مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةمعالم

بيمارستان غرناطة

إعداد: الباحثة رشيدة برياط

وحدة علم وعمران

  ومن بيمارستانات الأندلس المشهورة بيمارستان غرناطة الذي بدأ السلطان  محمد الخامس في بنائه عام 767هجرية،  وانتهى وقف الأوقاف عليه عام 768هـ، وهو عبارة عن فناء أوسط تحيط به أروقة، وغرف عدة مخصصة للمرضى، ودورات المياه والمواضئ وغيرها من موفرات الراحة و الرعاية للمرضى… ولم يتبقى من آثار هذا البيمارستان سوى لوح  لذكرى بنائه محفوظ في جناح من بستان قصر الحمراء، بعد نقله من قبل ليفي بروفنصال من أحد بيوت غرناطة.

وكان تدريس الطب قبل تأسيس بيمارستان مدينة غرناطة يتم في المدرسة اليوسفية في هذه المدينة، حيث أشار ابن الخطيب إلى ذلك ولكن دون تفصيل، وهذا يعني أن أسباب بناء مارستان غرناطة إنما جاء تتويجا للتطور الذي حصل على المملكة فترة السلطان محمد الخامس، سلطان مملكة غرناطة، وهو أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي[1].

وقد عرف المغرب بجميع بلدانه والأندلس البيمارستانات في وقت متأخر، وأقيم في آخر ممالك المسلمين في الأندلس وفي غرناطة بيمارستان، في عهد محمد الخامس في الفترة مابين 1365-1367م، للمسلمين الفقراء المرضى، وكان عبارة عن مبنى مستطيل مكون من طابقين، له فناء رئيسي وبه بركة كبيرة تزينها نافورات الماء الذي يقف على أسدين من الرخام يقفان على أرجلهم الخلفية، ويحيط بهذا الفناء أروقة من طابقين مستندة على أعمدة من الآجر، وفي النقش الذي كتب عليه أنه  لم يقم منذ دخول الإسلام إلى الأندلس مثل هذا البناء[2].

       قال الوزير لسان الدين بن الخطيب:”من مواقف الصدق والإحسان من خارق جهاد النفس، بناء المارستان الأعظم، حسنة هذه التخوم القصوى، ومزية المدينة الفضلى. لم يهتد إليه غيره من الفتح الأول، مع توفر الضرورة، وظهور الحاجة، فأغرى به همة الدين، ونفس التقوى، فأبرزه موقف الأخدان، ورحلة الأندلس، وفذلكة الحسنات، فخامة بيت، وتعدد مساكن، ورحب ساحة، ودرور مياه، وصحة هواء، وتعدد خزائن ومتوضآت، وانطلاق جراية، وحسن ترتيب، أبر على مارستان مصر ، بالساحة العريضة، والأهوية الطيبة، وتدفق المياه من فورات المرمل، وأسود الصخر، وتموج البحر، وانسدال الأشجار، إلى موافقته إياي، وتسويغه ما اخترعته بإذنه، وأجريته بطيب نفسه، من اتخاذ المدرسة والزاوية، وتعيين التربة، مغيرا في ذلك كله على مقاصد”[3].

ذكرى إنشاء بيمارستان غرناطة

ونقل ليفي بروفنسال نص ذكرى بناء السلطان محمد الخامس للبيمارستان سنة 767ﻫ، وهو لوح من الرخام على شكل الباب، مقنطر مركب من قطعتين ملتصقتين التصاقًا تامًّا محفوظ منذ سنة 1850م في جناح من بستان قصر الحمراء، نقل إليه من أحد بيوت غرناطة، وعلى أحد وجهي هذا اللوح كتابة في غاية الحفظ تملأ هذا الوجه، وهي مكونة من 26 سطرًا بالخط العادي الأندلسي.

وذكر مارشيه كذلك: أن مارستان غرناطة حول إلى دار ضرب بعد سقوط غرناطة وحدثت فيه تغييرات مرات عديدة وتهدم ثلاثة أرباعه، ولكنه في مظهره أبسط من معاصره بيمارستان قلاوون ففي وجهته بعض النوافذ وفيها أقواس مزدوجة وفي الوسط باب وأسكفة يعلوهما كتابة تشبه أشرعة الفلك، ويدخل من الباب إلى ردهة مربعة الزوايا مستطيلة وفي وسطها حوض فيه أسدان جاثيان يشبهان مثيليهما في قصر الحمراء وينبع منهما الماء، وحول الردهة أربعة أروقة ينفتح فيها أبواب طويلة ذات انحناء على شكل نعل الفرس وفي الزوايا سلاليم يدخل منها إلى الطابق الأول[4].

بقي مارستان غرناطة عامرا حتى سقوط مدينة غرناطة عام 1492م، ولم تسعفنا المصادر التارخية عن الأحوال التي آل إليها البيمارستان في أواخر دولة بني نصر، سوى أنه كان بيمارستانا للمجانين، فتبدلت أحواله، عندما  غرناطة عام 1492م، وصفه الرحالة الألماني jeronimo munzer والذي زار غرناطة بعد ثلاث سنوات من سقوطها بيد ملوك الإسبان بقوله: ” أبقى الملك فرناندو على البيمارستان وزاد من التبرعات إليه، وبعد فترة حول مبنى المارستان إلى دار لضريبة السكة، واستمر البناء كمؤسسة حكومية لغاية منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وتم تحويله سنة 1748م، كملكية خاصة لدير كنيسة المهد في غرناطة، ولكن الدير لم يحتفظ به إلا بضع سنوات، وتم بيعه إلى المارشال خوسي، والذي كان القائد العسكري لمدينة غرناطة، وهنا تشكك المصادر الإسبانية بعملية البيع وتفيد أن كونه قائدا عسكريا فقد السيطرة على البناء واعتبره ملكا خاصا له وصار مكانا لإقامته[5].

[1] – غرناطة – بيمارستان مدينة غرناطة – عصور العدد 37 أكتوبر – ديسمبر 2017

[2] – الإنجازات العلمية للأطباء في الأندلس ص 335 دار الكتب العلمية.

[3] – الإحاطة في أخبار غرناطة (2/25)  الطبعة الأولى 1424هـ، دار الكتب العلمية بيروت

[4] – تاريخ البيماريستانات في الإسلام ص  186 الطبعة الثانية 1981م دار الرائد العربي بيروت.

[5] – غرناطة – بيمارستان مدينة غرناطة – عصور العدد 37 أكتوبر – ديسمبر 2017

Science

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق