مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويمعالم

دار السكة بمدينة نول لمطة

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

مثلت مدينة نول لمطة[1] أحد المراكز العمرانية، بالمجال الصحراوي المغربي. وشكلت دار السكة المرابطية بها إحدى معالمها الهامة. حيث ضربت فيها بعض النقود المرابطية، خلال عام 494 هـ وما بعده، بحسب ما تم العثور عليه من  نقود مسكوك عليها اسم المدينة (نول- نول لمطة)[2].

وبالرغم من اندثار هذه المعلمة التاريخية جراء خراب المدينة نفسها، يمكننا الإسهام في محاولة إعادة بناءها اعتمادا على أخبار المدينة المذكورة، وتركيزا على النقود المرابطية التي ضربت بها، واستئناسا بما كتب عن دور السكة المغربية وغير المغربية خلال العصر الوسيط[3].

  نظام دار السكة بنول لمطة:

     يبدو، استئناسا بأخبار دور السكة الوسيطية، أن العمل، بدار سكة نول لمطة، كان يعتمد “على نظم وقوانين“. حيث “يسيرها ويعمل بها حذاق مهرة لهم معرفة وتجربة، إذ يبتدئ عمل إذابة المعادن بوصول المادة الخام، وينتهي عمل السباك ليبتدئ عمل كل من صاحب المقص أو المزبرة والضراب، لتخرج القطعة النقدية في النهاية مطابقة لما خطط له“[4].

  خصائص النقود المرابطية المضروبة بدار سكة نول لمطة:

    يظهر أن النقود المرابطية التي ضربت بدار سكة مدينة نول لمطة لا تختلف عن بقية نقود هذه الدولة المغربية المضروبة في دور سكك أخرى[5]. ومن نماذج نقود دار سكة نول لمطة: دينار أول مضروب باسم أمير المسلمين علي بن يوسف عام 526 هـ (4.11 غ، 26 ملم)، ودينار ثان مضروب باسم أمير المسلمين نفسه عام 533 هـ (4.16 غ، 26 ملم)، ودينار ثالث مضروب باسم أمير المسلمين إسحاق بن علي عام 541 هـ (4.15 غ، 25 ملم)[6].

  [7]

  إسهام دار السكة، بنول لمطة، في اقتصاد المسالك الصحراوية:

    أسهمت مدينة نول لمطة، انطلاقا من دار سكتها، في الأمن النقدي المغربي عامة، والأمن النقدي عبر المسالك الصحراوية الرابطة بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء خاصة. حيث ضربت بدار السكة المذكورة عملات نقدية اعتمادا على ذهب إفريقيا[8].

وكانت تباع بعض المنتوجات بمدينة نول لمطة بحوالي خمسين دينارا، بحسب قول الشريف الإدريسي: “وتباع بها الأكسية المسماة بالسفسارية والبرانس التي يساوي الزوج منها خمسين دينارا وأقل وأكثر“[9]، وقول الحميري: “وتباع بها الأكسية السفسارية والبرانس التي يباع الواحد منها بخمسين دينارا“[10]. الشيء الذي يؤكد أن من بين العملات الرائجة بالمدينة نفسها، خلال العصر الوسيط، عملات من ذهب. ويبدو غالبا أنه قادم عبر المسالك الصحراوية المتحدث عنها.

وبذلك، شكلت دار السكة، بمدينة نول لمطة، إحدى معالمها المندثرة التي تحتاج التفاتة من الفاعلين المجاليين من سلطات مختصة ومهتمين بالشأن الثقافي المحلي والجهوي.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

 

الإحالات:

[1] مادة نول لمطة، في: كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد الحميري، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، دار القلم للطباعة، 1975 م، ص584.

[2] راجع: دار السكة نول لمطة، حنان التوزاني، في: التراث الحساني والإقلاع التنموي بالأقاليم الصحراوية، فاس، مطبعة الكتاب، 2014 م، ص161، وص158- 164، وص178- 180؛ ومادة أسرير، مصطفى ناعمي، في: معلمة المغرب، ج2، مطابع سلا، 1989 م، ص409.

[3] راجع: ورقات عن حضارة المرينيين، محمد المنوني، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 1996 م، ص131- 135؛ ومسألة النقود في تاريخ المغرب، عمر أفا، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 1988 م، ص29- 34؛ ودار السكة نول لمطة، ص166- 172، وص174.

[4] دار السكة نول لمطة، ص171.

[5] راجع: دار السكة نول لمطة، ص172- 178؛ وتاريخ النقود الإسلامية وموازينها، دنيال أوسطاش، ترجمة: محمد معتصم، الرباط، مطبعة المعارف الجديدة، 2011 م، ص68، وص69، وص74- 75.

[6] دار السكة نول لمطة، ص178- 180.

[7] الصور الثلاث نقلا عن: دار السكة نول لمطة، ص178- 180.

[8] راجع: مسألة النقود في تاريخ المغرب، ص36- 37؛ ودار السكة نول لمطة، ص158، وص160، وص164- 165، وص180.

[9] كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مج.1، الشريف الإدريسي، بيروت، عالم الكتب، 1989 م، ص225.

[10] مادة نول لمطة، في: كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار، ص584.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق