أحسن الحديث (15): هدي العلماء عند الأزمات جائحة كورونا نموذجا
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن الأزمات تتعرض الفرد كما تتعرض المجتمعات، ولعل أشدها هذه الأخيرة، وتكون أشد وقعا من وقوعها على الفرد؛ لأنها تطال شريحة واسعة من المجتمع، فإن لم تكن كل المجتمع، فيتغير بذلك منحى الحياة. ومن أنواع الأزمات التي قدرها الله عز وجل على الأمة المغربية: أزمات سياسية، وغذائية، وصحية.
وقد مر على المغرب أزمات صحية، ولعل من أشدها: الطاعون الأسود، الذي مات بسببه جم غفير من الناس، هذا ما قرأناه في الكتب ولم نعشه في الواقع، وها نحن ذا نعيش في الواقع أزمة صحية في عامنا هذا، والذي تفشى أوائل عام: 2020، ونمر كما تمر به الأمم الأخرى بجائحة تدعى: كورونا، التي طالت جميع الدول، وحصدت أرواح كثير من البشر ومازالت في دول العالم.
ومن هذه الدول مغربنا، إلا الوضع اختلف عن أوضاع باقي البلدان بفضل الرعاية الإلهية، ثم التدابير الصحية الاستباقية الوقائية، والحلول الاقتصادية والاجتماعية الطارئة والحلول، التي أعلن عنها الملك محمد السادس نصره وأيده؛ كيلا يكون المغرب كالدول الأخرى التي عانت منه أشد العناء، وقد ظهرت نتائج تلك التدابير الملكية السديدة على الواقع الملموس.
وعلماءنا الأجلاء حفظهم الله ورعاهم تجندوا وتصدروا الصفوف الأولى، مع الهيئات الصحية والسلطات المعنية، للحيلولة دون وقوع المغرب –حاماه الله من كل مكروه- في كارثة صحية، وقد أبان علماء المغرب في هذا الحدث على مشاركتهم هموم الأمة، وتحملهم المسؤولية في النصيحة لمجتمعهم، لما فيه خير الدنيا والآخرة. وقد حوت أعلى مؤسسة دينية في بلدنا وهو: المجلس العلمي الأعلى جلة العلماء الأكابر، برئاسة أمير المؤمنين حفظه الله ورعاه، حافظ الملة والدين، والذاب عن حوزة الإسلام والمسلمين، وراعي بيوت الله تعالى، ليذكر فيها اسم الله تعالى آناء الليل وآناء النهار، وبناء على طلب الفتوى الموجه إلى المجلس العلمي الأعلى من أمير المؤمنين نصره الله وأيده ونظرا للضرر الفادح الناجم عن ظهور الوباء المستجد الذي اجتاح العالم، واعتبارا لما صدر من توجيهات من الجهات المختصة، بما فيها وزارة الصحة، بهدف الحرص على الوقاية من هذا الفيروس المستجد بإغلاق الأماكن العامة، ولما كانت المساجد من الأماكن العامة، فقد تقرر إغلاق المساجد مؤقتا ، وقد استلهاما من نصوص الشرع، التي تؤكد على ضرورة حفظ الأبدان، وعلى تقديم دفع المضرة على جلب المصلحة، وعلما بأن من شروط الصلاة، ولاسيما في المساجد، حصول الطمأنينة، وحيث إن الخوف من هذا الوباء ينتفي معه شرط الطمأنينة.
ولم يكتفى بهذا، بل أكد العلماء حفظهم الله تعالى سواء رؤساء المجالس العلمية المحلية أو أعضاءها في رسائلهم للأمة، على ضرورة الالتزام بالتدابير الصحية والمجتمعية الوقائية، التي أصدرتها السلطات المغربية، لما فيه من حفظ الأنفس وسلامة الأبدان، وعكس ذلك والتهور وعدم الاكتراث بما أوجبته الهيئات المغربية، فسوف يؤدي لا محالة إلى التهلكة، وهو أمر منهي عنه في التشريع، والتعاون على البر والتقوى أمر ملزم بإتيانه، والتعاون على الإثم والعدوان أمر ملزم باجتنابه.
ولما كان كثرة الأخبار الزائفة والكاذبة ذاعت في المجتمع، فقد نبه العلماء على عدم إثارة الفتنة بذلك الفعل، وتجنب الأخبار الزائفة، التي تسيء للبلاد والعباد وتأثر على حياتهم اليومية، سيما ضعفاؤنا أصحاب الأمراض المزمنة، وكبار السن، وجميع المغاربة أرواحهم هي من أولوياتنا، خصوصا في هذه الظروف العصيبة.
كما أن هذه نازلة ألمت بنا كما ألمت بجميع الدول والأمم، وطرأت عليها أحكاما وفتاوى، فقد نبه أئمتنا رعاهم الله تعالى برعايته، على عدم اتباع أي فتوى في هذه النازلة لم تصدر من الجهة الرسمية، والمتمثل في المجلس العلمي الأعلى، الذي يضم جماعة من العلماء الربانيين الفقهاء.
وقد بثت دروسا في مجموعة من القنوات المغربية، تحدث فيها جلة من العلماء عن هذه النازلة، وفقهها، وما يلزم على المسلمين فعله، وما يجب عليهم تركه، وعدم الترويج للأخبار الزائفة، التي تضر أكثر مما تنفع.
وبما أن جميع المؤسسات الوطنية انخرطت في هذا العمل، وتجندت من أجل هذا الوطن وضحت بالغالي والنفيس، فقد كان للرابطة المحمدية للعلماء كذلك دورا فعالا في التصدري لهذا الوباء، عن طريق نشر أعمال علمية في الموضوع، وذلك من زوايا متعددة بشكل مباشر.
ولما كان العلماء هم منارة الأمة، فإنهم يعطون للأمة الأمل والطاقة الإيجابية، ويواسون المحزونين، ويرعون الفقراء والمساكين، وإقناعهم أن هذا البلاء لاريب أنه زائل بإذن من الله الرحمن الرحيم، مع غفران الذنوب، والأجر والثواب، وأن الموتى به شهداء عند الله تعالى رحمهم الله تعالى.
وفي الختام فنحمد الله تعالى على ما كتبه علينا، وفي كلٍّ خير، ولابد من أن هذه الأزمة منفرجة، وسوف ترجع الأمور على ما هي عليه بل أفضل من ذلك، سائلين المولى الله ع وجل بكل أسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يرفع عن هذا الوباء، ويأجر المصابين، ويقبل الميتين مع الشهداء، وأن يرزق ذويهم الصبر والسلوان.