مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء -17- أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي البصري

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها:

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-17- أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي البصري(1)

قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، وقيل: قتادة بن دعامة بن عكابة، حافظُ العصر، قدوةُ المفسرين والمحدثين، أبو الخطاب السدوسي، البصري، الضرير، الأكمه.

وسدوس: هو ابن شيبان بن ذُهل بن ثعلبة، من بكر بن وائل.

قال خليفة: هو قتادة بن دعامة بن عزيز بن زيد بن ربيعة بن عمرو بن كرب بن عمرو بن الحارث بن سدوس، أبو الخطاب.

مولده: في سنة ستين.

قال ابن الجزري: «الأعمى المفسر, أحد الأئمة في حروف القرآن, وله اختيار رويناه من كتاب الكامل وغيره، روى القراءة عن أبي العالية وأنس بن مالك, وسمع من أنس بن مالك وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وغيرهم، روى عنه الحروف أبان بن يزيد العطار, وروى عنه أبو أيوب وشعبة وأبو عوانة وغيرهم، وكان يضرب بحفظه المثل».

واختياره في القراءة ذكره الهذلي في الكامل(2) قال: « قرأت على أحمد بن الفضل الباطرقانى عن محمد بن يحيى بن منده عن محمد بن محرم الجوهري عن إبراهيم بن وكيع عن أبيه عن أبان بن يزيد عن قَتَادَة وقرأ قَتَادَة على أنس وأبي العالية وغيرهم».

روى عن: عبد الله بن سرجس، وأنس بن مالك، وأبي الطفيل الكناني، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية رفيع الرياحي، وصفوان بن محرز، وأبي عثمان النهدي، وزرارة بن أوفى، والنضر بن أنس، وعكرمة مولى ابن عباس، والحسن البصري، وخلق كثير.

روى عنه أئمة الإسلام: أيوب السختياني، وابن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، والأوزاعي، ومسعر بن كدام، وعمرو بن الحارث المصري، وشعبة بن الحجاج، وجرير بن حازم، وشيبان النحوي، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وأبان العطار، وسعيد بن بشير، وسلام بن أبي مطيع، وأمم سواهم.

وكان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ.

وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية، والغريب، وأيام العرب، وأنسابها، حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس.

ونقل القفطي في تاريخه: أن الرجلين من بني أمية كانا يختلفان في البيت من الشعر، فيبردان بريدا إلى العراق، يسألان قتادة عنه.

قال الذهبي: «وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلس معروف بذلك، وكان يرى القدر – نسأل الله العفو -. ومع هذا، فما توقف أحد في صدقه، وعدالته، وحفظه، ولعل الله يعذر أمثالَه ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهَه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعُلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يُغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه. نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك».

قال سلام بن أبي مطيع: كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان، ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر، ختم كل ليلة.

أبو عوانة: عن قتادة، قال: في مصحف الفضل بن عباس: «وأنزلنا بالمعصرات ماء ثجاجا» .

قال معمر: أقام قتادة عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام، فقال له في اليوم الثالث: ارتحل يا أعمى، فقد أنزفتني.

قال معمر: وسمعت قتادة يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا.

وعنه، قال: ما سمعت شيئا إلا وحفظته.

عبد الرزاق، عن معمر، قيل للزهري: أقتادة أعلم عندكم أو مكحول؟

قال: لا، بل قتادة، ما كان عند مكحول إلا شيء يسير.

عبد الرزاق، عن معمر، قال: قال محمد بن سيرين: قتادة أحفظ الناس، أو من أحفظ الناس.

أبو هلال الراسبي، عن غالب القطان، عن بكر المزني، قال: من سره أن ينظر إلى أحفظ من أدركنا، فلينظر إلى قتادة.

قال الصعق بن حزن: حدثنا زيد أبو عبد الواحد، سمعت سعيد بن المسيب، يقول: ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة.

عبد الرزاق، عن معمر، قال: قال قتادة لسعيد بن المسيب: يا أبا النضر، خذ المصحف.

قال: فعرض عليه سورة البقرة، فلم يخط فيها حرفا. قال: فقال: يا أبا النضر، أحكمت؟

قال: نعم. قال: لأنا لصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة.

قال: وكانت قرئت عليه الصحيفة التي يرويها سليمان اليشكري عن جابر.

قال أبو هلال: سألت قتادة عن مسألة، فقال: لا أدري. فقلت: قل فيها برأيك.

قال: ما قلت برأي منذ أربعين سنة. وكان يومئذ له نحو من خمسين سنة.

قال ابن عيينة: قالوا: كان معمر يقول: لم أر في هؤلاء أفقه من: الزهري، وقتادة، وحماد.

عن ابن شوذب: قال رجل من أهل البصرة: إن لم تجد إلا مثل عبادة ثابت، وحفظ قتادة، وورع ابن سيرين، وعلم الحسن، وزهد مالك بن دينار لا تطلب العلم.

قال عفان: قال لي همام: كل شيء أقول لكم: قال قتادة، فأنا سمعته منه، فإذا كان فيه لحن، فأعربوه، فإن قتادة كان لا يلحن.

روى بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن قتادة: باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده، أفضل من عبادة حول.

حسين بن محمد، حدثنا شيبان، عن قتادة: «إِنَّمَا يَخْشَي اَ۬للَّهَ مِنْ عِبَادِهِ اِ۬لْعُلَمَٰٓؤُاْ» ، قال:

كفى بالرهبة علما، اجتنبوا نقض الميثاق، فإن الله قدم فيه وأوعد، وذكره في آي من القرآن تقدمة ونصيحة وحجة، إياكم والتكلف والتنطع والغلو، والإعجاب بالأنفس، تواضعوا لله، لعل الله يرفعكم.

قال أحمد بن حنبل: كان قتادة عالما بالتفسير، وباختلاف العلماء … ، ثم وصفه بالفقه والحفظ، وأطنب في ذكره، وقال: قلما تجد من يتقدمه.

وعن سفيان الثوري، قال: وهل كان في الدنيا مثل قتادة.

وقال الإمام أحمد: كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئا إلا حفظه، قرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة، فحفظها.

قال أبو نعيم، وخليفة، وأحمد بن حنبل، وغيرهم: مات قتادة سنة سبع عشرة ومائة.

قال ابن أبي حاتم: «توفى بواسط في الطاعون وهو ابن ست أو سبع وخمسين بعد موت الحسن بسبع سنين».

  • طبقات ابن سعد 7/229-231، طبقات خليفة ص 366، التاريخ الكبير 7/185-187، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/133-135، تهذيب الكمال 23/498-517، سير أعلام النبلاء 5/269-283، غاية النهاية 2/25،
  • (2) 2/95-96.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق