مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

شرح نزهة الظريف وبغية المولع بالتصريف لأبي المحامد الشيخ الخديم (ت:1346هـ/1927م)

 

1- مقدمة

إن علم التصريف من أنفع علوم العربية، وأشرف ما تهوء إليهِ الهمم العلية، ومباحثها من أَشرفها قدرًا، ومعاقدها من أجلِّها ذكرًا؛  و«يُبحثُ فيه عن أبنية الكلم، أي ذواتها كأوزان الاسم والفعل بأنواعهما والمصدر والصفات وما يتعلق بهما وأحوالها صحة وإعلالا كالزيادة والحذف والإبدال والإدغام»(1)، وبينه وبين  النحو نسب قريب واتصال شديد، على أن التصريف «إنما هو لمعرفة أنفُس الكلم الثابتة، والنحو إنما هو لمعرفة أحواله المتنقلة»(2).

ويقول ابن الحاج –رحمه الله -: «التصريف والإعراب يسمى علم النحو، فهما كالفن الواحد إذ لا يتمّ الأمر إلا بهما، ولذا يجمعان غالبا في الموضوعات، غير أن الكثير يصدرون بالإعراب لأنه هو الأول وضعاً، وفيه تكلم الواضع، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم وضع التصريف بعدُ، ومنهم من يبدأ بالتصريف؛ لأن مبحثه المفرد، وهو قبل المركب، وتذكر جملة منه في علم الإعراب كبناء المضارع والأمر وأبنية المصادر وأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بها، واسم التفضيل، واسم الزمان والمكان، والآلة والتكسير والتصغير ونحو ذلك»(3).

وقد عُني بالتصريف علماء اللغة من المتقدّمين والمتأخّرين، وشغلوا بمسائلها وتحريرها، وعنوا بمباحثه وتقريرها، وتحدثوا عنه في أول الأمر ضمن موضوعات النحو وكتبه، ومن هؤلاء:

-إمام النحاة سيبويه (ت:180هـ) في «الكتاب».

– والمبرّد (ت:285هـ) في «المقتضَب».

– وابن السرَّاج (ت:316هـ) في «الأصول في النحو».

ثم تغير نمط التأليف فيه وتطوّر، وأَفرد له كتاباً أبو عثمان المازني (ت:248هـ)، وشرحه ابن جني (ت:392هـ) في «المنصف»، ثم ظهرت مؤلفات مستقلة في التصريف منفصلةٌ عن النحو والإعراب، ومنها:

– المُلوكي لابن جني (ت:392هـ).

– المفتاح في الصرف لأبي بكر عبد القاهر الجرجاني (ت:471هـ)، صاحب «دلائل الإعجاز».

– نزهة الطرف في علم الصرف، لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري الميدانيّ (ت:518هـ) صاحب «مجمع الأمثال».

– الوجيز في علم التصريف لأبي البركات الأنباري (ت:577هـ).

– الشافية لرجل المختصرات أبي عمرو بن الحاجب (ت:646هـ)؛ وهو كتاب ذائع الصيت، ووضعت عليه شروح كثيرة، منها شرح نجم الدين الرضي الإستراباذي (ت:686هـ).

– التصريف للعزِّ الدين عبد الوهاب الزنجاني (ت:654هـ)، وهو المشهور بـ(تصريف العزي)، وله شروح كثيرة منها: شرح سعد الدين التفتازاني (ت:791هـ).

– الممتع لابن عصفور الإشبيلي (ت:669هـ).

 – المُبدع لأبي حيان (ت:747هـ)، وهو تلخيص لممتع ابن عصفور السابق ذكره.

–  لامية الأفعال وإيجاز التعريف في علم التصريف، وهما للعلامة ابن مالك (ت:672هـ)، وقد وضع على اللامية شروح كثيرة منها: شرح ابن الناظم بدر الدين (ت:686هـ).

– مراح الأرواح في الصرف لأبي الفضائل أحمد بن علي بن مسعود (ت:700هـ).

2- نزهة الظريف وبغية المولع بالتصريف

 من الكتب الصرفية التي انتشرت في الغرب الإفريقي «نزهة الطرف في علم الصرف» للأديب النَّحْوِيّ اللّغَوِيِّ أبي الفضلِ أحمد بن محمد النيسابوري الميدانيّ -,رحمه الله- (ت:518هـ)، وهو منسوب إلى الميدان، محلة من محالّ نيسابور كان يسكنها فنُسب إليها، واشتهر بكتابه «مجمع الأمثال» (4)، وهو كتاب أقبلت عليه مجالس العلم وحرص عليه العلماء، وعني بعضهم بنظمه ليسهل مبتغاه ويدنو مجتناه؛ لأن النظم أسهل حفظا من المنثور، وأيسر استيعابا واستحضارا، ومن هؤلاء:

1- الشيخ علي فاي السِّنِغَمْبي -رحمه الله- في «مراقي التشريف لمبتغي الصعود إلى قصور التصريف».

2- والشيخ إبراهيم انياس الكولخيّ -رحمه الله- (ت:1975م) في «تحفة الأطفال في بيان حقائق الأفعال».

3- والعلامة إدييج الكمليليّ (1270هـ/1853م) في «نزهة الظريف وبغية المولع بالتصريف».

وتعدُّ منظومة «نزهة الظريف وبغية المولع بالتصريف» أكثر شهرة وانتشاراً؛ وهو لأحد لغويي الديار الشنقيطية وعلمائها المبرزين، وهو العلامة إدييج بن عبد الله بن حبيب الله الكمليلي الشنقيطي -رحمه الله-، عاش في القرن الثالث عشر الهجريّ، قال عنه أحمد بن الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: «عالم كبير، ولغوي شهير، اشتهر في الفقه والبيان، والعروض والنحو، وكان شاعرا مجيدا»(5)، وله مؤلفات منها: مقتبس الأوائل في جهة القبلة والدلائل. ومبلغ المرام في العلم بالحلال والحرام. والمرعى من السعدان في رد جيم السودان. وعمدة الأديب في صنعة القريض والنسيب. وموضح الخوافي من علمي العروض والقوافي، ومنظومة نزهة الظريف والمولع بفن التصريف، وقد توفي سنة 1270هـ/1853م.

وقد امتازت منظومته «النزهة»، برشاقة العبارة، ولطافة الإشارة، إلى حسن السبك، ورقة الحبك، ولم تشتمل على جميع موضوعات «نزهة الطرف في علم الصرف»، بل اقتصر الشيخ الناظم -رحمه الله- على عقد بعض الأبواب، ونظَمَ في مائةِ بيتٍ ما يتعلق بأبنية الأفعال، وأعرض عن باب أبنية الأسماء وباب القلب والإبدال وغيرهما، والكتاب مطبوع يمكن الرجوع إليه للمقارنة والمقايسة.

 ويقول في مقدمة المنظومة حاسرا الخمار عن مقصده:

  1. حَـمْدًا لِمَنْ لَيْسَ لَهُ شَرِيكُ /// فِـي الْمُلْكِ تَصْرِيفًا هُوَ الْمَلِيكُ
  2. سُبْحَانَهُ مِنْ قَادِرٍ فَعَّالِ /// لِمَا يُرِيدُهُ مِنَ الْأَفْعَالِ
  3. ثُمَّ عَلَى أَفْضَلِ أَهْلِ الْمَاضِي /// وَالْأَمْرِ وَالْمُضَارِعِ الْفَرَّاضِ
  4. وَآلِهِ وَالصَّحْبِ شُهْبِ الْغَيْرِ /// أَهْلِ التَّصَرُّفِ بِفِعْلِ الْخَيْرِ
  5. أَزْكَى صَلَاتِهِ وَأَنْمَى الْبَرَكَهْ /// مَا دَامَ يَعْقُبُ السُّكُونُ الْحَرَكَهْ
  6. وَبَعْدُ فَالْمَقْصُودُ بِالتَّصْنِيفِ /// مُخْتَصَرُ الْمَيْدَانِ فِي التَّصْرِيفِ
  7. نَظَمْتُهُ إِذْ كُنْتُ عَبْدًا جَانِ /// سِمْطًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ
  8. أَرْجُو بِهِ يَوْمَ الْجَزَاءِ الْحُسْنَى /// مَعَ زِيَادَةِ الْمَقَرِّ الْأَسْنَى
  9. نَظْمًا يُسَمَّى ( نُزْهَةَ الظَّرِيفِ /// وَبُغْيَةَ الْمُولَعِ بِالتَّصْريفِ )
  10. مَضْمُونُهُ أَبْنِيَةُ الْأَفْعَالِ /// وَمَا اقْتَضَى تَصْرِيفُهَا مِنْ حَالِ
  11. مِثْلَ اسْمِ فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ وَمَا /// لَهَا مِنَ الْمَصْدَرِ عِنْدَ الْعُلَمَا
  12. وَحُكْمِ عَيْنِ فِعْلِهَا الْمُسْتَقْبَلِ /// وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرِ وَالضَّمِّ الْجَلِي
  13. وَفِعْلِ أَمْرِهَا وَهَمْزِ الْوَصْلِ /// فِيهِ وَمَنْشَا تَرْكِهِ فِي الْأَصْلِ
  14. وَلْتُعْنَ بِالدَّرْسِ مَعَ الْمُذَاكَرَهْ /// لَهُ تَفُزْ بِالْقَصْدِ فِي الْمُنَاظَرَهْ

ويقول في (باب أبنية الأفعال وأوجهها باعتبار الأصول والإعلال) ما نصه:

  1. أَبْنِيَةُ الْأَفْعَالِ تِسْعَةَ عَشَرْ /// فَلِلثُّلَاثِيِّ ثَلَاثٌ تُعْتَبَرْ
  2. وَلِلرُّبَاعِيْ أَرْبَعُ الْأَوْزَانِ /// بِأَصْلِهَا وَالزَّيْدِ لَا النُّقْصَانِ
  3. وَهَكَذَا تُعَدُّ لِلْخُمَاسِي /// سِتَّةُ أَوْزَانٍ كَذَا السُّدَاسِي
  4. أَمَّا الثُّلَاثِيُّ فَنَحْوُ: فَعَلَا /// بِالْفَتْحِ، مَعْ فَعِلَ، ثُمَّ فَعُلَا
  5. وَلِلرُّبَاعِيْ مَثَّلُوا بِأَفْعَلَا /// فَاعَلَ، مَعْ فَعَّلَ، ثُمَّ فَعْلَلَا
  6. وَافْتَعَلَ، انْفَعَلَ، وَافْعَلَّ تَفَا /// عَلَ تَفَعَّلَ تَفَعْلَلَ وَفَى

21.                                                   وَزْنُ الْخُمَاسِي وَالسُّدَاسِي اسْتَفْعَلَا /// وَافْعَوْعَلَ، افْعَوَّلَ، ثُمَّ افْعَلَّلَا

  1. وَافْعَالَّ بِالْمَدِّ يُرَى فِي الْحَشْوِ /// كَذَا افْعَلَلَّ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ

ومن أهم معاقد المنظومة اشتمالها على طريقة تصريف الأفعال وأبنيتها، وكل ذلك بيَّنه الناظم -رحمه الله- بنظم شاف وبسط كاف دون إيجاز مخل أو إطناب ممل، ويقول في خاتمة النظم:

  1. هُنَا انْتَهَى مُخْتَصَرُ الْمَيْدَانِي /// نَظْمًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ
  2. وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى انْتِهَاءِ /// نَظْمٍ حَكَاهُ الدُّرُّ فِي الْبَهَاءِ
  3. جَمَعْتُهُ فِي مَوْعِدِ الْكَلِيمِ /// وَمَا أَتَى بِقَدْرِهِ الْمَعْلُومِ
  4. إِذْ نَظْمُهُ زَادَ عَلَى السَّبْعِينَا /// وَلَمْ يَكُ الْمِيقَاتُ أَرْبَعِينَا
  5. بَلْ حَازَ قَدْرًا فِي اللَّيَالِي الْعَشْرِ /// مِنْ شَهْرِهِ الْحَرَامِ عَامَ (نَشْرِ)
  6. نَحْمَدُهُ حَمْدًا يُوَافِي الْمُهْتَصَرْ /// مِنْ فَضْلِهِ فِي نَظْمِ هَذَا الْمُخْتَصَرْ
  7. وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَا حَبَانَا /// مِنْ نَشْرِ عِلْمٍ فَضْلُهُ اسْتَبَانَا
  8. وَنَرْتَجِي مِنْهُ جَزِيلَ الْأَجْرِ /// بِنَظْمِهِ وَحَطَّ كُلِّ وِزْرِ
  9. ثُمَّ الصَّلَاةُ دَائِمًا عَلَى النَّبِي /// وَالْآلِ وَالصَّحْبِ الْهُدَاةِ الشُّهُبِ
  10. وَكُلِّ مَنْ تَلَا بِالِاسْتِقَامَهْ /// مِنْ صَالِحِ الْإِنْسِ إِلَى الْقِيَامَهْ

 3- شرح «نزهة الظريف» للشيخ الخديم -رحمه الله-

لعلماء السنغال عناية بالغة بعلوم العربية وحرص شديد عليها؛ لأنها الآلات التي تسعف في معرفة كلام الله تعالى وحديث نبيه-صلى الله عليه وسلم-، ومن أجل ذلك عكفوا على كتب اللغة وأكبوا عليها فهما وحفظا ومباحثةً، إلى عنايتهم بها تأليفا وتصنيفا، فألفوا كتبا في مختلف علوم العربية كالنحو والصرف والعروض غلب عليها طابع النظم، لسهولة ضبطه وحفظه، ومن تلك المؤلفات «شرح نزهة الظريف» للعالم الصوفي السنغالي الشهير أبي المحامد الشيخ الخديم -رحمه الله-، وهو الإمام أحمدُ بَمْبَ البكيُّ، أحد مشيخة السنغال في القرن الرابع عشر الهجري/والعشرين الميلادي، ولد سنة 1270هـ/1854م، وتوفي سنة 1346هـ/1927م، وكان بحراً لا يجارى، وحبرا لا يبارى، بارعاً في العلوم النقلية، متضلعا من العلوم العقلية، أشعريَّ العقيدة، مالكيّ المذهب، صوفيّ السلوك، اجتمع فيه خلال فائقة وخصال رائقة من ورع وزهد في الدنيا، وأمر بالمعروفِ، ونهي عن المنكر، ونصح للمسلمين ورأفة بهم وإنفاق عليهم بلا منٍّ ولا أذًى، إلى المحافظة على الشريعة المطهرة والحقيقة المنورة من غير وكس ولا شطط.

وشرحه على «نزهة الظريف» شرح مختصر العبارة؛ حرص فيه على توضيح المشكلات وتبيين المجملات، بلفظ موجز، ووعدٍ منجز، ما جعل قطوفه دانية للمبتدئين، وقريبة للشادين والمتأدبين.

منهجه في الشرح:

سلك الشيخ -رحمه الله- في شرحه منهجا وسطا، يحدوه غرضٌ واحد، وهو وضع شرح يسعف الشاديةَ في النهل من معين هذه المنظومة الممتعة، ويعينهم على الأخذ بتلابيب علم التصريف، ويمكن تلخيص منهجه في النقاط الآتية:

أ- الإيجاز والاختصار في شرح النظم والحرص على توضيح ألفاظه، ومن أمثلة ذلك قوله في بناء المضارع من الفعل الصحيح:

«وَافْتَحْ مُضَارِعَ الصَّحِيحِ مِنْ فَعَلْ   ///    إِنْ كَانَ غَيْرُ الْفَاءِ حَلْقِيًّا شَغَلْ

وَحَيْثُ يَخْلُو مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ   ///    فَالضَّمُّ وَالْكَسْرُ لَهُ بِالْحَقِّ

يَعْنِي: أَنَّ (فَعَلَ) مَفْتُوحَ الْعَيْنِ مِنَ الصَّحِيحِ وَالْمَهْمُوزِ، إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ عَيْنِهِ وَلَامِهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ، يَأْتِي مُضَارِعُهُ مَفْتُوحًا، فَالْأَوَّلُ نَحْوُ: رَحَلَ يَرْحَلُ، سَلَخَ يَسْلَخُ، وَدَمَغَ يَدْمَغُ، وَذَهَبَ يَذْهَبُ. وَالثَّانِي نَحْوُ: سَأَلَ يَسْأَلُ.

وَأَمَّا حُرُوفُ الْحَلْقِ فَسِتَّةٌ جَمَعْتُهَا بِقَوْلِي مِنَ الْبَسِيطِ:

فَأَحْرُفُ الْحَلْقِ سِتٌّ هَمْزَةٌ هَاءُ    ///   عَيْنٌ وَغَيْنٌ وَحَاءٌ بَعْدَهَا خَاءُ

وَإِنْ كَانَ خَالِيًا مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ فَيَأْتِي مُسْتَقْبَلُهُ مَضْمُومًا أَوْ مَكْسُورًا، نَحْوَ: قَتَلَ يَقْتُلُ، وَبَذَلَ يَبْذُلُ، وَضَرَبَ يَضْرِبُ، وَجَلَسَ يَجْلِسُ، انْتَهَى»[ص:58].

ب- ترْكُ بعض الأبيات دون شرح، لوضوح المقصد وبيانِ المراد، كقول الناظم:

وَالضَّمُّ وَالْكَسْرُ لَدَى اسْمِ الْفَاعِلِ   ///    يَلْزَمُ كَالْمُكْرِمِ وَالْمُوَاصِلِ

وَفِي اسْمِ مَفْعُولٍ لَهُ يُفْتَحُ مَا   ///    كَسَرْتَ كَاصْحَبْ مُلْهَمًا وَمُكْرَمَا

فهذان البيتان لم يعنَ الشارح بشرحهما، لوضوح المراد، ومعناهما كما قال المحقق في هامشهما:«أنّ اسم الفاعل من غير الثّلاثيّ يصاغ بإبدال حرف المضارعة ميماً وكسر ما قبل الآخر، نحو: أكرم يكرم فهو: مكرمٌ، وواصل يواصل فهو: مواصلٌ. أمّا اسم المفعول فيكون بفتح ما قبل الآخر بعد إبدال حرف المضارعة ميماً، نحو: ألهمه اللّـه فهو: ملهمٌ، وأكرمته، فهو مكرمٌ»[ص:75، ها:2].

ج- حسر الخمار عن بعض الدقائق النحوية واللطائف الإعرابية، وقد يستطرد في ذلك، كقوله:

سُبْحَانَهُ مِنْ قَادِرٍ فَعَّالِ   ///   لِمَا يُرِيدُهُ مِنَ الْأَفْعَالِ

قال الشارح:«وَقَوْلُهُ: (سُبْحَانَهُ) مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وَالتَّقْدِيرُ أَذْكُرُ وَأُسَبِّحُ، وَقَوْلُهُ: (مِنْ قَادِرٍ) تَمْيِيزٌ مَجْرُورٌ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: [من الرجز]

وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ  ///   وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى كَطِبْ نَفْساً تُفَدْ

وَ(فَعَّالِ) تَابِعٌ لَهُ لَفْظاً دُونَ مَحَلٍّ، وَجُمْلَةُ (لِمَا يُرِيدُهُ) فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولُ (فَعَّالٍ)، وَزِيدَ لَامُ الْجَرِّ فِي (مَا) الْمَوصُولِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَفْعُولُ تَقْوِيَةً لِعَامِلِهِ؛ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ فَرْعاً فِي الْعَمَلِ، لِأَنَّهُ وَصْفٌ. وَقَدْ يُزَادُ اللَّامُ أَيْضاً فِي مَفْعُولٍ لِغَيْرِ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ إِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا نَحْوَ: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) [يوسف:43]، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَمَا قَبْلَهَا قِيَاسٌ، وَقَدْ تَأْتِي زِيَادَتُهُ – سَمَاعاً لِتَوْكِيدٍ – بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ، كَقَوْلِ ابْنِ مَيَّادَةَ مِنَ الْكَامِلِ:

وَمَلَكْتَ مَا بَيْنَ الْعِرَاقِ وَيَثْرِبٍ  ///   مُلْكًا أَجَارَ لِمُسْلِمٍ وَمُعَاهِدِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) [المؤمنون:36]، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا»[ص:34].

وكقوله:[ص:54]

مَا عَيْنُهُ وَلَامُهُ مِنْ جِنْسِ   ///   هُوَ الْمُضَاعَفُ بِدُونِ لَبْسِ

يَكُونُ مُدْغَمًا كَمَدَّ الْبَحْرَا   ///   أَبْحُرُهُ وَمُظْهَرًا يُسْتَقْرَى

قال: «قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْس) [أَيْ] وَاحِدٍ، وَحَذْفُ النَّعْتِ جَائِزٌ إِنْ عُلِمَ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:

وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ  ///   يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ»

وتكرر استشهاده بالخلاصة النحوية لابن مالك يدل على الحفظ المتقن وسرعة الاستحضار، إلى شدة العارضة وسرعة البديهة، وأخذه بأزمة اللغة، ولا عجب؛ إذ نص الشيخ محمد البشير امباكي في كتابه: «منن الباقي القديم» أنه كان يحفظ ألفية ابن مالك عن ظهر قلب مع احمرار ابن بونا الجكني الموسوم بـ«الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة».

د- بيان بعض النكت البلاغية، كقوله:

حَـمْدًا لِمَنْ لَيْسَ لَهُ شَرِيكُ  ///   فِـي الْمُلْكِ تَصْرِيفًا هُوَ الْمَلِيكُ

قال الشارح: «وَقَوْلُهُ: (حَمْدًا) مَصْدَرٌ نَائِبٌ عَنْ فِعْلِهِ، أَيْ أَحْمَدُ حَمْدًا، وَقَوْلُهُ: (تَصْرِيفًا) مَنْصُوبٌ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ، أَيْ فِي التَّصْرِيفِ.

تَنْبِيهٌ: وَقَدْ أَتَى النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ هُنَا إِلَى آخِرِ التَّرْجَمَةِ بِبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ، وَهِيَ: أَنْ يَأْتِيَ الْمُتَكَلِّمُ بِمَا يُشْعِرُ قَصْدَهُ فِي ابْتِدَاءِ الْقَوْلِ بَيْنَ حَمْدِهِ وَصَلَاتِهِ، كَقَوْلِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ نُورِ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْمُونِيِّ فِي شَرْحِهِ الْمُلَقَّبِ «مَنْهَجِ السَّالِك إِلَى أَلْفِيَّةِ ابْنِ مَالِك»: «وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ رَفَعَ بِمَاضِي الْعَزْمِ قَوَاعِدَ الْإِيمَانِ، وَخَفَضَ بِعَامِلِ الْجَزْمِ كَلِمَةَ الْبُهْتَانِ»إلخ[ص:33].

هــ- العناية بتوثيق النصوص التي ينقلها من كتب العلماء، فقد كان حريصا على عزو الأقوال إلى مظانها ونسبتها إلى مصادرها، ومن ذلك قوله: « قَوْلُهُ: (وَبَعْدُ) ظَرْفٌ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْإِضَافَةِ، أَيْ، وَبَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الصَّدْرِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى حَمْدِ اللهِ تَعَالى، وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَصَحَابَتِهِ، وَيَتَعَلَّقُ هَذَا الظَّرْفُ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: وَأَقُولُ. (فَالْفَاءُ) [فِي قَوْلِهِ: (فَالْمَقْصُودُ)] زَائِدَةٌ أَوِ الْأَصْلُ: أَمَّا بَعْدُ، فَحُذِفَتْ «أَمَّا» لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعُوِّضَتْ الْوَاوُ عَنْهَا تَخْفِيفاً، وَالْفَاءُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ حَذْفَ «أَمَّا» خَاصٌّ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ أَمْراً أَوْ نَهْياً، نَحْوَ: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (*) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 3-4]، (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ) [الزمر:63]، قَالَهُ فِي «شَرْحِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ»[ص:36].

ويريد بذلك كتابَ «تحفة المخلصين بشرح عدة الحصن الحصين»، للعلامة أبي عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسي (ت:1116هـ)، شرحَ به «الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين»، لشمس الدين أبي الخير محمد بن محمد بن يوسف (ت: 833هـ) المعروف بابن الجزري -رحمه الله-.

مصادرهُ:

رجع الشارح -رحمه الله- في شرحه إلى ضربين من المصادر وهما:

1- المصادر الشفوية، ويمكن ردها إلى عالمين لغويين اثنين، أخذ عنهما الشارح قسطا من العلوم اللغوية كالبلاغة والعروض، وهما: الشيخ العلامةُ محمد بن المختار بن محمد الكريم الديماني الشنقيطيّ (ت:1324هـ)، والشيخ الأديب القاضي مَجَخَتِ كَلَ (ت: 1319هـ)، وقد رجع إليهما الشيخ في شرح بعض أبياتِ خاتمة النظم.

2- المصادر المكتوبة، وهي كتب عاد إليها، ومنها ما هو وثيق الصلة بموضوع الكتاب، وينحصر في أربعةِ كتب:

– الألفية في النحو لجمال الدين بن مالك الطائي الجياني (ت:672هـ).

– لامية الأفعال في الصرف له أيضا.

– احمرار ابن بونا الجكني، واسمه: «الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة». وهو تعليقات منظومةٌ وضعها المختار بن محمد سعيد المعروفِ ببُونَ الجكني (ت: 1220هـ) على ألفية ابن مالك، مستقاةً من كتابهِ «تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد».

– منهج السالك إلى ألفية ابن مالك، وهو «شرح الأشموني»، وهو نور الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عيسى الأشموني (ت نحو: 1900هـ)، نسبةً إلى «أشمون» بمصر.

ومنها ما هو في موضوعات أخر، مثل:

– العشرينيات في المدائح النبوية، ومؤلفها هو أبو زيد عبد الرَّحْمَن بن يخلفتن بن أَحْمد الفازازي – نسبة إلى جبل فازاز بمكناسة-(ت: 627هـ).

– الجواهر الحسان في تحقيق معرفة أركان الإيمان، للعالم الرباني أرباب العقائد الخرطوميّ (ت: 1102هـ).

– رسالة ابن أبي زيد القيرواني، للفقيه الإمام أبي محمَّد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزيّ القيرواني (ت:386هـ)

– تحفة المخلصين بشرح عدة الحصن الحصين،  للشيخ العلامةِ أبي عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسي (ت:1116هـ)، شرح به كتاب «الحصن الحصين» للإمام شمس الدين أبي الخير محمد بن محمد بن يوسف الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الجزري (ت: 833هـ).

– إضاءة الدجنة فِي عقائد أهل السّنة، لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد المقَّري التلمساني (ت:1041هـ).

*   *   *

وهذا تعريف موجز بـ«شرح نزهة الظريف وبغية المولع بالتصريف»، لأبي المحامد الشيخ الخديم ، وهو شرح حققه أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي، وصدر عن «الرابطة الخديمية للباحثين والدارسين» هذه السنةَ (1445هـ/2023م)، واعتمد في عمله على النسخة الوحيدة للشرح، وهي بخط المؤلِّف، وحاول إخراج النص وفق القوانين المعهودة في التحقيق، إلى كتابة النص وفق القواعد الإملائية الحديثة مضبوطاً بالشكل ضبطاً تاما، وكذلك عنيَ المحقق بوضع متن المنظومة في نهاية الكتاب، ويقول مقدِّم الكتاب الأستاذ سرج امباكي عبد الغفور: «وأما أهمية هذا التحقيق فتبرز في النقول المهمة التي ذيل بها المحقق الشرح توثيقا وتفصيلا، وفي الزيادات المناسبة التي أضافها تفسيرا وتعليقا وتعليلا، مثل ذكره المعاني التي تأتي عليها كل من فعَل، وفعِل، وفعُل، وهي كثيرة، والفرق بين بعض الصيغ كافعل وافعالّ، والأبواب التي تجيء فيها المضاعف مثلا،  وغير وغير، مما كان سيذكرها الشيخ الشارح –رحمه الله – لولا ضيق الورقة وندرتها يومئذ! ومع ذلك؛ فقد راعى المحقِّق كلَّ المراعاة الغرضَ الموضوع له الكتاب والشرح، وهو تبسيط تصريف الأفعال للمبتدئين، فكانت النقول والزيادات في محلها وفي مقامها».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) إتمام الدراية (ص:100)

(2) قاله ابن جني في المنصف (10/1)

(3) الأزهار الطيبة النشر (2/106)

(4) ترجمته في: نزهة الألباء (ص:288)، ومعجم الأدباء (2/511) ووفيات الأعيان (1/148)، وبغية الوعاة (1/356)

(5) الوسيط في تراجم أدباء شنقيط (1/368)

 (6)  ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل (3/205)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق