وحدة الإحياءمفاهيم

في تفكيك خطاب التطرف

على سبيل التقديم:

تَحْتَوِشُ الإنسان إفرادا واجتماعا، جملة من العناصر الذاتية، والموضوعية التي يتشكّل منها سياقه الذي يحيى ويعيش فيه، والتعاطي مع هذا الإنسان في ذهول عن عناصر سياقه لا يمكن أن يكون مُستجمِعا بحال لعناصر الفاعلية.

فإذا أخذنا مثالا على ذلك، التعاطي على مستوى الخطاب، فإن عدم استحضار عناصر السياق النفسانية يصيب هذا الخطاب بالنقص ويُعدمه القدرة على إصابة المحزّات، وتطبيق المفاصل، ووضع الهناء في مواطن النقب، لأن اعتبار السياق النفسي للإنسان المخاطب مُتفهَّما هو الذي يحدد كيفية صياغة الخطاب لكي يكون موائما للمخاطب، يؤدي إلى تفاوت من لدنه، ومُحدِثا للتفاعل المؤدي إلى التبني المطلوب.

وعدم اعتبار السياق العقلي للمخاطب، يؤدي إلى تفاوت عن مستوى المخاطَب إما إفراطاً أو تفريطاً.

وعدم اعتبار السياق الاجتماعي بمختلف أبعاده، يجعل هذا الخطاب غير معانق لانتظارات المخاطَب، وآلامه وآماله، ويمكن قولُ قريبٍ من ذلكم عن آثار عدم إدراك السياقات الاقتصادية، والسياسية، والمحلية، والكونية على هذا الخطاب.

وهناك مجموعة من المؤشرات التي تكشف اهتمام المسلمين بالسياق، أهمها العمل على استجلاء كيفية تنزيل النبي، صلى الله عليه وسلم، لنصوص الوحي على الناس بالمدينة المنورة، وقراءة ابن عباس، رضي الله عنهما، للسياق النفسي للسائل حينما سأله: هل للقاتل من توبة؟ فسد الباب أمامه عندما قرأ في ملامحه أنه عازم على القتل ويريد الرخصة، وفتح الباب لمن رأى أنه قتل فعلا ويريد التوبة.

ولقد أبدع علماء المسلمين في توظيف الآليات الاستنطاقية لفهم السياق الداخلي (النص القرآني المؤسس والسنة الموضحة له)، والسياق الخارجي (واقع الناس ومحاورة الكون بآليات علمية ومنهجية). وقد نصوا على عدة مفاتيح وآليات لفهم السياق من أجل تفادي الوقوع في الاضطراب و”الالتياث”[1]، ومنها:

 الوعي بالسياق النفسي للمخاطب: حتى يلقى الخطاب موائما لنفسية المخاطب مستجيبا لحاجاته (تجربة ابن عباس، رضي الله عنهما، مع السائل عن معرفة توبة القاتل).

 الوعي بالسياق العقلاني والمعرفي: وذلك باستحضار القدرة الإدراكية للمخاطَب حتى لا يحصل “الاستوحاش”.

  الوعي بالسياق المادي الاجتماعي: وذلك بمعرفة الأنساق والأدوار والسلط الاجتماعية ومعرفة أنواع وخصائص العلاقات بين أفراد المجتمع، ومما يسهم في ذلك الوقوف على كيفية غرس النبي، صلى الله عليه وسلم، للوحي في نفوس الناس، مع مراعاة الفرق بين:

السياق الذي أعمل فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، النصوص.

والسياق النفسي والاجتماعي الذي يجري فيه الخطاب بهذه النصوص، مع الاجتهاد لاستبانة الفروق بينه وبين السياق النبوي، حتى يتم القيام بالتكييفات الملائمة، في إطار الأصول والقواعد المرعية.

والناظر في خطاب الجماعات المتطرفة يقف بجلاء على خلوها من كل الاعتبارات سالفة الذكر، غير أن ذلك لا يفقده القدرة على التأثير، واختراق العقول والنفسيات، مما دعانا في الرابطة المحمدية للعلماء إلى العكوف على هذا الخطاب في حوامله المكتوبة، والسمعية، والسمعية البصرية، دراسة وتحليلا، وتفكيكا، لاستجلاء العناصر التي تجعله بهذا التأثير الذي يتم عبره اجتيال شباب الأمة وحتى كهولها، ذكورا وإناثا إلى مهالك المروق والفتنة. فكانت النتيجة هي الوقوف على أن هذا الخطاب يستمد جاذبيته من أحلام وجراحات، وكذا من جملة من ادعاءات الحجية الشرعية، التي إن لم يتم فرزها، وفصل الحق الذي فيها عن الزيف الذي خُلط به، فإنها سوف تبقى مصدر تلبيس وفتنة مسيطرين.

أولا: نتائج تفكيك خطاب التطرف

1. الأحلام الأربعة

أ. حلم الصفاء

بلور العديد من المصلحين في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي حلمَ الصفاء، بحيث أفضت بهم تشخيصاتهم للأزمات التي كانت تعاني منها الأمة ساعتئذ، إلى قناعة مفادها أن الانعتاق منها لا يكون إلا بالرجوع إلى الأصول، غير أن أجرأة هذا الحلم/المشروع قد انداحت نحو وِجهات لم تكن آمنة العواقب، من مثل الدعوة للضرب بعرض الحائط كل المذاهب الإسلامية الشامخة والوضيئة، ومن مثل إشهار مقولة “نحن رجال وهم رجال” للقفز على جهود العلماء السابقين، ومن مثل دعوى بناء الفقه على الأدلة التي لم يتم تكييفها بالشكل العلمي المطلوب، ومن مثل إشهار قول الإمام الشافعي محمد بن إدريس (ت 204هـ) “إذا صح الحديث فهو مذهبي”[2]، دون لف ذلك، ومواكبته بالنسيج الفقهي المقتضى، والحاضر بوضوح في كتابات الإمام الشافعي، رحمه الله، نفسه.

ولئن كانت وراء هذه الاندياحات مقتضيات استراتيجية معلومة لدى بعض الدول الكبرى في تلك الفترة، والتي كانت تتغيى إضعاف الدولة العثمانية، وتسعى إلى تفكيكها، فإن واقع مختلف المدارس الإسلامية، وكذا واقع التدين في العالم الإسلامي كانا ولا يزالان، يستلزمان العديد من المراجعات الجادّة، والمسؤولة، مما يعتبر جزءا لا يتجزأ من الدينامية التجديدية للدين، بسبب:

–  اقتضاء الممارسة الدينية بالطبيعة، التكوين المتجدد للحمَلة، استجابة لسنة تتالي الأجيال، مما قد يتطرق معه النسيان أو الاختراق أو الانتحال، وهو قوله صلى الله عليه وسلم، في إشارة إلى وجوب الانتباه لهذا المقتضى: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.

–  وكذا بسبب وجوب التجسير المستمر بين النصوص والسياقات دائمة التغيّر التي يُرام إعمالها ضمنها، مما يقتضي المواكبة المستمرة، وهي مواكبة يسجل فيها انقطاع متكرر خلال عدد من الفترات التاريخية التي شهدت انحسارا في الممارسة الاجتهادية.

–  وكذا بسبب حصول استيلابات أو اختراقات حضارية وثقافية، كما يمكن رصده خلال حملة نابليون أو بعدها خلال الفترة الاستعمارية. مما يستوجب بدوره سلسلة من المعالجات العلمية والمعرفية الدقيقة، التي ينبغي أن يعاد إرساء مناهجها وبُناها ومراميها، وليس بمنهج النكير والتسطيح الذي ذقنا مُرّ ثماره.

والحاصل أن إشهار حلم الصفاء الذي تمارسه الجماعات المتطرفة في انفصال عن استجماع مقتضيات إنفاذه، قد مكنها من استقطاب العديد من أهل النيات الحسنة من غير ذوي الاطلاع على جليات الأمور، ومستلزمات الاشتغال الراشد في هذا الورش بالغ الأهمية، مما يستوجب التشمير والتصدي الجادين والناجزين.

ب. حلم الوحدة

بعد انهيار الخلافة العثمانية سنة 1924م بالمشرق، الذي بدا كما لو كان فجائيا بيد أنه لم يكن كذلك، إذ كانت معالمه لائحةً في الأفق قبل عقود عديدة، من ذلك التاريخ، حيث تُركت جملة من الأمصار لذواتها، بسبب تعطل آلية ورود “الفرمانات” من الباب العالي بالأستانة، والتي كانت تدار بها شؤون تلك الأمصار، من خلال الباشوات المقيمين فيها. فكان شعور أهلها، بعد إعلان انتهاء دولة الخلافة العثمانية، كشعور الأيتام الصغار عند وفاة والدهم. فتم اجتيال جهود العديد من المصلحين بسبب هذا الشعور، فتأثرت بذلك تشخيصاتهم، حيث رفعوا شعار إعادة بناء الخلافة، في اعتقاد شبه جازم أنها القرص الشافي لجميع العلل والأدواء (مات الأب فلنبحث عن الأب!) وذهول عن وجوب البناء القبلي لشروط الخلافة العلمية، والمعرفية، والكفاياتية، والمؤسسية.

وقد سلخت الأمة عقودا مديدة جريا وراء جملة من السرابات، ذات الصلة بهذه القضايا. وتسلل أقوام من بوابة هذا الحلم لكي يستقطبوا ناشئة من أبناء هذه الأمة، غير أن عدم تحقيق “الماصدق”، قد خلّف بدوره جملة من أضرب اليأس، مما أتاح الفرصة أمام التيارات الفتنوية للقول، “نحن لها”، مما كانت له الآثار الناسفة التي نشهدها اليوم بسبب الذهول عن الشروط سالفة الذكر.

ج. حلم الخلاص

وذلك من خلال الترويج لمقولة “الفرقة الناجية”، و”الطائفة المنصورة”، وأن ما سوى هذه الطائفة يعيشون في ضلال، ومصيرهم البوار، وما إلى ذلك من أقوال وفهوم يتم الترويج لها، مستعينين في ذلك بشبكة من المفاهيم الخادمة لهذا الحلم في نظرهم.

إن الطبيعة الجيواقتصادية، والجيواستراتيجية، والجيوإثنية، وكذا الجيودينية للمنطقة العربية الإسلامية خصوصا، والإسلامية عموما، تتيح ما يكفي من مقومات، لتأجيج نيران حروب مؤسسة على الدين أو على الطائفية أو القبلية، في غياب امتلاك ما يلزم من مؤهلات وقدرات تبيّنية، وتفهمية، وتفكيكية، واستذكارية، وتدبيرية، وحوكمية، إلى درجة أن عددا من المحللين أصبحوا يرون اندلاع ما بات يسمّى بـ”حرب الجيل الرابع” قد أصبح وشيكا، في ظل ضعف النخب السياسية وغموض أو عمومية برامجها، وفي ظل تفكك وضعف نظم التربية والتكوين والإعلام، وفي ظل الانفجار السكاني غير المؤطَّر، وكذا بسبب أن جل الساكنة في دول المنطقة، هم من الشباب الذكور العاطلين، ذوي الاتصال الموجّه بشبكة الإنترنت، وبكم هائل من القنوات الفضائية، علما بأن بعض الجهات في المنطقة وعبر العالم ترى، بسبب غنى المنطقة، إمكانية الاستفادة ريعيا وإيديولوجيا من حرب “الجيل الرابع” المذكورة آنفا.

2. الجراحات العشرة

أسفر تفكيكنا لخطاب أهل الدعاوى إلى تجريد جراحات/عناصر عشرة رئيسية، يتكرر ورودها في خطابهم، وهي كالآتي:

 العنصر الأول؛ نظرية المؤمراة، وتشتيت الوحدة الإسلامية، والمؤامرة لإسقاط الخلافة العثمانية سنة 1924م. (فأهل المغرب الأقصى قد استقلوا عبر تاريخهم، بنظامهم الخلافي المتميّز).

 العنصر الثاني؛ الاستعمار وأضرب عدوانه، الجزائر وحدها قتل فيها مليون وخمسمائة ألف، والمغرب عشرات الآلاف من الموتى، وتونس، وليبيا، ومصر، والهند…

 العنصر الثالث؛ إسرائيل، باعتبارها زرعا غريبا، حيث فسلت كرها في المنطقة.

 العنصر الرابع؛ المعايير المزدوجة؛ حين تكون العراق، أو إيران، فإن العالم يقوم ولا يقعد، وحين تكون إسرائيل فلا أحد يتحرك.

  العنصر الخامس؛ الإهانة التي يتعرض لها المسلمون في وسائل الإعلام الغربية السمعية، والبصرية، والمكتوبة، والإلكترونية.

العنصر السادس؛ الكوكتيل العراقي، الأفغاني، البوسني، البورمي، الوسط الإفريقي إلى غير ذلك.

  العنصر السابع؛ السطو على ثروات العالمين العربي والإسلامي.

 العنصر الثامن؛ الغزو الفكري، والقيمي، والسلوكي، الذي يستهدف الاستلحاق والاستتباع، مما يولد لغة الانتفاض، وهذا يمكّن من هذه القدرة على الاستقطاب، وعلى الاستيعاب، والاستتباع للشباب.

 العنصر التاسع؛ تحريف الجغرافيا والتاريخ.

 العنصر العاشر؛ حرق المصحف الشريف، وسب النبي صلى الله عليه وسلم.

وهي عناصر لا ينبغي إغفال تناولها بالتفكيك، وبالجواب، وبذل الأجوبة الشافية والكافية، وإلا فإنه سوف يتم الاستمرار في تجييرها لصالح دعاة التمزّع، والتدابر، والتشظية، والتنازع.

حري بالذكر أن هذه العناصر لا تساق مجتمعة، وإنما تم جردها من خلال الرجوع إلى كتابات الجماعات المتطرفة، وأشرطتهم ومواقعهم، ومختلف المنصات التي يبثون من خلالها خطابهم. ولا شك أنها عناصر وجراحات فيها جانب من الصواب، ويحتاج المنتظم الدولي والأممي إلى مقاربة علاجية لها فيما يمكن أن يكون أشبه بحركة إنصاف ومصالحة دولية، ينجم عنها طيّ صفحات الماضي المؤلم، والشروع في مرحلة عيش مشترك، تنبني على التعارف والتعاون، للإسهام في تجويد الحياة على ظهر مسكننا الموحد.. كوكب الأرض، وهذا، وكما لا يخفى ورش حضاري يحتاج إلى غير قليل من الجهد المستبصر.

ثانيا: فَرشُ التطرف الديني والطائفي في المجتمعات المسلمة

يتميز سياقنا الراهن بوجود جملة من السمات السلبية في المنطقة، تمثل ما يشبه الفَرْش الذي يتأسس عليه التطرف الديني والطائفي، ويمكن تقسيم أهم هذه السمات إلى ثلاث طوائف:

1. الطائفة الأولى: نخبة غير كفؤة

أ. أن النخب في المنطقة، على العموم، باستثناء بعض الدول القليلة المعروفة، من أنصاف المتعلمين حظهم من المبادئ والقيم الإيجابية والأخلاق البانية غير كاف، نخب تحب المال والجاه والسلطة والاحترام، رغم غياب شروط استحقاق كل ذلك، فأضحت هذه النخب للأسف، نخبا يتجسد فيها تداخل الفساد، وفشل الحكامة؛

ب. أن هذه النخب على العموم لا تعير العلم، رغم مركزيته في بناء قدرات الأفراد والجماعات، ما يكفي من الأهمية، فأضحت في جلّها، إلا ما استثني، نخبا ترتكز في تسييرها لشؤون بلدانها، على الولاء والريع والاستغلال، عوض الكفاءة والاستحقاق، مما جعل فئات عريضة من شباب المنطقة، لا تعترف بهذه النخب، وتناصبها العداء لشعورها بالتهميش؛

ج. الافتقار البارز لدى هذه النخب إلى الرؤية الإنمائية الناجعة، وإلى الطابع الأصيل، والشخصية الريادية، كما يسجل عند كثير من أفراد هذه النخبة، أمنيزيا الذاكرة، وضمور الإرادة، مما يجعل الجيّد من الأفكار يأتي ويذهب، لفقدان شروط التلقّي والأجرأة.

2. الطائفة الثانية: عنف مادي وعنف معنوي

أ. شبوب نيران عنف غير مسبوق في المنطقة، عنف لم يستثن نوعا من الأسلحة، المعهودة وغير المعهودة، التي يستعملها أبناء الوطن الواحد ضد بعضهم البعض باسم الدين والتّدين؛ وهو عنف أصبح له في بلدان المنطقة الشرق أوسطية على الخصوص، نوع من الاستمرار والديمومة، جعله يبدو للأسف كما لو كان أمرا مألوفا يمكن أن يُتساكن معه؛

ب. اشتعال الساحة كما هو معلوم، بقدر كبير من فتاوى التكفير والتفسيق والتبديع، فأضحت النصوص الدينية التي من المفروض أن تشكل الإجماع، محط النزاع والتوظيفات والتوظيفات، المضادّة، فاستبيحت الدماء، ولم يعد ثمة مكان لشرعية الطاعة، والانضباط لمقتضيات الأمن الجماعي، واجتناب شق عصا الأوطان، وبذريعة النهي عن المنكر، اقتُرِفت أفظع وأنكر المنكرات، فاستُحِلّت الدماء المعصومة والأموال المصونة.

3. الطائفة الثالثة: ضعف المؤسسة العلمائية

أ. غياب توافر العدد الكافي من العلماء الرموز من أهل الاعتدال والوسطية ذوي سلطة معنوية ومصداقية وحكمة وحصافة، يُفزع إليهم لحل الإشكالات وتبديد المدلهمات؛

ب. ضعف المؤسسات العلمائية وكذا المحاضن التي تُربّي وتدرّب العلماء ذوي التّمَكّن، والقدرة، لمواجهة الخطابات المشيعة للأحقاد، والتي تهدد نسيج أوطان المنطقة بالتفكك الطائفي، وضعف عوامل المناعة الذاتية فيها، والتي كانت تمكّنها من مواجهة المؤامرات والتحديات والأطماع؛

ج. ذيوع الفهوم المتسمة بالحرفية والتجزيء، والمتجانفة عن فهم النص والوعي بالسياقات والعادات والأعراف، في ابتعاد تامّ عن تحقيق المناطات واعتبار المآلات، فهوم مجتثة من أرض المقاصد الشرعية الركنية، وقواعد التنزيل والإمضاء المكينة.

تأسيسا على هذه السمات السلبية وغيرها، مما لم يذكر هنا، انقسم المجال أمام جملة اجتيالات، تبوّء معها من ليسوا بأهل مقامات النطق باسم جموع الأمة.

تنضاف إلى هذه السمات سلسلة من المعطيات الواقعية التي أثتت تاريخنا المعاصر والحديث، وخلّفت جراحات في الذاكرة الجماعية، جراحات استغلّت للتعبئة في بوثقات التطرف والانكفاء من خلال بثها في المواقع الاجتماعية ومختلف الكتابات الصادرة عن هذه الجماعات، مما يستدعي بدوره التناول الدقيق والناجز.

ثالثا: من مفاتيح تفكيك خطابات التشظية والتمزع

عند الحديث عن ضرورة تفكيك الخطابات الحاضّة على الفُرقة والكراهية والتمييز باسم دين الله الحنيف، وحاشاه، تلوح في الأفق عناصر، يمكن حصرها كالآتي:

أولا؛ ضرورة التعرف على مرسلي هذه الخطابات، وعلى خلفياتهم، وعلى مكونات رؤاهم التي يصدرون عنها، لكي يتم إعداد عناصر التفنيد، بشكل يوفي بالغرض.

ثانيا؛ التركيز على حوامل الخطاب سمعية، أم سمعية بصرية، أم رقمية، أم ورقية، للمنازلة معها عن طريق نفس الحوامل.

ثالثا؛ التركيز على طبيعة المتلقين، أمحايدون هم؟ أم يتشاطرون القناعات نفسها؟ أم بين ذلك؟ لمحاولة شفط آثار الخطاب المتطرف من أذهانهم، ومُتداولهم بالحجة، وبالطريقة المناسبة.

ويحق للمرء أن يتساءل بهذا الصدد: عن مدى تمكين التكوينات المتاحة لقادتنا الدينيين، من حيث الكفايات لما يؤهلهم للقيام بما سلف؟ وكذا عن ما يلزم لإعادة هندستها، قصد جعلها موفّية بهذا المطلب.

رابعا؛ تحديد مدى تأثير حَمَلة هذا الخطاب، وما هي المفاهيم التي يستعملونها، وما هي المجالات التي يتحركون فيها، في أفق إعداد أضرب الرد المناسبة، وتفكيك خطابات التفرقة، والكراهية، واجتثات بذورها.

وجب بهذا الصدد استحضار أن حلبة النزاع الأساس، وكما سلفت إليه الإشارة آنفا، قد باتت اليوم هي ألياف النت، بحكم ما تتيحه من إمكان المصادقة على هذه الخطابات المدمرة بكبسة زر واحد (like)؛ بحيث تتجمع العشرات، فالمئات، فالآلاف من المصادقات، فيضحى الخطاب وكأنه مسلّم به، مما يؤهله لاختراق مجالات سبك الهويات الجماعية، الوحدود، والمجتمعات والقبائل الرقمية. وهي مسألة بالغة الخطورة، لا بد من إعداد العدّة للقيام بالمتعين إزاءها.

خامسا؛ تيسير أساليب الحوار مع المستهدفين، الذين هم بالأساس من فئة الشباب، وكيف أن الخطاب وجب أن يراعي نفسياتهم، وعقليتهم، وأساليب تواصلهم، حتى لا يكون بعيدا عن طبيعتهم التداولية، وبالتالي مرفوضا من لدنهم. وهنا وجب التنبيه إلى أن الآلية الأكثر فاعلية بهذا الصدد، هي آلية التثقيف بالنظير؛ حيث إن النظراء يكونون أكثر تأثيرا في نظرائهم، مما يستوجب بناء كفايات وقدرات، ومهارات المرشحين لهذه الأدوار، لحماية نظرائهم من كافة أنواع الاختراقات التي يتعرضون لها.

سادسا؛ الانتباه إلى ضرورة اعتماد البعد الرمزي؛ لأن الرسائل التي تتذرع بالقوة الرمزية تكون أنفذ وأكثر قدرة على التأثير.

رابعا: في ضرورة تفكيك المصطلحات المستعملة في خطاب التطرف

المصطلحات كائنات، تحيى في النص الذي توجد فيه، فإذا أراد المرء التعامل مع مصطلح معين، فإن ذلك يقتضي دراسته كما يُدرس الكائن في كل حالاته، نشأته، نمائه، كيف يتحرك انفراداً؟ وكيف يتحرك اجتماعا؟ ما هي علاقاته؟ وما هي ضمائمه؟ وما هي مشتقاته؟؛ أي، حصر جميع حالات حراك هذا المصطلح في مجاله، قبل أن يصبح المرء قادرا على الحديث عنه بالدقة المطلوبة.

لابد من التتبع للمصطلح في مختلف موارده، للوقوف على أضرب استعمالاته المختلفة للتمكن من تلمّح انزلاقات الاستعمال المقصودة وغير المقصودة، وردّها إلى أنصبتها.

فمصطلح الجهاد، مثلا، في تجلياته المختلفة يكون بحسب السياقات التي يوجد فيها، فلا يمكنك أن تتحدث عن الجهاد حديثا مستغرقا وجامعا؛ لأن الجهاد مفهوم يأخذ تمظهراته، وتصريفاته، بحسب السياق الذي يوجد فيه، ولئن كان الجامع بين هذه الحالات كلها التي يرد فيها مفهوم الجهاد هو المجاهدة، وحمل النفس على ما تكره، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 214).

غير أن عدم استحضار كون مؤسسة الإمامة، هي الوحيدة القادرة على تحديد وقت هذا القتال الذي كتب، باعتبار قدرتها على استجماع وتحليل المعطيات الظرفية، والقيام بالموازنات اللازمة لاتخاذ مثل هذا القرار العظيم، الذي تمتد آثاره إلى كل فئات المجتمع، كما تمتد إلى الأجيال القادمة، فإن لم تعلن هذه المؤسسة الجهاد، فإنه يبقى جهاد نفس، لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾(العنكبوت: 69)؛ بحيث إن الجهاد في هذه الحالة يكون لتنوير العقل والوجدان، وضبط الجوارح.

وانطلاقا مما سلف، يمكن الوقوف على مدى التحريف الذي أخضع له مصطلح الجهاد في الخطاب المتطرف.

والأمر كذلك بالنسبة لمصطلح القتال، والذي يتصل في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية بحماية الأبرياء وحماية الأنفس.

لقد جرى تحويلُ هذين المفهومين الجليلين في الرؤية القرآنية إلى أداة قتل في أيدي مجموعاتٍ متطرفة، ومتعصبة، وهو تحويل لم يقتصر فقط على القتال والجهاد، بل تناول سائر المفاهيم الكبرى في الإسلام، مثل الدين، والشريعة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ودار الإسلام، ودار الحرب، والهجرة، والنصرة، والدولة ووظائفها، والأمة، والمومنين، والمسلمين، وعلائق الأمة بالدين، ومفهوم الوعد الإلاهي، ومفهوم الحاكمية، ومفهوم التمكين، ومفهوم الوطن، وغيرها من المفاهيم القرآنية.

من هنا فإن الحديث عن القتال والجهاد، أو غيرها من المصطلحات والمفاهيم القرآنية دون مراعاة كل هذه الحيثيات، لا شك سيفضي إلى فهوم سقيمة، ومبتسرة، وجزئية، كالتي نرى سريانها اليوم في خطاب الجماعات المتطرفة، ما يقتضي العلاج الناجز.

خامسا: مقتضيات فرملة هذه الدينامية المدمّرة

يحق للمرء أن يتساءل بعد كل هذه الخلاصات، السؤال الآتي: هل إلى خروج من سبيل؟

لاشك أن أول مقتضى من مقتضيات فرملة هذه الدينامية المدمّرة، هو مقتضى الفهم القائم على تفكيك الوقائع وتشبيك متفرقها، وتحليل الخطابات وفرز أنماطها، وجمع المعطيات وتصنيف أنواعها لمحاولة الخروج ببعض مقترحات الحلول، في وعي بتطلبات السياق المحلي والإقليمي والجهوي والكوني.

ويمكننا بهذا الصدد، تمييز ثلاثة أوراش كبرى:

1. ورش اجتماعي تحصيني

وينطلق من استحضار كافة القضايا المجتمعية الحارقة، من معاناة أهل المعاناة وبلورة سبل التضامن لتجاوزها، وعضة الفقر والعوز ومحاربتها، ومكافحة كافة الأمراض وأضرب الإدمانات، وحماية المهجّرين والمقتلعين من أوطانهم، وترشيد المؤسسات العاملة في هذه المجالات، وتعزيز قدرات أهلها، ثم بلورة مشاريع تنموية حضارية راشدة، تستقطب أذرع وطاقات الشباب، مع السعي إلى تمكينهم عبر التعليم الفاعل، والإعلام الباني، ومؤسسات المجتمع المدني والتنمية البشرية النابضة، مما يقتضي تكوين الكفاءات وبناء المؤسسات القادرة على مباشرة كل هذه المشاريع برشادة وتمكن.

2. ورش مضموني

تتم فيه بلورة المضامين الأصيلة المتزنة والوسطية المعتدلة، ونقش استراتيجيات تقريب فحواها من عموم أهل المنطقة، لتحصينهم من أضرب الاختراقات المختلفة، ولكون هذا الورش هو العماد، فلابد فيه من بعض تفصيل.

يُسَجَّلُ اليوم، أن أنماط التنشئة المرتبطة عضويا بالأبعاد الرقمية والفضائية الحديثة، قد أقرت في مجتمعاتنا سلالم جديدة من القيم، والمعايير والأخلاق، والسلوكات، والتي أسهمت جميعها في بناء شخصية إنساننا على شاكلة غير مسبوقة، ووفق مضامين لا تنتمي إلى المنطقة، ولا إلى مرجعياتها، وبفنّية عالية تعطيها جاذبية كبيرة تصعب مقاومتها. فالإحصاءات تثبت أن الشاب في المنطقة لا يبلغ الثامنة عشرة من عمره إلا وقد رأى أربعين ألف حالة قتل، حدّا أدنى، سواء على شاشة التلفيزيون، أو شاشة النينتاندو، أو الكمبيوتر، ومائة ألف حالة عنف وعدوان، حدّا أقصى، وإذا كان شبابنا في هذين الإحصاءين يلتقي مع شباب العالم، فإنه يختلف عنه بكونه لا يبلغ الثامنة عشرة، إلا وقد سمع عبر الأخبار، أو في مختلف أوساط وجوده العائلية وغيرها، عن عشرات المئات من حالات القتل والعدوان التي يمسّه بعضها بشكل مباشر، مما يقتضي لزاما، لمواكبة، واستيعاب، وتأطير كل ذلك، مراجعة البعد الإعلامي، وتشجيع إنتاج برامج تثقيف وتسلية بديلة، ومنتجات كرتون محلّية مربّية وحاملة لقيم الدفع والإيجابية، وكذا تشجيع إنتاج الألعاب الإلكترونية البانية، المنافسة لما هو موجود في السوق، ومراجعة مناهج إنتاج التربية وبلورة آلياتها في المنطقة، مراجعة تأخذ بعين الاعتبار خصائص هذه المصفوفة الحياتية الجديدة، وتحدياتها من حيث تكوين المدرسين والمشرفين التربويين، وإعداد المضامين والمناهج والبرامج، واعتماد الآليات والوسائل المناسبة لهذا السياق الراهن.

كما يقتضي ما سلف، إعادة استكشاف معالم الرؤية القرآنية الشاملة للحياة والأحياء، والإنسان والعمران، لكي تتم في إطارها كل العمليات التجديدية المطلوبة، وهو ما يستلزم مراجعة أضرب تكوين وإعداد العلماء في المجال الديني، وكافة المجالات الإنسانية الأخرى، واستكمال حلقات ذلك، من وحدات جامعية فاعلة، ومحاضن بحث يُستكمل فيها التكوين والتأطير، وآليات إدماج عضوي ومنتج لهم في مجتمعاتنا، مع السعي لضمان اكتفائهم واستقلالهم في إطار واجبهم، إزاء حماية استقرار، وتماسك، وعزّة أوطانهم.

ويتضمن هذا الورش الخطير الجوانب الآتية:

ـــ الجانب التربوي؛

ـــ الجانب الإعلامي؛

ـــ جانب إنتاج كرتون وألعاب إلكترونية لطفولتنا وطفولة العالم

تزرع قيم التعايش وتعزّز السلم؛

ـــ تأطير إبداعي وتفاعلي للشباب، يبني قدراتهم ومهاراتهم الحياتية عامة وقدراتهم في مجال التعايش وتعزيز السلم؛

ـــ مناهج فاعلة ومبلورة لإعداد العلماء لتمكينهم من الاضطلاع بأدوارهم الخطيرة إزاء مجتمعاتهم.

وهي كلها جوانب تقتضي تكوينا وتشميرا جادّين.

3. ورش تقريبي

لعل من آكد العوامل والأسباب التي حَدَّت من فعالية وجدوى منظوماتنا التربوية في المنطقة، غياب الممارسة التقريبية، أولا على مستوى النظر، وثانيا على مستوى التطبيق والتنزيل والعمل[3].

إن التقريب لا يوجد بشكل كاف في مناهجنا وبرامجنا التربوية والإعلامية، وسبب ذلك الأبرز، هو ضعف القدرة التواصلية والتفاعلية، بين المرسل والمتلقي في المجال التربوي، وهو الأمر الذي يتحول معه التقريب، إلى ممارسة لا تتجاوز التبسيط السطحي والقشوري لمعارف محددة، ثُم استهلاكها فاجترارها، وهي ممارسة لا شك تدلف بالتقريب نحو حدود التمييع، وتتأرجح بمضامينه بين التهوين والتعويم، وتحصر مقاصده في جوانب من المدارسة، إن وجدت، دون استحضار الممارسة، مما يستوجب أيضا الاستدراك الناجز.

إن التقريب المنهاجي والبنَّاء، إذا لم يتغلغل في الأنساق المعرفية، فلن تكون إلا أنساقا مغلقة لا ينفذ إلى طواياها سوى نخبة من الناس، وإذا أردنا لهذه الأنساق أن تكون مفتوحة، قابلة للتَّفَهُّم، والاستيعاب، والإعمال، وكذا قابلة للتطوير والنماء في مسلماتها ونتائجها، مستجيبة لتطلّبات الواقع، فلابد من استئناف الممارسة التقريبية بشروطها، في مناهجنا ومنظوماتنا التربوية؛ إبداعا وابتكارا، نظرا وعملا، استعمالا واستكمالا، حالا ومآلا، وسيلة ومقصدا.

سادسا: حتمية العناية برسم سياسة مؤسَّسية تمكّن من التفكيك المستدام، وتمكّن من بلورة استراتيجيات التفنيد

حين نتكلم عن سياسة تمكّن من تفكيك خطاب التطرف في سياقنا المعاصر، فنحن أمام اثني عشر عنصرا في غاية التواشج:

العنصر الأول: هو عنصر الرؤى المؤطرة لهذه السياسة؛

العنصر الثاني: الاستراتيجيات التي سوف تتفرع عن هذه الرؤى؛

العنصر الثالث: المخططات التي تروم تنزيل هذه الاستراتيجيات؛

العنصر الرابع: التشريعات التي تستهدف وضع الضوابط والمفاصل لصون هذا التنزيل بطريقة أرشد؛

العنصر الخامس: التنظيمات وهي هنا بُعد عملي وميداني فيه درجة أخرى من التنزيل لهذه التشريعات؛

العنصر السادس: إنشاء البُنى التي يتم التمكن من خلالها من التنزيل؛

العنصر السابع: رصد ما يمكن من الإمكانات البشرية، ثم المادية؛

العنصر الثامن: التدابير والإجراءات؛

العنصر التاسع: الإنجازات؛

العنصر العاشر: التقويمات؛

العنصر الحادي عشر: المحاسبة؛

العنصر الثاني عشر: التجويدات لتحسين الرؤى وتحسين الاستراتيجيات.

بعد كل ما سبق ذكره فإن التحدي الأكبر الذي تشترك فيه العناصر الاثنى عشر سالفة الذكر، هو تحدي البعد المضموني، حيث لا نجد عندنا اليوم ما يكفي من المضامين الوازنة؛ لأننا ببساطة لم نُمكّن أبناءنا وبناتنا، بشكل كاف من اكتساب الخبرات لبلورة هذه المضامين الوازنة!!

وحتى نتمكن من بلورة مضامين وازنة، نحتاج إلى جملة أمور:

ـــ صياغة، وبناء وشحذ كفايات، للتمكن من إنتاج مضامين قوية ومنافسة.

ـــ التركيز على البعد الهندسي؛ والذي تدخل فيه الاستراتيجيات وتدخل فيه المخططات، وتدخل فيه الإجراءات، والتدابير؛ ولا أعني بالهندسة هندسة البناء، ولكن أقصد الهندسة المعرفية، ثم الهندسة التربوية وهي هندسات نفتقر إليها في سياقنا المحلي الراهن.

ـــ نحتاج إلى علماء رواد؛ والعالِم، هاهنا، بمفهومه الشامل؛ وهذا هو المقصود بالتقوية (Empowerment)، فلابد من الاستثمار في الشباب الذين نريدهم علماء رواداً، ومن أجلهم.

ـــ إلى جانب العلماء الرواد، لابد أن تكون لدينا شبكات تضمن الوساطات مع عموم الناس، وهم العلماء الوسطاء؛ الذين بهم يمكن أن تُواجه، وأن تُرصد أضرب السلوكيات الخطرة، وفي مقدمتها التطرف، والإرهاب، والكراهية، والعنف.

ـــ التثقيف بالنظير (L’Education Par Les Pairs) لأن الشباب، وكما سلف، يكون أكثر تأثيرا على الشباب، ودراسة حالة “داعش” تفيد ذلك، وهذا ليس رد فعل على “داعش” وإنما هذه ثمرات الدراسة والخبرة الميدانية.

ـــ أن يكون هناك نوع من التقوية في مجال تواجد وأماكن عيش الشباب، ولابد أن نفرز المضامين التي تمكن هؤلاء الشباب من أن يدركوا، ومن أن يسهموا، ومن أن يَبنوا، وأن يكون لهم دور؛ لأن الشباب سئم من المقاربة التعليمية والتدريسية والإملائية، من دون أن يكون ثمة إشراك لهم.

ـــ أن تكون هناك جملة من البدائل؛ وهي بدائل تبدأ من الرسوم المتحركة بالنسبة للأطفال، رسوم تحمل رؤى، وقيما، وأنماط سلوكية، ولغة للتواصل مفهومة؟ وعندنا مراكز الفنون الجميلة في العديد من بلداننا، تخرج مئات الطلبة الشباب في السنة، لا تتم الاستفادة منهم بهذا الصدد. كما ينبغي الحرص على تنشئة الخريجين الموجودين الآن، واستثمارهم في سبيل تحقيق هذا المقصد.

ـــ ينبغي إنشاء مراصد وطنية للقيم، لأن ذلك بات من أولى الأولويات.

ـــ لابد أن ننشئ أماكن عيش صالحة، تستوعب أنشطة الشباب، وتستجيب لتطلعاتهم، من قبيل أندية سينمائية بنّاءة، يتم فيها بناء مهارات التحليل والنقد، وتُكتسبُ فيها أضرب من الخبرات، لأن التحدي الآن هو كيف يمكن أن أواكب شبابي دون أن يُجتالوا، أو يُختطفوا إلى القبائل الرقمية أمام ناظري؟

ـــ نرنو إلى أن تظهر هذه الأمور في برامج الأحزاب السياسية، والجمعيات المدنية في بلداننا، بما أنها هي الذراع العملي المخوّل قانونيا، ولكن قبل ذلك، أن تظهر في برامجنا التربوية، والتعليمية.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

الهوامش

[1]. مستعيرًا اللفظ من عنوان كتاب “غياث الأمم في التياث الظلم” لإمام الحرمين الجويني، رحمة الله عليه، (المتوفى سنة 478هـ).

[2]. وقد ألف الإمام السبكي كتاباً أسماه: “معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي”.

[3]. وَجَب هنا استحضار أن المنظومات التربوية اليوم، لم يبق مجال بلورتها وإعمالها، منحصرًا داخل جدران “المدرسة”، وإنما اتسع هذا المجال ليعُمَّ كافة أرجاء وقطاعات مجتمعاتنا، التي بات يحتوش أفرادها، الدفقُ المعلوماتي الأثيري، حيثما حلُّوا وارتحلوا.. فقد لفَّت الشبكة التي تسري فيها بلايين المعطيات والمعلومات كوكبنا.

Science
الوسوم

الدكتور أحمد عبادي

• الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق