مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

خريطة العالم للشريف الإدريسي

عبد العزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

   رغم الشهرة الكبيرة التي حظي بها هذا العالم البارز إلا أننا لا نملك للأسف عن حياته معلومات وافية. ويبدو أن هناك بعض الأسباب الموضوعية وراء غياب معلومات ضافية عن حياته، أهمها كونه عاش مدة غير يسيرة من حياته خارج البلدان العربية الإسلامية، إذ من المعروف أّنه كان كثير الترحال والتجول في البلدان، كما أنه عاش أيضا سنين في صقلية خدمة لحاكمها – العالِم – الشهير روجر الثاني.

   هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الإدريسي، ولد بمدينة سبتة المغربية سنة 493 هـ/1100م، وبنفس هذه المدينة كانت وفاته سنة 560 هـ/1165م. من الراجح أنه تلقى تكوينه العلمي بمدينة سبتة، كما يرجح بعضهم أنه درس أيضا في مدينة قرطبة. ويظهر أنه كان ذا تكوين في مجالات متنوعة، كالحساب والهندسة والجغرافيا والطب والأعشاب … كما عُرف عنه أنه زار بلدانا مختلفة، كسواحل فرنسا وإنجلترا، والأندلس ومصر والشام وغيرها. ولا شك في أن هذا الأمر أكسبه تجربة ودراية أفادتاه كثيرا في إغناء وتعميق معارفه العلمية.

   أشاد بأهميته  العلمية ومكانته عدة مؤلفين بارزين، كابن خلدون وابن فضل الله العمري والقلقشندي … ولا ريب في أن شهرته راجعة بالأساس إلى أعماله في المجال الجغرافي، خصوصا كتابه المعنون بـ”نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” الذي قضى في إعداده، كما يصرح هو نفسه، مدة 15 سنة تقريبا. أنجز هذا العمل خلال خدمته لحاكم صقلية روجر الثاني الذي عُرف بدعمه للعلم والعلماء، وقد أتم تحرير الكتاب سنة 548 هـ.

   يمثل هذا الكتاب تعليقا يفسر ويشرح ما جاء في خريطة العالم التي أنجزت تحت إشراف الإدريسي نفسه. يقول عبد الله كنون في سياق حديثه عن إنشاء هذه الخريطة  :  “وكان لأجل أن يستعلم يقينا صحة ما اتفق عليه القوم المشار إليهم في خصوص مادة الأطوال والعروض للبلاد المختلفة، يحضر ما سماه ‘لوح الترسيم’ وهو لاشك تصميم جغرافي للكرة الأرضية أو هو بعبارة أدق مشروع خريطة العالم التي وضعها فيما بعد، فيمتحن عليه مواقع البلدان واحدا فواحدا بواسطة بركار من حديد مقارنا ما عنده من معلومات بما قرره المؤلفون في هذا العلم محققا بغاية العناية المواقع المذكورة ومرجحا بالاستناد إلى النظر الصحيح بين الأقوال المتضاربة في بعض المسائل حتى يقف على حقيقتها. وكان هذا بلا ريب هو الإصلاح العظيم الذي أدخله الإدريسي على خريطة العالم فجعلها تقرُب من وضعها العلمي الصحيح الذي هي عليه اليوم”. (ذكريات مشاهير رجال المغرب، ج. 1، ص. 216-217.).

   سيعمل الإدريسي أيضا على رسم تلك الخريطة (التي تمثل الأقاليم السبعة) على صفيحة من فضة رغبة منه في بقائها مدة طويلة جدا، إذ من البين أن رسمها على الورق وحده لم يكن ليجعلها تصمد طويلا أمام تأثيرات الزمن.

   ونظرا لأهمية عمل الإدريسي وتفرده في المجال الجغرافي، فإن مطبعة المديتشي Médicis ستطبع نسخته العربية بروما سنة 1592م. كما سيُترجم هذا العمل إلى اللغة اللاتينية، وقد نُشرت هذه الترجمة بباريس سنة 1619م.

Science

الاستاذ عبد العزيز النقر

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق