مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

البَيانُ في سُورةِ الإخْلَاص: (بيَانُ لَفْظ الجَلالَة)

…ومنْ ذلكَ قولُهُ تعالَى في سُورَة (الْإِخْلَاص) [قُلْ هُوَ الله أَحَد٘ؐ(1) الله الصَّمَدُؐ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْؐ(3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ, كُفُؤاٗ اَحَدٌ(4)]. وهيَ أربعُ آياتٍ تَنتَهي فَواصلُهَا بحَرفٍ واحدٍ؛ هوَ (الدَّال). وهوَ حرفٌ شديدٌ، تَزيدُهُ شدَّةً تلكَ القَلْقَلَةُ عندَ الوَقْفِ. وفيهَا اسمٌ لا يُمَاثلهُ اسمٌ في اللُّغةِ كلِّها، لَا في لَفظِهِ ولَا في دَلالَتهِ. وهوَ اسمُ الجَلالَة(اَللهُ).وقدْ تَكرَّر مَرّتينِ عَلَى قُربٍ شديدٍ في النَّظمِ.فزَادهُ ذَلكَ جَلَالاً وفَخامَةً، فضلاً عَن التَّفخِيم اللَّازمِ لهُ لَفظاً في نُطقِ (اللَّام) فيهِ.

وهوَ نُطقٌ تَفرَّد بهِ؛ إذِ (اللّامُ) حَرفٌ مُستَفلٌ، وكلُّ الحُرُوف الـمُستَفلَةِ مُرَقَّقَة. بخِلَاف الحُرُوف الـمُستَعليَة. فأصلُ اللّام أَنْ تكونَ مُرقَّقَة.لكنَّ اسْمَ الجَلالة (الله)، هوَ الاسمُ الوَحيدُ الّذي خالفَ كلَّ ذلكَ، فهوَ يَبدأُ بلامٍ مُفخَّمَة لازمةِ التَّفخِيم. ولا تُرقّق إلّا إذَا سَبقتْهَا كسرَةٌ، وذَلكَ لصعُوبَة الانْتِقَال منَ الكَسرَة الـمُغرقَةِ في التَّرقِيقِ إلى التَّفخِيم في(اللَّامِ). فكانَ هذا الاسمُ مُتفرداً في ذلكَ عن كلّ الأسمَاء الّتي في أوَّلها (اللَّام)، مثلِ (اللَّهَب-اللَّحْم-اللَّمَم-اللَّظَى…) حيثُ تُرقّق (اللّام) . فأنتَ إذَا نَطقتَ كلمَة (اللَّاهُونَ) مَثلاً، وهيَ تَبدأُ بنَفسِ الحُرُوف، تَنطقُها حتماً بلَامٍ مُرقّقّة، وهوَ الأصلُ فيها.ولَا يُتصوَّر لهَا نُطقٌ غيرُ ذلكَ. فإذَا تَكلَّفتَ التّفْخِيمَ، بدَت لكَ الكَلمَةُ مُستَكرَهَة سَمِجَةً. وأنتَ لا تَجدُ ذلكَ إِطلاقاً عندَ نُطقِ اسمِ الجَلالَة: (الله)، بِتَفخِيمِ اللَّامِ.بل تجدُهُ مُستعذَباً لَطيفاً مُستطاباً.  وكذلكَ يَختلفُ الأمْرُ في نُطقكَ لِكلٍّ منْ: (مِنَ اللهِ ) بتَفْخِيم (اللَّام)، و(مِنَ اللَّاهِي)بتَرْقِيقِهَا.

ومنْ بَديعِ ما يَستَوقفُكَ، أنّ هذَا الاسمَ يَتفرَّد عنْ غَيرهِ مِمَّا فِيهِ (ال)، إذَا جاءَ في النِّداءِ.  فكلُّ اسمٍ أوّلهُ (ال)، لا يَتيَسّر نِدَاؤهُ إلا بوَاسطةِ (أَيُّهَا)، فتقولُ مثلاً (يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ). لكنْ مَعَ ندَاءِ (الله)، يَكُونُ النَّداءُ مُباشرةً بلا واسطةٍ:(يَا أَللهُ). وتَصيرُ همزَةُ الوَصلِ فيهِ حينَئذٍ، همزَةَ قَطعٍ. وَلا يَكُون ذلكَ فِي اسْمٍ سواهُ. هذَا التَّفرُّدُ في خَصائصِ الاسمِ، منْ دَلَالاتِ تَفرُّد المسَمَّى. لذَلكَ لمْ يُسمَّ بهِ أحدٌ غَيرُهُ، سبحانَهُ وتعَالى. فهوَ اسمٌ لا يَشرَكُهُ فيهِ أَحدٌ، بل انفردَ بهِ في كِبريائِهِ وعزّتِه: [هَلْ تَعْلَمُ لَهُ, سَمِيّاً].

ومنْ ثَمَّ تُدركُ أنَّ كلَّ ما تَلا هَذا الاسمَ في السُّورَة إنَّمَا هوَ تبعٌ لهُ في المعْنَى، وزيَادةُ فَسْرٍ  لِـمَا أُجمِلَ منْ دَلالاتٍ علَى التَّفرُّد :(أَحَدٌ –  الصَّمَدُ – لمْ يَلِدْ – لَمْ يُولَدْ – لَمْ يَكُن لهُ كُفُؤاً أَحَدٌ). وهَكذَا فلَقدْ تَفرَّدَ الـمُسمَّى في جَلالِهِ وَكبريَائهِ عنْ سَائِر ،خَلقهِ، فتَفرَّدَ اسمُهُ في لَفظهِ وهَيْأَة نُطقِهِ، عنْ سَائر الأسْمَاء، فَخامَةً وجَلالاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق