وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

أمهات ملوك المغرب رائدات في العمل الديني – الحلقة السابعة – الأميرة للا حليمة السفيانية الأم الرمزية للمولى عبد الله العلوي  

الدكتور مصطفى مختار

باحث في مركز علم وعمران

كانت للا حليمة السفيانية زوجة المولى إسماعيل العلوي[1]، وأما رمزية للمولى عبد الله العلوي. وانطلاقا من صلتها بمؤسسة إمارة المؤمنين، مثلت هذه الأميرة قدوة في العمل الديني. وأسهمت في تشكيل مجاله، بحسب ما سنعرضه تباعا:

امرأة عاقلة:

  كانت المترجمة مثال المرأة العاقلة الرصينة. حيث كان “من مئاثرها العظيمة الملوكية الجسيمة التي خصت بها وفور عقلها، وكمال فضلها خروج أرزاق الجيش المبارك ورواتبه على يدها“[2].

الرحمة بعباد الله:

  مثلت للا حليمة “قبلة الأملين وملجأ الملهوفين والمستغيثين“. فكم “من ملهوف بها فرج الله كربته، وكم من ءامل مستغيث حل الله بسببها عقدته“[3].

التخلق بأخلاق الإحسان:

  كان كل إحسان يصل الأشراف والعلماء وغيرهم من المولى إسماعيل العلوي يجري على يد زوجته المذكورة “مما جبلها الله تعلى عليه من جلب المسرات ودفع المضرات، ونيل المعروف وإغاثة الملهوف، فمن احتمى بحماها المنيع أو لاذ بقدرها الرفيع أصبح ءامن السرب والعيال، مطمئنا بحول الله تعلى من الأهوال، ومن طلب معروفا من بابها نال مطلوبه، ومن قصد خيرا وجد مرغوبه“[4].

تحمل مسؤولية ثقة أمير المؤمنين:

  شكلت للا حليمة السفيانية محل ثقة المولى إسماعيل العلوي. حيث كان يستأمنها على عطايا الأشراف والعلماء وغيرهم خلال الأعياد والمواسم وغيرها[5].     

بناء قبة ضريح المولى إدريس الثاني وجامعها، بمدينة فاس:

  اعتنت المترجمة بضريح المولى إدريس الثاني “بتشييد قبته البعيدة الأوصاف، وبناء جامعها المضاف لها بناء تشرفت به مدينة فاس على عادتها في المسارعة إلى الخيرات“[6]. وتم نقل قبته القديمة إلى مسجد سيدي البياض، بعقبة ابن صوال من فاس[7]. فشكل عملها إسهاما في ترتيب المجال الديني، بالمدينة المذكورة.

الإسهام في تشكيل حرم المولى إدريس الأزهر:

  أسهمت المترجمة في تشكيل حرم المولى إدريس الثاني إلى جانب أعمال زوجها المولى إسماعيل العلوي لتأسيس الحرم المذكور ابتداء من عام 1103 هـ[8]. حيث أكدت صورة من صور الحضارة الدينية المغربية خلال الاهتمام بعمائر الصلحاء.

الإسهام، بشكل غير مباشر، في تأسيس موسم المولى إدريس الثاني:

  وإذ أسهمت المترجمة في تشكيل الحرم الإدريسي، شكل ذلك لبنة في تأسيس موسم المولى إدريس الأزهر[9] انطلاقا من الاهتمام بعمارة الضريح ومحيطه.

جزى الله خيرا هذه الأميرة الفضلى، زوجة أمير مؤمنين وأما وجدة رمزيتين لأمراء مؤمنين مثله. وجعلها قدوة لأميرات ونساء مغربيات فضليات، ومؤكدة لدور المرأة في الحضارة الإسلامية، بوصفها كفة ثانية مكملة للرجل في ميزان الوجود.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[1] انظر: زهر البستان، ص167؛ وتاريخ الضعيف، ج1، ص293.

[2] زهر البستان، ص169.

[3] نفسه، ص167، وص168.

[4] نفسه، ص169

[5] نفسه.

[6] نفسه. وراجع: المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص218، الهامش رقم 1.

[7] انظر: زهر الآس في بيوتات أهل فاس، ج1، عبد الكبير الكتاني، تحقيق: علي الكتاني، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ط. الأولى، 2002 م، ص206؛ والدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة، عبد الرحمان ابن زيدان، القاهرة، شركة نوابغ الفكر، ط. الأولى، 2008 م، ص45- 46.

 [8] انظر: المنزع اللطيف في مفاخر المولى إسماعيل بن الشريف، عبد الرحمان ابن زيدان، تقديم وتحقيق: عبد الهادي التازي، الدار البيضاء، مطبعة “إيديال”، ط. الأولى، 1993 م، ص316 وما بعدها، وص347؛ والدرر الفاخرة، ص45 وما بعدها؛ وكتاب الاستقصا، ج7، ص98؛ ونشر المثاني، ج3، ص240 وما بعدها؛ وكتاب التقاط الدرر، القسم الثاني، ص315 وما بعدها؛ وسلوة الأنفاس، ج1، ص100، وص101؛ وج3، ص60، وص283؛ وزهر الآس، ج1، ص206، وص454، وص531؛ وتاريخ الضعيف الرباطي، ج1، ص184، وص291؛ والجيش العرمرم الخماسي، ج1، ص154؛ والحلل البهية في ملوك الدولة العلوية وعد بعض مفاخرها غير المتناهية، ج1، محمد المشرفي، دراسة وتحقيق: إدريس بوهليلة، الرباط، دار أبي رقراق، ط. الأولى، 2005 م، ص318، وص319؛ وماضي القرويين ومستقبلها، عبد الحي الكتاني، ضبط وتعليق: عبد المجيد بوكاري، بيروت، دار الكتب العلمية، ط. الأولى، 2006 م، ص42- 43؛ وعمدة الراوين في تاريخ تطاوين، ج7، محمد الرهوني، تحقيق: جعفر ابن الحاج السلمي، تطوان، مطبعة الخليج العربي، 2007 م، ص113؛ والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج3، العباس السملالي، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، الرباط، المطبعة الملكية، 1975 م، ص64. وراجع: فاس قبل الحماية، ج1، روجيه لوترنو، ترجمة: محمد حجي- محمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي- بيروت، مؤسسة جواد للطباعة والتصوير، 1992 م، ص128، وص195؛ وج2، ص860، وص861 وما بعدها؛ وفن المنقوشات الكتابية في الغرب الإسلامي، الحاج موسى عوني، منشورات عكاظ، 2010 م، ص214 وما بعدها؛ وتاريخ العمارة الإسلامية والفنون التطبيقية بالمغرب الأقصى، ج5، عثمان إسماعيل، الرباط، مطبعة المعارف الجديدة/ الهلال العربية، ط. الأولى، 1993 م،ص179، وص208.

 [9] فاس قبل الحماية، ج1، ص438 وما بعدها، بتصرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق