مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

القولُ في تعدية انبغى يَنبغي، ووجَبَ يَجبُ، بالجارِّ المناسِب

عندما تقول: “ينبغي على فلانٍ أن يصمتَ”، فالخطأ الذي يقعُ ههنا أن فعلَ الوجوب تكرر مرتين في صورَتين: صورة الفعل انبغَى، وصورة حرف الجر “على” التي تفيد وحدها في هذا السياقِ الوجوبَ، لأنك تقول “على فلان أن يصمتَ” وتستغني وجوبا عن “انبَغَى أو يَنبغي”.

فالخطأ تركيبي ومنطقي، والصواب تعدية ينبغي باللام الرابطة بين الفعل والمَعنيّ به. ينبغي لفلان أن يصمتَ؛ قال الله تعالى: “وما علَّمْناه الشعرَ وما ينبغي له“.

وليس الخطأ في ترك التعدية مُطلَقاً كما قد يُفهَم، وإنما الخطأ في التعدية بعلى فحسبُ، أمّا الصوابُ فهو تعديتُه باللام، أو تركُ التعدية وتقديرُها، كقولك ينبغي فعلُ ذلك وينبغي أن نفعَلَ ذلكَ. وقد أجاز ذلك كبارُ اللغويين والبلاغيين واستعملوه في كلامهم:

– فهذا عبد القاهر الجرجاني يَقول في الأسرار: ” كيف ينبغي أن يَحْكُمَ في تفاضُل الأقوال إذا أراد أن يقسّم بينها حُظوظَها من الاستحسان”، ويقول: “وهذا غرضٌ لا يُنال على وجهه، وطَلِبةٌ لا تُدرَك كما ينبغي” ، ردَّدَ ذلكَ عَشرات المرات…

–  واستعملَه الزمخشريّ في أساس البلاغة كثيراً…

– واستعمَلَه ابن جني في الخصائص بكثرة…

– واستعملَه سيبويه نفسُه، في الكتاب بكثرة…

 أمّا إذا قال القائلُ: لا يجوز أن يُقالَ: “يجبُ عليك أن تصمتَ”، لأن الوجوب المستفادَ من الجارّ والمجرور “عليك” يُغني عنه المستفادُ من الفعل “يجب”، ثم إن بين الفعلين “ينبغي” و”يجب” نَسَباً دلاليا يُغتفر معه تعديةُ الفعل ينبغي بعلى؛ لأن اللغة أرحب صدرا من التضييقات المنطقية، والحشو الدلالي بغرض التوكيد أو غيره لا تأباه طبيعة الاستعمال اللغوي…

فالجوابُ: أنّا إذا ذهبنا مَذهب “التوسِعَة بدلَ التضييق”، فسنصطنع صيغةً تركيبية لم تُسمع، ونخرج من نسق العربية إلى أنساق مطلقة مفككة. لا بد من احترام معجم الأفعال لزوما وتعدية، ولُزومِ نوع الحروف المتعدى بها. فلكل لغة معجم تركيبي للأفعال يُلزم به مستعمل تلك اللغة، والخروج عليه خرق لقواعدها.

 نماذجُ وأمثلة من تعدية الفعلِ وَجَبَ بعَلى، عكسَ تعدية الفعلِ انبَغى يَنبغي، الذي لا يتعدى بعَلى، نقول وَجَبَ مَعَ هذا الأمرِ أمر آخَر، ووجَبَ في مِثْلِه كَذا وكذا، ووجَبَ له ما يَجبُ لغيرِه… قال عبد القاهر في الأسرار: “لِمَ يجبُ عليك أن تحفظَ في هذه التشبيهات نِظاماً مخصوصاً؟” وقال أبو العباس المبرد صاحب الكامل والمقتضَب: ” فيقول في تصغير أشياء على مذهبه: شُيَيْئات فاعلم، تقديره فُعَيْلات، ولا يجب هذا على الخليل لأنه إذا زعم أنه فَعْلاءُ فقد زعم أنه اسم واحد في معنى الجمع، بمنزلة قوم، ونفر، فهذا إنما يجب عليه تصغيره في نفسه”. وقال أبو منصور الثعالبي في الإعجاز والإيجاز: “ومِن ذلك قوله عز وعلا: “ولهنّ مثل الذي عليهن” وهو كلام يتضمن جميع ما يجب على الرجال من حسن معاشرة النساء وصيانتهن وإزاحة عللهن.” وقال الثعالبيُّ أيضاً: “ومِن كلامه (أي زياد بن أبيه): يجب على المرء أن يتحفظ من حسد أصدقائه. ومكر أعدائه”. وقال عن أبي المُظفَّر نَصر بن ناصر الدّين: “يجب على الأصاغر أن يشكروا الأكابر فعلاً لا قولاً”… وما وَرَدَ مُطلقا في كلام فُصَحاء العرب ولا عُلمائهم تعدية ينبغي بعَلى.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق