مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

تصحيح مفاهيم خاطئة (9): في مقابل التخريج

 

قال العلامة الشيخ محمد المامي رحمه الله:

وهو أنه (التخريج) مراتب أعلاها التخريج العام، وهو الاجتهاد في كلام البشر الذي لم يوح إليه، ومقابله الاجتهاد في الوحي الذي وضع له علم الأصول، فيستدل في هذا التخريج بمقابل أدلة الأصوليين.

وأما من يرى التخريج لقبا لمقابل القياس الخاص فقط من أدلة الأصوليين، فذلك قصور لنقص اجتهاد الترجيح، والترجيح نوع من التخريج العامي، لأنه الاجتهاد في كلام البشر، ومنه ترجيح بعض أقوال مالك على بعض.

وأما القياس عند الأصوليين: يأتي بإزاء معنيين: فمنه القياس العام، وهو:دليل ليس بنص ولا إجماع، فيشمل قياس الطرد، وهو: ما تُذكر فيه العلة، وقياس العكس، وقياس الاستدلال، ومقابله في المتأخرين التخريج المتوسط.

النوع الثاني من القياس: القياس الخاص، وهو: قياس الطرد، وهو الذي تذكر فيه العلة، ومقابله من التخريج: التخريج الخاص وهو الذي تذكر فيه العلة، ولنذكر كل دليل اجتهادي مع مقابله من أدلة التخريج.

الأول الإجماع: وهو أنواع، ومقابله من التخريج الاتفاق، فتؤخذ أنواعه من أنواعه، ومطاعنه من مطاعنه، وجوابها من جوابها، وأما إجماع أهل المدينة وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العشرة وإجماع الخلفاء الأربعة فلا يخفى مقابله من التخريج، وهو اتفاق أفاضل الأمصار على مراتبهم، وخاصة أصحاب مالك.

وأما مذهب الصحابي في الأصول فمقابله من التخريج قول العالم المذهبي، لكنه في التخريج أقوى من مذهب الصحابي عند الأصوليين في الاجتهاد المطلق.

الثاني الكتاب: ولا مقابل له بخصوصه؛ لأنه يُغني عنه النص الشامل له وللحديث، ولأن شرط الكتاب التواتر وعدم الرواية بالمعنى، وليس هذا شرطا في أقوال أئمة المذاهب المقابلة للنص المنطقي في التخريج إلا في الترجيح والنسخ، وذلك يوجد في الحديث، فلا معنى لخصوصية مقابل الكتاب من التخريج، ولأن أقصى ما يقابل بنص مالك الحديث، وكلام الله لا يقابله شيء، ألا ترى أنه يرجح على الحديث عند الأصوليين ولا يُرى له مقابل يرجح على ألفاظ مالك في التخريج؟! على أن ترجيح الكتاب على السنة مسألة خلافية.

الثالث السنة :ومقابلها  من التخريج: ألفاظ أئمة المذاهب، إلا أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره لا يبلغه فعل الإمام ولا تقريره؛ لأنه غير معصوم، لكن بعض العلماء يرى ترجيح أفعال العلماء على أقوالهم،لأنهم يحترزون لأنفسهم ما لا يحترزون لغيرهم…

فينظر في القول المرجوع عنه هل يعد كالنسخ؟…

ويحتاج الفقيه في التخريج إلى معرفة أسباب الإجمال، وأسباب البيان، وأسباب الظهور، وأسباب التأويل، وأسباب الخصوص، ومعرفة المسائل التي اختلف فيها، هل هي مجملة أو مبينة؟ ومعرفة أنواع المفاهيم، ومعرفة المواضع التي لا يعتبر فيها مفهوم المخالفة…

وكذلك يتبصر المخرِّج في الأمر والنهي والتخيير من أقوال مالك، وإن كان المشبه لا يقوى قوة المشبه به الذي هو الشارع…

الدليل الرابع: القياس الخاص: وهو دليل ليس بنص ولا إجماع ولا استدلال خاص، فتمحض لقياس الطرد، وهو القياس الذي تعرض فيه لذكر العلة، ويقابله التخريج الخاص، وهو الذي تذكر فيه، فتؤخذ أركانه من أركان القياس، وقوادحه من قوادحه، والجواب من الجواب.

أما المسالك فيصعب أخذها من المسالك، لكنه محتاج إليه لطلب الفائدة والاتساع والتحقيق، فنأخذ مسلك الاتفاق في التخريج من مسلك الإجماع في الاجتهاد المطلق، ونأخذ مسلك النص في التخريج من مسلك النص في الاجتهاد المطلق إذا وجدنا مثلا نصا لمالك على أن العلة كذا، ونأخذ مراتب النص والإيماء في التخريج من مراتب النص والإيماء في الاجتهاد المطلق، وكأن هذا مشترك بينهما.

وأما مسالك العلة المستنبطة وهي باقي المسالك كالسبر والتقسيم…وكالمناسبة والإخالة …وكالشبه، والدوران، وكالطرد وتنقيح المناط وتحقيقه، وإلغاء الفارق…فهذه كلها مشتركة بين الاجتهاد المطلق والتخريج، لعدم توقفها على نص أو إجماع…

الدليل الخامس: المصالح المرسلة وهي المصالح التي أهملها الشرع، و…هل يقابلها في التخريج المصالح التي أهملها المذهب- وهو الظاهر- أم لا؟

الدليل السادس: الاستحسان، والصواب للمخرج تركُ مقابله للاضطراب في حقيقة الاستحسان وحكمه، ولعسر مرتبته…

الدليل السابع: أنواع الاستدلال الخاص، وهو قبيل القواعد المشتركة بين الأصوليين والفقهاء، كالاستصحاب والبراءة الأصلية والاستقراء وقياس العكس والقياس الاقتراني والاستثنائي الذي هو التلازم واللازمية والعوائد والأخذ بالأخف إلى ما لا نهاية، فيخرج مجتهد المذهب  على القواعد، ومجتهد الفتيا على الجزئيات، ويجري مجرى القواعد الضوابط، وهي ما يختص بباب. والقواعد منها إجماعية وهي من علم الأصول قطعا، ومنها خاص بمذهب، وهي قواعد المذهب التي شغلت عن علم الأصول، فكانت لقطع الاجتهاد المطلق…والله أعلم.

 

كتاب البادية للعلامة الشيخ محمد المامي الشمشوي اليعقوبي الباركي(1202هـ/1282هـ)، ص: (441/447)، منشور ضمن كتاب مجموعة من مؤلفات العلامة محمد الشيخ المامي.

تصحيح: يابه بن محمادي، عميد زاوية الشيخ محمد المامي.

الناشر: زاوية الشيخ محمد المامي.

مكان: النشر نواكشوط – موريتانيا الطبعة الأولى: 1428هـ/2007م.

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق