مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةتراث

آلات الجراحة عند الزهراوي

عبد العزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

 

   كتب الطبيب الأندلسي الشهير الزهراوي كتابا في الطب يُعد من طرف معظم الباحثين أهم كتاب طبي بالأندلس. ولا يمثل هذا الكتاب، في الحقيقة، مجرد مجموعة من النظريات والآراء الطبية النظرية، بل إنه كان نتيجة لتجربة راكمها مؤلفه طيلة ردح من الزمن، إذ يصرح هو نفسه في مقدمة الكتاب بأنه ألفه بعد أن انقضى على مزاولته لمهنة الطب والجراحة خمسون عاما كاملة. وعنوان هذا الكتاب هو “التصريف لمن عجز عن التأليف”.

   يقول ابن حزم الأندلسي عن هذا الكتاب : “‘وكتاب التصريف لمن عجز عن التأليف’ لأبي القاسم خَلَف بن عباس الزهراوي، وقد أدركناه وشاهدناه، ولئن قلنا إنه لم يؤلَّف في الطب أجمع منه ولا أحسن للقول والعمل في الطبائع لنَصْدُقَنّ”. أما ابن أبي أصيبعة فيقول عن الكتاب ومؤلفه : “كان طبيبا فاضلا خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة جيد العلاج، وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب وأفضلها كتابه الكبير المعروف بالزهراوي، ولخلف بن عباس الزهراوي من الكتب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وهو أكبر تصانيفه وأشهرها، وهو كتاب تام في معناه”. أما فيما يخص بعص الشهادات المعاصرة عن مكانة الزهراوي وأهميته في تاريخ الطب والجراحة، فيمكن الإشارة إلى قول مؤرخ الطب المعاصر لوسيان لوكلير الذي يقول عنه : “يُعد أبو القاسم، في تاريخ الطب، أسمى تعبير عن علم الجراحة عند العرب، وهو أيضا أكثر المراجع ذكرا عند الجراحين في العصر الوسيط”، كما يقول عنه أيضا : “وقد احتل الزهراوي في معاهد فرنسا مكانة بين أبقراط وجالينوس فأصبح من أركان هذا الثالوث العلمي”.

   ترك كتاب التصريف أثرا بالغا لدى الأطباء اللاحقين، سواء داخل الحضارة العربية الإسلامية أو في الثقافة الأوربية خلال العصر الوسيط. بخصوص تأثيره على الأطباء العرب، يمكن الإشارة – مثلا – إلى كتب من قبيل : كتاب الأكحال لمحمد بن قسوم بن أسلم، المغني في الأدوية المفردة لعبد الله بن البيطار المالقي، عمدة الإصلاح في عمل صناعة الجراح لأبي الفرج يعقوب بن القُفّ، الاستقصاء والإبرام في علاج الجراحات والأورام لمحمد بن علي بن فرج الفهري القِرْبِلْياني… أما فيما يتعلق بتأثير الكتاب في بعض الأطباء والجراحين الأوربيين، فيمكن الإشارة – على سبيل المثال – للأسماء التالية : الجراح الفرنسي جي دي شولياك (ت. 1369)، الطبيب الإيطالي فيراري Ferrari المسمى ماثيودي جراديبوس، إضافة إلى طبيب إيطالي آخر يُدعى أردونيس دي باسارو …

   تُرجم المقالة الثالثين إلى عدة لغات، حيث ترجمها جيرارد الكريموني (ت. 1187) في طليطلة، كما تُرجم أيضا إلى العبرية سنة 1258م بمدينة مرسليا من طرف الطبيب اليهودي “شيم-توف بين إسحق”.

   نظرا لأن الكتاب يتطرق بشكل أساسي لموضوع الجراحة (إضافة إلى مواضع أخرى كثير) فإن المؤلف تناول فيه أيضا مسألة الآلات الجراحية التي يستعين بها الطبيب-الجراح في إنجاز عمله. هكذا، نُلفيه يقدم رسوما توضيحية لأشكال لتلك الآلات مع شرحه – في كثير من الأحيان – لكيفية استخدامها، إضافة إلى إشارته إلى المادة التي صُنعت – أو يمكن أن تُصنع – منها تلك الآلات الجراحية.[1]

[1] – مجمل المعلومات المشار إليها في هذا التعليق مأخوذة من المرجع التالي : محمد العربي الخطابي، الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية، دار الغرب الإسلامي، ح1، الطبعة الأولى، 1988.

Science

ذ. عبد العزيز النقر

حاصل على شهادة الماستر في الفلسفة

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق