مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةشذور

درر قرآنية (9): اسم القارئ ومتعلقاته (1) معنى الاسم، وفضائل القرءان العامة

الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى ءاله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن أفضل ما تعبد به المتعبدون، ورجعوا به إلى الله تعالى هو ما خرج منه سبحانه، وأعني كلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هذا وقد أظَلَّنا شهر القرءان، والمناسبة شرط كما يقال، وهو شهر تكثر فيه القربات من صيام وصلاة وإنفاق وردع للشهوات…، ولا أجلَّ في هذا الشهر الكريم من قربة قراءة القرءان والإكثار منه، وقد أُثِر عن إمامنا مالك -عليه الرحمة والرضوان- أنه كان يفض في هذا الشهر حِلَق التحديث والعلم، ويقبل على قراءة القرءان، من أجل ذلك رمت أن أبث -في حلقات- كلاما نفيسا للإمام أبي بكر ابن العربي العافري المالكي -رحمه الله- في كتابه الفريد “سراج المريدين”، ذكره في سياق أسماء وصفات العباد الذين اصطنعهم الله لخدمته، واصطفاهم لجواره في جنته، وأفاض عليهم من سعة رحمته، وقد نثر فيه -رحمه الله- دررا ولآلئَ في فضائل القرءان، وبيان حال القراء، وتحسين القراءة وترتيلها، وصفة تعليم القرءان…، وغيرها من الفوائد.

قال رحمه الله:

«القَارِئُ: وهو الاسمُ الثامن

ولـمَّا كانت معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- القرءان؛ الذي هو منبع العلوم ومعدن المعارف، فاجتمعت فيه الدِّلَالَةُ على الصدق، والدِّلَالَةُ على الإنباء، والإيضاحُ لجميع العلوم والأنباء، كان الإقبالُ عليه فَرْضَ الأمَّة، ودَأْبَ الصحابة، وقد أبقى الله لنا معجزة نَبِيِّنَا، وجَعَلَ فيه علومَنا وهدايتَنا، وأضلَّ به أعداءَنا، فالعاقل العالم المؤمن المسلم الدَّيِّنُ المُوَحِّدُ هو القارئُ، وعلى قَدْرِ قراءته يكون عِلْمُه وإيمانُه وإسلامُه وتوحيدُه ودينُه؛ وفَضْلُه كُلُّه.

فضائله:

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكم من تعلَّم القرءان وعلَّمه»(1).

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل ءاتاه الله القرءان فهو يقوم به ءاناء الليل وأطراف النهار»(2).

وقال: «مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرءان مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ؛ ريحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها طَيِّبٌ، ومَثَلُ المؤمن الذي لا يقرأ القرءان مَثَلُ التَّمْرَةِ التي لا رِيحَ لها وطعمُها حُلْوٌ، ومَثَلُ المنافق -وفي رواية: الفاجر- الذي لا يقرأ القرءان مَثَلُ الحَنْظَلَةِ ليس لها رِيحٌ وطعمُها مُرٌّ، ومَثَلُ المنافق الذي يقرأ القرءان مَثَلُ الريحانة؛ ريحُها طَيِّبٌ وطعمُها مُرٌّ»(3).

وفي رواية: «مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرءان ويعمل به كالأُتْرُجَّةِ، والمؤمن الذي يقرأ القرءان ولا يعمل به كالتمرة».

وقال عبد الرحمن بن عوف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة تحت العرش يوم القيامة؛ القرءان يُحَاجُّ العباد؛ له ظهر وبطن، والأمانة، والرَّحِمُ؛ تنادي: أَلَا مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَه الله، ومن قَطَعَنِي قَطَعَه الله»(4).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُقال لصاحب القرءان: اقْرَأْ وارْقَ ورَتِّلْ كما كنت تُرَتِّلُ في الدنيا، فإنَّ منزلتك عند ءاخر ءاية تقرأها، ويزاد بكل حَرْفٍ حسنة»(5).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الذي ليس في جوفه مِنَ القرءان شيءٌ كالبيت الخَرِبِ»(6).

وقال صلى الله عليه وسلم: «تعاهدوا القرءان؛ فإنه أَشَدُّ تَفَصِّيا من صدور الرجال من النَّعَمِ من عُقُلِها»(7).

وصحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجمع في الدَّفْنِ بين القتلى يوم أُحُدٍ، فإذا أُشير له إلى أحدهم أنه كان أكثرَ قرءانا قدَّمه في اللَّحْدِ(8).

وقال صلى الله عليه وسلم -وصَحَّ-: «يَؤُمُّ القَوْمَ أقرؤهم لكتاب الله»(9).

وقال صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرءان مع السَّفَرَةِ الكرام البَرَرَةِ، والذي يقرؤه وهو عليه شَاقٌّ له أجران»(10).

وصحَّ عن محمد بن كَعْبٍ عن ابن مسعود عنه أنه قال: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعَشْرِ أمثالها، لا أقول أَلَمّ حَرْفٌ؛ الأَلِفُ حَرْفٌ، ولامٌ حَرْفٌ، ومِيمٌ حَرْفٌ»(11).

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أَذِنَ الله لشَيْءٍ كأَذَنِه لنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بالقرءان»(12). يُرِيدُ: يَجْهَرُ به؛ في تفسير سفيان. وقال غيره: يرى أنه قد صار به من الأغنياء، وهو الصحيح.

قال الله لرسوله: ﴿ولقد ءاتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم﴾ [الحجر:87-88].

وقال: ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ﴾ [طه:129-130]. يُرِيدُ: وما رَزَقَكَ الله من القرءان خَيْرٌ وأَبْقَى».

سراج المريدين: 2/74-77

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري: “كتاب فضائل القرءان”، “باب خيركم من تعلم القرءان وعلَّمه”، ح5027.

(2) أخرجه البخاري: “كتاب العلم”، “باب الاغتباط في العلم والحكمة”، ح73، ومسلم: “كتاب صلاة المسافرين وقصرها”، “باب فضل من يقوم بالقرآن، ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه، أو غيره فعمل بها وعلمها”، ح268.

(3) أخرجه البخاري في صحيحه: “كتاب فضائل القرءان”، “باب فضل القرءان على سائر الكلام”، ح5020.

(4) أخرجه البغوي في شرح السنة: “كتاب البر والصلة”، “ثواب صلة الرحم وإثم من قطعها”، ح3433.

(5) أخرجه أبو داود: “أبواب فضائل القرءان”، “باب كيف يستحب الترتيل في القراءة”، ح1464.

(6) أخرجه الترمذي: “أبواب فضائل القرءان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”، “باب”، ح2913.

(7) أخرجه مسلم: “كتاب صلاة المسافرين وقصرها”، “باب الأمر بتعهد القرءان”، ح790.

(8) أخرجه البخاري: “كتاب الجنائز”، “باب الصلاة على الشهيد”، ح1343.

(9) أخرجه مسلم: “كتاب المساجد”، “باب من أحق بالإمامة؟”، ح673.

(10) أخرجه مسلم: “كتاب صلاة المسافرين وقصرها”، “باب فضل الماهر بالقرءان والذي يتتعتع فيه”، ح798.

(11): أخرجه الترمذي: “أبواب فضائل القرءان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”، “باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرءان ما له من الأجر”، ح2910.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق