مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -9- أحمد ابن عجيبة التطواني

السيرة الغراء في من استشهد بالطاعون من القراء

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها: 

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-9- أحمد ابن عجيبة التطواني (1)

الإمام المقرئ المفسر، العلامة المؤلف المحقق، الفهامة البارع المدقق، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة اللنجري الحجوجي التطواني الإدريسي الحسني، صاحب التفسير الشهير في أربعة مجلدات ضخمة.

ولد سنة ستين أو إحدى وستين ومائة وألف.

ألقى الله في قلبه محبة العلم وهو في حال الصبا؛ فقرأ القرطبية في الفقه لأبي العباس القرطبي من غير أن يعرف اسمَها، ثم بعد حفظه للقرآن سافر لتصحيح القراءة ولتعلم التجويد؛ فمكث في قراءته خمس سنين.

وعمدة أشياخه في قراءة القرآن جدّه المهدي؛ عليه حفظ السلكة، وقرأ أيضا على المقرئ المحقق أحمد الطالب، وعلى الفقيه عبد الرحمن الكتامي الصنهاجي، وعلى الأستاذ المحقق العربي الزوادي، وعلى الفقيه محمد أشمل.

وقرأ في اللوح قراءة المكي والبصري، وكان لا يقرأ في اللوح حتى يطالع التفسير، ويفهم المعنى.

وكان قد حبب له القرآن، فكان لا يصبر عنه، وكان يقرأ في الصلاة قائما، فإذا ضعف صلى جالسا، وربما ختم في الشهر أربع عشرة ختمة.

وكان قد أعطي قريحة وقادة؛ فكان لا يعطل شيئا من الأيام، فإذا كان يوم الخميس اشتغل بالكتابة أو بقراءة المتون، وكذلك أيام العطل لا يخليها من قراءة العلم، فقرأ أثناء قراءة القرآن المقدمة الأجرومية، وألفية ابن مالك، والمرشد المعين لابن عاشر، ومورد الظمآن للخراز، وحرز الأماني للشاطبي وغيرها من التآليف.

ثم بعد ذلك تفرغ للعلم فأخذ عن جلة من علماء وقته، منهم: أحمد الرشا، وعبد الكريم بن قريش، ومحمد بن علي الورزازي، ومحمد العباس، وعبد السلام بن قريش، ومحمد الجنوي الحسني، ومحمد التاودي، ومحمد بن أحمد بنيس، وأحمد الزعري، والطيب بن كيران، ومحمد البوزيدي الحسني وغيرهم.

كان رحمه الله متمكنا في القراءات، والتفسير، والحديث، وعلم السير والمغازي، والتاريخ، والفقه وأصوله، والنحو والصرف والبيان، وغيرها من العلوم.

كما أنه كان كثير التأليف؛ فمن مؤلفاته: تأليف في القراءات العشر مشتملا على آداب القراءة، والتعريف بالشيوخ العشرة ورواتها وتوجيه قراءة كل واحد منها، وتأليف في طبقات الفقهاء، وذكر أرباب المذاهب والتعريف بهم، والتعريف بمشاهير أصحاب ملك. وله تفسير للقرآن سماه البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، وله شرح على الآجرومية، وحاشية على الجامع الصغير للسيوطي، وشرح كثيرا من القصائد، وله مؤلفات غير هذا ذكرها في فهرسه.

توفي بالطاعون يوم الأربعاء السابع من شوال عام أربعة وعشرين ومائتين وألف.

  1.  مصادر الترجمة: فهرس ابن عجيبة، شجرة النور الزكية 1/ 571، فهرس الفهارس 2/ 854-855. وانظر: تراجم قراء المغرب الأقصى ص 184-185.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق