مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

الزليج المغربي

 

عبد العزيز النقر

  مركز ابن البنا المراكشي

   يحفل التاريخ الثقافي العربي بمجموعة من الشواهد الإيجابية على التداخل القائم بين المعرفة العلمية والجوانب العمرانية، سواء داخل الحواضر الإسلامية أو بواديها. من بين هذه المظاهر الكثيرة، يمكن الإشارة إلى استثمار المعارف العلمية في صناعة مواد معينة تخص تزيين المنشآت العمرانية كالقصور والمساجد والمستشفيات والمكتبات والمنازل. إن المميزات التي طبعت جل هذه المنشآت، خصوصا من حيث أشكالها وجماليتها وتناسقها، كانت حصيلة تظافر وتداخل لجهود المهندسين والحرفيين (الصناع) والكيميائيين والفنانين (نحاتين ورسامين) وغيرهم.

   يمثل “الزليج” خير شاهد على الأبعاد سالفة الذكر، حيث يظهر بوضوح أن الأمر لا يتعلق بمجرد عمل يدوي بسيط بقدر ما يعبر عن حضور قوي لعدة أبعاد، منها أبعاد رياضية، تتجلى في احترام مقاييس وأشكال هندسية معينة، ومنها أبعاد كيميائية، تتمثل في ضرورة الإلمام الدقيق بعناصر تلك المواد المصنعة وكيفيات تركيبها، هذا فضلا عن أبعاد أخرى كالبعد الفني- الجمالي.

   اعتمدت أغلب ألواح الزليج على تقنية “الفسيفساء”. أما عن كيفية إنتاجها، فيمكن القول باختصار شديد إنه كان يتم طلاء لوح طيني بلون ما، أو بألوان معينة، ليتم بعد ذلك تقطيعه إلى قطع صغيرة وفق قياس معين ووفق شكل هندسي يُحدد بشكل مسبق. ثم تجمع هذه القطع فيما بينها مع العمل على تنويع تراتب ألوانها وأشكالها مما يعطيها تناسقا فريدا. وغني عن البيان هنا أن ما تقدم هو مجرد وصف تبسيطي – واختزالي – للعملية الدقيقة التي تتم وفقها صناعة هذه التحفة الفنية الفريدة.

   يمثل الزليج رمزا من رموز المعمار المغربي، ولا تزال صناعته واستعماله منتشرين بعدة مدن مغربية حتى يومنا هذا، كمدينة الرباط ومراكش وتطوان ومكناس. أما فيما يخص مدينة فاس المغربية، فيمكن القول دون مبالغة إنها – كانت ولا تزال – تمثل عن حق مركزا من أهم مراكز صناعة الزليج في العالم.

Science

ذ. عبد العزيز النقر

حاصل على شهادة الماستر في الفلسفة

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق