مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

أف لهم بعدك؟

 

 

 

بدر العمراني

قال ابن سعد رحمه الله في الطبقات الكبير: (أخبرنا مُطرّف بن عبد الله، قال أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن معمر بن محمد، عن أبيه محمد بن زيد، قال: اجتمع علي وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعد، وكان أجرأهم على عمر عبد الرحمن بن عوف، فقالوا: يا عبد الرحمن، لو كلّمتَ أمير المؤمنين للنّاس؛ فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجة حتى يرجع ولم يقض حاجته. فدخل عليه، فكلّمه، فقال: يا أمير المؤمنين، لِنْ للنّاس، فإنّه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك. قال: يا عبد الرحمن، أنشدك الله، أَعَلِيٌّ وعثمان وطلحة والزبير وسعد أمروك بهذا؟ قال: اللهم نعم. قال: يا عبد الرحمن، والله لقد لِنْتُ للنّاس حتى خشيت الله في اللِّين، ثم اشتددت عليهم حتى خشيت الله في الشِّدّة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يبكي يجرّ رداءه، يقول بيده: أُفٍّ لهم بعدك .. أُفٍّ لهم بعدك)([1]).

هذا الخبر، يدرجه بعض الباحثين في مناقب عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، ولم يُدْرِكْ بأنّه: إذا كان منقبة لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، فهو مثلبة لغيره.

والأصل في إثبات المناقب الصّحة، فهل صحّ؟

قلت: سنده فيه:

– عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار المخزومي المدني، وثقه يحيى بن معين والنّسائي، لكن تكلّم النقاد في بعض مروياته، مثل أحمد بن حنبل:

قال أبو طالب: (سئل أحمد بن حنبل عن عبد العزيز بن أبي حازم، فقال: لم يكن يُعرف بطلب الحديث إلا كُتُب أبيه، فإنهم يقولون: إنه سمعها. وكان يتفقه، لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه، ويُقال: إن كتب سليمان بن بلال وقعت إليه، ولم يسمعها، وقد روى عن أقوام لم يكن يعرف أنه سمع منهم)([2]).

من خلال هذا النص ندرك بأنّ الإمام أحمد خَبَر مروياته، ومحّصها، فتبيّن له أنّ الرجل فقيه، أمّا الرواية فليست صناعته، حسبه منها كتب أبيه، أما غيرها فلا.

ولأجل ذلك قال مصعب بن عبدالله: ابن أبي حازم ضعيف إلا في حديث أبيه([3]).

والشيخان انتقوا من حديثه ما كان عن أبيه، سوى حديث واحد عند مسلم، لكنه متابع([4]).

– معمر بن محمد وأبوه: لم أقف على ترجمتهما رغم طول بحث وتفتيش.

فهذا سند لا يفرح به.

أمّا، متنه فمنكر، لأنّه ثبت أنّ عمر كان يستشير الناس، ويعمل بآرائهم، فكيف يكون مُهابًا لدرجة أنْ يُحجم عن محادثته كبار الصّحابة: علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد رضي الله عنهم.

روى أبو داود في السُّنن، بإسناد صحيح، عن ابن عبّاس رضي الله عنه، قال: أُتِيَ عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر أن ترجم. فمرّ بها على علي بن أبى طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بَنِي فُلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم. قال: فقال: ارجعوا بها ثم أتاه. فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت: أن القلم قد رُفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتّى يعقل؟ قال: بلى. قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء. قال: فأرْسِلْها . قال: فأَرْسَلَها. قال: فجعل يُكَبِّر([5]).

إذن؛ الخبر منكر.

 والله الموفق لإيضاح الحق.

 


([1]) الطبقات الكبير 3/268.

([2]) تهذيب الكمال 18/123.

([3]) ميزان الاعتدال 2/626.

([4]) صحيح مسلم رقم: 2624.

([5]) سنن أبي داود- كتاب الحدود- باب في المجنون يسرق أو يصيب حد. رقم: 4401. ص480.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق