وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

قصر أحمد الريفي بتطوان

كان القائد أحمد الريفي كثير البناء ومولعا بالهندسة المعمارية، وقد بنى قصورا مختلفة، وأشهرها قصر عرف في تطوان باسم ” مشوار”، وكان المشوار يتكون من باحة رئيسية كبرى للاستقبالات ومن مصلى و كتاب  ومطابخ وغرف للخدم وحمامات، وكذا حدائق فسيحة، والدار التي تتكون من بنايتين مربعة الشكل، و يعتبر قصر الباشا احمد الريفي أيقونة تاريخية التي ترمز لقوة و عظمة عائلة الريفي في المغرب، وكان ذلك في المنتصف الأخير من القرن السابع عشر و النصف الأول من القرن الثامن عشر،  كما بنى القائد أحمد بن علي الباشا برج مرتيل بإذن المولى إسماعيل، بالإضافة إلى بناء مسجدين بتطوان وطنجة…

إن القائد المجاهد أبو العباس أحمد بن علي الريفي يلي رئاسة المجاهدين هو وأبوه من قبله بالثغور الهبطية أيام السلطان المولى إسماعيل رحمه الله، وكانت له ولأبيه اليد البيضاء في فتح طنجة والعرائش وغيرهما حسبما سلف بعضه فكانت له بذلك وجاهة كبيرة في الدولة خصوصا ببلاد الهبط[1]، وكان بتطاوين يومئذ الفقيه الأديب أبو حفص عمر الوقاش من بيوتاتها وأهل الرياسة بها كان أولا كاتبا مع السلطان المولى إسماعيل رحمه الله وكانت له المنزلة العالية عنده ثم لما ضعف عن الخدمة السلطانية بكبر سنه [2]

ولقد جارى هذا القائد المولى إسماعيل في مكناس، دون أن يضاهيه بطبيعة الحال، في كثرة التشييد التي عرف بها السلطان، ولم يبني أحمد الريفي قصرا بتطوان ، وهو عقيق خارج المدينة فحسب، بل بنى أيضا جامعا بتطوان وآخر بطنجة، وقصورا شتى في طنجة والشاون وكذا بضواحي سبتة، ولقد وسع أحمد الريفي الحيز القريب من قصر النقسيس لتشييد داره الخاصة التي يفترض أنها بنيت فوق موضع حدائق قصر النقسيس، واستمر في سكنى هذا المبنى الجديد المعروف بالمشور، ثم أصبح مقر الخليفتين مولاي المهدي ومولاي الحسن طوال الحماية الإسبانية، وعرف قصر أحمد الريفي المشور تغييرات هامة خلال سنوات  1920و1930، إلا أنه يمكن إعادة وضع بعض أجزاء تصميمه  الأولي اعتمادا على أوصاف تلك الفترة وعلى الصور الشمسية القديمة [3]..

وكان المشور يتكون من باحة رئيسية كبرى للاستقبالات، ومن مصلى ومطابخ وغرف للخدم وحمامات، وكذا حدائق فسيحة ربما كانت توجد في المكان الذي  بني فوقه فيما بعد قصر المقيمية الإسبانية، ورغم ترميمها مازالت الباحة الكبرى الرئيسية تحتفظ بالشكل التقليدي الذي بنيت عليه دور تلك الفترة، والتي كان كل جانب من جوانبها يشتمل على ثلاث حنايا، الحنية الكبرى الوسطى وتدعمها حنيتان أصغر منها، وتعكس هندسة البناء هاته بساطة هندسة الفترة الموريسكية  بسطوحها المملسة، والمطلية بالأبيض ، وقنطرتها الغير المجصصة، ويمكن تجديد بداية القرن الثامن عشر في الحنية المستدقة الرأس على شكل حدوة، والتي تختلف عن رأس الحنية النصف الدائري كما كان يبنى فيما قبل، ولقد تم اعتماد هذا التصميم بشكل شبه تام في باحات مختلف قصور ودور عائلات المدينة الأندلسية، ولقد أدخلت في بناء القصر المشور تحسينات جديدة على التنميق الهندسي الذي كان معروفا إلى ذلك العهد في تطوان، وزين هذا القصر بسقف وأفاريز نقشت بعناية في الخشب المدهون، وببلاط خزفي مطلي بالمينا، وسقف منقوشة، وزلاليج حفرت بشكل يجعل رسومها ناتئة، ويمكن مشاهدة بعض عناصر بناء قصر المشور الأصلي في المتحف الإثنوغرافي بباب العقلة، وسواء تعلق الأمر بالقطع الخشبية وتنميقها بالنقوش والديهان، أو بالزليج والبلاط الخزفي، فإن سمات التأثير العثماني بارزة فيها من خلال اختيار الصبغ الوردية الطبيعية كالخزامى والقرنفل [4]

أما الجدران والمباحات فقد زخرفت بالزليج، كما زخرفت به القاعات المحيطة بصحن الدار، ويرتفع في كل ركن من أركان الصحن، برج يزيد ارتفاعه كثيرا على  ارتفاع البناية، وفي اثنين من هذه الأبراج، توجد سلالم تؤدي إلى غرف بأعلاها، أما البرجان الآخران، فتوجد بأسفل السلالم  بكل منهما، باب توصل إلى المسجد، وإدارة الكتاب والمطابخ والاصطبلات والحمامات، كلها تتصل بالصحن المربع، وفي أعلى السلالم كانت بيوت الحريم وهي واسعة ممتدة فوق جميع أمكنة الطبقة السفلى، وفي أعلى الدرج يوجد مباح يفصله درابزون، صنع بزخرفة دقيقة ودهن بطلاء رقيق، وغطيت جدرانه ورصفت أرض الغرف والمباحات بالزليج، وفي كل جانب من هذه الطبقة، يقوم جناح فسيح كان يحتله نساء الباشا الشرعيات الأربع، وهناك جناح رئيسي مكون من خمس غرف ، أحداها كبيرة وأخرى متوسطة تحيط بها أربع قباب أخرى، وفي جميع هذه الأجنحة أبواب تفضي إلى حمام الحريم، لكل واحدة من جوار الباشا غرفتها الخاصة، وهذه الغرف لا ترى ضوء النهار إلا من أبوابها الخارجية، ورغم ذلك فإن هذه الأبواب كثيرا ما تسدل عليها الستائر وهذه الأظلام الشديدة له منفعتان : الأولى تبريد الجو والثانية طرد الدباب، أما تهوية الغرف فتتم بفتح تلك الأبواب الواسعة العالية التي ترفع من الأرض إلى السقف مستندة إلى الرتاج، وتوجد بالجدران كوات للتهوية، فلا ادخل الريح ولا المطر، أما الأبواب والأسقفة فمتناهية في الارتفاع، وهي تمتاز بعمل دقيق في فن الزخرفة والنقش والطلاء، غير أن الأبواب كانت محطمة ومهمشة، وفوق الأجنحة الخاصة للحريم، كان يمتد سطح جميل للغاية يشرف على المدينة والوادي والطريق الممتدة إلى البحر، وكان في أعلى كل برج “منزه” ، تجلس عادة فيه السيدات للعمل، ويتمتعن بالمنظر الساحر المحيط بهن دون أن تصل إليهن العيون.. [5].

وأما الدار فتتكون من بنايتين مربعتين، وهندسة الدار على وثيرة واحدة، فالغرف صغيرة، وتقع في زواياها وأمامها مباحات رفع على أعمدة لأجل تلطيف الجو، ونشر الظل، وفرشت الأرض كلها بالبلاط ، أما البماية الثانية، فهي أكبر من الأولى، وينزل إليها ببضع درجات وفيها أرق أنواع الفن، وفي وسطها صهريج مستدير عديد الزوايا وكانت الجدران مغطاة بالزليج الصغير الملون، الذي لا يتجاوز بوصتين في الشكل، وكان فراغ الزوايا معطى بالتراب الذي طمر أشجار البرتقال والليمون… [6].

وأمام البهو الآخر أقام الباشا غرفة للاحتفالات، يبلغ ارتفاعها نحو خمسين وتشرف على سلم، وتحيط بها من جميع الجهات، شرفة تقوم على أقواس يتفسحون فيها، والغرفة المشيدة في أعلى السلاليم كانت عالية كبيرة، فيها منقوش نقشا بديعاـ ومحلى بألوان جميلة، وقد ارتفع في شكل قبة، وقاعة الحفلات التي يمكن أن يطعم فيها أكثر من عشرين شخصا…فأما القبة الكبرى عن يسار الصاعد من درج السفلي، قبة مربعة من النوع المسمى في تطوان بالبرطال، وهذه القبة هي المكان الوحيد الذي لا تزال كتابته الأثرية محفوظة على أصلها في القسم الرئيسي منها، وهي قطعة شعرية كاملة منقوشة على الزليج الأسود المعروف بفاس على الطريقة الأندلسية المغربية، وقد كتبت على خط مستطيل .والقبة الكبرى والحجرتان الكبيرتان اللتان عن يمينها ويسارها، وهي أكبر حجرات هذا القصر، فلا أثر فيها اليوم للكتابة الأثرية [7]..

ومن آثاره كذلك بناء برج مرتيل سنة 1719 وقد جدد هذا البرج سنة 1759 في عهد الملك المقدس محمد الثالث على يد عامله بتطوان عبد الكريم ابـن زاكور،  وأحدث بجانبه مرسى لتصدير منتوجات المدينة ومنها الجلد والشمع، مع تخصيص دخل المرسى لموظفي البرج والمرابطين فيه، وفي حرب تطوان سنة 1860 دمر الإسبانيون البرج تدميرا فأعيد بناؤه وتجديده بعد جلاء جيش الاحتلال الإسباني سنة 1862 وذلك في عهد الملك المقدس محمد الرابع. وكان هذا الربج يتوفر على منارة فخمة متحركة تدور حول نفسها على غرار منارة سبتة. تبعث شعاعها قويا يظهر من كل جهة للبحر داخل مدينة تطوان كما كانت المراكب البحرية تهتدي بنوره في ظلمة الليل. فكان هذا المنار من أجمل وأفخم ما يتميز به برج مرتيل. وقد غاب فيما غاب من الآثار التطوانية النفيسة في ظروف غامضة بعد انتهاء عهد الحماية [8].

كان هذا وصف القصر الفخم الذي شيده الباشا أحمد الريفي، وقـد صار هذا القصر بعده مقرا لعمـال تطوان، ثم صار مقرا لخليفة السلطان في عهـد الحماية الإسبانية وعـرف بالقصر الخليفي، والهيكل العام لهذا القصر ما يزال على حاله إلى يومنا هذا….

[1] – يعود استخدام تسمية بلاد الهبط لعصر الموحدين، فبلاد الهبط أو بلاد الفحص أو منطقة جبالة هي تسميات تاريخية لتقسيم جغرافي للمنطقة الغربية من جبال الريف شمال غرب المغرب تقع اليوم ضمن جهة طنجة تطوان الحسيمة .

[2] – الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (2/115)  دار الكتاب الدار البيضاء

[3] – تطوان الحاضرة الأندلسية المغربية ص45 الطبعة الأولى 2002

[4] – تطوان الحاضرة الأندلسية المغربية ص46 الطبعة الأولى 2002

[5] – تاريخ تطوان لمحمد داوود  (2/188-193) مطبعة المهدية تطوان.

[6] – تاريخ تطوان لمحمد داوود  (2/188-193) مطبعة المهدية تطوان.

[7] – تاريخ تطوان لمحمد داوود  (2/188-193) مطبعة المهدية تطوان.

[8] – دعوة الحق مقال العربي الشاوش –  إشارات حول الإشعاع الفكري والحضاري لمدينة  تطوان – العدد 229 يونيو

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق