مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الفقه والفقهاء في غينيا

أثـر الفقـه في غينيا

إن الفقه هو الجانب التطبيقي والعملي للإسلام، وهو واجهته الأمامية التي تعكس مبادئه وفضائله، وقد أحدث ظهوره ثورة قضت على كل مظاهر الظلم والفساد، ونشر مبادئ العدل والمساواة والإخاء، ومكارم الأخلاق، ففي  العصور الخالية – قبل عصر الاستقلال وما بعده – كان للفقه في المجتمع الغيني آثار بارزة على الصعيد الديني والخلقي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وخصوصا في منطقة فوتا جالو التي كان الناس يعيشون فيها تحت ظل الفقه الإسلامي، ويلزمون بتطبيقاته، فقد كان أمراؤها إذا تشعبت الأمور، استفتوا أهل العلم فيفتوهم بالكتاب والسنة وأقوال أهل العلم وفق المذهب، عاش الأولون فيها في عز ومنعة، فأقبلوا على الفقه  يشربون من معينه،  ويتزودون من معارفه، لا يبغون به بديلا، ولا يتخذون سواه خليلا، أكبروه في نفوسهم، وأشربوا حبه في نفوسهم فتعلموه وعلموه، ونشروه وتقيدوا به، واحتكموا إليه، والتزموه سلوكا في حياتهم، وفرضوه في محاكمهم على رؤسائهم وقضاتهم، وأقاموا على أسسه ومبادئه دولتهم .

المناهج التعليمية في الحلقات الغينية

المنهج في اللغة  :هو الطريق الواضح، وكذلك المنهاج والنهج [3]، وقد وردت لفظة منهاج في قوله تعالى: ((لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)) وهي تعني في هذه الآية الطريق البين الواضح.

وأما علماء التربية وطرق التدريس، فقد قسموا المناهج الدراسية إلى :

 أ- المنهج القديم أو المنهج التقليدي

ب- والمنهج الحديث أو الجديد

والذي يهمنا هنا هو معرفة القديم أو التقليدي، و هو الذي يركز تركيزا شديداً على إيصال مجموعة محددة من المعلومات والحقائق إلى أذهان المتعلمين.

والمناهج المتبعة في المدارس القرآنية والحلقات العلمية في غينيا، في إيصال المعلومات إلى التلاميذ والطلاب، هو المنهج التقليدي الذي يقوم على التلقين، وهو المنهج المتبع مع الصغار في المدارس القرآنية، حيث يقوم المعلم بتكرار الدرس المقرر على تلاميذه إلى أن يتأكد من إتقانهم له، أو حفظه،أو يكتب التلميذ القدر المقرر على اللوح من القرآن،  نقلا من المصحف، ثم يعرضه على الشيخ ويقرأه له، ويقوم التلميذ بتكراره حتى يتقنه أو يحفظه، ثم يرجع إلى المعلم ويقرأ عليه الدرس حفظا أو نظرا، فإن أتقنه، يأذن له المعلم بمحو الدرس في مكان خاص، حيث لا تطأه الأقدام،- كجذع الشجرة، وقد يحفر حفرة ثم يمحو فيها الآيات -، ليكتب مكانها درساً جديداً -آيات جديدة- .

و تجدر الإشارة هنا إلى أن التلاميذ مهما كانت كثرتهم فإن كل واحد منهم يدرس عند المعلم على حدة، إلا في بعض الأحايين، فيستعين بكبار تلاميذه، لتعليم المبتدئين، ويكلفه بالإشراف عليهم، والكتابة للصغار منهم .

وتوجد الحلقات التقليدية – غالبا –  في البوادي وبعض القرى الصغيرة، ويتصدى للتدريس فيها  كبار الشيوخ، وبعض الذين تخرجوا منها، بعد أن يأذن لهم مشايخهم بممارسة التدريس، ويلتحق بهم التلاميذ الذين ختموا القرآن الكريم حفظا أو نظراً .

 وتقام هذه الحلقات في المساجد، أو في بيوت الشيوخ، حيث يلتقون مع طلابهم فيها، يخصص لكل طالب مدة، يدخل على الشيخ ويقرأ درسه المقرر، والشيخ يفسر له كل كلمة بلغته المحلية ، حتى ينتهي من درسه الذي قرره لذلك اليوم أو يقرر له الشيخ، وذلك حسب مقدرة الطالب وفهمه، ثم يراجع ما فسر له، وإذا أتقنه يتابع دروس زملائه، أو يستفسر ما لم يفهمه من الشيخ أو من زملاء الدرس.

وأحيانا يتولى الشيخ القراءة والتفسير والطالب يستمع ويردد (نامُ ) حتى ينتهي إلى الدرس المقرر لذلك اليوم، وعندما يصل الطالب إلى نهاية الحصة المقررة، يحمد الله ويعرف الشيخ أنه وقف، ويدعو الشيخ له . وغالبا لا يجمع بين متنين، ولا ينتقل من متن إلى آخر إلا بعد الانتهاء من الأول– وهذه سجية مجمع عليها  لدى أرباب الحلقات التقليدية، فهذا عالم شنقيط يشير إلى حظر ترادف  الفنون بقوله :

وفي ترادف الفنون المنع جا ==  كالتوأمان استبقا لن يخرجا[4].

 ومن الملاحظ أيضا أن تقليل الحصة الدراسية: من عادات وآداب الحلقات العلمية في دراسة المتون، ليتمكن الطالب من استيعاب المتن بسهولة.

وتبدأ الدروس في الحلقات عادة في الصباح الباكر قبل بزوغ الفجر، أو عقب صلاة الفجر إلى الضحى، ثم ينصرف الطلاب لأشغالهم الخاصة، أو لمراجعة ما درس، وبعد صلاة الظهر، تستأنف الدراسة إلى صلاة العصر، وعند البعض تبدأ الدراسة بعد صلاة العصر إلى قبيل المغرب ويستأنفون بعد العشاء إلى العاشرة ليلا تقريبا.

وعموما فإن أوقات الدراسة غالبا تكون منوطة بفراغ الشيخ، وتتوقف الدراسة في الحلقات العلمية والمدارس القرآنية في مساء الأربعاء، ويوم الخميس وصباح الجمعة من كل أسبوع، وتستأنف بعد صلاة عصر الجمعة .

وتتعطل الحلقات القديمة في موسم الأمطار، ليتفرغ الطلاب لممارسة الزراعة – وخاصة أن أغلب الطلاب من القرى- وهذه العطلة قد تستمر لمدة ثلاثة أشهر، وتتعطل كذلك في أعياد الفطر والأضحى،  ومناسبة المولد عند الذين يحتفلون بها.

ومما يسجل من الناحية التربوية في دراسة الحلقات التقليدية :أن الطالب يبدأ بدراسة المتون الصغرى المبسطة، وينتقل بالتدرج إلى دراسة المتون  الوسطى قبل أن يدرس المتون الكبرى وشروحها.

وإلى هذا المبدأ– التدرج – أشار ابن خلدون في مقدمته حيث يقول: “اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين، إنما يكون مفيداً إذا كان على التدرج، شيئا فشيئا، وقليلا قليلا[5]“.

وقال ابن حجر في الفتح ” إن التعليم بالتدرج أخف مؤنة وأدعى إلى الثبات من أخذه بالكد والمغالبة [6]

ويتميز الطالب في الحلقات التقليدية بعدم الحرية الواسعة في ممارسة الدراسة داخل الحلقة، فغالبا لا يبدأ كتابا إلا بعد استشارة الشيخ، ولا يتصرف ويغيب إلا بالإذن منه، فإذا هم التلميذ الانتساب إلى الحلقة يصحب معه  هدية، إما طنبورا أو قطعة من ضأن أو شاة، فهي كثمن التسجيل في لغة العصر.

وأما إذا أساء الأدب مع الشيخ،أو مع أحد كبار الطلاب، عوقب معاقبة شديدة، فتارة يجلد بالسوط، وحينا يحبس عن الأكل، وآونة يكلف بأعمال شاقة، وقد لا يقيل الشيخ عثرته حتى يحضر ولي أمره، فيؤدب بحضرته، ثم يجثو الوالد على ركبتيه مستسمحا .

 ولعله من الضروري جدا، أن نشير هنا إلى أن التعليم في المدارس القرآنية والحلقات العلمية لا يعتبر مهنة رسمية بالمفهوم الحديث للعمل المهني المدفوع الأجر، بل إنها مهنة احتسابية -أي طلب الأجر من الله تعالى- ويعتمد معظم الشيوخ في معيشتهم على الأعمال اليدوية التي يزاولونها، مثل الزراعة التي يعاونهم الطلاب والتلاميذ فيها، كما أنهم يحصلون على الهدايا والهبات العينية والنقدية من بعض أولياء أمور تلاميذهم وطلابهم، وعلى الزكوات من الأغنياء وغيرهم، فلا يحصل معلم الحلقات على أي راتب مقابل قيامه بمهام عمله، بيد أنه يحصل على هبات منتظمة وثابتة بالدرجة التي يمكن اعتبارها نوعا من الأجر الإلزامي الذي يحصل عليه الشيخ مقابل خدماته.

فقد كان لعلماء الحلقات مكانة مرموقة في المجتمع،  حيث يجلهم ويقدرهم كل أفراد المجتمع، و كانوا من جلساء الحكام ومستشاريهم في كل الأمور، ويتولون القضاء الشرعي في قراهم ومدنهم، وبخاصة في الأحوال الشخصية،ويتمتع الطالب المجلسي بذكاء خارق، والتواضع الشديد، و الحياء المفرط والتحلي بحسن السيرة والسلوك،  والتضلع والتمكن في كل الفنون، فلا يعرف طلاب الحلقات جوهر التخصص، بل يدلي بدلوه في كل الفنون، وكذا التفاخر والتباهي بشيخه، والأمانة العلمية، حيث ينسب أقوال شيخه إليه، ويتعصب له، فلا يكاد يخالفه رأيا .

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق