مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الفقه والفقهاء في غينيا

فـــــــوائــد في تـــراجم العلماء:

أ-الفقـهاء غيـر المشهــورين

إن تغذية النفوس بأخبار الأفذاذ الأعلام وشمائلهم، والتطيب بعرف خمائلهم، من أشرف المكاسب، والاعتناء به من أفضل المراتب، فبه تستن جياد الأقلام، وتتحلى أجياد الطروس بلآلئ النثار والنظام، فهو العروة الوثقى التي لا تنفصم، والأطواد العليا التي ينجو بها من يعتصم، فالتودد إليهم سعادة، والتملق على أعتابهم مجادة، والتحلي بذكرهم يوجب الحسنى والزيادة :

هم الهداة لمن يعني بتسديد
ليل الردى والأذى عن كل موجود
يلق النجاة ولم يقصد بتهديد
هم الكرام الألى جمّت مناقبهم
هم البدور التي تجلي أشعتها
هم الحماة فمن يحلل بساحتهم

ولكن الكتابة عن هؤلاء لمن أشق ما يكون، وذلك لتعدد جوانبهم الشخصية، وانفساح مجالاتهم العلمية، والحال: أنه لا مرجع يعتمد عليه، إلا تصيد الأخبار عن ذوي  الأخبار. غير أني لم أذكر من الفقهاء  سوى الذين اختارهم الله إلى جواره، إحياءا  لذكرهم، ( فالذكر للإنسان عمر ثان )

وأعني بالفقهاء غير المشهورين، أولئكم الجهابذة الفطاحل، الأفذاذ النحارير،  الذين ساندوا الفقه في بلادنا بألسنتهم، درسوا الفقه بدءا بالأخضري وانتهاءا  بالمدونة – وخرجوا أجيالا أكفاءا للأمة الإسلامية، ولكن لضيق الوقت، وكثرة ازدحام الطلبة الوافدين عليهم من كل حدب وصوب، ألهتهم عن الكتابة والتأليف، أو ما صنفوه ودونوه، اعتدت عليه عوادي الزمن، – كعادة الدهر مع العلماء والأدباء- أو لم يصل إلينا، وهم كعديد الطيس، لا يحصون عدا.

 ولذا، سأختار منهم ستة  فقط وأختصر ترجمتهم اختصارا شديدا، فتارة أذكر أسماءهم فقط، وطورا أضيف اسم قريته، وحينا أوضح تاريخ وفاته وهم :

– الشيخ محمد إبراهيم

– الشيخ عبد القدوس

– الشيخ ألفا عمر

– الشيخ عثمان كوصا  

 – الشيـخ عمر كابا

– الشيخ محمد فاديقا 

فأنا متأكد بأنّ التراجم مهما طالت وكثرت، فإنها لن تفي بنسبة تذكر من تعاريف هؤلاء العباقرة، فقد كان بودّي أن أطلق العنان للقلم، ليرتع في رياض هذه الشخصيات الفريدة، ويرتوى من معين صفاتها الحميدة، إلا أن الظرفين الزماني والمكاني المخصصين لإعداد ونشر هذه اللمحة يمنعاني من ذلك.

-الفقيه محمد بن إبراهيم الخالدي ( جرن جاو)

هو الإمام الفقيه الأديب، المربي النحرير، والمجاهد الشهير، أبو الفقيهين المجاهدين : جرن عبد القدوس، وجرن إبراهيم

محمد  بن إبراهيم  الفلاني الخالدي، الشهير بجرن جاو ولد في قرية بروج (لابي) ودفن في مسقط رأسه، كان شاعرا مجيدا، يحب السنة ويذب عنها، ذكر ابنه – عبد القدوس- أنه كان يردد دائما : من أنكر وجوب الحجاب، فكأنما ذبح ابني هذا –عبدالقدوس- وأنا أنظره!

وله مصنفات عديدة، بلغت القمة في الجودة والنفاسة،  لم تزل في حلك المخطوطات، تستنجد من ينفض النقع عنها  وله قصيدة طويلة في التصوف.

الشيخ عبدالقدوس الفلاني         

الفقيه المفسر الفرضي المؤرخ الأديب المجاهد الشهيد الواعظ العلامة المُربي الشيخ عبد القدوس بن محمد – الشهير بجرن حاو- بن إبراهيم  الخالدي، البروجوي .

من مواليد (بروجي )، تلقى دراسته الأولى في مسقط رأسه على والده الفقيه، وتفقه في المذهب وغيره على العلامة،  نسيج وحده، وقريع دهره، جرن سعد دلن، فغدا فارسا من فرسان المذهب، بارعا متضلعا فيه، لازم الشيخ ملازمة الظل لصاحبه، ولم يزل ينهل من منهله الصافي، وخاصة لاميته ( شكر الإله) حتى قبض الشيخ وهو في وسط الكتاب، وشرح الكتاب شرحا وافيا وأسماه ( تقييد نعم الله في ضمن شكر الله)، وله ترجمة لوالده، وقصائده كثيرة.

لقد أبلى صاحبنا بلاءا حسنا في خدمة المذهب، سخره الله لإحيائه، فأقبل على تعليمه و التأليف فيه وهو في مقتبل العمر، وقد صار بعد شيخه فرضيا لا يبارى، وشاعرا خنذيذا لا يجارى،  كان  صوته في الوغى كبراء بن مالك يخوضها ولسان حاله:

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا — ولكن على أقدامنا تقطر الدما.

ظهر في عصر حالك، كادت معالم السنة تندرس، ومعالمها تنطمس، فكان يعيب أهلها ويذمهم، ويشتكي من قلة العلم وأهله، وإعراض الناس عن بغيه،  وكان يتمنى ويرجو أن يظهر جيل يرفع راية العلم،، ويخمد  نار الجهل والفساد والشر.

استشهد في (كوندارا) وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.

الشيخ ألفا عمر الفلاني

هو الشيخ الصالح، الولي الناصح، الفذ العبقري، إمام عصره، نسيج دهره، البحر الذي لا يكدره الدلاء . أديب الشعراء، شاعر الأدباء .

جرن ألفا عمر الفلاني اللبوي الداري، ولد في قرية (دار) تلقى دراسته الأولى في قريته، فلما أتقن القرآن حفظا وتجويدا وتفسيرا، أقبل – بنهم– على العلم، قطع الفيافي إلى العلامة : جرن سعد دلن، فسبر أغوار المتون، بدءا بالفقه وختما باللغة . فلم يزل عنده حتى انتقل الشيخ إلى جوار ربه.

ولم يقتصر الشيخ على ما أحاط به من أوابد العلوم وشوارده عند شيخه الأول، بل قصد الفقيه الفهامة : جرن علي بوب ديم، فورد من علومه العذبة، فصار بسبب حرصه وعكوفه على الزفر  – بلا نزاع – فقيها مجتهدا فحلا، ومرجعا شاملا في مختلف الفنون، كما قصد جهابذة  أكفاءا، أناروا الدنيا بأقلامهم وألسنتهم، من طليعة  أولئك العلماء : الشيخ الفقيه الشاعر الأديب، مفتي إقليم فوتا جالون: الحاج عبدالرحمن باه – حفظه الله – القائل عنه:

ومنهـم (الداري) ألفا عمر —- له كرامات وكشف تبهر

فمن أمعن النظر إلى آثاره الحميدة، ومصنفاته  المفيدة، علم أن الشيخ كما قيل : هذا الشبل من ذاك الأسد!،

توفي في (دار) وخبئ فيها، – رحمه الله رحمة واسعة- .

الشيخ عثمان كوصـا

هو الفقيه المبدع، المتفنن، الجاد، ذو الشعر العجيب، والتوليد الغريب.

عثمان بن محمد بن عمر الفلاني الداري الكوري الوياوي، الملقب: ب( بربر، الشهير: ب( الشيخ عثمان كوصا)

ولد في دار، – يبدو أنها دار (مامو) – من والدين كريمين شريفين، ونشأ فيها، وتلقى دراسته الأولى فيها، ثم انتقل إلى الشيخ العلامة: سعد دلن، فروى غليله، حتى تضلع في كل الفنون، فآب إلى مسقط رأسه فقيها شاعرا جامعا مانعا. كان الشيخ عثمان حامل لواء شعراء غينيا في عصره، توفي في (دار) وخبئ فيها.

الشيخ عمر كابا، الشهير ب( كرامو طلبي[8])

هو الخطيب البارع، الفقيه الفرضي عمر بن محمد جات كابا

ولد في(كنكان) سنة 1870 من والدين شريفين، العالم محمد جات كابا، والسيدة: جاكا غبي بنت الشيخ ألفا محمود كابا.

تلقى المراحل التعليمية الأولى على يد والده، ثم تتلمذ على الشيخ أمادو كمارا في حيّ (كمارايا –كنكن-).

وبعد أن أخذ مبادئ العلوم الإسلامية على يد هذا المعلم، دفعته الرغبة الشديدة في طلب العلم نحو منبع العرفان، ومغرس الفرقان ( فوتا جالون) مقصد الداني والقاصي، ولم تكن مادتا النحو والعروض- حينئذ- موجودة في (كنكن) فأخذهما عن علماء (فوتا جالون)، ثم توجه إلى الجنوب، ونزل على علماء (كونيادوا) في مدينة (كيروان) وضواحيها، وأخذ عنهم علم النحو أيضا، فأصبح أول من أدخل هذين الفنين في الدراسات العربية في (كنكن).

فلما رجع الشيخ إلى مسقط رأسه، أقام مجلسا علميا واسعا، يدرس فيه جميع الفنون العربية والإسلامية، وكان يضم عددا كبيرا من الطلبة الذين يتشوقون إليه للإغتراف من مناهله العذبة، وعلمه الغزيز.

وكان الشيخ معروفا بسعة الأفق، وبسرعة البديهة، وفصاحة اللسان والقلم.

إن مكانته العلمية تظهر في إنتاجه الذي وضع بعضه في اللغة العربية، وبعضه في اللغة المحلية (مندي)، فكان أول من قطع قصب السبق في قرض الشعر بهذه اللغة، فوضع ديوانين في ذلك، أحدهما في سنة 1953 تحت عنوان( معدن العلوم الإسلامية) والثاني كان آخر تآليفه في آخر الخمسينيات قبيل وفاته، وسماه (تربية الصالحين).

ففي سنة 1962 (بكنكن)  لبى الشيخ العالم الورع الزاهد التقي نداء ربه ودفن فيها .

الشيخ محمد فاديقا

هو الإمام الفقيه، الخطيب الفصيح، إمام الشعراء في عصره، ومربي الأدباء، صاحب الأمثال السائرة، وذو الصيت الطائر،

الحاج محمد بن فودي لامين بن باكاسو فاديقا  الجاغوي

ولد في قرية (كولاخوري) في دائرة (فيلخني) في محافظة (كويا)

تلقى  الشيخ-رحمه الله- دراسته الأولى في مسقط رأسه عن والده، وكان أبوه عالما حافظا، ثم أرسله أبوه إلى الأستاذ كرَنْ كنْجورا في  (طوبى) – قريتهم الأصلية- مكث عنده سبع سنوات، فنهل من بحره الصافي وتضلع في كل الفنون.

 وكان قوي الذاكرة، حسن الإدراك والفهم، فكان يشارك في دروس متنوعة، وفي حلقات مختلفة، حتى أجازه أستاذه في كل الفنون، وأذن له بالتدريس، لتبليغ الأمانة الواجبة، فرجع إلى مسقط رأسه، فألفى أباه قد انتقل منها –كولاخوري- إلى (بنتوراليا) فقطن فيها يعلم إخوانه، وخصوصا أخاه الشاب (امبنبا فاديقا) .

فلم يزل الأستاذ على ديدنه معلما غدوا وعشيا، إلى أن لمحه أحد سكان قرية( تنبا) في (كنديا)، وكانوا يبحثون عمن ينوب عن عالمهم وفقيهم الذي اختطفته المنية على غرة، فطلبوا من الوالي – ألمام سيني- بعث هذا البدر إليهم، لينير لهم المدينة التي كادت تحلك بعد غروب شمسهم.

فلما توجه الوالي، أخذ معه إخوانهم ليكونوا له سندا – وكانوا- على التعليم والدعوة، فأقام حلقة علمية عبقة في المسجد. ثم لظروف أخرى، طلب من مفوض الاستعمار الفرنسي، افتتاح مدرسة عصرية لتعليم اللغة العربية والعلوم الإسلامية.

وبعد نقل المفوض الفرنسي إلى دكار، أصدر تصريحا له بالافتتاح في عام 1948م، وليكون في المدينة لا في القرية، فكان هذا مما جذب الأستاذ من (تبنا) إلى (كنديا).

فبدأ تأسيس مدرسته في (منكبا)، فشم الطلاب عرف العلم فيها، وطاروا إليها من كل ناحية، وذاع صيت الأستاذ في البلاد.

ففي عام 1957م أرسل كبير (كويا) –فودي ألسيني- إليه ابنه، وطلب من الأستاذ معلما، فبعث إليهم: أخاه الحاج بو بكر فاديقا.

ثم تبع الكبير أهالي ( وانكفون) فأرسل إليهم الحاج أبو بكر جابي، واقتفى الأثر أيضا أهالي (فوريكارييا)، فبعث إليهم الحاج بافودي فاديقا، ثم أهالي(بسيـيا)، وأرسل إليهم الحاج إبراهيم كمارا، وأرسل لأهل (ننغوا) الحاج محمد منصور فاديقا.

وهكذا استطاع الأستاذ خلال هذه الفترة الوجيزة، أن ينير غينيا الساحلية، ويزخرفها بالعلماء العاملين، فجاء عصر النهضة على يده.

فقد عاش الأستاذ حتى رأى نتاج ثماره زاهرة يتذوقها أبناء غينيا كافة، والدول المجاورة من سيراليون وليبريا ومالي وساحل العاج بسبب انتشار طلابه في بقاع الأرض، لأداء أمانة الدعوة إلى الله.

وفي شهر سبتمبر عام 1984م نبت الربيع على دمية بطل الثقافة الإسلامية: الحاج محمد فاديقا، ووري في (كنديا) – رحمه الله رحمة واسعة-.

(أصل هذه الدراسة مقال منشور بمجلة الغنية العدد المزدوج 3/2)

الهوامش:


[1] –  الحياة العلمية في افريقية (( المغرب الأدنى )) منذ إتمام الفتح وحتى منتصف القرن الخامس الهجري ((0 9/ 0 5 4 هـ)) د/ يوسف بن أحمد حواله، الجزء الأول .  ص / 275 وما بعدها  بتصرف شديد . ط/ معهد البحوث العلمية، 1421هـ/ 2000 م .

[2] –  أخرجه الترمذي ((2680)) وأحمد ((2/ 299)) حديث ضعيف .

[3]  – لسان العرب لابن منظور، 6/4554، طبعة دار المعارف .

[4]  لطيفة : لما كنت طالبا في محظرة ( الفريوة ) – عند العلامة اباة – رمت الجمع بين فنين، فنصحني بعض الطلاب  وأنشدوا هذا النظم ، وبعد سنوات، قطعت الفيافي إلى المحظرة (النباغية ) عند الشيخ (اباه الشنقيطي العلوي ) فألفيت الأخ محمد الجزائري الكيفاني  يجمع بين فنين، فأنكرت عليه ذالك وأنشدت النظم،  فابتسم وذيل النظم بقوله:

لكنـــه أبيح للمغـــتــرب — من أجل تعجيل حصول الأرب

فــإن يكونا أبواه اشتاقا —      لقـــائه جـــــــاز له  إطـــــــلاقا

[5]  – مقدمة ابن خلدون، الفصل التاسع والعشرون، دار الكتاب العربي، 1959، بيروت .

[6]– فتح الباري :لابن حجر /11/22

[7]  – للباحث

[8] – الدراسة الأدبية في غينيا، عمران كبا  . رسالة  ماجستير.

الصفحة السابقة 1 2 3 4
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق