مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

إسهام سيدي أحمد الركَيبي الحفيد في العمران الواحي

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

بيّن بعض الباحثين دور الصلحاء في تأسيس العمران[1]. وتبعا لذلك، نود الحديث هنا عن إسهام سيدي أحمد الركَيبي الحفيد في العمران الصحراوي خلال ثمانية مظاهر.

      1- اقتناء المترجم لأرض صحراوية:

      يشير أكثر من باحث إلى أن المترجم اشترى أرض “الخروايع” أو “الخنيكَات” من بني الحفيان، بالشبيكة من ساحل البحر الأطلنتي[2].

      2- إيمان المترجم بأهمية الماء في الاستقرار البشري:

      يبدو أن المترجم كان عالما بأهمية الماء في الاستقرار البشري، وتأسيس نوى عمرانية. حيث استقر أولا بوادي الشبيكة[3]. ولعله نزل فيما بعد قرب وادي الحبشي الكَبلي، أحد فروع واد الساقية الحمراء، ضواحي موضع مدينة السمارة[4].

      3- مهارة المترجم في استنباط المياه:

      تحتفظ الذاكرة الشعبية الركَيبية بحكاية استنباط المترجم للمياه، بموضع “الفرسية” لإرواء جيش المنصور الذهبي المتوجه إلى السودان[5]. فهل يعني هذا أنه أسهم في حفر الآبار لإحياء الأراضي الموات وإعمار المجال؟.

      4- إسهام المترجم في الإعمار البشري:

      لعل تأسيس المترجم لمدرسة تعلم القرآن الكريم وأصول الدين[6] أسهم في إعمار المجال بقدوم طلبة آفاقيين عليها. ويبدو أن البناء المذكور شكل نواة قصبة “هنزة“، على بعد 100 كلم من الشمال الشرقي للسمارة، على وادي القيزات[7].

      5- إسهام المترجم في الأمن المجالي:

      أشار أحد الباحثين إلى توسط المترجم بين عرب معقل وسلطان سعدي كان يطاردهم بالصحراء المغربية[8]. فهل يعني هذا أن الشيخ المذكور كان مهتما بأمن المسالك الصحراوية؟. وما علاقة ذلك بدلالة اسم الركَيبي التي يحيلها بعضهم على ركب الحاج المغربي[9]؟. وهل لأمن المسالك الصحراوية علاقة بمهارة المترجم في استنباط المياه؟. وهل يعني هذا أنه أسهم في توفير مياه الشرب للمسافرين؟.

      وتحقيقا للأمن المجالي بايع المترجم السلطانَ أحمد المنصور الذهبي حين لقاءه به، بموضع مغدر السعد[10]. وكان يصلح بين القبائل استتبابا للأمن. ولا يبعد إسهامه في مقاومة الغزو الأوروبي إسوة بغيره من صلحاء عصره[11].

      6- إنبات المترجم للنخيل بالمجال الواحي:

      امتلك المترجم نخلا كثيرا، بمنطقة الأخناك، بوادي درعة. وكانت لديه يد عاملة[12] لعلها ساعدته على الاعتناء به.

      7- عمل المترجم بالحراثة والحث عليها:

      كان المترجم يشتغل بحراثة الأرض، ويأمر أبناءه وأصحابه، وينصح الناس بالحراثة والغرس[13]. وتؤكد الباحثة صوفيا كاراتيني أن الأرض التي اقتناها “كانت فعلا أرضا فلاحية (فلاحة الشح في الأغوار الوحلية، بعد الأمطار)“[14].

      8- عناية المترجم بالثروة الحيوانية:

      امتلك المترجم مواشي كثيرة منها الجمال، بمنطقة درعة[15]. ويبدو أن اليد العاملة التي كان يتوفر عليها كانت تساعده على العناية بالثروة الحيوانية المذكورة.

      وبذلك، أسهم سيدي أحمد الركَيبي الحفيد في العمران الواحي ببلاد درعة وبمجال الصحراء المغربية، متسائلين هنا: هل لتعلمه على يد بعض رموز الحركة الجزولية[16] دور في اهتماماته الفلاحية، بوصف الجزولية حركة صوفية ذات عناية بالحراثة والغرس؟.

الإحالات:

[1] العمران الصوفي بين الأسطورة والتاريخ، جمال بامي، في:  مجلة أمل، العدد 41، 2013 م، ص16- 28.

[2] تقييد في نسب وأيام قبيلة الرقيبات، محمد سالم الرقيبي، تقديم وتحقيق: محمد دحمان، مطابع الرباط نت، 2017 م، ص18- 19.

[3] جوامع المهمات في أمور الرقيبات، محمد سالم الرقيبي، تحقيق وتقديم: مصطفى ناعمي، المعهد الجامعي للبحث العلمي، 1992 م، ص34.

[4] تقييد في نسب وأيام قبيلة الرقيبات، ص19 والهامش رقم 7.

[5] تاريخ قبيلة الشرفاء الركيبات، علي ولد البوهالي، مطبعة فيديبرانت، 2001 م، ص54- 55، وص65.

[6] التنظيم الاجتماعي والمجالي لمعالم المقدس بالسمارة، محجوب كرماز، في: السمارة الحاضرة الروحية والجهادية، مطبعة المعارف الجديدة، 2002 م، ص222.

[7] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، محمد الغربي، الدار البيضاء، مطابع دار الكتاب، د. ت، ص115- 116.

[8] الساقية الحمراء: “صلحاء وزوايا”، مولود سنادي، في: الصحراء، الإنسان والمجال، تطوان، مطبعة الحمامة، 2017 م، ص168.

[9] أعلام من الصحراء المغربية، محمد الجيلاني لعبدَّ، الداخلة، مطبعة BENSS، د. ت، ص5.

[10] الزاوية الرقيبية، أحمد الوارث، في: المكونات الثقافية للصحراء المغربية، الرباط، مطبعة المعارف الجديدة، 2001 م، ص114- 115.

[11] جوانب من ثقافة الصحراء، محمد الظريف، الرباط، دار أبي رقراق، 2016 م، ص119.

[12] تبيين الأشراف أهل دائرة الوسائل، الأحسن البعقيلي، الدار البيضاء، المطبعة العربية، 1358 هـ، ص93؛ وتاريخ قبيلة الشرفاء الركيبات، ص61.

[13] تاريخ قبيلة الشرفاء الركيبات، ص61- 62.

[14] توزيع المجال والتراتبية لدى الرقيبات، صوفي كارتيني، في: المكونات الثقافية للصحراء المغربية، ص182.

[15] تبيين الأشراف أهل دائرة الوسائل، ص93.

[16] الزاوية الرقيبية، ص114.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق