وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

أمهات ملوك المغرب رائدات في العمل الديني

الدكتور مصطفى مختار

باحث في مركز علم وعمران

هل كانت زوجات أمراء المؤمنين المغاربة، وأمهات ورثة سلطانهم غير مسهمات في ترتيب المجال الديني أم هل كن رائدات في العمل الديني؟. وما مدى إسهامهن في الشأن الديني المذكور؟.

هذا ما سنحاول التطرق إليه عبر حلقات. حيث سنهدف إلى تحقيق هدفين. أولهما: التعرف على كيفية تشكيل مؤسسة إمارة المؤمنين، بالمغرب، لمجال غني أسهم داخله عدد من أمهات أمراء المؤمنين في ترتيب الشأن الديني. وثانيهما: التعرف على الكيفية التي أسهمت بها الأمهات المذكورات في جعل ذلك ممكنا دون أن تمنعهن مسألة الإمامة الكبرى والإمامة الصغرى من أن يكن رائدات في العمل الديني، وأن يكن أمهات فضليات قدوات لكل المغاربة.

    – الحلقة الأولى

الأميرة العنبر أم السلطان أبي الحسن المريني

كانت الأميرة السيدة العنبر زوجة لأمير المؤمنين أبي سعيد عثمان بن يعقوب المريني، وأما لأمير المؤمنين أبي الحسن علي المريني[1]. وانطلاقا من صلتها بمؤسسة إمارة المؤمنين، مثلت هذه الأميرة حالة رائدة في العمل الديني خلال عدة وجوه نوردها تباعا:

البحث عن السلم في سبيل الله:

برزت الأميرة العنبر خلال الصراع السياسي بين المرينيين وبني عبد الواد. فحاولت التأثير على ابنها لفك الحصار على أهل تلمسان “خالصا لوجه الله ورغبة في ثوابه“[2]، بحثا عن السلم بدل الحرب، بوصف ذلك مظهرا حضاريا من مظاهر العمل الديني الحق.

الرحمة بعباد الله:

قدم محمد ابن مرزوق التلمساني صورة رائعة عن أم أمير المؤمنين أبي الحسن المريني، بقوله: “كان فيها من الرأفة والرحمة والشفقة على الخليقة ما قضى منه العجب“. حيث “كانت أرحم خلق الله للأنام“[3].

طلب العفو عن الناس :

تحدث أمير المؤمنين أبو الحسن المريني مرارا عن كون أمه “كلمته في العفو عن شخص قال: “فلم يسعني ردها وصعب بي إجابتها” قال: فقالت لي: “يا علي لعلك غرتك سلطنتك وأشغلتك عن حقي“[4].

الإحسان إلى عباد الله:

  كانت أم أمير المؤمنين المذكورة- جزاها الله خيرا- تحسن إلى عباد الله، “فكم جهزت من يتامى، وكم زوجت من أيامى، وكم بذلت من صدقات وكم أجزلت من صلات“، إلى جانب ما أهدته “من التحف إلى المشاعر الكرام“[5].

الإكثار من الصوم ونية الحج إلى بيت الله الحرام:

  كانت أم أمير المؤمنين المتحدث عنها تكثر من الصيام[6]. وعزمت على حج بيت الله الحرام فمنعها الموت من ذلك- رحمها الله[7].

التصدق والتحبيس باسم أم أمير المؤمنين:

  ذكر محمد ابن مرزوق التلمساني أن أمير المؤمنين أبا الحسن المريني لما توفيت أمه “جمع ثيابها وفرشها وجميع ما كانت تتناوله من آنية وفرش وغير ذلك فتصدق به“. بل “وحبس باسمها مواضع جرت المنفعة بها“[8].

  رحم الله هذه الأميرة الفضلى إحدى أمهات أمراء المؤمنين، وإحدى أمهات المغاربة. وجزاها الله خيرا عما فعلت وأسدت من عمل ديني حق هادف إلى السلم والرحمة وتأسيس الحضارة وعمارة الأرض. وجعلها قدوة لخلف أميري وارث.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[1] انظر: كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج3، الدولة المرينية، أحمد الناصري، تحقيق: جعفر الناصري & محمد الناصري، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1418 هـ- 1997 م، ص118 والهامش رقم 2. وراجع: المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، عبد الهادي التازي، منشورات مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، الرباط، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، طبعة ثانية منقحة ومزيدة، د. ت، ص155.

[2] انظر: المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا الإمام أبي الحسن، محمد ابن مرزوق، دراسة وتحقيق: ماريا خيسوس بيغيرا، تقديم: محمود بوعياد، إصدارات المكتبة الوطنية، النصوص والدراسات التاريخية 5، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1401 هـ- 1981 م، ص123. وراجع: المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص156.

[3] انظر: المسند الصحيح الحسن، ص122، وص123. وراجع: المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص156.

[4] المسند الصحيح الحسن، ص240.

[5] انظر: المسند الصحيح الحسن، ص123. وراجع: المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص156.

[6] انظر: المسند الصحيح الحسن، ص123. وراجع: المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص156.

[7] انظر: المسند الصحيح الحسن، ص123، وص240. وراجع: المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص156.

[8] المسند الصحيح الحسن، ص242، وص243.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق