مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

قراءة في التناول القرآني لغزوة الأحزاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنجز وعده، ونصر عبده، وأهلك الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على النبي المجتبى، والإمام المصطفى، وعلى آل بيته الأطهار ، وصحابته الأخيار ، ما دام الليل والنهار.

وبعد:

    فإن  غزوة الأحزاب، أو الخندق التي وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة النبوية ، قد أفرد لها القرآن الكريم سورة تحمل اسمها -الأحزاب-، تناول سبحانه وتعالى فيها هذه الوقعة العظيمة ، وكشف عن ملابساتها، وأحوال المؤمنين المشاركين فيها من المهاجرين والأنصار، إلى جانب كفار قريش، ومن معهم من الأحزاب من جموع الأعراب، ومن أهل الكتاب من يهود بني قريظة … الخ.

ولأهمية  هذا الموضوع فقد أفردته بهذا المقال الذي سأتناول فيه بعض الآيات الواردة في هذه الغزوة، ثم قراءة واستكناه بعضا من  هذا التناول القرآني لأحداثها الكبرى، ومشاهدها العظمى.

فهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

لقد كان القرآن الكريم يتنزل بالآيات أثناء هذه الغزوة وبعد انقضائها، ويكشف عن حجم الابتلاء الذي أصاب المؤمنين فيها، كما سلط القرآن الكريم الضوء على مواقف كلا الفريقين من المسلمين والكافرين، ومن معهم من جموع الأحزاب، فأماط اللثام عن المواقف، وكشف عن المشاعر ، وهتك أسرار النوايا، وبين عن مكنونات القلوب والضمائر، وأشاد كذلك بمواقف البطولة والإقدام التي سطرها معسكر الإيمان.

ومما تناوله القرآن الكريم من خلال هذه الغزوة الكبرى الآتي:

1-لقد تناول القرآن الكريم البدايات الأولى لأحداث هذه الغزوة ؛ حيث أشار إلى مجيء جحافل  المشركين،  ومن معهم من الأحزاب من كل حدب وصوب، فاشتد البلاء، وعظم ذلك على المؤمنين، وزلزلوا زلزالا شديدا، قال تعالى: (ياءيها الذين آمنوا اذكرو نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا، إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذا زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا )[1].

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم” [2]. فاستجاب الله تعالى لنبيه، فأرسل الله تبارك وتعالى جنودا من عنده من الملائكة والريح، قال القرطبي: “وكانت هذه الريح معجزة النبي الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا قريبا منها، لم يكن بينهم إلا عرض الخندق، وكانوا في عافية منها، ولا خبر عندهم بها… بعث الله تعالى عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد، وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وأرسل الله عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر، حتى كان سيد كل خباء يقول: يا بني فلان هلم إلي فإذا اجتمعوا قال لهم: النجاء النجاء، لما بعث الله تعالى عليهم من الرعب.” [3].

2-ثم في خضم هذا النصر والمدد الإلهي للمؤمنين دعا الله تبارك وتعالى المؤمنين أن يذكروا هذه النعمة السابغة، وأن الأمر كله لله، وأن النصر من عنده لا من عند الناس، قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا اذكرو نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) [4].

3- ثم تناول القرآن الكريم حال المؤمنين في هذه الغزوة، وقدم تصويرا بديعا لما أصابهم بسبب قدوم هؤلاء الأحزاب، وإحاطتهم بالمدينة من كل جانب، قال تعالى: (إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) [5].

4-كما أفصح القرآن الكريم عن مكنونات صدور المنافقين، وفضح نواياهم الخبيثة، وأظهر جبنهم وتتبيطهم للمؤمنين، ونقضهم للعهود، ورد معاذيرهم الباطلة، قال تعالى: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا) [6].

5 – ثم حض القرآن الكريم – في خضم هذه المعركة – الصفوة من عباده المؤمنين بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في ثباته، وصبره، وجهاده وكل أحواله، قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) [7].

6- ثم قدم القرآن الكريم صورة مشرقة عن الصحابة من المؤمنين الذين ثبتوا في مواجهة الأحزاب بصدق وإقدام ووفاء بالعهد قال تعالى: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما من المؤمنين  رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [8].

7-ثم ذكر القرآن الكريم في نهاية هذه المعركة أن سنة الله تعالى لا تتخلف ، وأن العاقبة دائما تكون للمؤمنين، وأن الهزيمة والدائرة على أعدائهم الكافرين قال تعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) [9].

8- كذلك ذكر الله تعالى امتنانه على حزبه المؤمنين حين هزم أهل  الكتاب من يهود بني قريظة دون قتال، وأخرجهم من حصونهم المنيعة بعد غدرهم بالمسلمين ، ونقضهم للعهود، وتحالفهم مع الأحزاب، فنزلوا على حكم الله ورسوله قال تعالى: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا) [10].

الخاتمة:

وي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

-أن القرآن الكريم أفرد لغزوة الأحزاب سورة تحمل اسمها تناول فيها أحداث هذه الغزوة المباركة.

-تناول القرآن الكريم البدايات الأولى لغززوة الأحزاب، ومجيء الأحزاب، وابتلاء المؤمنين ، وإرساله لجنود ربانيين من الملائكة والريح تنصر المؤمنين.

دعا القرآن الكريم المؤمنين من المهاجرين والأنصار أن يذكروا نعمة الله عليهم في هذه المعركة التي جعلها الله تعالى نصرا مؤزرا للمؤمنين.

-أفصح القرآن الكريم عن مكنونات صدور المنافقين، ومعاذيرهم وجبنهم، وتخاذلهم عن نصرة المؤمنين في هذه الغزوة.

-حض القرآن الكريم المؤمنين بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في ثباته في هذه المعركة وصبره، وجهاده … الخ.

-قدم القرآن الكريم صورة مشرقة عن الصحابة الذين ثبتوا في هذه الغزوة.

-ذكر القرآن الكريم المؤمنين بسنة الله التي لا تتخلف ولا تتغير في نصرة حزبه المؤمنين وخذلان حزب الشيطان.

ذكر القرآن الكريم منته الكبرى على المؤمنين حين دحر أعدائهم من يهود بني قريظة وأخرجهم من ديارهم دون قتال بسبب غدرهم.

والحمد لله رب العالمين.

****************

هوامش المقال:

[1]  – الأحزاب (9-10-11)

[2]  – أخرجه البخاري في صحيحه (ص: 1011)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق برقم: (4115) من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه.

[3]  – الجامع لأحكام القرآن (7/ 107).

[4]  – الأحزاب (9).

[5]  – الأحزاب (10).

[6]  – الأحزاب (12-13).

[7]  – الأحزاب (21).

[8]  – الأحزاب (22-23).

[9]  – الأحزاب (25).

[10]  – الأحزاب (26).

********************

لائحة المصادر والمراجع:

1-صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. دار ابن كثير. دمشق بيروت. ط1/ 1423هـ -2002مـ.

2-الجامع لأحكام القرآن. لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي. دار الفكر . بيروت لبنان. 2019مـ.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق