وحدة الإحياءدراسات محكمة

أثر الحيازة في كسب ملكية العقار في ضوء القواعد الفقهية المالكية

تعززت المنظومة التشريعية ببلادنا مؤخرا بصدور القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية[1]، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 178. 11. 1 بتاريخ 22 نونبر 2011. وقد نسخ هذا القانون كليا الظهير الشريف الصادر في19 رجب 1333ﻫ الموافق لـ2 يونيو1915م الخاص بالتشريع المطبق على العقارات غير المحفظة. ويأتي صدور هذا القانون في إطار تحديث المنظومة التشريعية، وتوحيد وتبسيط المفاهيم والمقتضيات القانونية المتعلقة بالحقوق العينية المطبقة على العقارات سواء كانت محفظة أو غير محفظة. ومن ضمن المقتضيات التي نظمتها هذه المدونة المقتضيات المتعلقة بموضوع الحيازة، هذه الأخيرة التي فصل فيها فقهاء المالكية تفصيلا دقيقا؛ إذ لم يتركوا جزئية من جزئيات الموضوع إلا وأحاطوا بها.

وتبعا لذلك، فالحيازة، كسبب من أسباب كسب ملكية العقار، عملت مدونة الحقوق العينية   على تنظيم أحكامها وجمع متفرقها، وتدوين قواعد الفقه المالكي والاجتهاد القضائي بخصوصها في المواد من 239 إلى 263 الموزعة عبر أربعة فروع، خصص الفرع الأول منها الذي يتضمن المواد من 239 إلى 249 للأحكام العامة للحيازة، والثاني الذي يتضمن المواد من 250 إلى259 لمدة الحيازة، والثالث الذي يتضمن المواد من 260 إلى 262 لآثار الحيازة، والرابع الذي يتضمن المادة 239 لإثبات الحيازة وحمايتها، بالإضافة إلى المادة الثالثة من المدونة، ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار..

 كما تطبق مقتضيات قانون الالتزامات والعقود على الحيازة فيما لم يرد به نص في مدونة الحقوق العينية، فإن لم يوجد نص يرجع للراجح[2] والمشهور[3] وما جرى به العمل[4] من الفقه المالكي طبقا للمادة الأولى من المدونة التي تنص على أنه: “تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار. تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1013) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون، فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي”.

 ويقصد بالحيازة وضع اليد على الشيء والتصرف فيه تصرف المالك في ملكه، مع حضور المحوز عنه وعلمه وسكوته، وعدم منازعته طوال مدة الحيازة. والمشرع المغربي لم يعرف الحيازة، وحسنا فعل، ذلك أن وضع التعريفات من اختصاص الفقه، رغم أنه ينص في المادة 239 من مدونة الحقوق العينية على أن الحيازة الاستحقاقية[5] تقوم على عنصرين اثنين: عنصر مادي يتمثل في السيطرة الفعلية على الملك، وعنصر معنوي وهو نية التملك؛ أي الظهور، عند التصرف، بمظهر المالك الحقيقي للشيء المحوز.

وقد اتفق أغلب فقهاء المالكية على أن الحيازة المتوفرة على شروطها تكون صحيحة، وتفيد صاحبها في مواجهة مدعي الملكية، فإذا حاز شخص عقارا، وظل ينسبه إلى نفسه ويدعي ملكيته والناس ينسبونه إليه، وتصرف فيه تصرف المالك في ملكه، مع حضور المحوز عنه ببلد الحوز وعلمه بالحيازة، وبملكيته لذلك العقار، وسكت بالرغم من ذلك، ولم ينازع الحائز من غير مانع أو عذر شرعي، حتى مضت المدة المعتبرة في الحيازة، فإن حقه يسقط ولا تسمع دعواه ولا بينته، ويعتبر الحائز مالكا للشيء المحوز.

جاء في مدونة الإمام مالك ما يلي: “قلت: أرأيت إن شهدوا على دار أنها في يد رجل منذ عشر سنين، يحوزها ويمنعها ويكريها ويهدم ويبني، وأقام آخر البينة أن الدار داره (قال) قال مالك بن أنس: إذا كان حاضرا يراه يبني ويهدم ويكري  فلا حجة له[6].”

  فمن خلال هذا النص، يرى الإمام مالك أن الحيازة إذا اكتملت شروطها تقطع حجة المدعي وتمنع من سماع الدعوى، ولكنه سكت عن موقف الحائز، فلم يبين انتقال الملك إليه أم لا.

  وتبعا لذلك، منع الإمام مالك مدعي الملكية من إثبات ملكيته للشيء المحوز، ولم يقبل منه حجة بعد ثبوت شروط الحيازة، ولم يتعرض للحائز هل ينتقل الملك إليه، أم يبقى بيده.

وجاء في المدونة في شهادة المواريث: “(قلت) أرأيت إن أقمت البينة على دار أنها دار جدي، ولم يشهد الشهود أن جدي مات وتركها ميراثا لأبي، وأن أبي مات وتركها ميراثا للورثة ولم يحددوا المواريث بحال ما وصفت لك، قال: سألنا مالكا عنها، فقال: ينظر في ذلك، فإن كان المدعي حاضرا بالبلد التي الدار فيها، وقد حيزت دونه السنين يراهم يسكنون ويحوزون بما تحاز به الدور، فلا حق له فيها[7].”

وبناء على هذا النص، فإن المحوز عنه إذا كان حاضرا بالبلد، ويرى داره تحاز عليه السنين الطويلة، فإن حقه يسقط في المطالبة بالدار وفي إقامة الحجة لإثبات ملكيته لها، وقد يفهم من قول الإمام مالك: “لا حق له فيها” أن ملكيتها تسقط عنه.

وقد فهم هذا الفهم الحطاب، حيث يقول: “قال مالك، فمن له شيء، ترك غيره يتصرف فيه، ويفعل فيه ما يفعل المالك الدهر الطويل، فإن ذلك مما يسقط الملك ويمنع الطالب من الطلب، قاله مالك وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ[8].”

ويرى الدكتور محمد عبد الجواد من خلال النصوص المذكورة أعلاه، أن الإمام مالك يرى أن الحيازة الشرعية تسقط ملكية المال المحوز عن المالك وتنقله إلى الحائز؛ إذ يقول: “وتعتبر الحيازة في هذه الحالة مستوفية لشروطها الشرعية، كما تعتبر ناقلة لملكية المال من ذمة المحاز عليه إلى ذمة الحائز[9].”

وعلى الرغم من أن الإمام مالك، يرى، حسب الوارد في النصوص أعلاه، أن الحيازة المكتملة الشروط تقطع حجة المدعي وتمنع من سماع الدعوى، إلا أنه أورد في موضع آخر نصا يفهم منه أن دعوى المدعي تسمع، ويوقف الحائز من التصرف لحين الفصل في الدعوى، يقول النص: “(قلت) أرأيت لو أن دارا في يدي، ورثتها عن أبي، فأقام ابن عمي البينة أنها دار جده، وطلب مورثه، (قال) هذا من وجه الحيازة التي أخبرتك، (قال) وسمعت مالكا، واختصم إليه في أرض حفرت فيها عين، فادعى فيها رجل دعوى، فاختصموا إلى صاحب بعض تلك المياه، فأوقفهم حتى يرتفعوا إلى المدينة، فأتى صاحب العين الذي كان عملها، فشكا ذلك إلى مالك، فقال مالك: قد أحسن حين أوقفها، وأراه قد أصاب (قال) فقال له صاحب تلك الأرض: اترك  عمالي يعملون، فإن استحق الأرض فليهدم عملي (فقال مالك) لا أرى ذلك، وأرى أن يوقف، فإن استحق حقه  وإلا بنيت[10].”

فالظاهر من هذا النص أن صاحب الأرض طلب من الإمام مالك السماح لعماله بالعمل في الأرض، حتى إذا استحق المدعي الأرض يمكنه هدم ما قام به من عمل، إلا أن الإمام مالك رفض هذا الطلب، وأمره بإيقاف العمل لحين الفصل في الدعوى، فإن أثبت المدعي دعواه بالبينة حكم له بالأرض وإن عجز رفضت دعواه، واستأنف المدعى عليه عمله في أرضه[11].

 ويلاحظ أنه لم يرد في هذا النص تقادم الزمان المشترط في الحيازة المانعة من سماع الدعوى، وبناء على ذلك إما أن يكون المراد حيازة لم تكتمل مدتها، فيكون المدعي نازعه فيها قبل انقضاء مدة الحيازة المانعة من سماع الدعوى، فتسمع في هذه الحالة بينة المدعي ودعواه، وإما أن يكون المراد حيازة اكتملت مدتها، ولكن المدعي أنكر اكتمال المدة والتصرف، وكلف القاضي الحائز بإثبات حيازته المكتملة الشروط، فإذا أثبتها لا تسمع دعوى المدعي بعد ذلك، وإن عجز عنها يمكن المدعي من إثبات دعواه، وذلك لأن المدعي لا يمنع من سماع دعواه ابتداء، فدعواه تسمع لأجل إقرار المدعى عليه أو إنكاره، وكذلك لأجل دفعه بأن المدعى عليه لم تكتمل شروط حيازته، ليثبت المدعى عليه حيازته المكتملة الشروط[12].

ويؤيد ذلك قول الحطاب: “والظاهر أن المراد بعدم سماعها عدم العمل بها من أنه لا توجه على المدعى عليه يمين إذا أنكر، لا أنها لا تسمع ابتداء، فإن ذلك غير ظاهر لاحتمال أن يقر المدعى عليه، ويعتقد أن مجرد حوزه يوجب له الملك[13].”

وإن كان فقهاء المالكية متفقين على أثر الحيازة من حيث إسقاط دعوى الملكية وإثبات حق الحائز، إلا أنهم اختلفوا حول طبيعة الحيازة، هل هي سبب من أسباب نقل الملكية، أوهي مجرد قرينة دالة على الملك؟ وظهر بخصوص هذا الأمر اتجاهان؛ اتجاه يرى أن الحيازة دالة على الملكية، واتجاه آخر يرى أن الحيازة مكسبة  للملكية، وهذا ما يجعلنا نقسم هذا الموضوع إلى محورين اثنين:

المحور الأول الحيازة دالة على الملكية

يرى أنصار هذا الرأي أن وضع اليد دليلا على ملكية العقار وليس ناقلا لها، وقد قال بهذا الرأي الفقه الحنفي والشافعي والحنبلي، ومعظم فقهاء المذهب المالكي، وفي رأي للفقه الإباضي.

فمعظم فقهاء المالكية يرون أن الحيازة، وضع اليد على العقار، لا تنقل الملكية إلى الحائز، ولكن تدل على الملك فقط، وذلك على أساس أنه على واضع اليد على العقار أن يدعي ملكيته، كما أنه يلزم بحلف اليمين على صدق دعواه.

أولا: وضع اليد على العقار لا ينقل ملكيته ولكن يدل عليه

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم[14]” ويفهم من هذا الحديث أن الحقوق لا يمكن أن تسقط بتقادم الزمان، فلا يكون للحيازة والحال هذه أثر فيما يتعلق بالملكية ذاتها، وهذا هو الرأي الذي ساد في الفقه الإسلامي بجميع مذاهبه، ولكن الأخذ به على إطلاقه لا يعبر عن حقيقة الوضع في الفقه الإسلامي، وبالأخص في الفقه المالكي الذي يقر مؤسسه (الإمام مالك) أن الحيازة مما يسقط الملك، وقد أخذ برأيه هذا بعض كبار أصحابه وبعض كبار تلاميذه، ووفق بعضهم بين هذا الحديث الذي لا يجعل للتقادم ولا للحيازة أثرا في الملكية، وحديث الحيازة الذي يجعل الحائز أحق بالمال المحاز من المالك المحوز عنه.

1. بعض أقوال الفقهاء الذين يرون أن الحيازة دالة على الملكية

من أقوال فقهاء المالكية الذين يرون أن الحيازة دالة على الملكية أستعرض ما يلي:

ورد في مدونة الإمام مالك تحت عنوان: الشهادة على الحيازة: قلت: أرأيت إن شهدوا على دار أنها في يد رجل منذ عشر سنين، يحوزها ويمنعها ويكريها ويهدم ويبني، وأقام آخر البينة أن الدار داره، أيجعل مالك الذي أقام البينة على الحيازة وهي في يديه، بمنزلة الذي يقيم البينة وهي (ليست) في يديه أنها له، فيكون أولى بها في قول مالك، ويجعل مالك الحيازة إذا شهدوا بها بمنزلة الملك (قال) قال مالك بن أنس: “إذا كان حاضرا يراه يبني ويهدم  ويكري، فلا حجة له[15]“، فهذا القول يدل على أن الحيازة بمنزلة الملك[16].

  وفي رواية أخرى للإمام مالك: “لأن هاهنا دورا قد عرف لمن أولها، قد بيعت وتداولتها المواريث وحيزت منذ زمان، فلو سئل أهلها البينة على أصل الشراء لم يجدوا إلا السماع، فإذا كان مثل ما وصفت لك في تطاول الزمان فأتى بالسماع مع الحيازة، فأراها له،كذلك قال مالك[17].”

  فهذا النص يستلزم أن يقر شهود السماع أن الحائز مالك لما يحوزه بالميراث أو بالشراء أو بأي سبب من أسباب كسب الملكية، وتبعا لذلك، فهو يؤيد الرأي القائل بأن الحيازة وحدها لا تنقل ملكية المال المحوز من المالك إلى الحائز، ولكنها تدل على الملك، أو تعتبر قرينة على ملكية الحائز للمال المحوز، ولكنها ليست قرينة قاطعة[18].

ويقول الإمام ابن عاصم:

     والأجنبي إن يحز أصلا بحق

عشر سنين فالتملك استحق

     وانقطعت حجة مدعيـــه

مع الحضور عن خصـام فيه

فحيازة الأجنبي عن المالك لملكه يجب أن تكون شرعية، وهي المعبر عنها بكلمة (بحق)؛ أي مستوفية لشروطها، كما أن هذه الحيازة تجعل الحائز مستحقا لملكية المال الذي يحوزه في مواجهة المالك الذي تنقطع حجته في دعواه ملكية المال المحاز، ولا تقبل خصومته فيه، ويقول الفقيه التسولي في شرحه لهذا النص: (بحق)؛ أي بوجه شرعي، احترازا مما إذا حازه بغصب أو تعد، أو كان معروفا بذلك، فإن حيازته كالعدم… ويدخل في الشرعي ما إذا قال اشتريته منه أومن أبيه أو وهبه لي… وما إذا لم يقل شيئا من ذلك كله… كما هو ظاهره؛ إذ الحائز لا يكلف ببيان وجه ملكه، وبأي سبب صار له؛ لأنه يقول ملكته بأمر لا أريد إظهاره كما اقتصر عليه ابن يونس وكما لابن أبي زمنين وغيره، خلافا لما جزم به ابن رشد، من أنه لابد من بيان سبب ملكه من شراء أو إرث[19].

وعليه درج الفقيه ميارة في شرحه للتحفة: “أن مجرد الحيازة من غير تعرض لضميمة الملك معها، لا ينقل الملك عن المحوز عليه إلى الحائز[20].”

ويقول الحطاب في شرح قول خليل: “(وإن حاز أجنبي غير شريك…) فقد ختم كتاب الشهادات بالكلام على الحيازة؛ لأنها كالشاهد على الملك، قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق: “الحيازة لا تنقل الملك عن المحوز إلى الحائز باتفاق، ولكنها تدل على الملك كإرخاء الستر ومعرفة العفاص والوكاء وما أشبه ذلك، فيكون القول معها قول الحائز مع يمينه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هو له)؛ أي أن الحكم يوجبه له بدعواه، فإذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة وهي عشرة أعوام دون هدم ولا بنيان، أو مع الهدم والبنيان، كل ما نذكره من الخلاف في ذلك بعد هذا، وادعاه ملكا لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة، وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه، انتهى[21].”

فابن رشد من خلال هذا النص، يرى أن الحيازة لا تنقل ملكية المال المحوز من المالك المحوز عنه إلى الحائز باتفاق الفقهاء الذين نقل عنهم، وعلى رأسهم ابن القاسم، بل هي دالة على الملكية، كما يدل إرخاء الستر على المرأة على الخلوة بها، والتعريف بالعفاص والوكاء دليل على ملكية اللقطة، كما أنه يجب على الحائز، حتى تعتبر حيازته، أن تكون حيازته مستوفية للشروط الشرعية، وأن يدعي ملكية المال المحوز بسبب من أسباب كسب الملكية كالبيع أو الهبة أو الصدقة، ويقول التسولي في هذا الصدد: “وهذا كله إذا ادعى الحائز أنه ملكه، وأما إن ادعى أنه حوزه  فقط، فلا إشكال أنه لا ينفعه ذلك[22]“، وقد علق ابن رحال على قول ابن رشد، بأن مجرد الحيازة لا تنقل الملك، ولكنها تدل عليه بقوله: “وإن أراد ابن رشد أن الملك لا يقطع بنقله كما قاله ابن عرفة وغيره، فلا خصوصية للحيازة، بل كذلك الإرث والشهادة الصريحة، وغير ذلك[23].”

 وقد وفق التسولي بين الرأيين بقوله: “ولكن مراد ابن رشد هو ما قاله ثانيا من أنه لا يقطع بنقله بدليل قوله ولكن يدل عليه… وقول ابن رشد مجرد الحيازة لا تنقل الملك إلخ؛ يعني في الأمر نفسه، فيما بينه وبين الله بدليل قوله متصلا به، ولكن يدل عليه كإرخاء الستور ومعرفة العفاص والوكاء في اللقطة، وقول ابن رحال في حاشيته: بل تنقل الملك للحائز عند وجود الشروط، يعني يقضى به في الظاهر وهو معنى قول ابن رشد ولكن تدل على الملك[24].”

فابن رحال يرى أن الحيازة المكتملة الشروط تنقل الملك للحائز، ويرى أنه إذا كان مراد ابن رشد أن الحيازة المكتملة الشروط لا تقطع بنقل الملك، فذلك صحيح، ولكن هذا ليس خاصا بالحيازة وحدها، بل إن الإرث والشهادة الصريحة، لا يقطعان بنقل الملك، ولكنهما ينقلانه في الظاهر[25].

وقد وفق التسولي بين رأيي الفقيهين بأن مراد ابن رشد هو ما قاله ابن رحال أولا من أن الحيازة لا تقطع بنقل الملك ولكنها تنقله في الظاهر؛ أي أنه يقضى بالملك للحائز في الظاهر، وأما فيما بينه وبين الله، فذلك من علم الباطن الذي استأثر الله تعالى به، إن كان غير محق في حيازته، فالحيازة لا تقطع بنقله إليه، ولكنها تدل على ذلك في الظاهر، كما هو الشأن في الإرث  والشهادة الصريحة.

فابن رحال سوى بين الإرث والشهادة الصريحة في نقل الملك للحائز، ومن المعلوم أن الإرث سبب من أسباب نقل الملكية، أما الشهادة الصريحة، فإنها لا تنقل الملك للمشهود له، ولكنها تؤكد وتثبت ما كان مملوكا له سابقا، فيجب أن يكون الملك سابقا على إقامتها، وتبعا لذلك، فابن رحال عندما قال الحيازة تنقل الملك، لم يفرق بين ما هو ناقل للملكية، وما هو مثبت لها، والتسوية بين ما ينقل الملك وما يثبته تفهم أيضا من عبارة ابن رشد التي تقول: “مجرد الحيازة لا تنقل الملك، ولكن تدل عليه)، وذلك لأن الحيازة المجردة عن الدعوى في رأي ابن رشد لا تفيد أكثر مما تفيده اليد بصفة عامة في الدلالة على الملك، وهذه الدلالة تحتاج لبينة أخرى لإثبات الملك للحائز، ولذلك لابد للحائز من ادعاء الملك وحلف اليمين لينتقل إليه الملك، وتظهر تسوية ابن رشد بين ما ينقل الملك وما يثبته في عبارة: مجرد الحيازة لا تنقل الملك؛ أي أن الحيازة المجردة عن الدعوى وحلف اليمين لا تنقل الملك، لكنها إذا ارتبطت بالدعوى وحلف اليمين فإنها تنقل الملك.

ومعلوم أن الحيازة الطويلة مع دعوى الحائز ويمينه تعتبر كالشهادة على الملك عند جمهور فقهاء المالكية، والشهادة على الملك، تثبت الملك للمشهود له ولا تنقله إليه[26].

2. إلزام واضع اليد بحلف اليمين

يرى كثير من فقهاء المالكية، ضرورة أداء واضع اليد اليمين على ملكيته للعقار الذي يضع يده عليه، فقد جاء بمدونة الإمام مالك تحت عنوان: في الشهادة على السماع في الدور القريب حيازتها: “(ولقد) قال مالك في الرجل، يقر لقوم أن أباهم كان قد أسلفه مالا، وأنه قد قضاه والدهم، قال مالك: إن كان الذي ادعى من ذلك أمرا حديثا من الزمان والسنين لم يتطاول ذلك، لم ينفعه قوله قد قضيت إلا ببينة قاطعة على القضاء، وإن كان قد تطاول زمان ذلك، أحلف المقر وكان القول قوله[27].”

ويقول ابن رشد فيمن حاز الملك مدة محددة، فالقول قول الحائز مع يمينه[28].

   ويقول ابن عاصم الأندلسي في منظومته:

أو يدعي حصوله تبرعا           من قائم فليثبتـن ما ادعـى

أو يحلف لقائم واليمين له           إن ادعى الشراء منه معملة

         ويثبت الدفع وإلا الطالــب          له اليمين والتقضــي لازب

فمن خلال هذه الأبيات، يرى الإمام ابن عاصم أن حوز الحائز لا يعتبر إذا ذكر أن الملك انتقل إليه بتبرع من القائم عليه إلا ببينة، وإلا حلف القائم وحكم له به؛ لأن التبرع نادر في الناس، ومن ذكره مدع، والقائم مدعى عليه فيه، واعتبر الناظم حوزه بيمينه إذا ذكر أنه انتقل إليه بشراء؛ لأنه في ذلك موافق للغالب فيما تنتقل به الممتلكات بين الناس من المعاوضة، وكونه فيه مدعى عليه والقائم عليه مدعيا، ويجب عليه في هذه الحالة، أن يثبت أنه دفع الثمن الذي تم به الشراء، وإلا لزمه قضاؤه، بعد أن يحلف الطالب أنه ما قبضه منه، لأن الأصل عدم الدفع.

 ويقول الإمام ابن عاصم في باب الشهود والشهادات:

                   واليد مع مجرد الدعوى أو إن        تكافأت بينتان فاستبن

أي أنه عندما يدعي المنازع ملكية المحوز بلا بينة، أو عندما تتكافأ البينتان، يصير الحوز في العرف كالشاهد، يحلف معه الحائز ويستحق؛ لأنه يدل على ملكه للمحوز، بحيث إن الغالب أن الإنسان لا يحوز إلا ما يملك، ولذلك كان هو الأحق به لزيادة الحوز في جانبه[29]، ونكول المدعى عليه عن اليمين حين يعجز المدعي عن إقامة البينة يعتبر في العرف كشاهد، يحلف معه المدعي ويستحق المدعى فيه[30].

 وفي نفس الصدد يقول الحطاب: “قال ابن رشد: الحيازة لا تنقل الملك… ولكنها تدل عليه، فيكون القول معها قول الحائز مع يمينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من حاز شيئا عشر سنين فهو له”؛ لأن المعنى عند أهل العلم في قوله: صلى الله عليه وسلم (فهو له)؛ أي الحكم يوجبه له بدعواه، فإذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة، وهي عشرة أعوام بعد هذا، وادعاه ملكا لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة، وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه (انتهى)[31].”

ويقول الدسوقي: “كما لو حاز ملك غيره في وجهه عشرة أعوام، وتصرف فيه بالهدم والبناء، وادعى ملكيته بشراء أو هبة، ثم قام عليه إنسان، وادعى أنه ملكه، وأقام بينة بالملك، والحال أنه لا مانع له من التكلم في تلك المدة، فيصدق الحائز بيمينه ولا تقبل بينة المدعي[32].”

وتبعا لذلك، فإن حائز العقار المملوك لغيره حيازة مستوفية لشروطها الشرعية يتملك العقار المحوز، شريطة أن يحلف يمينا أنه المالك لهذا العقار الذي تحت يده، فضلا عن ادعائه ملكية العقار المحوز، بسبب من أسباب كسب الملكية، فالحيازة المستوفية للشروط الشرعية مع حلف الحائز يمينا بأنه المالك للعقار الذي يحوزه، يدلان على ملكية الحائز لهذا العقار، ولا يطلب من الحائز إثبات ملكيته، بل يكفي وضع يده مع يمينه، ولا يؤثر في ذلك إثبات مدعي الملكية ملكيته للعقار بشهادة الشهود، على أساس أن هذه البينة لا تؤثر في حق الحائز الذي أقسم اليمين على أنه المالك، وعلى الحالف أن يكون في حسابه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، قالوا: ولو شيئا يسيرا يا رسول الله، قال: ولو قضيبا من أراك، ولو قضيبا من أراك، ولو قضيبا من أراك[33].”

وهذا التوجه هو الذي درج عليه القضاء في عدة أحكام له؛ إذ ورد في أحد قراراته ما يلي: “إذا ادعى المدعى عليه أن حيازته كانت على وجه الشراء مدة تفوق مدة الحيازة الطويلة الأمد المكسبة للملكية، صدق في ادعائه الشراء مع يمينه، وتكون المحكمة قد خالفت قول التحفة:

أو يحلف القائم واليمين له

إن ادعى الشراء منه معمله

حين قضت على المدعى عليه بالتخلي، ورفضت الدفع بالحيازة على وجه الشراء بعلة أن جوابه يتضمن إقرارا منه بملكية والد المدعي، وأن ادعاءه الشراء مجرد عن الحجة[34].”

وصفوة القول أن أنصار هذا الرأي يذهبون إلى أن الحق باق لا يسقط بمرور الزمن، بل يظل العقار الذي وقعت عليه الحيازة ملكا لصاحبه الأصلي، وغاية الحيازة الطويلة، أنها مانعة من سماع الدعوى، وتعتبر الحيازة قرينة على الملكية، ولكنها قرينة غير قاطعة، وهذا يتفق مع ما ذهب إليه فقهاء القانون المدني، من اعتبار الحيازة القانونية قرينة قاطعة على الملكية، وقد قضى سيدنا عمر بن الخطاب بتغليب الأحوال؛ أي أن هذا الرأي قد جعل الحيازة قرينة على الملكية، وذلك بأن جعل الحيازة المادية قرينة على الحيازة الشرعية، والحيازة الشرعية قرينة على الملكية إلى أن يثبت العكس.

ثانيا: مستند الرأي القائل بأن الحيازة دالة على الملكية

لقد استند أنصار هذا الرأي في القول بأن الحيازة لا تنقل الملك، ولكنها تدل عليه على مجموعة من القواعد العامة، منها:

ـ حديث “لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم”، فهذا الحديث يشكل قاعدة عامة في الفقه الإسلامي ككل.

ـ الإمام مالك يتطلب شهادة السماع بالملك مع الحيازة: ففي إحدى الروايات الواردة في المدونة، لم يكتف الإمام مالك بالحيازة، بل أوجب أن يقرر شهود السماع أن الحائز مالك للمال المحوز بسبب من أسباب الملك.

ـ وجوب ادعاء الحائز ملكية المال المحوز: الغرض من الحيازة عند معظم فقهاء المذهب المالكي هو حماية الملكية، والمحافظة على حقوق المالك، ومن أهم شروطها عندهم أن يدعي الحائز ملكية المال الذي يحوزه بأي سبب من أسباب كسب الملكية، أما الحوز وحده فلا إشكال أنه لا ينفعه كما يقول التسولي.

ـ إلزام الحائز بحلف اليمين: حسب بعض الروايات المنقولة عن الإمام مالك، يجب على الحائز أن يحلف اليمين، كذلك الحال في كثير من أقوال الفقهاء، وذلك يعني أنه لابد مع الحيازة من أن يحلف الحائز يمينا على ملكيته للمال الذي يحوزه، واليمين هنا يمين غموس؛ لأنها تدل على أمر سابق على الحلف، وينطبق عليها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه أوجب الله له النار، و حرم عليه الجنة…”.

ـ الحيازة لا تنقل الملك ولكنها تدل عليه كإرخاء الستور ومعرفة العفاص والوكاء: وذلك لأن إرخاء الستر على المرأة بعد العقد عليها وقبل الدخول بها، إنما يدل على الخلوة بها، فيثبت بذلك حقها في الصداق كاملا، والشاهد في هذا المثل أن حق المرأة في المهر، إنما يثبت لها بخلوة العاقد عليها بها، كما يثبت حقها في المهر كله بالدخول بها فعلا، فوجوب المهر للمرأة إنما نشأ عن الخلوة بها، واقتصر دور إرخاء الستر على المرأة على إثبات الخلوة، فسبب ملك المرأة للمهر هو الخلوة وليس إرخاء الستر الذي يدل على الخلوة، كذلك الحال بالنسبة للحيازة، فإنها تدل على الملك، ولكنها ليست سببا له، كذلك الأمر بالنسبة للعفاص والوكاء بالنسبة لللقطة، فالذي يذكر عفاصها ووكاءها إنما يثبت بذلك أنه مالكها، وتقتصر معرفة العفاص والوكاء على إثبات الملكية لا إنشائها ابتداء، فتكون بذلك كحكم القاضي يكشف عن الحق ولا ينشئه.

وهذا التوجه هو الذي تبنته مدونة الحقوق العينية في اتجاه لها[35]؛ إذ تنص المادة الثالثة منها على أنه: “يترتب على الحيازة المستوفية للشروط القانونية اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ أو أي حق عيني آخر يرد عليه إلى أن يثبت العكس، فعبارة “إلى أن يثبت العكس” يستشف منها أن المدونة اعتنقت النظرية القائلة أن الحيازة مجرد دليل على الملك وليست سببا فيه، وهو ما تؤيده الفقرة الثانية من المادة 239 من المدونة المذكورة التي تنص على أنه: “لا تقوم.. الحيازة لغير المغاربة مهما طال أمدها”، وهو أيضا ما يزكيه قول المادة 241 من مدونة الحقوق العينية: “لا تقوم الحيازة إذا بنيت على عمل غير مشروع”، وهو نفس المعنى الذي يؤخذ من المادة 242 التي تنص على أن: “لا يكلف الحائز ببيان وجه مدخله إلا إذا أدلى المدعي بحجة على دعواه” ومن المادة 246 القاضية بأن “لا تقوم الحيازة ولا يكون لها أثر إذا ثبت أن أصل مدخل الحائز غير ناقل للملكية”.

كما أقرت محكمة النقض هذا المبدأ في عدة قرارات لها، حيث ورد في أحدها ما يلي: “… إن القرار المطعون فيه لما اعتبر أن ما أدلى به الطاعنون من أحكام جنحية، وأحكام استرداد الحيازة، ومحاضر تنفيذها لا يعتبر حجة، واستبعد حيازتهم مع أنها قرينة على الملك، فقد جاء فاسد التعليل المنزل منزلة انعدامه، ويكون تبعا لذلك، فاقدا للأساس القانوني ومعرضا للنقض[36].”

كما أكدت في قرار آخر أن: “الحيازة تعد قرينة قانونية على الملك، ولا ينتزع الشيء من يد حائزه إلا بحجة أقوى[37].”

المحور الثاني: الحيازة ناقلة للملكية

  يرى أنصار هذا الاتجاه أن الحيازة سبب من أسباب تملك الحائز للعقار الذي يحوزه، على أساس أن سكوت مالك العقار وإهماله له، وقيام الحائز بحيازته المدة المقررة، يترتب عليه سقوط ملكية العقار المحوز من المالك، وانتقال ملكيته إلى واضع اليد، كما أن وضع اليد يقطع حجة مدعي ملكية العقار في مواجهة الحائز، ذلك أن مدة الحيازة كافية لتنبيه المالك إلى المطالبة بحقه ولو لم يفعل[38].

 ويرى أنصار هذا الاتجاه أيضا، أن حديث الحيازة برواياته الثلاث والذي ينص على أن: (من حاز شيئا عشر سنين فهو له)، وفي رواية ثانية: (فهو أحق به)، وفي رواية ثالثة: (فهو أحق به منه)، يفهم منه وجود مالك أهمل عقاره، وآخر تمكن من وضع يده عليه، ويتصرف فيه تصرف المالك في ملكه لمدة عشر سنين، وقد استوفت حيازته للعقار الشروط الشرعية للحيازة، فيكون أحق بتملك العقار الذي يحوزه.

أولا: بعض أقوال الفقهاء الذين يرون أن الحيازة ناقلة للملكية

لقد عارض ابن رحال ما ذهب إليه أنصار الاتجاه الأول من أن الحيازة لا تنقل الملك بقوله: “قوله مجرد الحيازة لا تنقل الملك، هذا ما نقله ابن عرفة عن ابن رشد وغيره وسلموه، وذلك غير صحيح، بل تنقل الملك للحائز عند وجود الشروط وانتفاء الموانع، ويورث عنه المحوز ويباع، ولا يجعل فيه ذا يد فقط[39].”

ويقول ابن يونس في هذا الصدد: “ولما كان الإنسان في أغلب الأحوال لا يحاز عنه شيئه، ويرى الحائز يتصرف فيه تصرف المالك، دل ذلك على أنه خرج عن ملكه، فإذا قام يطالبه ويقيم البينة أن ذلك له، صار مدعيا لغير العرف، فلم يقبل قوله ولا ينظر إلى بينته والقول قول الحائز[40].”

  ويقول الخرشي: “إن الأجنبي غير الشريك إذا حاز شيئا على خصمه، وتصرف فيه ولو بغير هدم وبناء كالإسكان والإجارة مدة عشر سنين وصاحبه حاضر، ساكت طوال المدة لا مانع له من القيام، فإن ذلك ينقل الملك عنه[41].”

ويترتب على هذا القول، أن الحائز لا يكلف بأن يحلف اليمين على أن ذلك الشيء له، بناء على ما سبق ذكره، من توفر شروط الحيازة المعتبرة شرعا، ومرور المدة المطلوبة فيها ينقل الملك إلى الحائز، ويسقط حق المالك السابق.

وأعتقد أنه على الرغم من اختلاف الفقهاء حول أثر الحيازة، فالنتيجة واحدة وهي أن الحيازة المكتملة الشروط، تجعل دعوى المدعي غير مسموعة، وتبعا لذلك، يظل الحائز واضعا يده على العقار بحكم الواقع، وقد كان الفقه المالكي خصوصا، والفقه الإسلامي عموما، سباقا إلى الوقوف على أثر الحيازة، الأمر الذي يبين أن الشريعة الإسلامية تزخر بالقواعد الصالحة للتطبيق والتكييف مع كل النوازل، وهذا ما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان؛ لأنها أحاطت بكل ما يهم الإنسان بكل دقة، ولمن يشك في ذلك أن يرجع إلى أمهات الكتب ليقف على التفصيلات الدقيقة في بعض المواضيع التي قل نظيرها في القانون الوضعي.

ثانيا: المستندات والأسس التي اعتمد عليها أنصار هذا الاتجاه

لقد استند أنصار هذا الاتجاه في القول بأن الحيازة ناقلة للملكية على مجموعة مستندات منها ما يلي:

ـ الحيازة الشرعية تجعل الحائز أحق بالمال المحوز من المالك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من حاز شيئا عشر سنين فهو له”، وفي رواية ثانية: (فهو أحق به)، وفي رواية ثالثة: (فهو أحق به منه)، فالرواية الأولى لا تحتمل أن يكون الشيء المقصود لقطة، والرواية الثانية والثالثة لا تحتملان إلا معنى واحدا، وهو وجود مالك مهمل وحائز يتصرف في المال المحاز تصرف المالك في ملكه، فيكون هذا الحائز أحق بالمال المحوز من المالك المهمل[42].

ـ وضع اليد يسقط الملكية وينقلها إلى الحائز، وقد نقل الحطاب هذا الرأي عن الإمام مالك، أما المدونة فقد ورد فيها ما يلي: “فلا شيء له[43]“؛ أي للحاضر، وماله في يد غيره، أو فلا حق له؛ أي للذي أقام البينة على وراثته للدار، ولكنه ترك الحائز طوال مدة الحيازة يتصرف فيها دون اعتراض منه عليه، وهذا يعتبر إهمالا وتقصيرا من المالك  يجرده من حقه لمصلحة الحائز[44].

ـ إهمال المالك ملكه بعلمه ورضاه مدة عشر سنين، يعتبر إقرارا منه بأنه لاحق له، وأن الحطاب يعتبر بأن سكوت المالك على الحيازة، يعد كالإقرار المنطوق به من الطالب للمطلوب، بأنه لا حق له عليه ولا تباعة ولا طلب[45].

يقول ابن فرحون: “فإن هذه حالة إقرار لا شيء له معها، فيما ادعى من ذلك، وأثبت أصله[46]“، كما يقول التسولي: “حيازة عشرة أعوام مع علم أصل الملك لمن هو عاملة[47].”

  وقد جاء قول الحطاب هذا، بعد نقل قول مالك وأصحابه من أن الحيازة تسقط الملك وتمنع الطالب من الطلب المؤسس على حديث الحيازة، كما أن قول ابن فرحون قد جاء أيضا بعد نقل رأي أصبغ، وهو من أصحاب مالك الذين ذكرهم الحطاب في روايته السالفة.

 وهذا الرأي يتفق مع أحد نظريتي الفقه القانوني الذي يرى أن الحيازة سبب من أسباب كسب الملكية[48]. وأنبه في هذا الصدد أن القانون الجديد لمدونة الحقوق العينية، قد تعرض للمقتضيات المتعلقة بالحيازة ضمن الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الثاني المتعلق بأسباب كسب الملكية، الأمر الذي يفهم منه أن هذا القانون، في نظرية أخرى له، يعتبر الحيازة سببا من أسباب كسب الملكية، وهو ما تبنته المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية من أنه يترتب على الحيازة المستوفية للشروط القانونية اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ أو الحق العيني محل الحيازة، ويستشف أيضا مما نصت عليه المادة 239 من أنه “تقوم الحيازة الاستحقاقية على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه، وما نصت عليه المادة 260 من أنه” يترتب على الحيازة المستوفية لشروطها اكتساب الحائز ملكية العقار، وما أشارت إليه المادة 261 من أنه “لا تكتسب بالحيازة: أملاك الدولة…” وما نصت عليه الفقرة الخامسة من المادة 243 من أنه: “يمكن لفاقد الأهلية أو ناقصها أن يكتسب الحيازة إذا باشرها نائبه الشرعي نيابة عنه، وما نصت عليه المادة 250 من أنه “إذا حاز شخص أجنبي غير شريك ملكا حيازة مستوفية لشروطها… فإنه يكتسب بحيازته ملكية العقار”، وما نصت عليه المادة 253 من الاعتداد بنية تملكه”.

 وهذا التوجه درج عليه القضاء أيضا في بعض أحكامه، إذ ورد في أحد القرارات الاستئنافية ما يلي: “… حيث إن حيازة طلاب التحفيظ للمدعى فيه منذ سنة 1950 إلى غاية تاريخ منازعة المتعرضين الذي هو سنة 1996، يكسبهم ملكية المدعى فيه عن طريق الحيازة المكسبة للملك بين الأقارب التي هي أربعون سنة[49].”

وفي قرار آخر لمحكمة النقض ورد ما يلي: “… لكن حيث إن المحكمة قد استمعت إلى الشهود، وشهدوا بأن المنزل المدعى فيه، تملكه وحازه موروث الطرفين إلى أن توفي في منتصف الثمانينات، وبقي فيه المدعى عليه الطاعن، كان يسكن مع أبيه، ولم يكن هناك أي تناقض في شهادتهم، ولم يدل الطاعن للمحكمة بما يدل على أنه أقام البناء، واستبعدت الرسم الذي استدل به لعدم توفره على شروط الملك، ولم تكن ملزمة باستفسار شهوده ما دام ناقصا؛ إذ لا إعذار في ناقص، وأما بالنسبة للنسخة المؤرخة والمستخرجة في 9 نوفمبر 1998، والتي تتضمن عبارة ينسبها لنفسه والناس إليه، فإنها لم تعرض على المحكمة؛ لأنها استخرجت بعد صدور القرار المطعون فيه في 22/09/1998، وأدلي بها لأول مرة أمام المجلس الأعلى، لذلك فهي غير مقبولة، إضافة إلى أن شهوده لم يشهدوا للطاعن بمدة الحيازة المكسبة للملكية بين الأقارب، وأما رسم الصدقة الذي استدل به عدد 352 في7/02/1996، فإنما هو شهادة من صهره بأنه تصدق عليه بالمدعى فيه، وقد أجابت عنه المحكمة، بأنه لا يتوفر على شروط رسم الصدقة وسند الملكية، وكان جوابها كافيا، ومن أجله، فإن ما ورد بالوسيلة بقي بدون أساس مما يتعين معه رفض الطلب[50]“.

وفي السياق نفسه ورد في قرار آخر ما يلي: “إن ثبوت الصفة الجماعية للأرض يجعل حيازتها غير مكسبة لملكيتها، طبقا للفصل 4 من ظهير27/04/1919، المتعلق بالأراضي الجماعية[51].”

وفي قرار آخر: “إذا ثبت وجه مدخل الحائز للعقار بما لا ينقل الملكية، فإن حيازته لا تكسبه الملك وإن طالت[52].”

من خلال ما سبق بيانه، أخلص إلى أن الجدل الذي أثاره فقهاء المالكية حول اعتبار الحيازة ناقلة للملكية أم دالة عليها، كان له أثر كبير على موقف القضاء المغربي، كما أنه باستقراء مجموع قرارات محكمة النقض في المادة المدنية وأحكام وقرارات محاكم الدرجة الأولى والثانية للمملكة، يتبين أن محكمة النقض، في هذا الموضوع، تعتبر دعوى استحقاق العقار لا يمكن سماعها ولا قبول البينة المؤيدة لها، بعد مرور عشر سنين عن حوز وتصرف الحائز الأجنبي غير الشريك..

 كما قضت بأن الحيازة دليل على الملكية، وتبعا لذلك، فهي تحذو حذو الاتجاه المناصر لكون الحيازة دليلا على الملكية، إلا أنها ما تلبث أن تفاجئنا بين الفينة والأخرى، بأن التصرف العلني الهادئ المستمر المدة القانونية يكسب الملكية، وبذلك تكون محكمة النقض، تارة تعتبر الحيازة دالة على الملكية، وتارة أخرى مكسبة لها، إلا أنها في جميع الحالات، لا تخرج عن قاعدة “التمليك لمن بيده الملك” إذا ثبتت شروط الحيازة بأكملها.

والأمر نفسه بالنسبة لمدونة الحقوق العينية، فباستقراء موادها، يبدو أنها أخذت بنظريتين متعارضتين من نظريات الحيازة نظرية راجحة وهي القائمة على أن الحيازة إنما هي دليل الملك وليست سببا فيه لذلك لا يمكن تصنيفها ضمن أسباب كسب الملكية أو انتقالها، والدليل على ذلك أن فقهاء المالكية يبحثونها في باب الإثبات أو في باب القضاء وليس في باب أسباب اكتساب الملكية أو انتقالها. ونظرية مرجوحة وهي القائلة إن الحيازة سبب من أسباب كسب الملكية، وهو مسلك كان جديرا بمدونة الحقوق العينية أن تتجنبه وأن تعتنق بوضوح النظرية السائدة في الفقه المالكي القائمة على أن الحيازة إنما هي قرينة على الملك وليست سببا فيه، وأن الحيازة إنما هي، كما يقول الفقهاء، بمثابة العفاص والوكاء في اللقطة، لا تنفع صاحبها متى ثبت أن سبب دخوله إلى العقار المحوز غير مشروع.

 الهوامش


[1]. صدر هذا القانون بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، ص5575.

[2]. الراجح: هو ما قوي دليله وقيل ما كثر قائله، وعلى هذا القول الأخير يكون الراجح مرادفا للمشهور، لكن المعتمد أن الراجح ما قوي دليله.

[3]. المشهور: اختلف في معناه، فقيل هو ما كثر قائله، وقيل هو ما قوي دليله، وقيل إنه قول ابن القاسم في المدونة، وعلى القول الأول لابد أن يزيد نقلته عن ثلاثة، ويسميه الأصوليون بالمستفيض أيضا، وقد ذكر ابن فرحون في كشف النقاب أن: “مسائل المذهب تدل على أن المشهور ما قوي دليله، وأن مالكا رحمه الله كان يراعي من الخلاف ما قوي دليله لا ما كثر قائله، فقد أجاز الصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وأكثرهم على خلافه… وأجاز أكل الصيد إذا أكل منه الكلب ولم يراع في ذلك خلاف الجمهور”.

[4]. ما جرى به العمل: هو ما تقرر العمل به من نصوص الفقه الموسومة بالضعيفة أو الشاذة، مما يخالف الراجح أو المشهور، وذلك إما لضرورة أو عرف جار أو نحو ذلك، فهو ضرب من الاجتهاد المذهبي، مع الإشارة إلى أن العمل ينقسم إلى عمل مطلق، وهو الذي يعم العمل به أقطار المغرب، وعمل خاص وهو ما يقتصر على قطر واحد مثل العمل الفاسي الذي كان يجري به العمل في الأندلس والمغرب.

[5]. يقسم فقهاء القانون الوضعي الحيازة بالنظر إلى طبيعة وضع اليد إلى قسمين: حيازة عرضية: أو ما يطلق عليها الحيازة التصرفية، وهي التي تبيح لصاحبا حق التصرف في الشيء المحوز والانتفاع به، دونما حق في أن يتملكه. وحيازة استحقاقية: وهي التي يستحق بها الحائز الشيء المحوز ويتملكه بها عند توفر شروطها، وبذلك تكون داخلة ضمن أسباب كسب الملكية.

[6]. المدونة للإمام مالك، بيروت: دار صادر، ط1323ﻫ، ج13 ص191-192.

[7]. المصدر نفسه، ص195.

[8]. محمد بن عبد الرحمان الرعيني المعروف بالحطاب، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مطبعة السعادة، ط1، 1329ﻫ، ج 6، ص229.

[9]. محمد عبد الجواد، الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي منشأة المعارف الإسكندرية، ط(1397ﻫ/1977م)، ص 223 وما بعدها.

[10]. المدونة للإمام مالك، م، س، ج13 ص195.

[11]. الطيب الفكي موسى، حيازة العقار في الفقه الإسلامي، بيروت: دار الجيل/لبنان، ط1، (1411ﻫ/1991م)،  ص250.

[12]. المرجع نفسه، ص251.

[13]. مواهب الجليل للحطاب، م، س، ج 6 ص22.

[14]. القاضي عياض وولده محمد، مذاهب الحكام في نوازل الأحكام، تقديم وتحقيق وتعليق الدكتور محمد بن شريفة، بيروت: دار الغرب الإسلامي/لبنان، ط1، 1990، ص101.

ـ وانظر أيضا مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، المجلد 6 ص224.

  والواقع أن هذا الحديث وإن ذكره المالكية في مصنفاتهم، فإنه لم يرد في كتب الصحاح ولا في غيرها على قدر ما اطلعت عليه في مصنفات الحديث، ولكن ورد على لسان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يلي:”ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك، فهديت لرشدك فتراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل” أعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، حققه و فصله  وضبط غرائبه وعلق حواشيه محمد محي الدين عبد الحميد ج1، ص84-85.

– انظر أيضا: البيهقي، السنن الكبرى، ج10، ص119.

[15]. المدونة للإمام مالك، م، س، ج 13 ص191-192.

[16]. الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي، م، س، ص231.

[17]. المدونة، م، س، ج3، ص192.

[18]. الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي، م، س، ص231.

[19]. أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي، البهجة في شرح التحفة، وبهامشه شرح الإمام أبي عبد الله محمد التاودي المسمى حلي المعاصم لبنت فكرابن عاصم، ج 2، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر/لبنان، ط2، (1397ﻫ/1977م)، ص253-254.

[20].  المصدر نفسه.

[21].  الإمام محمد بن أحمد ميارة الفاسي، شرح ميارة الفاسي على تحفة الحكام، وبهامشه حاشية الحسن بن رحال المعداني، الدار البيضاء: دار الفكر، توزيع دار الرشاد الحديثة، ج2، ص165.

[22]. البهجة في شرح التحفة للتسولي، م، س،ج2، ص257.

[23]. المصدر نفسه، ص254.

[24]. المصدر نفسه.

[25] . حيازة العقار في الفقه الإسلامي للطيب الفكي موسى، م، س، ص255.

[26]. المرجع نفسه، ص256.

ـ وانظر أيضا: محمد القدوري، موسوعة قواعد الفقه والتوثيق مستخرجة من حادي الرفاق إلى فهم لامية الزقاق، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط1، ( 1424ﻫ/2004م)، ص278–279.

[27]. المدونة للإمام مالك، م، س، ص173.

[28]. فتاوى ابن رشد، تحقيق المختار بن الطاهر التليلي، ج1، بيروت: دار الغرب الإسلامي/لبنان، ط1، (1407ﻫ/1987م)، ص190 وما بعدها.

[29]. أبو الوليد ابن رشد القرطبي، البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة، دار الغرب الإسلامي، ط1، (1408ﻫ/1987م)، ج11، ص145.

 –  انظر أيضا شرح  ميارة على التحفة، م، س، ج1، ص76.

[30]. القاضي عبد الوهاب، المعونة على مذهب عالم المدينة، تحقيق حميش عبد الحق، دار الفكر للطباعة والنشـر، ج3، ص549.

[31]. مواهب الجليل للحطاب، م، س، ج2، ص221.

[32]. أبو البركات سيدي أحمد الدردير، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقي على الشرح الكبير، وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة الشيخ محمد عليش، ج4، بيروت: مطبعة دار إحياء الكتب العربية/لبنان، ص233.

[33]. أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق امرئ مسلم بيمين فاجرة بالنار.

[34]. قرار محكمة النقض عدد 722صادر بتاريخ 11/12/79 ملف شرعي عدد60279، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 28، السنة السادسة دجنبر 1981 ص102.

[35]. محمد القدوري، تنظيم الحيازة في مدونة الحقوق العينية: قراءة أولية، مقال منشور ضمن سلسلة “الأنظمة والمنازعات العقارية، المستجدات التشريعية في المادة العقارية”، منشورات مجلة الحقوق، عدد 7 السنة 2013، الدار البيضاء: دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، الرباط: مطبعة المعارف الجديدة، ص297.

[36]. قرار محكمة النقض عدد 1558 صادر بتاريخ 24/04/2001 ملف مدني عدد 2546/1/01/2000، قرار غير منشور.

[37]. قرار محكمة النقض عدد 1222 صادر بتاريخ 11/04/2007، ملف مدني عدد 3450-1-1-2004، قرار غير منشور.

[38]. عدلي أمير خالد، اكتساب الملكية العقارية بالحيازة، م، س، ص114.

[39]. حاشية ابن رحال  بهامش، شرح ميارة على التحفة، ج2، ص165.

[40]. البهجة في شرح التحفة، م، س، ج2، ص258.

[41]. شرح الخرشي على مختصر خليل ج7، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، ط2، السنة 1317 ﻫ، ص242.

[42]. الحيازة و التقادم في الفقه الإسلامي، م، س، ص227.

[43]. المدونة للإمام مالك، م، س، ج13، ص192.

[44]. الحيازة و التقادم في الفقه الإسلامي، م، س.

ـ انظر أيضا: عدلي أمير خالد، اكتساب الملكية العقارية بالحيازة، ص114-115.

[45]. مواهب الجليل للحطاب، م، س، ج6، ص229.

[46]. ابن فرحون، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، وبهامشه العقد المنظوم للأحكام للشيخ ابن سلمون الكناني، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1403ﻫ، ج2، ص83.

[47]. البهجة في شرح التحفة ، م، س، ج2، ص253.

[48]. المرجع نفسه، ص173.

[49]. قرار استئنافي صادر عن استئنافية الرباط بتاريخ 19/10/1999 في الملف العقاري415 و461/1999، قرار غير منشور.

[50]. قرار محكمة النقض عدد 453 صادر بتاريخ 25/4/2001 ملف عقاري عدد 455/2/01/1998، قرار غير منشور.

[51]. قرار محكمة النقض عدد 186 صادر بتاريخ 16/01/2001 ملف مدني عدد 1789/1/01/2000، قرار غير منشور.

[52]. قرار محكمة النقض عدد 174 صادر بتاريخ 18/03/1980 ملف شرعي عدد 68340 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 28، السنة السادسة دجنبر 1981، ص113.

Science
الوسوم

دة. فاطمة الزهراء علاوي

جامعة مولاي إسماعيل/مكناس

الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق