وقرأ السورة إلى آخرها، فقال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم[23].

فظاهر هذه السورة أن الله أمر نبيه، صلى الله عليه وسلم، أن يسبح بحمد ربه ويستغفره إذ نصره الله وفتح عليه، وباطنها أن الله نعى إليه نفسه”[24].

ومن أمثلة ذلك أيضا أنه لما نزل ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة﴾ [البقرة: 245] قال أبو الدحداح إن الله كريم استقرض منا ما أعطانا…[25].

وقالت اليهود: ﴿إن الله فقير ونحن أغنياء﴾ [آل عمران: 181]، ففهم أبو الدحداح هو الفقه وهو الباطن المراد، وفي رواية قال أبو الدحداح: يستقرضنا وهو غني فقال عليه الصلاة والسلام (نعم ليدخلكم الجنة) وفي الحديث قصة[26] وفهم اليهود لم يزد على مجرد القول العربي الظاهر ثم حمل استقراض الرب الغني على استقراض العبد الفقير عافانا الله من ذلك”[27].

ثانيا: إمكانية العدول عن المعنى الظاهر إلى المعنى الباطن أو المؤول

ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها فهو داخل تحت الظاهر فالمسائل البيانية والمنازع البلاغية لا معدل بها عن ظاهر القرآن[28].

والأخذ بالظاهر تبعا لذلك هو العمل بظاهر القرآن بجميع الدلالات وطرح التعويل على محض الرأي الذي لا يرجع إلى الكتاب والسنة بوجه من وجوه الدلالة…، ولا يعني الأخذ بالظاهر الجمود والوقوف على مطلق الظاهر وإهمال الاجتهاد في المسائل الاجتهادية كما نقل عن مذهب داود الظاهري[29].

وقد تتوفر للمفسر إمكانية العدول عن الظاهر إلى المعنى المؤول أو الباطن متى ظهر أن مراد الله تعالى من كلامه وخطابه غير المفهوم العربي المتبادر.

مثال ذلك أنه لما نزل قوله تعالى ﴿عليها تسعة عشر﴾ [المدثر:30] نظر الكفار إلى ظاهر العدد، فقال أبو جهل، فيما روي، لا يعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم، فبين الله تعالى باطن الأمر بقوله ﴿وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة إلى قوله: وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا﴾ [المدثر: 31].

لكن العدول عن الظاهر في تفسير القرآن وفهمه يخضع لضوابط منهجية حتى لا يؤدي الأخذ بالباطن أو المؤول إلى صرف ألفاظ القرآن عن ظواهرها بذريعة البحث عن الباطن المراد.

وقد نبه العلماء حين تعرضوا للتفسير بالرأي المذموم إلى ما تزعمه الإسماعيلية، من غلاة الشيعة، وما يزعمه ملاحدة التصوف الذين اصطلح عليهم – عند أهل العلم- بالباطنية…، فقد توقع هؤلاء أن يحاجهم العلماء بأدلة القرآن والسنة، فيبطلوا بدعهم ويكشفوا كفرهم، فجنح هؤلاء الباطنية إلى صرف جميع القرآن عن ظاهره، وبنوا رأيهم على أن الآيات رموز لمعان خفية باطنة لا يعلمها غيرهم[30].

وقد رد العلماء هذه البدعة، وفضحوا تفاسير الباطنية سواء كانوا إسماعيلية أو ملاحدة المتصوفة، من ذلك ما نقله الزركشي عن ابن الصلاح قال: “وقد وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي أنه صنف أبو عبد الرحمن السلمي (حقائق التفسير) فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر”[31].

ثالثا: ضوابط اعتبار المعنى الباطن أو المؤول

هناك شرطان اثنان لاعتبار الباطن هو مراد الله من خطابه في القرآن[32]:

الشرط الأول: أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب ويجري على المقاصد العربية، وهذا يقتضيه كون القرآن عربيا، فإنه لو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب لم يوصف بكونه عربيا بإطلاق، ولأنه مفهوم يلصق بالقرآن ليس في ألفاظه ولا في معانيه ما يدل عليه. وما كان كذلك فلا يصح أن ينسب إليه أصلا، إذ ليست نسبته إليه على أنه مدلوله أولى من نسبة ضده إليه ولا مرجح يدل على أحدهما، فإثبات أحدهما تحكم وتقول ظاهر، وعند ذلك يدخل قائله تحت إثم من قال في كتاب الله بغير علم، والأدلة المذكورة في أن القرآن عربي جارية هنا.

الشرط الثاني: أن يكون له شاهد نصا أو ظاهرا في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض… فلأنه إن لم يكن له شاهد في محل آخر أو كان له معارض صار من جملة الدعاوي التي تدعى على القرآن، والدعوى المجردة غير مقبولة باتفاق العلماء.

وعقب الشاطبي، رحمه الله، بقوله: “وبهذين الشرطين يتبين صحة ما تقدم أنه الباطن… بخلاف ما فسر له الباطنية فإنه ليس من علم الباطن كما أنه ليس من علم الظاهر”[33].

والمفسر لكتاب الله عليه أن يبتدئ بما دل عليه ظاهر اللفظ فيرجحه ما لم يبد ما يدل على صرف المعنى الظاهر إلى معنى باطن حسبما هو مقرر في ضوابط إخراج اللفظ عن ظاهر معناه[34].

القاعدة الثالثة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

سبب النزول هو ما نزل قرآن بشأنه وقت وقوعه، كحادثة تقع فينزل حكمها، أو سؤال يوجه فيأتي القرآن بالإجابة[35].

والعبرة في مرويات أسباب النزول بصحة الورود عن الصحابي أو التابعي، فما صح عن الصحابي من أسباب، وكانت عبارته صريحة وحازمة في السببية كان له حكم المرفوع[36].

قال صاحب تفسير “المباني”: “وما كان من هذا الوجه فإن أولئك الذين شاهدوا الأحوال وعرفوا سبب نزول الآيات من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم الذين بعدهم ممن كانوا من علم تلك الأحوال بمنزلة من شاهدها لقرب عهدهم بها، واستفاضة أخبارها لديهم وهم التابعون، ومن كان يجوز لهم تفسير آيات القرآن على مقتضى ما شاهدوه وعرفوه من سبب نزولها وأحوال من نزلت فيهم، وليس لمن بعدهم ممن لم يتحققوا تلك الأحوال إلا بأخبار تنقل إليهم على ألسنة الرواة مما لا يقطع على مغيبه باليقين أن يتعاطوا هذا الوجه من التفسير، وإنما عليهم أن يتبعوا أولئك السابقين، ويتطلبوا مذاهبهم وأقوالهم في ذلك، فيأخذوا  بما أجمعوا عليه أخذا لا معدل عنه، وينظروا فيما اختلفوا فيه فيتخيروا ما هو أهنأ وأهدى وأوفق بالأصول”[37].

أولا: شروط مرويات أسباب النزول التي يحتج بها في التفسير

لا يخلو حال هذه المرويات من أمرين: إما أن ترفع إلى الصحابي الذي شهد الوحي وإما أن ينتهي سندها إلى أحد أعلام التابعين المشهورين بالتفسير أو أكثر…

أ‌-   المرويات المرفوعة[38]: ما روي عن الصحابي يجب أن يكون متصل الإسناد إليه، فإذا كان كذلك كان حجة، وقد اعتبر بعض الأئمة المرفوع المتصل إلى الصحابي مسندا[39].

قال ابن تيمية: “وقد تنازع العلماء في قول الصاحب (نزلت هذه الآية في كذا) هل يجري مجرى المسند… أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند؟ فالبخاري يدخله في المسند، وغيره لا يدخله في المسند وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح”[40].

والشرط الثاني للمرويات عن الصحابي هو أن تكون عبارته صريحة في السببية لأنه يحتمل أن يراد بكلامه التفسير لا سبب النزول، وفي هذه الحالة نجد عبارته تتضمن فاء تعقيبية.

من ذلك ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه: “كان رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف… في بيت، فقال بعضهم لبعض: أترون أن الله يسمع حديثنا؟ قال بعضهم: يسمع بعضه، وقال بعضهم: لئن كان يسمع بعضه لقد يسمع كله، فأنزلت ﴿وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم﴾ [فصلت:22][41]“.

قال الزركشي: “… وقد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها[42]“.

ب- مرويات التابعين في أسباب النزول يشترط للاحتجاج بها:

  1. صحة الإسناد إلى التابعي.
  2. أن تكون عبارته صريحة في السببية.
  3. أن يكون من أئمة التفسير الذين أخذوه عن الصحابة.
  4. أن يعتضد برواية تابعي آخر.

فإذا اجتمعت فيه هذه الشروط كان له حكم الحديث المرسل[43].

قال الواحدي: “ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلب[44].

ثانيا: حاجة المفسر إلى معرفة أسباب النزول

المعرفة بالأسباب المتصلة بالتنزيل تعين المفسر في معرفة المعنى وإدراك الحكم المستفاد من الآية، وبدون ذلك يشكل الفهم ويشتبه الحكم.

وقال الزركشي: “معرفة أسباب النزول هو من أعظم المعين على فهم المعنى.. وكان الصحابة والسلف يعتمدونه”[45].

وقال الشاطبي: “الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات، ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف وذلك مظنة وقوع النزاع”[46].

روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه خلا ذات يوم فجعل يحدث نفسه كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟

فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيم نزل، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا…

وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان يرى الحرورية شرار الخلق، لأنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المومنين، وهذا هو الرأي الذي نبه ابن عباس عليه وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن[47].

روى البخاري في الجامع الصحيح “… أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل:  لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يعمل معذبا لنعذبن أجمعون، فقال: ابن عباس: ما لكم ولهذه؟ إنما دعا النبي، صلى الله عليه وسلم، يهود فسألهم عن شيء، فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم”[48].

ثالثا: حالات أسباب النزول في ارتباطها بآيات القرآن

إذا صحت رواية سبب نزول الآية فإن حالها لا يخلو من أمور ثلاثة:

أ. أن يتفق السبب مع لفظ القرآن في العموم فيكون السبب عاما واللفظ كذلك…

 روى النسائي في السنن، المجتبي، عن ابن عباس، رضي الله عنه، في قوله تعالى: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما﴾ [النساء: 10]، قال: كان يكون في حجر الرجل اليتيم، فيعزل له طعامه وشرابه وآنيته، فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله عز وجل ﴿وإن تخالطوهم فإخوانكم﴾ [البقرة: 220] فأحل لهم خلطتهم[49].

فإذا اتفق لفظ القرآن مع سبب نزوله في العموم حمل الحكم المستفاد على عمومه فيشمل المكلفين عموما.

  ب. أن يتفق السبب مع لفظ القرآن في الخصوص فيكون السبب خاصا واللفظ كذلك…، روى الطبري في تفسير ﴿وسيجنبها الأتقى الذي يوتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى﴾ [الليل:17-18]، قال أبو جعفر: “نزلت في أبي بكر أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا ستة أو سبعة…”[50].

وقد نسب إلى عروة قوله:  أبو بكر أعتق ستة كلهم يعذب في الله: بلال، وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وأم عيسى وأمة بني الموئل[51].

فإذا اتفق السبب مع اللفظ فيختص بمن نزل فيه.

ج. أن يكون السبب خاصا والآية نزلت بصيغة العموم فلا يخلو حال الآية من أمرين:

  1. أن يقوم دليل على تخصيص لفظ الآية فينصرف إلى ما يشهد له المخصص.

ففي تفسير: ﴿إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم﴾ [النور: 23]، روي عن ابن عباس رضي الله عنه: “هذه في عائشة وأزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يجعل الله لمن فعل ذلك توبة، وجعل على من رمى غيرهن توبة، بعد الحد، ثم قرأ  ابن عباس: ﴿والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم﴾ [النور: 4-5]، فجعل لمن قذف امرأة من المؤمنين التوبة ولم يجعل لمن قذف امرأة من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، توبة ثم تلا الآية ﴿لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم﴾، فهم بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس فيقبل رأسه لحسن ما فسر”[52].

  1. أن ينعدم دليل التخصيص: فالحكم الذي يؤخذ من اللفظ العام يتعدى صورة السبب الخاص إلى نظائرها، وهذا ما يصطلح عليه بـ”العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”.

قال ابن تيمية: “والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب، هل يختص بسببه؟ فلم يقل أحد من علماء المسلمين أن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص، فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ؛ والآية التي لها سبب معين إن كانت أمرا أو نهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته، وإن كانت خبرا بمدح أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته”[53]، وفي المعنى قال الزمخشري في تفسير أول سورة الهمزة: “… ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه”[54].

ومن صور سبب النزول الخاص الذي نزلت بشأنه آية عامة ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه في السعي بين الصفا والمروة  “كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله تعالى ﴿إن الصفا والمروة﴾ إلى قوله ﴿أن يطوف بهما﴾[55] [البقرة: 158].

قال السيوطي: “اختلف أهل الأصول هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟

والأصح عندنا الأول، وقد نزلت آيات في أسباب واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آية الظهار في سلمة بن صخر[56]، وآية اللعان في شأن هلال بن أمية، وحد القذف في رماة عائشة ثم تعدى إلى غيرهم…، ومن الأدلة على اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة[57].

القاعدة الرابعة: المدني من القرآن ينزل في الفهم على المكي

مما يجب على المتصدي لتفسير القرآن معرفته وتمييزه ما يتصل بالمكي والمدني من السور والآيات، ذلك أن المتأخر مما نزل ينبني فهمه، غالبا، على متقدمه، ومن ثم قرر علماء التفسير قاعدة كلية تقتضي أن ينزل المدني في الفهم على المكي، والمتأخر من المكي على مقدمته وكذلك بالنسبة للمدني، وتبعا للقاعدة لا يجوز الكلام في التفسير لمن لم يميز بين هذه الأوجه.

أولا: أهمية العلم بالمكي والمدني من القرآن بالنسبة للمفسر

نزل القرآن منجما خلال ثلاث وعشرين سنة هي مدة دعوته، صلى الله عليه وسلم، وقد اقتضت حكمة الله أن تتدرج الدعوة في مخاطبتها بالتكاليف خلال عصر النبوة، وترتب على ذلك أن انعكست سنة التدرج في آيات القرآن نفسها، ذلك أن فرض التكاليف يكون، غالبا، في القرآن، ثم يبين مقدار الفرض وكيفيته ووقته… في السنة التي هي البيان[58].

واعتبارا لكون التكاليف تفرض في القرآن ابتداء، فقد كان من الضروري للمفسر الرجوع إلى القرآن نفسه، ذلك أنه إذا وردت في الموضوع آيات متعددة فلابد من فهم بعضها في ضوء ما يفيده غيره من الآي عن طريق إنزال المتأخر في الفهم على المتقدم، وينفع المفسر في هذا العمل إلمامه ومعرفته بالمكي والمدني مما نزل من القرآن.

قال أبو القاسم بن حبيب (ت 406ﻫ) في “التنبيه على فضل علوم القرآن”: “من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته، وترتيب ما نزل بمكة ابتداء ووسطا وانتهاء، وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك، ثم ما نزل بمكة وحكمه مدني… إلى أن قال: فهذه خمسة وعشرون وجها من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله عز وجل”[59].

ثانيا: أثر العلم بالمكي والمدني في تفسير القرآن

يظهر هذا الأثر، على الخصوص، حين يتعلق الأمر بمعرفة الناسخ والمنسوخ من آي القرآن، إذ بمعرفة زمن النزول يقف المفسر على الآيات التي خاطب بها الله نبيه أول البعثة أو آخر الفترة المكية أو في مستهل مرحلة الهجرة إلى غير ذلك..، مما يسهل عليه تمييز المنسوخ من القرآن.

كما تفيد معرفة المكي من المدني في العلم بالآيات التي جاءت مخصصة لما نزل من القرآن عاما في أول الدعوة الإسلامية زمن النبوة.

قال الزركشي في “البرهان” باب “معرفة المكي والمدني وما نزل بمكة والمدينة وترتيب ذلك”: “ومن فوائده معرفة الناسخ والمنسوخ والمكي أكثر من المدني”[60].

وقال الشيخ محمد بن عبد العظيم الزرقاني رحمه الله: “ومن فوائد العلم بالمكي والمدني تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات من القرآن في موضوع واحد، وكان الحكم في إحدى هاتين الآيتين أو الآيات مخالفا للحكم في غيرها، ثم عرف أن بعضها مكي وبعضها مدني فإننا نحكم بأن المدني منها ناسخ للمكي..”[61].

وقال السيوطي في “الإتقان”: “ومن فوائد معرفة ذلك العلم بالمتأخر فيكون ناسخا أو مخصصا على رأي من يرى تأخير التخصيص”[62].

ثالثا: استفادة المفسر من معرفته بمكي القرآن ومدنيه

يستعين المفسر في بيان مراد الله من كلامه، فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها تفسيرا صحيحا، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويستطيع المفسر في ضوء ذلك عند تعارض المعنى في آيتين أن يميز بين الناسخ والمنسوخ[63].

وجمع الشاطبي ما يستفيده المفسر من معرفته بالمكي والمدني في قاعدة عامة فقال: “المدني من السور ينبغي أن يكون منزلا في الفهم على المكي، وكذلك المكي بعضه مع بعض، والمدني بعضه مع بعض على حسب ترتيبه في التنزيل وإلا لم يصح..

ثم قال شارحا:

“والدليل على ذلك أن معنى الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على متقدمه دل على ذلك الاستقراء، وذلك إنما يكون:

ـ ببيان مجمل.

ـ أو تخصيص عموم.

ـ أو تقييد مطلق.

ـ أو تفصيل ما لم يفصل.

ـ أو تكميل ما لم يظهر تكميله.

… فلا يغيبن على الناظر في الكتاب هذا المعنى، فإنه من أسرار علوم التفسير وعلى حسب المعرفة به تحصل له المعرفة بكلام ربه سبحانه[64]“.

وفي نفس المعنى قال أبو عبد الله القرطبي – ملخصا “ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه”: “وينبغي له أن يعرف المكي من المدني ليفرق بذلك بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام، وما ندبهم إليه في آخر الإسلام، وما افترض الله في أول الإسلام، وما زاد عليه من الفرائض في آخره[65].

وقد ظهر أثر هذه القاعدة في مصنفات أعلام المفسرين، وبخاصة حين تشكل عليهم بعض آيات الأحكام التي اشتهر نزولها بمكة.

ففي تفسير قوله تعالى: ﴿وءاتوا حقه يوم حصاده﴾ [الأنعام: 141] قال ابن العربي المعافري ردا على القائلين بأن الآية منسوخة بأنها مكية وآية الزكاة مدنية:

“إن القول في أنها مكية أو مدنية يطول، فهبكم أنها مكية، إن الله أوجب الزكاة بها إيجابا مجملا فتعين فرض اعتقادها، ووقف العمل بها على بيان الجنس والقدر والوقت، فلم تكن بمكة حتى تمهد الإسلام بالمدينة، فوقع البيان، فيعين الامتثال وهذا لا يفقهه إلا العلماء بالأصول”[66].

هذا والعبرة في تمييز المكي من المدني مما أنزل في القرآن إنما ترجع لحفظ الصحابة وتابعيهم وما روي عنهم بأسانيده الصحيحة[67].

القاعدة الخامسة: اختلاف المعنى باختلاف الرسم

تعني عبارة “رسم المصحف” طريقة كتابة كلمات القرآن الكريم في المصحف، كما كتبها أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، والصورة المعروفة للمصحف وطريقة رسم الكلمات فيه ترجع إلى عصر الخليفة الراشدي عثمان،رضي الله عنه، وإن كانت كتابة القرآن قد تمت منذ زمن النبي، صلى الله عليه وسلم،[68].

فالرسم القرآني الذي يرجع إلى عصر عثمان، رضي الله عنه، والذي تكتب به المصاحف حتى اليوم إنما كان تابعا لما عرف عن الإملاء العربي عصر النبوة.

روي عن مالك بن أنس أنه قال: “إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله، صلى الله عليه وسلم”[69].

وكان كتاب الوحي، رضي الله عنهم، يعرضون عليه، صلى الله عليه وسلم، ما كتبوه في نفس المجلس، وكان عليه السلام يستمع إلى قراءة الكاتب، فيقيم ويصلح سقط الرسم قبل نقل القرآن إلى الناس.

فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: “كنت أكتب الوحي عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم…، فإذا فرغت، قال: اقرأه فإن كان فيه سقط أقامه، ثم أخرج به إلى الناس”[70].

أولا: أهمية الرسم في التفسير

يرجع رسم الكلمات في المصحف الآن إلى الطريقة التي دون بها المصحف الإمام علي عهد عثمان، رضي الله عنه، والمصحف العثماني يرجع في الأصل إلى ما كان مرسوما في الصحف التي جمع فيها القرآن في خلافة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه- وهذه ترجع أيضا إلى ما كتب في الرقاع بين يدي النبي، صلى الله عليه وسلم، ورسم المصحف بذلك يمثل الكتابة العربية في عصر ظهور الإسلام، وهو يحمل خصائص تلك الكتابة[71].

وقد اختلف رسم الكلمات في المصحف على وجوه ثلاثة:

ـ فقد يكون الرسم زائدا على اللفظ.

ـ وقد يكون في الرسم نقصا عن اللفظ.

ـ وقد يكون الرسم مطابقا للفظ القرآن.

قال الزركشي في بيان الحكمة في اختلاف رسم الكلمات في المصحف، “واعلم أن الخط جرى على وجوه، فيها ما زيد عليه على اللفظ، ومنها ما نقص، ومنها ما كتب على لفظه، وذلك لحكم خفية، وأسرار بهية تصدى لها أبو العباس المراكشي الشهير بابن البناء في كتابه (عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل) وبين أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها”[72].

وتظهر أهمية الرسم حين نجد الآية تحتمل أكثر من معنى، فنرجح أحد المعاني تبعا لطريقة رسم الكلمات في المصحف.

ثانيا: أثر الرسم القرآني في تحديد المعنى، يظهر ذلك من خلال الأمثلة الآتية

  1. قوله تعالى: (سندع الزبانية).

قال ابن خالويه: “(سندع) فعل مستقبل، والأصل (سندعو) بالواو…”[73].

قال الزركشي بأن الواو حذفت اكتفاء بالضمة قصدا للتخفيف فقوله (سندع الزبانية)” فيه سرعة الفعل، وإجابة الزبانية، وقوة البطش، وهو وعيد عظيم ذكر مبدؤه وحذف آخره، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر﴾ [القمر: 50].

  1. قوله تعالى: ﴿وجيء يومئذ بجهنم﴾ [الفجر: 23].

قال الزركشي زيدت الألف دليلا على أن هذا المجيء هو صفة من الظهور ينفصل بها عن معهود المجيء…، هذا بخلاف حال ﴿وجيء بالنبيين والشهداء﴾ [الزمر:69].

حيث لم تكتب الألف، لأنه على المعروف في الدنيا، وفي تأوله بمعنى البروز في المحشر لتعظيم جناب الحق أثبتت الألف فيه أيضا”[74].

  1. قوله تعالى: ﴿سنقرئك فلا تنسى﴾ [الأعلى: 6].

قال النيسابوري في “غرائب القرآن”: اختلف المفسرون في (فلا تنسى) هل هي نهي له، صلى الله عليه وسلم، عن النسيان أو أنها خبر فيكون معنى الآية تبشيره، صلى الله عليه وسلم، بنفي النسيان عنه..[75].

قال الطبري “والقول الذي هو أولى بالصواب عندي قول من قال:  معنى ذلك فلا تنسى إلا أن نشاء نحن أن ننسيكه بنسخه ورفعه، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن ذلك أظهر معانيه”[76].

قال القرطبي: “(فلا) للنفي لا للنهي… فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف وعليها القراء”[77].

قال د. الرومي في “أصول التفسير…”: “ورسم الكلمة يرجح أنها للنفي لوجود الألف المقصورة، ولو كانت لا للنهي لصار الفعل بعدها مجزوما بحذف الحرف المعتل في آخره، وكتبت الكلمة هكذا (تنس) فدل بقاء الألف في الرسم على أن لا للنفي وليست للنهي”[78].

القاعدة السادسة: تحديد المعنى لا يكون إلا من خلال سياق القرآن

لا ينبغي على مفسر القرآن التعلق بالكلمة الواحدة أو الجملة المستقلة، بل يجب عليه النظر إلى السياق القرآني ككل والذي لا تشكل الكلمات والجمل إلا طرفا منه.

قال الشاطبي: “… فالذي يكون على بال من المستمع والمتفهم الالتفات إلى أول الكلام وآخره بحسب القضية، وما اقتضاه الحال فيها، لا ينظر في أولها دون آخرها ولا في آخرها دون أولها، فإن القضية وإن اشتملت على جمل فبعضها متعلق بالبعض لأنها قضية واحدة نازلة في شيء واحد، فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوله وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرق النظر في أجزائه فلا يتوصل به إلى مراده…”[79].

وبحكم أن القرآن الكريم بلغ الذروة في علم المعاني والبيان، فقد جاءت آياته متناسقة فيما بينها متعلقة ببعضها، لذلك تعذر إدراك معناها على من أقدم على التفسير وهو لم يدرك تعلق كلام الله بعضه ببعض.

قال الزركشي في “معرفة المناسبات بين الآيات” وأنواع ارتباط الآي بعضها ببعض: “ذكر الآية بعد الأخرى إما أن يظهر الارتباط بينهما لتعلق الكلام بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى فواضح، وكذلك إذا كانت الثانية للأولى على جهة التأكيد والتفسير، أو الاعتراض والتشديد”[80].

أولا: دلالة السياق وأثرها في التفسير

لابد لإدراك معنى الآية أو استنباط فقهها من الرجوع إلى السياق العام الذي وردت فيه، فهذا السياق هو الذي يبين مراد الله من كلامه تعالى، فدلالة السياق من أهم القواعد التي يجب على المفسر مراعاتها إذا أراد الاحتراز من الغلط والتقول على الله بغير علم.

قال الزركشي “في ذكر الأمور التي تعين على المعنى عند الإشكال”: “الرابع: دلالة السياق، فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظيره، وغالط في مناظراته، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ [الدخان:49] كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير”[81].

فمعرفة معنى الجملة أو الآية لابد فيه من مراعاة سياق انتظامها مع ما قبلها وما بعدها، وكثيرا ما يكون سبب الانحراف في التفسير راجعا إلى إهمال هذا الجانب.

قال الشاطبي: “… وجميع ذلك لابد فيه من النظر في أول الكلام وآخره بحسب تلك الاعتبارات، فاعتبار جهة النظم مثلا في السورة لا يتم به فائدة إلا بعد استيفاء جميعها فالاقتصار على بعضها فيه غير مفيد غاية المقصود، كما أن الاقتصار على بعض الآية في استفادة حكم ما، لا يفيده إلا بعد كمال النظر في جميعها”[82].

ثانيا: سياق القرآن ودوره في الاحتراز من الخطأ في التفسير

في تفسير قوله تعالى (يحببكم الله) من سورة آل عمران قال صاحب “تاج التفاسير” في معناها: “ويجعلكم من أهل الأنس به، والتلذذ بمشاهدة جنابه والنزول بحضراته ورحابه”[83]، وسياق الآية لا يحتمل هذه المعاني ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم﴾.

وفي تفسير قوله تعالى ﴿إنا فتحنا لك﴾ [الفتح: 1]، قال أيضا: “يعني فتح مكة وفتحنا عين بصيرتك لتجلياتنا الذاتية ﴿فتحا مبينا﴾ [الفتح: 1] ظاهرا أشرقت عليك كمالاته وأعيدت منك إلى الكائنات نفحاته”[84]… وسياق الآيات والسورة بكاملها لا يحتمل مثل هذه المعاني.

وفي تفسير آية الحرابة في سورة المائدة قال ابن جرير الطبري: “اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية، فقال بعضهم نزلت في قوم من أهل الكتاب، كانوا أهل موادعة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم…، وقال آخرون نزلت في قوم من المشركين… وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال أنزل الله هذه الآية على نبيه، صلى الله عليه وسلم، معرفة حكمه على من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا… فإن قال لنا قائل وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرت من حال نقض كافر من بني إسرائيل عهده ومن قولك، إن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الإسلام دون أهل الحرب من المشركين؟ قيل جاز أن يكون ذلك كذلك، لأن حكم من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا من أهل ذمتنا وملتنا واحد…”[85] فعدم اعتبار سياق القرآن هو الذي أوقع صاحب “تاج التفاسير” في الخطأ ومراعاة هذا السياق هو الذي وفق الإمام الطبري إلى إدراك معنى الآية، والله أعلم.

القاعدة السابعة: اختلاف القراءات يعدد المعنى

القراءات القرآنية هي طريقة أداء كلمات القرآن معزوا لناقله. واختلافها قد يعود إلى النطق كالإدغام والإمالة وغيرها، وقد يعود إلى الحركات والكلمات.

ووجوه الاختلاف في القراءات القرآنية أرجعها ابن قتيبة (ت 276ﻫ) إلى أمور سبعة رئيسية، قال:

“وقد تدبرت وجوه الخلاف في القراءات، فوجدتها سبعة أوجه:

أولها؛ الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركة بنائها بما لا يزايلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها نحو قوله تعالى: ﴿فنظرة إلى ميسرة﴾ [البقرة: 280] و(ميسرة).

الوجه الثاني؛ أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما يغير معناها، ولا يزيلها عن صورتها في الكتاب. نحو قوله تعالى: ﴿ربنا باعد بين أسفارنا﴾ [سبأ: 19] و(باعد)…

الوجه الثالث؛ أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولا يزيل صورتها نحو قوله تعالى: ﴿وانظر إلى العظام كيف ننشزها﴾ [البقرة:259] (ننشزها)…

الوجه الرابع؛ أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها نحو قوله تعالى… ﴿كالصوف المنفوش﴾ و﴿كالعهن المنفوش﴾ [القارعة: 5].

الوجه الخامس؛ أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها نحو قوله تعالى: ﴿وطلع منضود﴾ في موضع ﴿وطلح منضود﴾ انظر [الواقعة: 29].

الوجه السادس؛ أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير نحو قوله: ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق﴾ [ق: 19] وفي موضع آخر ﴿وجاءت سكرة الحق بالموت﴾.

والوجه السابع: أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان نحو قوله تعالى: ﴿وما عملت أيديهم﴾، ﴿وما عملته أيديهم﴾ [يس: 35].

أولا: أثر اختلاف القراءات القرآنية المقبولة لا يعني وجود تناقض أو تعارض في كلام الله تعالى، فكل قراءة مقبولة لابد أن تكون منقولة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا يخلو أمرها من فائدة كما سيأتي.

قال ابن الجزري: “… فإن الاختلاف المشار إليه في ذلك اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى، قال تعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾ [النساء: 82].

ويرجع ابن الجزري أحوال اختلاف القراءات إلى أوجه ثلاثة:

الأول: اختلاف اللفظ والمعنى واحد نحو ﴿روح القدس﴾ و﴿القدس﴾ [النحل: 102].

الثاني: اختلافها جميعا مع جواز اجتماعهما في شيء واحد نحو ﴿ملك يوم الدين﴾ [الفاتحة: 4] و(مالك).

الثالث: اختلافهما جميعا مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد، بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد  نحو ﴿حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ [يوسف: 110] و(كذبوا)، فالمعنى عند التشديد: تيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم فيما أخبروهم به[86]. وعموما لا يخلو اختلاف القراءات من فائدة فيما يرجع إلى التفسير وبيان أحكام القرآن.

ثانيا: فوائد اختلاف القراءات في تفسير القرآن الكريم

من هذه الفوائد على سبيل المثال لا الحصر[87]:

أ‌.ما يكون لبيان حكم شرعي مجمع عليه، مثل قراءة سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، [وله أخ أو أخت] [من أم] سورة النساء الآية 12، وهذه قراءة شاذة بينت المراد بالأخ الوارث.

ب‌.  ومن هذه الفوائد ترجيح حكم شرعي مختلف فيه كقراءة ﴿أو تحرير رقبة] [مؤمنة﴾ [المائدة: 89]، (بزيادة مؤمنة) في كفارة اليمين، والزيادة قراءة شاذة أيضا.

ج‌.  ومن الفوائد أيضا ما يكون لأجل اختلاف حكمين شرعيين، كقراءة ﴿وأرجلكم﴾ [المائدة: 6]. بالكسر والفتح، الفتح عطفا على أيديكم (فيكون حكمها الغسل كالوجه، وقراءة الكسر عطفا  على رؤوسكم) فيكون حكمها المسح، وكيفية الجمع بين الحكمين معا أن يجعل المسح للابس الخف والغسل لغيره…

والوقوف على اختلاف القراءات لا يخلو من فوائد بالنسبة للمفسر، فلكل قراءة معنى، والرجوع إلى اختلاف القراءات يجعل المفسر يتعرض لمختلف المعاني الواردة. بخصوص الآية مستفيدا منها في عمله.

القاعدة الثامنة: متشابه الآيات تابع لمحكمها

قال ابن العربي المعافري في تمييز محكم القرآن من متشابهه: الآيات المحكمات “يعلم معناها، ويفهم المراد منها” والآيات المتشابهات: “لا يفهم معناها لاشتباهها بما يصح أن يكون موافقا للمحكم، وربما لا يوافقه، أو لانغلاق باب المعرفة، فهذا أصل المحكم والمتشابه، فابن عليه”[88].

وقال الجويني: “والمختار عندنا المحكم: كل ما علم معناه، وأدرك فحواه.

والمتشابه هو المجمل”[89].

أولا: المراد بالمتشابه من القرآن الكريم

المتشابه من آيات القرآن هو مجمل ما استأثر الله تعالى بعلمه[90] ومجال ذلك آيات الأحكام الاعتقادية دون أحكام التكاليف الشرعية العملية.

قال ابن قدامة: “… والصحيح أن المتشابه ما ورد في صفات الله سبحانه مما يجب الإيمان به ويحرم التعرض لتأويله كقوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ [طه: 5]، ﴿بل يداه مبسوطتان﴾ [المائدة: 64] ﴿لما خلقت بيدي﴾ [ص: 75] ﴿ويبقى وجه ربك﴾ [الرحمن: 27]، ﴿تجري بأعيننا﴾ [القمر: 13] ونحوه، فهذا اتفق السلف رحمهم الله على الإقرار به وإمراره على وجهه وترك تأويله، فإن الله سبحانه ذم المتبعين لتأويله وقرنهم في الذم بالذين يبتغون الفتنة وسماهم أهل زيغ..”[91].

وقال الجويني: “والمختار عندنا: أن كل ما يثبت التكليف في العمل به، يستحيل استمرار الإجمال فيه، فإن ذلك يجر إلى تكليف المحال وما لا يتعلق بأحكام التكليف فلا يبعد استمرار الإجمال فيه واستئثار الله تعالى بسر فيه، وليس في العقل ما يحيل ذلك، ولم يرد الشرع بما يناقضه”[92].

وقد تضمن القرآن الكثير من الآيات التي استأثر الله بعلمها، كالآيات التي تضمنت الأسماء والصفات مثل قوله تعالى: ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ [القصص: 88]، ﴿وغضب الله عليهم﴾ [الفتح: 6]، ﴿وجاء ربك والملك صفا صفا﴾ [الفجر: 22]…

وأدخل طائفة من العلماء ضمن متشابه القرآن أوائل السور المفتتحة بحروف المعجم وحقائق اليوم الآخر وعلم الساعة[93].

وقد بين القرآن وبينت السنة منهج التعامل مع متشابه الآيات، ففي سورة آل عمران ﴿… فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله﴾.

وفي جامع البخاري عن عائشة رضي الله عنها: ﴿فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم﴾.

ثانيا: إمكانية تفسير الآيات المتشابهة

سبقت الإشارة إلى أن موضوع المتشابه من القرآن هو آيات الأحكام الاعتقادية، وهذه الآيات منها ما هو محكم كالآيات الدالة على التوحيد مثل قوله تعالى: ﴿قل هو الله أحد﴾ [الإخلاص: 1]، ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو..﴾ [آل عمران: 18]، ﴿… أفي الله شك فاطر السموات والأرض﴾ [إبراهيم: 10]،… فهذه تفسر لأننا ندرك معناها من نصوص الوحي نفسه.

ومن آيات الأحكام الاعتقادية ما هو متشابه كقوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ [طه: 5] ﴿يد الله فوق أيديهم﴾ [الفتح: 10]…، فقد نص القرآن على اتباع المحكم وبناء العقيدة على ما يقتضيه وجعل المتشابه تابعا له، وتفويض العلم التفصيلي بذلك إلى الله تعالى.

وقد مثل أبو عبد الله القرطبي لذلك بقوله:

“المحكمات ما كان قائما بنفسه… نحو ﴿لم يكن له كفؤا أحد﴾ [الإخلاص: 4] ﴿وإني لغفار لمن تاب﴾ [طه: 82] والمتشابهات نحو ﴿إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾ [الزمر: 53] يرجع فيه إلى قوله جل وعلا: ﴿وإني لغفار لمن تاب﴾ [طه: 82] وإلى قوله عز وجل ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ [النساء: 116].

ثالثا: مراتب المتشابه من آيات القرآن الكريم

من المتشابه الذي تضمنه القرآن ما بقي مجملا فتوقف الصدر الأول فيه مفوضين العلم به لله تعالى، ومن المتشابه، أيضا، ما يرجع فهمه إلى غيره من الآيات المحكمة مع تفويض العلم بتفاصيله لله.

فمن النوع الأول الذي يجب التوقف فيه ما أجمله القرآن في سورة المعارج عن عذاب الكافرين، أخرج ابن جرير الطبري عن ابن أبي مليكة “أن رجلا سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ قال: إنما سألتك لتخبرني. قال هما يومان ذكرهما الله في القرآن، الله أعلم بهما فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم”[94].

ومن النوع الثاني الذي يرجع في فهمه إلى الآيات المحكمة مع تفويض العلم به تفصيلا لله ما أورده البخاري معلقا[95]، قال رجل لابن عباس: “إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال ﴿فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾ [المؤمنون: 101] ﴿وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون﴾ [الصافات: 27] ﴿ولا يكتمون الله حديثا﴾ [النساء:42] ﴿ربنا ما كنا مشركين﴾ [الأنعام:23] فقد كتموا في هذه الآية، وقال ﴿أمِ السماء بناها﴾ إلى قوله ﴿دحاها﴾ [النازعات:27- 30] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال ﴿أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين﴾ إلى ﴿طائعين﴾ [فصلت:9- 11] فذكر في هذه خلق الأرض قبل السماء. وقال تعالى: ﴿وكان الله غفورا رحيما –عزيزا حكيما- سميعا بصيرا﴾ فكأنه كان ثم مضى.

فقال؛ أي ابن عباس رضي الله عنهما مجيبا، (فلا أنساب بينهم) في النفخة الأولى، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله  فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة (أقبل بعضهم على بعض يتساءلون) وأما قوله (ما كنا مشركين – ولا يكتمون الله) فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم. وقال المشركون: تعالوا نقول لم نكن مشركين، فختم على أفواههم فتنطق أيديهم. فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا، وعنده ﴿يود الذين كفروا﴾ الآية.

وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله (دحاها) وقوله (خلق الأرض في يومين)، فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السماوات في يومين. ﴿وكان الله غفورا رحيما﴾ سمى نفسه ذلك، وذلك قوله، أي لم يزل كذلك، فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد.

فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلا من عند الله[96].

القاعدة التاسعة: الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية

تعرف “الحقيقة” بأنها “اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا في اصطلاح التخاطب”[97]، أو هي “ما أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به”[98].

وعرفها الزركشي بأنها “ذات الشيء وماهيته..، وتطلق ويراد بها المستعمل في أصل ما وضعت له في اللغة”[99].

وقال الشوكاني: “..إنها كل كلمة أريد بها عين ما وضعت له”[100].. تبعا لذلك فالحقيقة يراد بها معنى الكلمة، ويقابل الحقيقة مصطلح المجاز أي”استعمال اللفظ في غير ما وضع له في العرف الذي وقع به التخاطب لعلاقة بينهما”[101].

أولا: أقسام الحقيقة

إذا تقرر بأن مصطلح “الحقيقة” هو معنى الكلمة في أصل وضعها أو ما تفيده في أصل ما وقع التخاطب به. فإنها من جهة أخرى تنقسم إلى لغوية وعرفية وشرعية.

قال المحلى في “شرح جمع الجوامع”:

“(الحقيقة لفظ مستعمل فيما وضع له ابتداء وهي لغوية) بأن وضعها أهل اللغة باصطلاح أو توقيف كالأسد للحيوان المفترس (وعرفية) بأن وضعها أهل العرف العام كالدواب لذوات الأربع… وهي لغة لكل ما يدب على الأرض… (وشرعية) بأن وضعها الشارع كالصلاة للعبادة المخصوصة”[102].

وعليه فإن أقسام الحقيقة أو معاني الكلمات ثلاث: معنى لغوي ومعنى عرفي ومعنى شرعي.

وبالنسبة لألفاظ وكلمات القرآن فإن الإشكال يثار عندما يكون للكلمة الواحدة معنيان أو أكثر، بأن يكون لها معنى لغوي وآخر شرعي، أو يكون لها معنى شرعي وآخر عرفي ويختلف المعنيان، فيتطلب الأمر ترجيح معنى واحد.

ثانيا: ترتيب معاني كلمات القرآن

إذا اختلفت معاني كلمات القرآن، فإن الترجيح يكون كالتالي:

أ‌. يقدم المعنى الشرعي أولا على المعنى اللغوي والمعنى العرفي، إلا إذا وجد دليل يصرف عنه.

قال الزركشي: “… أن يختلف أصل الحقيقة فيهما، فيدور اللفظ بين معنيين، هو في أحدهما حقيقة لغوية وفي آخر حقيقة شرعية، فالشرعية أولى إلا أن تدل قرينة على إرادة اللغوية نحو قوله تعالى: ﴿وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم﴾ [التوبة: 103]..، ولو دار بين الشرعية والعرفية، فالشرعية أولى لأن الشرع ألزم”[103].

ب‌.   يقدم المعنى العرفي، ثانيا، على المعنى اللغوي لأن المعنى العرفي هو الذي يغلب استعماله على غير مسماه اللغوي[104] قال الزركشي: “وكذلك إذا دار بين اللغوية والعرفية، فالعرفية أولى لطريانها على اللغة[105]“.

مثال ذلك أن الصوم يطلق في معناه اللغوي على مطلق الامتناع، وورد في سورة مريم ﴿إني نذرت للرحمن صوما﴾ [مريم: 26] أي الامتناع عن الكلام والسكوت بدليل قوله تعالى: ﴿فلن أكلم اليوم إنسيا﴾.

وقد يراد بالصوم معناه الشرعي ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ [البقرة:185] الذي هو الإمساك والامتناع عن المفطرات[106].

ومثال ذلك أيضا أن القرء في أصله اللغوي هو الوقت، ثم صار معناه العرفي هو طهر المرأة وحيضها – فهو من الأضداد- كما في شعر الأعشى[107]، وفي القرآن ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ [البقرة: 228] أي ثلاثة دخول من الطهر في الحيض[108].

خاتمة الدراسة

كان هذا الموضوع “نظرات في قواعد تفسير القرآن الكريم” عرضا تبسيطيا لأهم الضوابط والأسس التي تحكم مجال التعامل مع كتاب الله تعالى فهما واستنباطا واستقراء، وهي على تنوعها تخدم غاية واحدة هي صيانة الكتاب العزيز من تخرصات المغرضين وتأويلات الجاهلين.

ذلك أن غالب الانحرافات التي شهدها تاريخ التفسير، وجميع الاتجاهات التي صنفها العلماء ضمن التفسير بالرأي المذموم ترجع كلها إلى إخلال المتصدين للتفسير، والخائضين في القرآن بقواعد التفسير وآدابه.

وإذا تصفحنا اليوم التراث الذي خلفه المفسرون بالرأي المذموم فسنجد أكثر انحرافاتهم ترجع إلى العدول عن الظاهر بغير دليل، والخوض في المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وادعاء المجاز لترك الحقيقة الشرعية أو اللغوية، وهذا كله كان ديدن مفسري المعتزلة ومن درج على منهجهم من مفسري الشيعة الإمامية…

وقد يكون الانحراف في التفسير راجعا لتجاهل المفسر بالرأي المذموم لدلالة السياق كما هو حال مختلف طوائف الباطنية…

على أن قواعد تفسير الكتاب العزيز لا تنحصر في الضوابط والأسس التسعة التي تعرضت لها هذه الدراسة بل هي أكثر من ذلك، وتتوزعها كتب أصول الفقه وكتب علوم القرآن ومقدمات أمهات التفاسير، على أن ما تم عرضه في هذه الدراسة هو أهم القواعد وأجدرها بالرعاية والله تعالى أعلم وأحكم.

انظر العدد 9 من مجلة الإحياء

نظرات في قواعد تفسير القرآن الكريم

الهوامش


1. الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، طبعة مصورة بدار الرشاد، الدار البيضاء، ج 2 ص473.

2. أبو عبيدة، مجاز القرآن ج 1 ص54، ط2، 1401ﻫ، مؤسسة الرسالة بيروت بتعليق محمد فؤاد سزكين

3. ابن المبارك، غريب القرآن وتفسيره ص82، ط1، 1405ﻫ، عالم الكتب بيروت بتعليق محمد سليم الحاج.

4. الزجاج، معاني القرآن وإعرابه ج 1، ص208، ط1، 1408ﻫ، عالم الكتب بيروت، بتحقيق د. عبد الجليل شلبي.

5. الفيروز ابادي، بصائر ذوي التمييز ج: 4، ص286-المكتبة العلمية بيروت.

6. انظر حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص58 طبعة دار الغرب الإسلامي بيروت 1986م بتحقيق الشيخ بلخوجة والزركشي، البرهان في علوم القرآن ج 2 ص176، ط3، 1400ﻫ دار الفكر بيروت بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

تفصيل ذلك في: محمد أديب صالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي ج 2 ص، 78 وما بعدها، الطبعة الثالثة 1404ﻫ، المكتب الإسلامي بيروت.

7. التلمساني، مفتاح الأصول إلى بناء الفروع على الأصول ص59، طبعة الخانجي القاهرة 1962م.

8. الشافعي، الرسالة ص53-54، دار الفكر بتحقيق الشيخ أحمد شاكر.

[9]. الشاطبي، الموافقات، دار الفكر بيروت بتعليق الشيخ محمد حسنين مخلوف، ج 3، ص154،

10. الشاطبي، الموافقات، ج 3، ص156.

11. انظر ذلك بتوسع في الزركشي، البرهان ج 2 ص217 وما بعدها.

12. انظر الواحدي، أسباب النزول ص25، طبعة دار الكتب العلمية بيروت، بتحقيق كمال زغلول.

13. انظر الواحدي أسباب النزول ص404، الطبري جامع البيان ج 26 ص77، دار المعرفة بيروت، مصورة عن طبعة بولاق.

14. الشاطبي الموافقات ج 3، ص174.

وفي مقدمة كتاب “المباني لنظم المعاني” ص196 “…ثم إن هذا المتأول إن وجد وراء اللفظ دليلا يقفه على بعض الوجوه التي احتملها اللفظ من قضاء العقل أو حجة إجماع، من أمر سنة صار إلى ما يوجبه الدليل، وقطع على أنه الوجه المراد من الآية دون غيره، وإن لم يجد دليلا موجبا لأحد الوجوه اعتبر الوجوه التي احتملها اللفظ على وجه الإمكان من غير قطع على شيء من مغيب حكمه فاعرفه، مقدمتان في علوم القرآن، نشر آرثر جفري نشر مكتبة الخانجي القاهرة 1954م.

15. الحديث أخرجه البخاري في الجامع الصحيح ضمن كتاب التفسير – سورة النساء – باب لا يستوي القاعدون من المؤمنين…حديث رقم: 4592.

16. الشاطبي الموافقات، ج: 3، ص163.

17. انظر: محمد أديب صالح، تفسير النصوص…ج: 2، ص90-92.

18. انظر: الرومي، بحوث في أصول التفسير ومناهجه ص136، الطبعة الأولى 1413ﻫ مكتبة التوبة الرياض.

19. الشوكاني، إرشاد الفحول… بيروت: دار الفكر، ص175.

20. الجويني، البرهان في أصول الفقه، ج: 1، ص280، الطبعة الثالثة 1412ﻫ دار الوفاء المنصورة، بتحقيق: عبد العظيم محمود الديب.

21. المصدر السابق، ج: 1، ص279.

22. الشاطبي، الموافقات، ج: 3، ص233.

23. الحديث أخرجه البخاري في الجامع الصحيح ضمن كتاب التفسير باب قوله (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا).

24. الشاطبي، الموافقات، ج: 3، ص228.

25. الحديث أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان، ج: 2، ص371.

26. انظر المصدر السابق حيث أورد ابن جرير مختلف روايات الحديث.

27. الشاطبي الموافقات، ج3، ص231.

28. الشاطبي، الموافقات، ج3، ص229-230.

29. انظر تقرير الشوكاني لهذا المعنى في ترجمته لأبي حيان الأندلسي ضمن البدر الطالع، ج: 2، ص290، نشر دار المعرفة بيروت.

30. الشاطبي، الموافقات، ج3، ص229، وانظر قصة أبي جهل في الطبري، جامع البيان، ج: 29، ص100.

31. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج: 1، ص33 طبعة الدار الجماهيرية، طرابلس.

32. الزركشي، البرهان، ج2، ص170-171.

33. الشاطبي، الموافقات، ج3، ص235-236.

34. وهذا ما عليه جمهور المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، فقد كان ديدنهم البدء بما يقتضيه الدليل، وما دل عليه ظاهر اللفظ فيرجحونه ما لم يصدهم عن الظاهر ما يجب إخراجه به عنه، وانظر كلام أبي حيان عن الموضوع في مقدمة “البحر المحيط”، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1413ﻫ ، ج1، ص103.

35. انظر: الزركشي، البرهان، ج: 1، ص31، والأصل أن أكثر آي القرآن وسوره نزل الله من ابتداء من غير ارتباط بسبب معين، ثم هناك منه ما اقترن بسبب نزول…

36. وقد صح من هذه المرويات الشيء الكثير مما تضمنته مصادر السنة النبوية خاصة جامع الإمام البخاري…

37. مقدمة كتاب المباني، ضمن مقدمتان في علوم القرآن، ص195، نشر آرثر جفري.

38. المرفوع ما اتصل سنده حتى الصحابي يضيفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر: ابن الصلاح علوم الحديث، ص41، المكتبة العلمية بيروت بتحقيق نور الدين عتر، النووي، التقريب والتيسير ص22-23، دار الباز للنشر، مكة المكرمة، ابن حجر، شرح النخبة،ص103، دار الخير دمشق بتحقيق نور الدين عتر.

39. المسند  هو ما اتصل سنده من روايه إلى منتهاه… فيما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة، انظر: ابن الصلاح، علوم الحديث، ص39، النووي التقريب والتيسير، ص22، ابن حجر، شرح النخبة، ص112… وقد اعتبر الأئمة البخاري ومسلم والحاكم النيسابوري مرويات أسباب النزول المرفوعة في حكم الأحاديث المسندة، انظر: الحاكم، معرفة علوم الحديث، ص20، منشورات المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.

40. ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، ص48، طبعة دار القلم الكويت، بتحقيق عدنان زردرور.

41. والحديث رواه البخاري في الجامع الصحيح ضمن كتاب التفسير-صورة فصلت-باب وما كنتم تستترون.

42. الزركشي، البرهان، ج: 1، ص31-32.

43. المرسل يطلق غالبا على الحديث الذي سقط من سنده الصحابي، انظر ابن الصلاح، علوم الحديث، ص47-48 وغيره…

44. الواحدي، أسباب النزول، ص10، وانظر شروط رواية أسباب النزول عن التابعين في: السيوطي: التحبير ص86، دار المنار القاهرة.

45. الزركشي، البرهان، ج: 2، ص202، قال ابن تيمية في مقدمته، ص47: “ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب”.

46. الشاطبي، الموافقات، ج: 3، ص202.

47. المصدر السابق.

48. الإمام البخاري، الجامع الصحيح، كتاب التفسير “سورة آل عمران” باب لا تحسبن الذين يفرحون… حديث رقم: 4568، تفسير الآية: 188، من آل عمران (لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم).

49. الإمام النسائي السنن (الصغرى أو المجتبى) كتاب الوصايات، باب ما للوصي من مال اليتيم إذا قام عليه.

50. الطبري، جامع البيان، ج: 30، ص146 وما بعدها.

51. انظر في الآية أسباب النزول الواحدي، ص480… وانظر كذلك الشيخ القطان، مباحث في علوم القرآن، ص93، الطبعة السابعة 1400ﻫ، مؤسسة الرسالة بيروت.

52. نور الدين الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج: 7، ص80، كتاب التفسير باب تفسير سورة النور، الطبعة الثالثة 1402، دار الكتاب العربي  بيروت.

53. ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، ص47.

54. الزمخشري، الكشاف، ج: 4، ص283، طبعة الدار العلمية بيروت.

55. الإمام البخاري، الجامع الصحيح، كتاب التفسير –سورة البقرة-باب إن الصفا والمروة، حديث رقم: 4496.

56. وفي رواية أخرى ذكر أوس بن الصامت الواحدي أسباب النزول، ص428، وعند أبي داود ذكر الصحابيان معا، انظر سنن أبي داود، كتاب الطلاق باب الظهار حديث:، رقم: 2213-2214.

57. السيوطي، الاتقان في علوم القرآن، ج: 1، ص30 دار الفكر، وبهامشه إعجاز القرآن.

58. انظر تفصيل ذلك في: الرسالة للإمام الشافعي، ص21 وما بعدها.

59. أبو القاسم الحسن بن حبيب، التنبيه على فضل علوم القرآن، تحقيق محمد عبد الكريم كاظم، ضمن دورية المورد. المجلد 17 العدد 4 عام 1409ﻫ، ص307.

60. الزركشي، البرهان، ج: 1، ص187.

61. الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، ج: 1، ص188، طبعة الباب الحلبي.

62. السيوطي، الاتقان، ج: 1، ص8.

63. انظر: مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، ص59.

64. الشاطبي، الموافقات، ج: 3، ص244-245.

65. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج: 1، ص21، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية.

66. ابن العربي، أحكام القرآن، ج: 2، ص761، نشر دار المعرفة بيروت بتحقيق محمد علي البجاوي: وآية الزكاة المدنية هي آية الصدقات في سورة التوبة، الآية: 60.

67. الزركشي، البرهان، ج: 1، ص191.

68. انظر: د. غانم قدوري حمد، موازنة بين رسم المصحف والنقوش العربية القديمة ضمن دورية المورد المجلد 15، عدد: 4، عام 1986م، ص28.

69. أبو شامة المقدسي، المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، ص46-47، دار صادر بيروت 1395 ﻫ بتحقيق طيار التي قولاج.

70. السمعاني، أدب الاستملاء والاستعلاء، ص77، دار الكتب العلمية، بيروت: 1401ﻫ.

71. انظر، غانم حمد، موازنة بين رسم المصحف –مرجع سابق-ص31.

72. الزركشي، البرهان، ج: 1، ص380.

73. ابن خالويه، إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم، ص141، المكتبة الثقافية بيروت.

74. الزركشي، البرهان، ج:1، ص:384، وانظر: ابن خالويه، إعراب ثلاثين سورة، ص83.

75. الحسن النيسابوري، غرائب القرآن ورغائب الفرقان ضمن حاشية جامع البيان للطبري ج: 30، ص71.

76. الطبري، جامع البيان، ج: 30، ص98.

77. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج: 20، ص19.

قال ابن خالويه: “فانتقلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها” إعراب ثلاثين سورة، ص57.

78. فهد الرومي، بحوث في أصول التفسير ومناهجه ص 139.

79. الشاطبي، الموافقات، ج: 3، ص249.

80. الزركشي البرهان، ج: 1،ص40. ولعل أشهر من اهتم ببيان أوجه التناسب بين آيات القرآن، أبو جعفر أحمد بن الزبير الغرناطي، ت 708ﻫ في “البرهان في ترتيب سور القرآن” الذي نشرته وزارة الأوقاف بالرباط، لكن المحقق اعتمد على نسخة مبتورة في تحقيقه، وممن صنف في التناسب من المتأخرين برهان الدين البقاعي، ت885ﻫ، مؤلف تفسير “نظم الدرر في تناسب الآي والسور” صدرت طبعته الأولى بالدكن عام 1389ﻫ بإشراف محمد عبد المعيد خان، ثم جاء السيوطي ت911ﻫ فجمع رسالته “تناسق الدرر في تناسب السور” وهي متداولة…

81. الزركشي، البرهان ج:2، ص200-201. وسياق سورة الدخان، الآية: 43-49، (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم، خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم، ذق، إنك أنت العزيز الكريم)، والآية نزلت في أبي جهل، وقد ذكر المفسرون أن قوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) على سبيل الهزوء والتهكم بمن كان يتعزز ويتكرم على قومه، والمراد أنه بالضد من ذلك، انظر: الكشاف الزمخشري، ج: 3 ص507، مفاتح الغيب للرازي، ج: 27، ص216 طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

82. الشاطبي، الموافقات، ج: 3، ص 250.

83. المرغيني، تاج التفاسير، ج: 1، ص61 طبعة مصورة، دار المعرفة بيروت.

84. المرغيني، تاج التفاسير، ج:2، ص166.

85. الطبري، جامع البيان، ج: 4، ص132-135.

86. ابن الجزري، النشر في القراءات العشر، ج: 1، ص49 دار الكتاب العربي بيروت.

87. انظر: محمد سالم محسين، القراءات وأثرها في علوم العربية، ج 1: ص37-38 نشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة 1404ﻫ.

88. ابن العربي، قانون التأويل، ص666، الطبعة الأولى 1406ﻫ، دار القبلة جدة بتحقيق محمد السليماني.

89. الجويني، البرهان في أصول الفقه، ج: 1، ص284. وقد عرف المصنف المجمل بأنه: “هو المبهم” وعند جمهور الأصوليين المجمل قسم من المبهم فحسب. وذكر أبو جعفر النحاس، ت 338ﻫ في التمييز بين المحكم والمتشابه “… واجمع هذه الأقوال أن المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى استدلال، والمتشابه ما لم يقم به بنفسه واحتاج إلى استدلال” معاني القرآن الكريم، ج: 1، ص346. وفي الجامع لأحكام القرآن، ج: 4، ص9-10: “المحكمات من آي القرآن: ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره، والمتشابه: ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه… وذلك مثل وقت قيام الساعة وخروج يا جوج وما جوج والدجال وعيسى، ونحو الحروف المتقطعة في أوائل السور”.

90. ذكر الطبري في مقدمة جامع البيان باب ” لبقول في الوجوه من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن” إن من القرآن ما لا يوصل إلى تفسيره إلا ببيان الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو المجمل، ومنه ما لا يعلم تفسيره إلا الله الواحد القهار، وهو الذي استأثر الله بعلمه، ومنه ما يعلم تفسيره كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن، انظر جامع البيان ج 1 ص 25-26، دار المعرفة بيروت، مصورة عن طبعة بولاق.

91. ابن قدامة روضة الناظر وجنة المناظر ومعه حاشية نزهة الخاطر للدمشقي، بيروت:  دار الكتب العلمية، ج 1، ص.186

92. الجويني، البرهان ج 1 ص 285.

93. للقطان، مباحث في علوم القرآن ص216، الطبعة السابعة 1400ﻫ مؤسسة الرسالة بيروت.

94. ابن جرير، جامع البيان، ج: 29، ص45، ومن الشواهد في الباب قصة صبيغ الرومي مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي أخرجها الدارمي في سننه، ج: 1، ص55-56.

95. الحديث المعلق في اصطلاح المحدثين هو ما سقط أول سنده، انظر شرح النخبة لابن حجر، ص77، الطبعة الثانية دار الخير دمشق بتحقيق د نور الدين عتر، قال النووي في التقريب والتيسير، ص29 طبعة دار الكتب العلمية بيروت:

“التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره في أحاديث من كتاب البخاري – وسبقهم باستعماله الدارقطني-صورته أن يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر… وهذا التعليق له حكم الصحيح…”.

96. البخاري، الجامع الصحيح كتاب التفسير حديث باب (سورة حم السجدة)، أورده المصنف معلقا، وقد وصل سنده بعد فراغه من سياق الحديث،  قال ابن حجر في الفتح، ج: 8، ص559،” وفي مغيرة البخاري سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة الموصول”. وقد أخرج الحديث ابن جرير الطبري، وفي روايته أن السائل لابن عباس هو نافع بن الأزرق الخارجي، وأن ابن عباس قال له قبل إجابته “إني أحسبك قمت من عند أصحابك، فقلت القي على ابن عباس متشابه القرآن…” جامع البيان، ج: 5، ص61.

تبعا لما سبق فالمتشابه من القرآن نوعان: نوع انغلق باب معرفته فاستأثر الله بعلمه، ونوع يرجع فيه إلى محكم الكتاب، والله أعلم بالصواب.

97.  انظر حاشية التفتازاني وحاشية الجرجاني على مختصر المنتهى الأصولي لابن الحاجب، ج: 1، ص139، نشر دار الكتب العلمية بيروت. مصورة عن طبعة بولاق.

98.  أبو الحسن البصري، المعتمد في أصول الفقه، ج:1، ص16، نشر المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية دمشق 1384-1964 بتحقيق محمد حميد الله.

99. الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، ج: 2، ص152، نشر وزارة الأوقاف الكويت، وفي حاشية البناني على جمع الجوامع لابن السبكي: “(الحقيقة لفظ مستعمل فيما وضع له ابتداء) فخرج عنها اللفظ المهمل، وما وضع ولم يستعمل والغلط… والمجاز) ج: 1، ص301، نشر مكتبة ابن نبهان، أندونسيا.

100. الشوكاني، إرشاد الفحول، ص21، نشر دار الفكر ببيروت.

101. القرافي، شرح تنقيح الفصول، ص44، نشر دار الفكر ومكتبة الكليات الأزهرية.

102. حاشية البناني على جمع الجوامع،ج: 1، ص301.

103. الزركشي، البرهان، ج: 2، ص167.

104. القرافي، شرح التنقيح، ص44.

105. الزركشي، البرهان، ج: 2، ص167.

106. الفيروزابادي، بصائر ذوي التمييز، ج: 3، ص456.

107. وذلك في قوله: وفي كل عام أنت جـاشم غزوة *** تشد لاقصاها عـزيم عزائـــكا

                              مورثة ما لا وفي المجد رفعة *** لما ضاع فيها من قروء نسائكا

108.  انظر: الفيروزابادي، بصائر ذوي التمييز، ج: 4، ص262.

Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق