مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«مفاهيم في التماسك ووحدة بناء النص» من خلال كتاب « قراءة في الأدب القديم» محمد محمد أبو موسى دراسة إحصائية معجمية (حلقة 13)

(ص)

صنع

 [صنعة]

سياق المصطلح:

-« ثُمّ يُتابِعُ -وهذا كَثيرٌ في الشِّعرِ- فَيذْكرُ أنَّ الرِّياحَ تَنْفي القَذى عَنهُ، ويُكرِّرُ الفِعلَ المُضارِع، فَيُريكَ الرِّياحَ، وهيَ قائِمةٌ عَلى نَقائهِ، وصَفائِهِ، وكأنَّهُ يُمَهِّدُ لهذهِ الصّورةِ الحَيّةِ، في الفِعلِ المُضارِعِ، لَمّا قالَ قَبْلهُ « أَضْحى وهُو مَشْمولُ» فَآثَرَ الجُمْلةَ الاسْمِيةَ، لأنّ دَوامَ الشّمالَ عَليهِ أدْعى لاسْتِمْرارِ بَرده، وهَكذا نَرى دَقائِقَ الصَّنْعَةِ البَلاغِيةِ، ويَسْتمِرُّ الشّاعِرُ حتَّى يَصلَ بِك إلى نَبْعهِ وأنَّهُ يَمدُّهُ سَحابٌ مِنْ بَعدهِ سَحابٌ (بيضٌ يَعاليلٌ). قُلتُ وهَذا كَثيرٌ في الشِّعرِ ولَهُ صُورٌ مُتَعدِّدةٌ، كَما أنَّ ذِكرَ العَوارِضِ وفُروعَ البشامِ وأَخْضرَ مِن نعْمانٍ والأراكِ وغَير ذَلكَ ممَّا يَتعلَّقُ بالثَّغرِ فيهِ صُورٌ كَثيرةٌ، وصَنْعَةٌ جَليلةٌ، وشِعرهُ حَيٌّ، وكَثيرُ الدَّوَرانِ، ولا أَعرِفُ لِجريرٍ بَيتًا أكْثرَ دَورانًا وأَسْعد طالِعًا مِنْ قَولهِ:

أَتَذكرُ يَوْمَ تَصْقلُ عارِضَيْها /// بِعُودِ بَشَامةٍ سُقِي البَشَامُ[1]

-«ثُمّ إنَّهُ لمّا شَبّهَ الخلَّة بالغُولِ وأَلْحقَها بها رَجَعَ وجَعَلَ لِلْغولِ ثَوبًا، فَأَلْحقَ الغُولَ بالمَرْأةِ، يَعْني أَلْحقَ المُشَبَّهَ بالمُشبَّهِ به، ثُمَّ رَجعَ وأَلْحقَ المُشبَّهَ بهِ بالمُشَبّهِ، وهَذا مِنْ دَقيقِ الصَّنْعَةِ، وكَأنَّهُ يُقرِّبُ كُلًّا منَ الآخَرَ فَتَزدادُ المُشابَهَةُ، والمُقارَبةُ، والمُداخَلَةُ».[2]

-«وهذا يَعْني أنَّ هَذا البَيتَ وَصَفَ كَرمَ أَصْلِها، ثُمَّ وَصَفَ أيْضًا جَلادَتَهَا وقُوَّتَها، وصَلابَتَها، وكأنَّهُ جامِعٌ لِمعْنى البَيْتَينِ قَبْلهُ، وهَذا مَوْضِعٌ مِنْ مَواضِعِ دِقَّةِ الصَّنْعَةِ ولُطْفِها، وخَفائِها…».[3]

-«وقَولُه:« مِنْهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحْشِ ضامِزَةً» لَا تَخْلُو كَلِمةٌ مِنْها منْ سِرٍّ، وأوَّلُ أَسْرارِها تَقْديمُ الجارِ والمَجْرورِ، الذي هُو ضَميرُ الضَّيْغمِ، لأنَّهُ هُو الأصلُ وهُو المَقْصودُ، وهو الذي يَدورُ حَوْلهُ البَيانُ، فكانَ أَوَّل ما يَطرُقُ السَّمْعَ في تِلكَ الجُملةِ الّتي تَصفُ مَخافَةَ الوَحْشِ مِنهُ، ومنَ الحِكْمةِ ودَقيقِ الصَّنْعَةِ أنْ يَجْعلَ الشّاعرُ غَرضَه منَ الجُملةِ في أنف كَلامهِ كَما يقُولُ الشَّيخُ عَبدُ القاهرِ، ثُمّ الفِعلُ المُضارعُ في قَولهِ «تَظَلُّ» وكَأنَّك – كَما قُلتَ مِرارًا- تَرى في هَذا المُضارعِ الصُّورةَ المُتَجَدِّدةَ في إطارِ فِعلِ « تَظَلُّ» الدّالِّ بِمادَّتهِ على الثُّبوتِ، كَما قالَ « لَظَلَّ يُرْعَدُ» ولاحِظْ تَكْرارَ هَذهِ المادَّةِ مَعَ حَميرِ الوَحشِ، وقَدْ سَبقَ ذِكْرُها مَعَ الفِيلِ، وكأنَّها هُنا تَسْتَصْحبُ شَيئًا مِمّا هُناكَ، وقَدْ أَسْقطَ هُنا الارْتِعادَ، ولَمْ يَقُلْ تَظَلُّ مِنهُ حَميرُ الوَحشِ تُرْعدُ لأنَّ الارْتِعادَ كَما قُلنا مُرْتَبِطٌ بِضَخامَةِ الفِيلِ ولأنَّ السِياقَ تَغيَّرَ…».[4]

-«…وإنّما أَرَدتُ هُنا أنْ أُنبِّهَ إلى أنّ الذي مَضَى كُلّه، وَصفٌ لِحالِ كَعبٍ رِضوانُ الله عَليهِ، وأنّهُ مِنْ قَولهِ إنَّ الرَّسولَ لَسَيفٌ إلى آخرِ القَصيدةِ خَلُصَ لِمَدحِ المُخْتارِ صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَليهِ، وإنْ كانَ انْتَقلَ إلى مَدحِ مَنْ حَولهُ، وهَذا مِنْ أَدقِّ صَنْعَةِ كَعبٍ لأنَّ مَدحَ مَنْ حول الرَّجُلِ إنّما هُو مَدحٌ للرَّجُلِ، ولأنَّ الرَّجلَ هُو منْ حولهِ، فإذا أَردْتَ أَنْ تَعرفَ مَنْ أَنا فانْظُرْ إليَّ مَنْ أُصاحِبُ كما يَقولُ النَّاسُ، ولا يُمْكنُ أنْ يَجْتَمعَ اللِّئامُ حَولَ كَريمٍ، كما أَنَّهُ لا يُمْكنُ أنْ يَجْتَمعَ الكِرامُ حَولَ لَئيمٍ، وأَمْرُ آخَرُ وهُوَ الأَهمُّ، وهُو أنَّ كَعبًا لَمْ يُوجِّهْ مَدحًا مُباشِرًا إلى رَسولِ الله صلَّى الله عَليهِ وسَلّمَ إلّا في بَيتٍ واحِدٍ هُو قَولهُ « إنَّ الرَّسُولَ لَسَيفٌ يُسْتَضاءُ به» وعِندهُ ألْقى علَيهِ رَسولُ الله صلَّى الله عَليهِ وسَلّمَ بُرْدَتَهُ كِفاءً وإكْرامًا وتَحِيّةً».[5]

-«…وتَأمَّلْ شَيئًا في صَنْعَةِ اللُّغةِ تَجِدْ آخِرَ الشَّطرِ الأَوّلِ منَ الأبْياتِ الثَّلاثةِ كَلمة واحِدة هي كأنّها مَها كأنّها مراضٌ كأنَّهُ جَنى وهِيَ تُقابِلُ مَفاعِلُنْ التي في آخِرِ الشَّطرِ الأَوّلِ…».[6]

-«…وكلّ هَذا مِنْ أُصولِ بِناءِ هَذا المَطْلعِ الّذي تَعَدَّدَتُ صُورهُ، وهُو مِنْ جَوْهرِ صَنْعةِ الفَرَزْدقِ…».[7]

-«…والكِنايةُ بتَوقُّدِ نارِ الشِّعْرى كالكِنايةِ بغَبرةِ آفاقِ السَّماءِ، ورَدَّ عَجُزَ الكِناياتِ إلى صَدْرِها، وتَفنَّنَ فيما بَينَ ذلكَ على حدِّ ما رأَينا، وهذا مِنْ دَقِيقِ صَنْعَةِ الشُّعراءِ».[8]

-« النَّغمَةُ هُنا هادِئةٌ وعَميقةٌ، والعِبارةُ سَلِسةٌ ومُتَحدِّرةٌ، والطَّبعُ مَوَّاتٌ والنَّبعُ رَقْراقٌ، ولَو أنَّ الغَنوِي نَشَأَ في العَصْرِ العبَّاسِيِّ لَالْتَبسَ شِعرُهُ بشِعرِ البُحْتُريِّ، ذلكَ الشِّعر الّذي لا تَطْفُو عَليْه آثارُ التَّكلُّفِ والمُعاناةِ، وإنْ كانَ يَحْتوِي صَنْعَةً دَقيقةً، وتَفْكيرًا عَميقًا في البِناءِ والصِّياغَةِ، انْظُرْ إلى هَذهِ النَّغْمةِ المُسْتَرْسلةِ في قَوْلهِ: « لَقَدْ كانَ أمّا حِلْمُهُ فَمُروَّحٌ» انْظُر إلى كَلمةِ «أمَّا» وما أَفادَتهُ منَ التَّقسِيمِ والتَّحْديدِ، والتَّقْسيمُ مِنْ مَزايا الأُسْلوبِ ومَظاهرِ ضَبْطهِ وتَحْديدِهِ وبَلاغَتهِ، ثُمّ ما فيها مِنْ مَعنَى التَّوْكيدِ الّذي أَعْطَى العِبارَةَ فَضْلًا مِنَ المَتانَةِ وتَأْصيلِ المَعنى وتَقْرِيرهِ…». [9]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: صنع: صَنَعَه يَصْنَعُه صُنْعاً، فَهُوَ مَصْنوعٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: “صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ”؛ قَالَ أَبو إِسحاق: الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، فَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الْمَصْدَرِ لأَن قَوْلَهُ تَعَالَى: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ، دَلِيلٌ عَلَى الصَّنْعةِ كأَنه قَالَ صَنَعَ اللهُ ذَلِكَ صُنْعاً، وَمَنْ قرأَ “صُنْعُ اللَّهِ” فَعَلَى مَعْنَى ذَلِكَ صُنْعُ اللَّهِ. واصْطَنَعَه: اتَّخَذه. وَقَوْلُهُ تَعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسي، تأْويلُه اخْتَرْتُكَ لإقامة حُجَّتي وَجَعَلْتُكَ بَيْني وَبَيْنَ خَلْقي حتّى صِرْتَ فِي الخِطابِ عَنّي والتَّبْليغِ بِالمَنْزِلَةِ التي أكون أنا بِها لَوْ خاطَبْتُهُمْ وَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ؛ وقالَ الأَزهري: أَي رَبَّيْتُكَ لِخاصَّةِ أمري الذي أردته في فِرْعَوْنَ وجُنودِه. وفي حَديثِ آدَمَ: قالَ لِموسى، عَلَيْهِما السَّلامُ: أنت كَليمُ اللَّهِ الذي اصْطَنَعَك لِنَفْسِهِ؛ قالَ ابْنُ الأثير: هذا تَمْثيلٌ لِما أَعطاه اللَّهُ مِنْ مَنْزِلَةِ التقْريبِ والتكريمِ. ويُقالُ: اصطَنَعَ فُلانٌ خاتَمًا إذا سأل رَجُلًا أن يَصْنَع له خاتماً. وروى ابْنُ عُمَرَ أن رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اصطَنَعَ خاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ كانَ يَجْعَلُ فَصَّه فِي بَاطِنِ كَفِّه إِذا لَبِسَهُ فصنَعَ الناسُ ثُمَّ إِنه رَمى بِهِ، أَي أَمَر أَن يُصْنَعَ لَهُ كَما تَقولُ اكتَتَبَ أَي أَمَر أَن يُكْتَبَ لَهُ، والطاءُ بَدَلٌ مِنْ تَاءِ الِافْتِعَالِ لأَجل الصَّادِ. واسْتَصْنَعَ الشيءَ: دَعا إِلى صُنْعِه؛ وَقَوْلُ أَبي ذؤَيب:

إِذا ذَكَرَت قَتْلى بكَوساءَ أَشْعَلَتْ، /// كَواهِيةِ الأَخْرات رَثٍّ صُنوعُها

قَالَ ابْنُ سِيدَه: صُنوعُها جَمْعٌ لَا أَعرف لَهُ وَاحِدًا. والصِّناعةُ: حِرْفةُ الصانِع، وعَمَلُه الصَّنْعةُ. والصِّناعةُ: مَا تَسْتَصْنِعُ مِنْ أَمْرٍ؛ ورجلٌ صَنَعُ اليدِ وصَنَاعُ اليدِ من قوم صَنَعَى الأَيْدِي وصُنُعٍ وصُنْع، وأَما سيبَوَيْه فَقالَ: لا يُكَسَّر صَنَعٌ، اسْتَغْنَوا عَنْهُ بِالواوِ والنّونِ. ورَجُلٌ صَنيعُ اليَدَيْنِ وصِنْعُ اليَدَيْنِ، بِكَسْرِ الصّادِ، أي صانِعٌ حاذِقٌ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ صَنَعُ اليَدَيْنِ، بِالتَّحْريكِ؛ قالَ أبو ذُؤَيْبٍ:

وعليهِما مَسْرودتانِ قَضاهُما /// داودُ، أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ

وصَنْعةُ الفرَسِ: حُسْنُ القِيامِ عَلَيْهِ. وصَنَعَ الفَرَسَ يَصْنَعُه صَنْعاً وصَنْعةً، وَهُوَ فَرَسٌ صنِيعٌ: قامَ عَلَيْهِ. وَفَرَسٌ صنِيعٌ للأُنثى، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَأَرَى اللِّحْيَانِيَّ خَصَّ بِهِ الأُنثى مِنَ الخَيْلِ؛ وقالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:

    فَنَقَلْنا صَنْعَه حَتَّى شَتا، /// ناعِمَ البالِ لَجُوجاً فِي السَّنَنْ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: “وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي”؛ قيلَ: مَعْناهُ لِتُغَذّى.[10]

التعريف الاصطلاحي:

دقّةُ الصَّنْعَةِ: إنْشاءُ كَلام ذي جَودةٍ في البناءِ، وهيَ صِياغةُ البناءِ اللفظي وإتْقانُ دلالته على مَعانيه، حتّى تَبلغَ يَبلُغَ نظمُ النّصّ دَرجةً عاليةً منَ الإحْكامِ والسّبكِ، والانسجامِ والتماسُك.

صون

 [يصونونها/الصيانة]

سياق المصطلح:

-«وكَأنَّ الفَرَزدقَ أَرادَ مِنكَ أَنْ تُراجِعَ هذه الصُّورةَ، التي أَحْكمَ بِناءَها لِيُؤكِّدَ في نَفْسكَ ما دَهَمَ هذا الكَلبَ مِنْ شِدّةِ الوَقتِ فَجاءَ بِهذهِ الحالِ، وهيَ قَوْلهُ « والصَّلا مُتَكَنَّفُ» وأَكثرُ الجُملِ الحَاليةِ كانتْ عِنْدَ الفَرزْدقِ في نِهايةِ الأَبْياتِ، وفي قَرارِ القافِيةِ الّذي هُو قَرارُ المَعْنى وقَرارُ النَّغمِ، والصَّلَا هُمُ القَوْمُ يَصْطلونَ، أوْ هيَ النّارُ الّتي يُصْطَلى بِها و«مُتَكَنَّفٌ» مِنْ قَولِهمْ أَكْنفَهُ إذا صانَهُ، ورَعاهُ وحَفِظهُ، يَعْني أنَّ الكَلبَ فَعلَ ما فَعلَ، وقاتَلَ عَن النّار الّتي يُريدُ اغْتِصابَها، والقَوْمُ حَوْلها مُتَكَنِّفونَ لها يَصونونَها ويَقومونَ عَلَيْها…».[11]

-« والوَيْلُ تُسْتَعْملُ اسْتِعْمالَ الوَيْحِ ولَكنَّها تَخْتلِفُ عنْها في الدَّلالةِ، كَما يَقولُ أَكثرُ اللُّغَوِيِّينَ لأنَّ الوَيلَ بمَعنى العَذاب، وَيْلٌ لَهُ أيْ عَذابٌ لَه، والغَدْرُ تَرْكُ الوَفاءِ، وقالُوا كانَ الرَّجلُ في الجاهِليةِ إذا غَدَرَ رَفَعُوا لَهُ في مَجامِعِهِمْ لِواءً لِيَعرِفَ النَّاسُ أنَّهُ غَادِرٌ، وذَلك إعْلانًا لِرفْضِ الجَماعة لِخُلقِ الغَدرِ وإنْكارًا لِخُلُقِ الغادِر، وتَأْديبًا لِهذهِ النُّفوسِ الّتي لا تَرْعى خُلُقَ الوَفاءِ، وهَذا يَدلُّ على حِفاظِهِمْ وحِرْصِهِمْ في تَثْبيتِ هَذه المَبادِئِ وصِيَانَتِها».[12]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: صون: الصَّوْنُ: أَن تَقِيَ شَيْئًا أَو ثَوْبًا، وصانَ الشيءَ صَوْناً وصِيانَةً وصِيَاناً واصْطانه؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ الْهُذَلِيُّ:

أَبْلِغْ إِياساً أَنَّ عِرْضَ ابنِ أُخْتِكُمْ /// رِداؤُكَ، فاصْطَنْ حُسْنَه أَو تَبَذَّلِ

أَراد: فاصْطَنْ حَسَنه، فَوَضَعَ المَصْدَرَ مَوْضِعَ الصِّفَةِ. وَيُقالُ: صُنْتُ الشيءَ أَصُونه، وَلَا تَقُلْ أَصَنْتُه، فَهُوَ مَصُون، وَلَا تَقُلْ مُصانٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِذْلَةُ كلامِنا صَوْنُ غَيْرِنا. وجعلتُ الثَّوْبَ فِي صُوانه وصِوانه، بِالضَّمِّ وَالكَسْرِ، وصِيانه أَيضاً: وهُوَ وِعاؤُهُ الذي يُصان فِيهِ. والصَّوْنَةُ العَتيدَة. وَثَوْبٌ مَصونٌ، عَلى النَّقْصِ، ومَصْوُون، عَلَى التَّمامِ؛ الأَخيرة نادِرَةٌ، وهي تَميمِيَّةٌ، وصَوْنٌ وَصْفٌ بِالمَصْدَرِ. والصِّوانُ والصُّوانُ: ما صُنْتَ بِهِ الشَّيْءَ. والصِّينَةُ: الصَّوْنُ، يُقَالُ: هَذِهِ ثِيَابُ الصِّينَةِ أَي الصَّوْنِ. وصَانَ عِرْضَه صِيانة وصَوْناً، عَلَى المَثل؛ قَالَ أَوْس بْنُ حَجَر:

فإِنا رَأَيْنا العِرْضَ أَحْوَجَ، ساعَةً، /// إلى الصَّوْنِ مِنْ رَيْطٍ يَمانٍ مُسَهَّمِ

وقد تَصاوَنَ الرجلُ وتَصَوَّنَ؛ الأخيرة عَنِ ابْنِ جِنِّي، والحُرُّ يَصونُ عِرْضَه كَما يَصونُ الإِنسان ثَوْبَهُ. وصانَ الفرسُ عَدْوَه وجَرْيَه صَوْناً: ذَخَرَ مِنْهُ ذَخيرة لأوانِ الحاجةِ إِلَيْهِ؛ قالَ لَبِيدٌ:

يُراوِحُ بَيْنَ صَوْنٍ وابْتذالِ

أَي يَصُونُ جَرْيَه مَرَّةً فيُبْقِي مِنْهُ، ويَبْتَذِلُه مَرَّةً فيَجْتهدُ فِيهِ. وصَانَ صَوْناً: ظَلَعَ ظلعاً شَدِيدًا؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

فأَوْرَدَهُنَّ بَطْنَ الأَتْم شُعْثاً، /// يَصُنَّ المَشْيَ كالحِدَإ التُّؤَامِ

وقالَ الجَوْهَرِيُّ في هذا البَيْتِ: لَمْ يَعْرِفْهُ الأصمعي، وقالَ غَيْرُهُ: يُبْقين بعضَ المَشْيِ، وقالَ: يَتَوَجيْنَ مِنْ حَفاً. وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صانَ الفَرَسُ يَصونُ صَوْناً إِذَا ظَلَعَ ظلعاً خَفيفًا، فَمَعْنى يَصُنَّ المَشْي أَي يَظْلَعْنَ وَيَتَوَجَّيْنَ مِنَ التَّعَبِ. وصانَ الفرسُ يَصُونُ صَوْناً: صَفَّ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَقِيلَ: قَامَ عَلَى طَرَفِ حَافِرِهِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

وَمَا حاوَلْتُما بقيادِ خَيْل، /// يَصونُ الوَرْدُ فيها والكُمَيْتُ

أَبو عُبَيْدٍ: الصّائِنُ مِنَ الخَيْلِ القائِمُ على طَرَفِ حافِرِهِ مِنَ الحَفا أو الوَجى، وأَما الصَّائِمُ فَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى قَوَائِمِهِ الأَربع مِنْ غَيْرِ حَفاً. والصَّوَّانُ، بِالتَّشْدِيدِ: حِجَارَةٌ يُقْدَحُ بِهَا، وَقِيلَ: هِيَ حِجَارَةٌ سُود لَيْسَتْ بِصُلْبَةٍ، واحِدَتُها صَوّانة. قال الأزهري: الصَّوّان حِجارَةٌ صُلْبة إذا مَسَّتْهُ النّارُ فَقَّع تَفْقيعاً وتَشَقَّقَ، ورُبّما كانَ قَدّاحاً تُقْتَدَحُ بِهِ النّارُ، ولا يَصْلُحُ للنُّورَةِ ولا للرِّضافِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

بَرَى وَقعُ الصَّوّانِ حَدَّ نُسُورِها، /// فهُنَّ لِطافٌ كالصِّعَادِ الذَّوابِلِ.[13]

التعريف الاصطلاحي:

صان الشيءَ وعناصرَ الكلامِ يَصونُه: وصَوْنُ العناصِرِ اللغويّةِ التي منها يُبْنى النصُّ أو النّظمُ، حفظٌ لَها، في بناءٍ يشدُّ بعضَها إلى بعضٍ، بُغيةَ الدّلالةِ.

صلب

 [صلبة/صلابتها/ صلابة]

سياق المصطلح:

-«وقَولُهُ:

حَرْفٌ أخوها أبُوها مِن مُهَجَّنَةٍ /// وعَمُّها خَالُها قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ

والحَرْفُ القَوِيَّةُ الصُّلْبَةُ الَتي تُشْبهُ حَرْفَ الجَبلِ، وأَخُوها أَبُوها علَى التَّشْبيهِ، أيْ أَخُوها مِثْل أَبيها في الكَرَمِ، وكَذلِكَ عمّها مِثلَ خالِها، يَعْني هيَ مِنْ إِبلٍ كِرامٍ والمُهَجَّنةُ الكَريمةُ، والهَجائِنُ كِرامُ الإِبِلِ، والتَّهْجينُ مَدحٌ في الإِبلِ وذَمٌّ في النَّاسِ…».[14]

-«وقَولُهُ:

ولا يُبلِّغُها إلّا عُذافِرةٌ /// مِنْها على الأَيْنِ إِرْقَالٌ وتَبْغيلُ

كَرّرَ فيهِ التَّبْليغَ، والضَّميرُ العائِدُ على سُعاد، ووَصْفٌ آخَرُ للنَّاقةِ، وأُسْلُوبُ القَصْرِ، وإنَّما أَضافَ وَصفَ القُوَّةِ والصَّلابةِ، لِوصْفِ العِتقِ والنَّجابَةِ، وكأنَّهُ لمَّا كرَّر التَّبْليغَ ولَواحِقَهُ إنَّما يَلْفِتُنا إلى أنَّ القُوَّةَ والصَّلابَةَ في شَأْنِهِ هذا لَيْستْ أقَلَّ منَ العِتْقِ والنَّجابَةِ، ثُمَّ إنّهُ بِتَكْرارِ التّبْليغِ، يُؤكِّدُ معْناهُ ويُمَيِّزهُ، ويَجْعلُهُ أَصْلًا،  ومِحْوَرًا لِمعانِي هَذا القِسْمِ، لأَنَّ أَوْصافَ النَّاقةِ الّتي شَغَلتْ بعْد ذَلكَ سَبْعةَ عَشَرَ بَيْتًا، لَيْسَتْ مَقْصودَةً لِذاتِها، وإنَّما هي وَسيلَة هذا التَّبْليغِ، الّذي صَيَّرَهُ جِذْرُ المَعنى، ومِحْوَرُهُ وعَمُودُهُ، ثُمّ إنَّ الأَصلَ أنْ يَكونَ هذا البَيتُ مِنْ غَيْرِ واوٍ، لأَنَّهُ مُتَّصلٌ بالبَيتِ قَبلَهُ أَكْملَ اتِّصالٍ، مِنْ حَيثُ هُو تَوْكيدٌ لَهُ، وهذا ظاهِرٌ، وإذا جَاؤُوا بالواوِ في مِثلِ هذا دَلُّوا بهذِهِ الواوِ على أنَّهُمْ اعْتَبَروا المَعنى الثّاني مُسْتَقِلًّا،  وذلِك مُبالَغَةٌ في تَأْكيدِ مَضْمونِهِ، أعْني هُنا المَعْنى الجَديد الّذي هُو القُوّة المَدْلولُ عَليْها بِقَوْلهِ: «عُذافِرةٌ» وأنّ التَّبْليغَ الّذي هُو جِذْرُ المَعنى لا بُدَّ لهُ منْ أَمْرَينِ، العِتْقُ والصَّلابَةُ، ومِنْ هذا البابِ قَولُهُ: « وإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ ومِنْ نُوحٍ وإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» [الأحزاب:7]…».[15]

– «…وهَذا يعنِي أنَّ هذَا البيتَ وصفَ كَرمَ أَصلِها، ثُمَّ وصَفَ أيضًا جَلَادَتَهَا وقُوَّتها، وصَلَابَتَها، وكَأَنَّهُ جَامِعٌ لمَعنى البَيْتينِ قَبلهُ، وهذَا مَوضِعٌ مِن مَواضِعِ دِقَّةِ الصَّنْعةِ ولُطْفها، وخَفَائِها».[16]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: صلب: الصُّلْبُ والصُّلَّبُ: عَظْمٌ مِنْ لَدُنِ الكاهِل إِلى العَجْب، وَالْجَمْعُ: أَصْلُب وأَصْلاب وصِلَبَةٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

أَما تَرَيْني، اليَوْمَ، شَيْخاً أَشْيَبَا، /// إِذا نَهَضْتُ أَتَشَكَّى الأَصْلُبا

جَمَعَ لأَنه جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِن صُلْبه صُلْباً؛ كَقَوْلِ جَرِيرٍ:

قَالَ العَواذِلُ: مَا لِجَهْلِكَ بَعْدَ ما /// شابَ المَفارِقُ، واكْتَسَيْنَ قَتِيرا

وَقَالَ حُمَيْدٌ:

وانْتَسَفَ، الحالِبَ مِنْ أَنْدابِه، /// أَغْباطُنا المَيْسُ عَلى أَصْلابِه

كأَنه جَعَلَ كلَّ جُزْءٍ مِنَ صُلْبِه صُلْباً. وَحَكى اللِّحْيانِيُّ عنِ العَرَبِ: هؤُلاءِ أَبناء صلبَتِهِمْ. والصُّلْب مِنَ الظَّهْر، وكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الظَّهْر فِيهِ فَقَارٌ فَذَلِكَ الصُّلْب؛ والصَّلَبُ، بِالتَّحْرِيكِ، لُغَةٌ فِيهِ؛ قَالَ العَجاج يَصِفُ امرأَة:

رَيَّا العظامِ، فَخْمَة المُخَدَّمِ، /// فِي صَلَبٍ مثْلِ العِنانِ المُؤدَم،

إِلى سَواءٍ قَطَنٍ مُؤَكَّمِ

وفي الحَديثِ:إنّ اللَّه خَلَقَ للجَنَّةِ أهْلًا، خَلَقَها لَهُم، وهُمْ في أصلاب آبائِهِم.

والأصْلابُ: جَمْعُ صُلْب وَهُوَ الظَّهْرُ. والصَّلابَةُ: ضدُّ اللِّين. صَلُبَ الشيءُ صَلابَةً فَهُوَ صَلِيبٌ وصُلْب وصُلَّب وَصُلْبٌ  أَي شَدِيدٌ. وَرَجُلٌ صُلَّبٌ: مِثْلُ القُلَّبِ والحُوَّل، وَرَجُلٌ صُلْبٌ وصَلِيبٌ: ذُو صَلَابَةٍ؛ وَقَدْ صَلُب، وأَرض صُلْبَة، وَالْجُمَعُ صِلَبَة. وَيُقَالُ: تَصَلَّبَ فُلَانٌ أَي تَشَدَّدَ. وَقَوْلُهُمْ فِي الرَّاعِي: صُلْبُ العَصا وصَلِيبُ العَصا، إِنما يَرَوْنَ أَنه يَعْنُفُ بالإِبل؛ قالَ الرّاعي:

صَليبُ العَصا، بادي العُروقِ، تَرى لَهُ، /// عَلَيْها، إِذا ما أجْدَبَ النّاسُ، إِصْبَعا

وأَنشد:

رَأَيْتُكِ لا تُغْنينَ عنّي بِقُرَّةٍ، /// إذا اخْتَلَفَتْ فيَّ الهَراوى الدَّمامِكُ

فأَشْهَدُ لَا آتيكِ، مَا دامَ تَنْضُب /// بأَرْضِكِ، أَو صُلْبُ العَصا مِنْ رجالِكِ

أَصْلُ هذا أَن رَجُلًا واعَدَتْه امْرَأَةٌ، فعثَرَ عَليها أَهْلُها، فَضَرَبُوهُ بعِصِيِّ التَّنْضُب. وكانَ شَجَرُ أَرضها إنما كانَ التنضبَ فَضَرَبوهُ بِعِصِيِّها. وصَلَّبَه: جَعَلَهُ صُلْباً وشدَّه وقوَّاه؛ قَالَ الأَعشى:

مِن سَراةِ الهِجانِ صَلَّبَها العُضُّ، /// وَرَعْيُ الحِمى، وطولُ الحِيالِ

أي شَدَّها. وفي حَديثِ العَبّاسِ: إنّ المُغالِبَ صُلْبَ اللهِ مَغْلُوب أَي قُوَّةَ اللهِ. وَمَكَانٌ صُلْب وصَلبٌ: غَليظٌ حَجِرٌ، وَالْجَمْعُ: صِلَبَةٌ. والصُّلْبُ مِنَ الأَرض: المَكانُ الغَلِيظُ المُنْقاد، والجَمْعُ صِلَبَةٌ، مِثْلُ قُلْب وقِلَبَة. والصَّلَب أَيضاً: مَا صَلُبَ مِنَ الأرض. شَمِرٌ: الصَّلَب نَحْوٌ مَنِ الحَزيزِ الغَلِيظِ المُنْقادِ. قَالَ رُؤْبَةُ:

نَغْشى قَرًى، عارِيَةً أقْراؤُه، /// تَحْبو، إلى أصْلابِه، أمْعاؤه

قال الأَصمعي: الأَصْلابُ هِيَ مِنَ الأَرض الصَّلَب الشديد المُنْقاد، والأَمْعاءُ مَسايِلُ صِغار. وَقَوْلُهُ: تَحْبُو أَي تَدْنو. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الأَصلاب: مَا صَلُب مِنَ الأَرض وارْتَفَعَ، وأَمْعاؤُه: مَا لانَ مِنْهُ وانْخَفَضَ. والصُّلُّبُ: الشَّدِيدُ مِنِ الحِجارَةِ، أشَدُّها صَلابَةً.[17]

التعريف الاصطلاحي:

صَلابَةُ النص أو القطعَة من الشعرِ: شِدَّتُه وقوَّتُه، يَجعلُ ألفاظ القَصيدةً ومعانيها مَسبوكةً سبكاً مُحْكَماً وفقَ نسقٍ مُنتظِمٍ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] قراءة في الأدب القديم، محمد أبو موسى، ص: 32

[2] نفسه، ص: 36

[3] نفسه، ص: 45

[4] نفسه، ص: 79

[5] نفسه، ص:80

[6] نفسه، ص:120

[7] نفسه، ص: 138

[8] نفسه، ص: 186

[9] نفسه، ص: 328

[10] لسان العرب، 8/208-209-210

[11] قراءة في الأدب القديم، ص: 184

[12] نفسه ، ص:205

[13] لسان العرب، 13/250-251

[14] قراءة في الادب القديم، ص: 42

[15] نفسه ، ص: 44

[16] نفسه ، ص:45  

[17] لسان العرب، 1/526-527

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق