مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(1)

أولا- الشـركـة

1- تعريف الشركة وبيان أصل مشروعيتها وأركانها وأنواعها

1-1 تعريـف الشركـة وبيـان أصلـهـا وأركـانهـا

الشركة([1]) لغة اسم يراد به مطلق الاختلاط على وجه الشيوع، والشريك هو الخليط ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾([2]).

والاختلاط نوعان: اختياري وجبري، فالاختياري هو الذي يكون الاشتراك فيه ناشئا عن التعاقد أي بإرادة المتعاقدين واختيارهم، والجبري هو كل ما كان الاشتراك فيه ثابتا دون إرادة الشركاء أو كسبهم، كأن يصير لهم الشيء المشترك عن طريق الإرث أو الهبة([3]).

أما في الاصطلاح الفقهي فلها معنيان عند ابن عرفة: معنى أعم ومعنى أخص، فبالمعنى الأعم تعنى الشركة: «تقرر متمول بين مالكين فأكثر ملكا فقط. وهي بالمعنى الأعم: بيع مالك كل بعضه ببعض كل الآخر موجب صحة تصرفهما في الجميع.»([4])

قال الرصاع في شرح المعنى الأول: «ذكر الشيخ رضي الله عنه كما ذكر في البيع أن الشركة تصرف بالمعنى الأعم وبالمعنى الأخص، وحد كلا منهما بما يخصه فقال في الأعمية: تقرر متمول الخ فذكر جنسا للشركة وهو التقرر وهو الثبوت فيرجع إلى معنى نسبي، وقوله متمول، أخرج به ما ليس بمتمول كثبوت النسب بين أخوة وغيرهم. قوله «بين مالكين» معمول لتقرر، وأخرج به غير المالكين، قوله: «فأكثر» أدخل به ما إذا كانت الشركة بين جماعة (…)، قوله «ملكا» أخرج به ملك الانتفاع كما إذا كانا ينتفعان بحبس المدارس فإنه يصدق فيه تقرر متمول الخ لكنه ليس بملك»([5]).

ثم قال في بيان المعنى الثاني: «وأما حد الأخصية فقال فيه رحمه الله: بيع مالك كل الخ قوله: «بيع مالك» جعل الجنس هنا بيعا، فهو دل على أن الشركة الأخصية من البيع فصير جنسها بيعا، فيقتضى أن فيها معاوضة كمن له دنانير شارك بها مالك مثلها فهذه معاوضة منهما، وكذلك في مشاركة الفضة، وكذلك مشاركة العروض المثلية وأما المختلفة واختلاف الدنانير مع الدراهم في الشركة، في ذلك خلاف: يصح ذلك، وقيل لا يصح، وحد الشيخ يعم الصحيح والفاسد (…)، وقوله «مالك كل بعضه» أخرج به ما إذا باع الكل بالكل فإنه ليس بشركة، ويدخل فيه الشركة بالنصف والثلث وغير ذلك من الأجزاء. قوله: «ببعض كل الآخر»، صفة لموصوف مقدر أي البعض الآخر، أخرج به ما إذا باع بعضا بكل. قوله: «موجب» صفة للبيع وقوله: صحة تصرفهما الخ مفعول باسم الفاعل وذلك خاص بشركة التجر. وأخرج بذلك شركة غير التجر كما إذا خلطا طعاما لأكل في الرفقة، فإن ذلك لا يوجب التصرف المطلق للجميع. وضمير تصرفهما عائد على المالكين، وذلك يدل على أن كل واحد وكيل صاحبه في تصرفه في ملكه»([6]).

وعرفها خليل في مختصره بقوله: «إذن في التصرف لهما مع أنفسهما». قال الحطاب: «فمعنى الحد أن الشركة هي إذن كل واحد من المتشاركين لصاحبه في أن يتصرف في ماله أو ببدنه له ولصاحبه مع تصرفهما أنفسهما أيضا»([7]).

والحاصل في تعريف الشركة أنها عقد بين شخصين فأكثر، يتم بموجبه الاشتراك في المال أو الجهد قصد تحصيل الربح، ويأذن بمقتضاه كل واحد من الشريكين لصاحبه في التصرف في الشيء المشترك، مع بقاء حق هذا التصرف قائما لكل منهما.

والأصل في ثبوتها الكتاب والسنة والاجماع.

أما الكتاب فجملة آيات منها: قوله تعالى في الأخوة للأم: ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾([8]). وقوله سبحانه: ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾([9]) ومعنى الخلطاء الشركاء.

وأما السنة، ما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ في الحديث القدسي: ﴿أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما﴾([10]).

وروى البخاري ومسلم عن أبي المنهال قال: ﴿اشتريت أنا وشريك لي شيئا يدا بيد نسيئة، فجاءنا البراء بن عازب فسألناه فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم وسألنا النبي ﷺ عن ذلك فقال: ما كان يدا بيد فخذوه وما كان نسيئة فذروه﴾ ([11]).

وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن السائب المخزومي أنه كان شريك النبي ﷺ في الجاهلية، فجاءه يوم الفتح فقال ﴿مرحبا بأخي وشريكي﴾. وفي رواية ابن ماجة ﴿كنت شريكي في الجاهلية، وكنت خير شريك، كنت لا تداري ولا تماري﴾. وقد علق محمد الأمير على هذا الحديث بقوله: «الحديث دليل على أن الشركة كانت ثابتة قبل الإسلام، ثم قررها الشرع على ما كانت»([12]).

وأما الإجماع فقد نص أبو الحسن ابن القطان على أن الشركة مجمع على مشروعيتها فقال: «وأجمعوا أن الشركة الصحيحة أن يخرج كل واحد من الشريكين مالا مثل صاحبه دنانير أو دراهم، ثم يخلطان ذلك حتى يصير مالا واحدا لا يتميز، على أن يبيعا ويشتريا ما رأيا من أنواع التجارات، على أن ما كان فيه من فضل بينهما، وما كان من نقصان فعليهما، فإن فعلا ذلك صحت الشركة، ثم ليس لأحد منهما أن يبيع ويشتري إلا مع صاحبه، إلا أن يجعل كل واحد منهما لصاحبه أن يتجر في ذلك بما رأى، فإن فعلا قام كل واحد منهما مقام الآخر وانفرد بالبيع والشراء حتى ينهاه صاحبه، وإذا مات أحدهما انفسخت الشركة»([13]).

وأركان الشركة ثلاثة هي:

– العاقدان: سواء كانا اثنين أو أكثر، وشرطهما توفر أهلية التصرف فيهما من رشد وبلوغ.

– المعقود عليه: وهو محل الاشتراك من المال أو العمل أو هما معا.([14])

– الصيغة: وهي كل لفظ أو فعل دال على انعقاد الشركة، أو ما يقوم مقامهما عرفا. قال في المختصر: «ولزمت بما يدل عرفا كاشتركنا»([15]).

الهوامش:


([1]) الشركة بكسر الشين وسكون الراء، أو فتح الأول وكسر الثاني.

([2]) سورة ص، آية 23.

([3]) والشركة بالمعنى المتداول عند الفقهاء هي من النوع الاختياري أي الناشئ عن التعاقد.

([4]) شرح حدود ابن عرفة للرصاع، ص 449.

([5]) شرح حدود ابن عرفة للرصاع، ص 449.

([6]) نفسه، ص 450-451-452.

([7]) مواهب الجليل، 7/64.

([8]) سورة النساء، الآية 12.

([9]) سورة ص، الآية 23.

([10]) رواه أبو داود في كتاب البيوع 2/276.

([11]) رواه البخاري في كتاب الشركة 3/140.

([12]) سبل السلام في شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، للإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، 3/62، تحقيق عبد القادر عطا، الطبعة الأولى 1999، نشر دار الفكر، بيروت.

([13]) الإقناع في مسائل الإجماع، 2/181.

([14]) جامع الأمهات، ص 249.

([15]) مواهب الجليل، 7/71.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق