مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

الواجهة الأطلنتية للصحراء المغربية تنقل بعض أعلام الصحراء المغربية عبر المراسي الأطلنتية

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

– الحلقة الخامسة – 

دأب بعض أعلام الصحراء المغربية على ركوب “بوابير” البحر خلال تنقلهم عبر مراسي مغربية أطلنتية ذهابا أو إيابا، خلال رحلات رسمية أو حجية أو شخصية.

  ومن بين هؤلاء الأعلام الصحراويين مريد الشيخ سيدي ماء العينين، السي التهامي بن الكَرْكَارْ الزرقي التكني، من بطن أشتوكه من أهل أعلي بن أسعيد. حيث كان يشرف على مائة من تلاميذ الشيخ المذكور لحراسة مواد بناء قصبة الصمارة المنقولة من مرسى السويرة إلى مرسى طرفاية [76].

  وأكد بعضَ ذلك القبطانُ الألماني إليونار كارُو، رئيس طاقم بابور البحر المسمى السيد التركي، بقوله: “استقل السفينة معنا، حوالي مائة رجل من رجال الشيخ، وهم الذين كانوا يتولون على ظهر السفينة، حراسة تلك الهدايا“[77].

   ولعل بعض مريدي الشيخ رافقوا المهندسين القادمين من مرسى طنجة، ومرسى السويرة، ومرسى أكادير على متن بابور البحر (التركي أو التريكي) الذي رسا بمرسى الطرفاية [78]، خلال هذه الرحلة أو غيرها.

   وبعد بناء قصبة الصمارة الصحراوية، تنقل الشيخ سيدي ماء العينين بن فاضل الصحراوي على متن بابور البحر “مرتين في رجوعه إلى الصحراء من الصويرة إلى الطرفاية” [79].

   وبعد اندلاع الحرب في الصحراء ضد فرنسا، انتقل الأمير المولى إدريس بن عبد الرحمن العلوي رفقة وزيره الفقيه الغرفي، وكاتبه المدني الصحراوي على متن بابور بحر إسباني من مرسى السويرة. قال الحاكي: “فخرجنا في الطرفاية. وقد صاحبنا معنا كل شيء يتوقف عليه الحي. حتى الماء الذي يفقد في الطرفاية[80]. وقد اكترينا وحدنا الباخرة على أيدي الأمناء من الصويرة. ثم واعدنا الباخرة لتقلنا  في الرجوع موقتين لذلك وقتا معينا“[81].

   ومن المحتمل أن بعض أعلام الصحراء المغربية كانوا يرافقون “بوابير” البحر التي تحمل السلاح إلى مجاهدي الشيخ ماء العينين عبر بعض المراسي الأطلنتية إلى مرسى طرفاية/ مرسى لُبّيْظَ [82].

  وبعد توقف إمداد السلطات المغربية لأهل الصحراء بالسلاح جراء عوامل مختلفة، يبدو أن بعض الأعلام الصحراويين رافقوا كميات من الأسلحة المهربة من مرسى فضالة، مثل ما يبدو أنهم رافقوا غيرها على متن بابوريْ بحر ألمانيين. أحدهما اسمه “فارو” من مرسى العرائش، يوم 11 فبراير 1907 م، والآخر اسمه “موكادور” من مرسى السويرة، يوم 22 أبريل 1907 م [83].

   ولم يمتط بعض أعلام المجال الصحراوي المغربي “بوابير” البحر خلال تنفيذهم مهام رسمية فقط، بل منهم من تنقل عبر بعض المراسي المغربية الأطلنتية، خلال رحلاتهم الحجية.

   ومن هؤلاء الفقيه محمد يحيى بن محمد المختار الولاتي، صاحب الرحلة الحجازية. فبعد تنقله من بلاد وَلاَتَة المتاخمة لبلاد السودان الغربي، وصل إلى تزروالت. ومنها انتقل إلى حاضرة السويرة التي دخل إليها “لأربع ليال مضين من جماد الأولى“[84].

   وبعد مكوثه فيها بضع عشرة ليلة، قال: “ثم إننا ركبنا من الصويرة في بابور البحر في قامرته قاصدين لرباط الفتح، لأن فيه حينئذ سيدنا ومولانا السلطان عبد العزيز نصره الله وأيده وقواه وخذل عداه. وكان ركوبنا لثمان ليال بقين من جمادى الأولى، فمكثنا في البابور ثمان ليال لأنا أقمنا في أسفي ليلتين وفي الدار البيضاء ليلتين وأقمنا في مرسى الرباط ثلاث ليال لهيجان البحر لا نستطيع أن ننزل إلى الرباط في السفن مخافة الغرق، فلما سكن البحر نزلنا مهلَّ جمادى الأخيرة في  مدينة الرباط في زاوية شيخنا أحمد التجاني“[85].

  ومكث الرحالة في رباط الفتح خمسة أشهر تزوج فيها، ودرّس فيها بعضَهم. وانتقل بحرا من مرسى الحاضرة المذكورة إلى مرسى طنجة. قال: “ثم ارتحلنا من الرباط قاصدين بيت الله الحرام الذي بمكة مُبَارَكاً وهدىً للعالمين لقصد حجه واعتماره، لثمان ليال بقين من شوال من العام الثالث عشر بعد ثلاثمائة وألف. فركبنا في البابور بعد طلوع الشمس أنا وابني محمد الحسن، فسار بنا البابور ضحى ولم يزل سائراً بنا إلى أن مضى ثلث الليل فأرسى بطنجة فبتنا فيه إلى الصباح، فدخلنا طنجة ضحى فنزلنا عند العربي العرفاوي والسيد الطيب عواد السلاوي، فأنزلانا في مكان طيب ورحّبا بنا وأضافانا ضيافة إكرام يومنا وليلتنا. فلما كان من الغد اكتريَا لنا في قامرة البابور بخمس وعشرين ريالا حسنية، فركبنا في البابور ضحى اليوم المذكور“[86]، في اتجاه مدينة جدة.

   وبعد أداء الرحالة مناسك الحج، وعروجه على مصر وتونس، عاد، مرورا بميناء مارسيليا، إلى مرسى طنجة في 19 ذي القعدة أو بعده عام 1314 هـ، فدخل هذه الحاضرة عند الزوال. قال: “فمكثنا فيها عشر ليال، ثم اكترينا بابورا آخر مسافرا إلى الدار البيضاء، فركبنا فيه ضحى وسافر بنا بقية يومه، وليلته، فلما كان من الغد وقت الضحى أرسينا في مرسى الدار البيضاء، ودخلنا فيها فنزلنا عند أمين السلطان وهو السيد الطيب عواد، فأنزلنا وأكرمنا فبتنا عنده أربع ليال“[87].

   وإذ تنقل بعض الأعلام الصحراويين عبر مراسي مغربية أطلنتية، خلال أداء مهمات رسمية أو خلال رحلات حجية، جعل جزء من أهل الصحراء المغربية سواحلهم الجهوية الأطلنتية مجالا للصيد البحري، بحسب ما سنتطرق إليه في الحلقة المقبلة، بحول الله.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[76] الشيخ ماء العينين علماء وأمراء، ج1، ص100، وص101، وص325.

[77] نفسه، ص101.

[78] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص354؛ والحياة الفكرية والروحية بالمجال البيظاني، ص195؛ والعمران عند الشيخ ماء العينين، في: الشيخ ماء العينين فكر وجهاد، ص124. واستأنس بـ: السمارة- الزاوية: التأسيس والأهداف، في: السمارة الحاضرة الروحية والجهادية للصحراء المغربية، ص195؛ ومادة اسمارة، مدينة، في: معلمة المغرب، ج2، ص442.

[79] المعسول، ج4، ص98.

[80] قال محمد  المختار السوسي: “الحمد لله الذي يسر الماء هناك بعد استرجاع المكان من إسبانية بعد الاستقلال حتى تَمَلَّى منه أهله“. انظر: المعسول، ج4، ص195، الهامش رقم 1.

[81] المعسول، ج4، ص195.

[82] راجع: مظاهر جهاد الشيخ ماء العينين في ظل المخزن الشريف، نور الدين بلحداد، في: الشيخ ماء العينين فكر وجهاد، ص81، وص82؛ وحركة المقاومة المعينية محاولة تأسيس فعل المواجهة الشعبية بين الضغط الاستعماري واضطراب الوضع المخزني، في: الشيخ ماء العينين فكر وجهاد، ص98، وص105؛ والزاوية والمدينة؛ قراءة في كتاب:  “Hommes et choses de Smara” للدكتور مصطفى أخميس، في: الشيخ ماء العينين فكر وجهاد، ص146.

[83] حركة المقاومة المعينية محاولة تأسيس فعل المواجهة الشعبية بين الضغط الاستعماري واضطراب الوضع المخزني، ص105. استأنس بـ: المرجع نفسه، ص103، وص104.

[84] الرحلة الحجازية، محمد يحيى الولاتي، تخريج وتحقيق: محمد حجي، نشر: معهد الدراسات الإفريقية بالرباط/ دار الغرب الإسلامي- بيروت، مؤسسة جواد للطباعة والتصوير، ط. الأولى، 1990 م، ص156.

[85] الرحلة الحجازية، ص156. استأنس بـ: المصدر نفسه، ص7.

[86] الرحلة الحجازية، ص167. استأنس بـ: المصدر نفسه، ص7.

[87] الرحلة الحجازية، ص315. استأنس بـ: المصدر نفسه، ص7.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق