وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

أمهات ملوك المغرب رائدات في العمل الديني – الحلقة الثالثة- الأميرة مسعودة بنت أحمد الوزكيتي أم المولى أحمد المنصور السعدي

الدكتور مصطفى مختار

باحث في مركز علم وعمران

أسهمت الأميرة مسعودة بنت أحمد الوزكيتي، أم المولى أحمد المنصور الذهبي، في ترتيب الحقل الديني. وشكلت مثالا يقتدى في العمل الديني خلال وجوه متعددة:

مثال الرحمة والشفقة على عباد الله:

تحدث أحمد ابن القاضي عنها، بقوله: “ففيها من الرحمة والشفقة على عباد الله تعالى ما لا يدخل تحت حصر، فكم جهزت من يتامى، وكم زوجت من أيامى“[1].

مثال العمل الديني:

ورد، في نص تحبيسها على جامع باب دكالة، قوله: “الولية، العابدة، الصالحة، الصوامة، القوامة، الكثيرة الأوراد“، “المحافظة على الأدعية والأذكار“، “الموفقة بفضل الله لأعمال الصالحين الأتقياء، المتفضلة على نساء أهل زمانها“[2].

الإكثار من الصوم والنذر:

نصت المصادر على “ما كانت تسرده من الصيام والهدايا مع كل من قفل إلى المشاعر الحرام“، بمعنى بيت الله الحرام[3].   

التخلق بأخلاق الإحسان:

كانت “أوفر الناس رغبة في التكثير من الخير والفحص على عمل البر والعثور على أسبابه، وأفعالها المستحسنة خرقت المعتاد خرقا، وتجوب البلاد غربا وشرقا“. فـ”كم بذلت من صدقات، وكم أجزلت من صلات“. فحازت، بذلك، “درجات السبق بالمبادرة والسعي في الخيرات وأعمال البر والإيثار للأولياء“[4].

التخلق بأخلاق الاستغفار:

يزعم بعضهم أنها أكلت خوخا ورمانا بأحد بساتينها في رمضان نهارا، وهي في حالة وحم. فاستغفرت ربها وعوضت ذلك ببناء جامع باب دكالة وتقديم إحسانات. ولذلك يشاع قولهم: “عودة وكلت رمضان بلخوخ والرمان اغفر لها يا رحمان“[5].

بناء جامع باب دكالة:

بنت المترجمة جامع باب دكالة ما بين عام 965 هـ وعام 995 هـ[6]. و”أمدته بعين الماء، لإسباغ الطهور وأرواء الظماء، فجاء محكم الإنشاء، وأغنى عن الدلو والرشاء“[7]. وأكثرت عليه الأوقاف وخزائن الكتب وكراسي العلوم[8].

إنشاء معالم وإصلاح منشآت في سبيل الله:

اهتمت بإنشاء “المساجد والقناطر، وإصلاح الطرق للبادي والحاضر“، مثل “القنطرة العظيمة على وادي أم الربيع، وقنطرة أخرى أيضا“، وقنطرة وادي إسيل، ومدرسة جامع باب دكالة، ومحطات المسافرين[9].

المشاركة في إقرار السلم والتعاون بين المغرب والدولة العثمانية:

ذهب البعض إلى أن الأميرة مسعودة الوزكيتية هي من رافقت ابنها أحمد المنصور وأخاه عبد الملك إلى بلاط السلطان مراد الثالث العثماني من أجل استرجاع الحكم من ابن أخيهما المتوكل على الله[10]. حيث مثلت سفارتها عملا دينيا حضاريا داعيا إلى التعاون بين المسلمين مشرقا ومغربا، ومدافعا عن الشرعية.

الرحلة في طلب التبرك بصلحاء مدينة فاس:

أرسل أحمد المنصور الذهبي أمه إلى مدينة فاس من أجل “التبرك بزيارة المشايخ من أهل فاس، والتماس الدعاء من المولى المجذوب سيدي عبد المجيد“. وأوصاها أن تكون زيارة هذا الصالح “من أهم ما لديها“[11]. ويبدو أنها شجعت ابنها على زيارة سيدي دراس بن إسماعيل، دفين خارج باب الفتوح بفاس[12]. حيث مثلت زيارة المقابر عملا دينيا يشجعه ديننا السمح.         

رحم الله هذه الأم المغربية الفضلى، زوجة أمير مؤمنين وأم أمير مثله وجدة أمير مثلهما. فقد شكلت قدوة دينية رائعة وجب الاقتداء بها، ولزمت الاستفادة من دروسها العملية لدى خلف أميري واعد، ولدى عموم نساء مغربيات فضليات.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[1] المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور، ج1، أحمد ابن القاضي، دراسة وتحقيق: محمد رزوق، مطبعة المعارف الجديدة، 1986 م، ص256، وص260.

[2] روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس، أحمد المقري، الرباط، المطبعة الملكية، 1964 م، ص64، وص66.

[3] الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ج7، العباس السملالي، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، الرباط، المطبعة الملكية، 1997 م، ص269.

[4] انظر: الإعلام بمن حل مراكش، ج7، ص269، وص270؛ وروضة الآس، ص64، وص65، وص66.

[5] كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج5، الدولة السعدية، ص118.

[6] المنتقى المقصور، ج1، ص257، وص259، وص260؛ وروضة الآس، ص63، وص66، وص67.

[7] انظر: المنتقى المقصور، ج1، ص259؛ وروضة الآس، ص65.

[8] روضة الآس، ص63، وص64، الهامش رقم 36، ص65- 66.

[9] انظر: الإعلام بمن حل مراكش، ج7، ص269؛ والمنتقى المقصور، ج1، ص257؛ وروضة الآس، ص64، الهامش رقم 36، وص67.

[10] كتاب الاستقصا، ج5، ص62.

[11] زهر البستان في نسب أخوال سيدنا ومولانا زيدان، محمد بن العياشي المكناسي، تحقيق ودراسة: أحمد قدور، مطابع الرباط نت، 2013 م، ص154، وص155.

[12] انظر: المنتقى المقصور، ج1، ص387؛ وسلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، ج2، محمد الكتاني، تحقيق: جماعة من الباحثين، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2004 م، ص200.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق