وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

إنسان سيدي عبد الرحمن

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

 أسهمت الصدفة، خلال عمليات حفر أو قلع للحجارة، بموقع الدار البيضاء وضواحيها، في اكتشاف آثار أركيولوجية دالة على تواجد الإنسان القديم بالمجال المذكور[1].

ومن بين مقالع الحجارة التي اكتشفت فيها هذه الآثار، ضواحي ضريح سيدي عبد الرحمن، مقالع شنيدر، ومقالع طوما 1، ومقالع أولاد حميدا 1، ومحيطها[2].

وابتداء من ثلاثينات القرن العشرين تنامي الاهتمام الأركيولوجي بالمجال المتحدث عنه. حيث تلت فترة اهتمام الهواة مرحلة أخرى أكثر تنظيما. وتم التركيز على دراسة المغارات التي كشفت عنها عمليات الحفر في المقالع المشار إليها[3].

وفي 20 مارس سنة 1955 م تم العثور، بمغارة القواقع، وسط كتلة من الحث، على لقى بشرية سميت- فيما بعد- باسم إنسان سيدي عبد الرحمن[4]. أرجعها أكثر من باحث إلى 200 ألف سنة[5]. وشبهه غيرهم بإنسان الصين، وإنسان جافا[6].

وبالرغم من البحث الدقيق في المغارة والمواقع الأثرية المحيطة بها لم يتم العثور إلا على جزء من الفك السفلي للإنسان نفسه، والذي “يتكون من قطعتين: القطعة الأولى جزء من الفك السفلي الأيمن مع ثلاثة أضراس ظاهرة والقطعة  الثانية جزء من الفك السفلي الأيسر مع ضرس واحد ظاهر“، بمعنى “أربعة  أضراس في المجموع“، دون العثور على بقايا الرفات البشري المذكور[7].

وبينت الدراسة الدقيقة بالمليمترات لمقاييس شقفتي الفكين المعثور عليهما، خاصة عرض الفك وكبر بعض الأضراس، أن إنسان سيدي عبد الرحمن أقدم من إنسان الرباط، الشيء الذي جعل لقى الإنسانالرحماني” تضيف عناصر جديدة إلى حضارات ما قبل التاريخ[8]، إلى جانب ما تم العثور عليه، في مغارة بمقالع طوما 1، سنتي 1994- 1995 م، من لقى بشرية ذكر أحد الباحثين أنها ثلاثة بقايا أسنان[9]. وذكر غيره أنها بقايا الإنسان المنتصب القامة[10].

وإذ قدم اكتشاف بقايا إنسان سيدي عبد الرحمن إضافة نوعية إلى دراسات ما قبل التاريخ، ذهبت دراسة البقايا إلى أنه عاش ما بين الفترة التيرينية والفترة المطيرة الثالثة الشمال إفريقية[11] أو أنه واكب بداية هذه الفترة الأخيرة[12]، مثل ما بينت دراسة اللقى البشرية، المعثور عليها بمغارة مقالع طوما 1، أنها تعود إلى عصر البلاستوسين الأوسط[13].

وبذلك، بينت دراسة اللقى البشرية، بمنطقة سيدي عبد الرحمن، أقدمية الاستقرار الإنساني بالمنطقة المذكورة[14]، وغنى التراث المادي المغربي.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

 

الإحالات:

[1] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، إبراهيم فدادي، في: الدار البيضاء في مائة عام، مطبعة دار القرويين، 2010 م، ص37، وص38، وص39؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، محمد السنوسي معنى، دار النشر المغربية، 2017 م، ص16.

[2] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص38- 40، وص46- 47، وص48، وص49؛ وعبير الزهور، ج1، هاشم المعروفي، مطبعة النجاح الجديدة، 1987 م، ص11؛ وبصمات برغواطية، خديجة الخديري- أحمد سراج، دار أبي رقراق، 2019 م، ص46؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص17، وص18؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، عبد العزيز بنعبد الله، مطبعة المعارف الجديدة، 2000 م، ص261، وص262.

[3] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص39- 42، وص45- 47؛ وعبير الزهور، ج1، ص11- 12؛ وبصمات برغواطية، ص46؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص17؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص262؛  و Casablanca, T. 1, A. Adam, Paris, Centre national de la recherche scientifique, 1968, p. 23.

[4] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص41؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص17؛ ومجال الشاوية في التاريخ القديم، محمد مجدوب، في: الشاوية التاريخ والمجال، مطبعة دار النشر المغربية، 1997 م، ص15؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص255؛ و Casablanca, T. 1, p. 23.

[5] راجع: بصمات برغواطية، ص46، وعبير الزهور، ج1، ص12، الهامش رقم 1، وص255؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص19.

[6] الدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص255.

[7] الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص41. استأنس بـ: المرجع نفسه، ص44- 45. وعد إلى: المرجع ذاته، ص43؛ وعبير الزهور، ج1، ص6، وص12 والهامش رقم 1؛ وبصمات برغواطية، ص46.

[8] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص41، وص50؛ وعبير الزهور، ج1، ص12 والهامش رقم 1؛ وبصمات برغواطية، ص46؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص17، وص18، وص19؛ و Casablanca, T. 1, p. 23. واستأنس بـ: الدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص255.

[9] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص47. واستأنس بـ: الدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص262.

[10] راجع: بصمات برغواطية، ص46؛ والدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية، ص262.

[11] الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص42.

[12] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص45؛ وعبير الزهور، ج1، ص12.

[13] الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص47.

[14] راجع: الحفريات الأثرية بمنطقة سيدي عبد الرحمن، ص37؛ وعبير الزهور، ج1، ص11، وص12، الهامش رقم 1؛ وبصمات برغواطية، ص46؛ والدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، ص16، وص19؛ ومجال الشاوية في التاريخ القديم، ص15؛ و Casablanca, T. 1, p. 23.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق