مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

السيرة الغراء في من استشهد بالطاعون من القراء -3- أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الحكري المقرئ

الحمد لله رب الناس، مذهب البأس، والصلاة والسلام على محمد خير الناس، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد:

ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة، التي قد يفقد فيها المرء أحدا من عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، يبقى الصبر مؤنسا للمسلم في مصيبته، قال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ١٥٤ اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ ١٥٥ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَ»، ومما يؤنسه أيضا ما جاء في فضل من مات بالطاعون، كما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»، وورد فيه أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطاعون شهادة لكل مسلم»، وقد استشهد جماعة من أخيار القراء على مر التاريخ بالطاعون، وسأحاول في هذه السلسلة جمعَهم، والتعريفَ بهم من خلال هذه المقالات، وسميتها: 

«السيرة الغراء فيمن استشهد بالطاعون من القراء»

-3- أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ عبد الله الحِكْرِيُّ المقرئ(1)

إبراهيم بنُ عبد الله بنِ علي بنِ يحيى بنِ خلف، أبو إسحاق، برهان الدين، الحكريُّ، المصري، القرشي، الشافعي، المقرئ، النحويُّ. 

والحِكْريّ(2) نسبة إلى الحِكر، مكان بظاهر القاهرة. فإنّه ولد به ونشأ فيه.

مولده سنةَ نَيف وسبعين وستمائة. وقال ابن الجزري: ولد سنة اثنتين وسبعين وستمائة.

الإمام العلامة، شيخ مشايخ الإقراء بالديار المصرية، أستاذ كامل ماهر.

كان إمامًا في القراءات، مفسرًا، نحويًا، فريدَ القراءات في المحراب، وكان كريمًا كثير المروءة، طارحا للتكلف، حسن الاعتقاد، وكان متصدرا للإقراء في أماكنَ كثيرةٍ، وكان حسن التعليم، وانتفع به الخلق الكثير.

قال ابن الجزري: «انتهت إليه رياسةُ القراءة والتجويدِ، مع حسن الصوت وجَودة الأداء، في الديار المصريةِ، ورحل الناسُ إليه من الأقطار، وكان ذا مروءة ونزاهة، وقضاء لحقوق الأصحاب، مع فقر وجودة طباع ودين».

قرأ القراءاتِ بكتب شتى على محمد بن أبي العبّاس أحمد بن عبد الخالق بن عليّ بن سالم بن مكّي، الشهير بالتقيّ الصائغ، و أبي الحسن عليّ بن أبي المحاسن يوسف بن جرير بن معضاد نور الدين، الشطنوفيّ اللخميّ المقرئ الشافعيّ، وأبي بكر بن أبي العزّ بن ناصر جمال الدين. وقرأ قراءةَ أبي عمرو، ثم قراءةَ ابن كثير إلى آخر سورة النساء على النورِ عليِّ بنِ ظهير بن شهاب بن الكفتي، وعلى شرف الدين محمد الضرير، إمامِ مسجد الشرابيشي. وعرض الشاطبيةَ على الصائغ، وعلى الرشيد إسماعيل بن المعلم، وقرأها مع الرائية على الحسن بن عبد الكريم سبط زيادة.

سمع الحديث من الحافظ الدمياطي، والأبرقوهي، وابن الصواف وغيرهم، وأخذ النحو عن الشيخ بهاء الدين بن النحاس، ولازم درسَ أبي حيان.

قرأ عليه شيخُنا محمدُ بنُ أحمد بنِ علي بن اللبان، والشيخُ خليلُ بن عثمان القرافي، وإبراهيمُ بن أحمد الشامي، وعباسُ بن حسين، ويوسفُ بن العالمة الحمصي، والعمادُ أبو بكر النحوي، وأحمدُ بن بيدس الحاجب، وزينُ الدين عبد الرحمن بن الشاهد الدمشقي، والشيخُ عمرُ الزيلعي. 

توفي شهيدًا بالطاعون عاشر ذي القعدة، وقيل: في الأواخر منها، وقيل يوم عيد النحر، سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة، ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر.

  1.  مصادر الترجمة: معرفة القراء 3/ 1520، طبقات الشافعية للإسنوي 1/ 219-220، العقد المذهب ص 405، غاية النهاية 1/17-18، المقفى الكبير 1/143، الدرر الكامنة 1/31، بغية الوعاة 1/415، درة الحجال 1/ 194، شذرات الذهب 8/ 271-272.
  2.  بالكسر والسكون. ينظر: لب اللباب ص 82.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق