مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

وسائل تزكية النفوس وتطهيرها من آفات القلوب…(1)

 وسائل تزكية النفوس وتطهيرها من آفات القلوب…(1)

الوسيلة الأولى: التوبة من المعاصي والشهوات النفسية

    فليعلم الإنسان أنَّ النّفس والهوى والشيطان من ألدَّ أعدائه، وأشد خصومه، فكثيراً ما تدفعه إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي والآفات، والخروج عن الطريق المستقيم وتأمره بالانغماس في الملذّات والشهوات، وتغريه بكلّ معصية وبعد عن الله تعالى، وبالتالي فهو دائماً في صراع وجهاد مع هذه الأعداء الفتاكة والتي اضحت منعطفاً خطيراً يحول بينه وبين القرب من الله، فكان لزاماً عليه أن يسلك طريق تزكية النفوس قصد إزالة ما ران على القلوب من آثار الآثام والفوز بالجنة والنجاة من النّار، ونيل مرضاة الله، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَى)، [سورة النازعات، الآية: 40]، وقال تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ).[سورة يوسف الآية: 53].

  فلما كانت النفس الأمارة بالسوء مصدراً لارتكاب العبد ما نهى الله عنه فمن الأهمية بمكان أن يطرق باب التوبة إلى الله عز وجل والاستعداد لمُجاهَدة كل هذه الأعداء بما يناسب من أدوات ووسائل تقيه شر هذه المهلكات، حتى يدخل وهو منكسر لله تائب بين يديه، متوجها لحضرته، فلا يَنخدِع بما يُزيِّن له الشيطان مِن مَعاصٍ ولا ينزلق نحو المهالك، قال جل قدرته: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة إبراهيم: 22].

 بَيْدَ أنَّ النفس في غالب أوقاتها تميل إلى الشهوات والانغماس في ملذات الدنيا ونعيمها الزّائل لذلك استعاذ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من شرِّها، فقال: (اللهم فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادةِ ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَه، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أعوذُ بك من شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطانِ وشِرْكِه. قال: قلْها إذا أصبحتَ, وإذا أمسيتَ، وإذا أخذتَ مضجعَك)[1]، وقال ابن القيم: (وقد اتفق السالكون على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أنّ النَّفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الربّ، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلاّ بعد إماتتها والظفر بها) [2].

    فمن الأهمية بمكان أن يعلم الإنسان أنه كما يهتم بطهارة جسده والتطيب بأنواع من الطيب والحرص على أن يظهر بأحسن الملابس وأفضل الحُلل، لابد له كذلك من طهارة قلبه من الأمراض الباطنية، كالحسد والرياء والحقد وحب الظهور والكبر… لأنّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ونظافتها وطهارتها بالتوبة والندم على ما اقترفه الإنسان من المعاصي والإسرار على عدم الرجوع إلى المعاصي والسقوط في مزالقها، ودسائسها المهلكة. مما يسهم في العيش المطمئن في الدارين، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ. قَالُوا لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)[3].

  والسالك لطريق أهل التصوف والذي يبتغي في سيره الترقي في مدارج السلوك العرفاني ما عليه إلا أن يلتزم بمجموعة من الشروط التي ستساعده على التخلص من آفات القلوب، ومن هذه الوسائل التوبة باعتبارها أول مقامات السالكين المنقطعين إلى الله تعالى، ففيها امتثال لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة النور: 31]. وجعلها سبباً في محبته لعباده المتقين، ومن ذلك قوله تعالى:  (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [سورة البقرة، الآية: 222]. وقوله تعالى في معرض حديثه عن التائبين الصادقين الذين رجعوا من غفلتهم وتبوا غلى الله توبة نصوحاً: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [سورة الفرقان، الآية: 70]. وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) [سورة التحريم، الآية: 8]. ومنه قوله تعالى: (فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [سورة التوبة، الآية: 3]. وقول هود عليه السلام لقومه: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [سورة هود، الآية: 52].

  وقد حذر الله جلت قدرته على من تهاون في توبته الى الله وجعل كل أوقاته في الملاهي والمعاصي والشهوات والانشغال بالدنيا وترك الآخرة، أنه ظالم لنفسه، وفي ذلك قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُم الظَّالـِمُون) [سورة الحجرات، 11]، يقول ابن عطاء الله السكندري: (مَن فعل المعاصي وتقلب في المحارم، لو انغمس في سبعة أبحر لم تطهره، حتى يعقد مع الله عقد التوبة)[4]، ويقول الامام أبو العزائم: في تفسير قوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُومِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة النور، الآية، 31] معناه: (ارجعوا إليه من هوى نفوسكم، ومن ملازمة شهواتكم حتى تظفروا بمعية ربكم عز وجل في نعيم لا زوال له ولا نفاد، ولكى تسعدوا بجنة عالية قطوفها دانيه وتنجوا من النار فهذا هو الفلاح)[5].

   وفي السنة النبوية جملة من الأحاديث في فضل التوبة إلى الله جلت قدرته، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيُّها الناسُ تُوبُوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) [6]، ومنها ما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر قال: (إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، مِائَةَ مَرَّةٍ) [7]. ومنها ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيدِهِ، لو لم تُذنِبُوا لذَهَبَ اللهُ بكم، ولَجَاءَ بقُومٍ يُذنِبون فيستغفِرون اللهَ، فيغْفِر لهم) [8]. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب عليكم) [9].

    وإذا رجعنا إلى أقوال العلماء ومؤلفاتهم وجدناها غاصة بخطاب أهمية التوبة إلى الله سبحانه وتعالى خاصة علماء التربية الباطنية كثيرا ما يشترطون التوبة في بداية السير إلى الله تعالى، ومن ذلك قول الإمام الغزالي في كتابة: إحياء علوم الدين: (فإن التوبة عن الذنوب بالرجوع إلى ستار العيوب وعلام الغيوب مبدأ طريق السالكين ورأس مال الفائزين وأول أقدام المريدين ومفتاح استقامة المائلين ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقربين)[10]، وقال الإمام النووي: (التوبة أَن تتوب من كُل شَيْء سِوَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ) [11]. وقيل بأن التوبة هي: (الرجوع عن كل وصف دني إلى التحقق بكل وصف سني)[12]. وسئل سهل بن عبد الله عن التوبة، فقال: (أن لا تنسى ذنبك) [13].

  ويقول ابن عجيبة الحسني في التوبة أنها: (الرجوع عن كل قبيح، إلى كل فعل مليح، أو عن كل وصف دني إلى التحقق بكل وصف سني، أو عن شهود الخلق إلى الاستغراق في شهود الحق وشروطها الندم والإقلاع ونفي الإصرار، وأما رد المظالم ففرض مستقل… فتوبة العامة من الذنوب، وتوبة الخاصة من العيوب، وتوبة خاصة الخاصة من كل ما يشغل السر عن حضرة علام الغيوب، وكل المقامات تفتقر إلى التوبة، فالتوبة تفتقر إلى توبة أخرى بعد نصوحها ، والخوف يفتقر إليها بحصول الجزع، والزهد بخواطر الرغبة…والتوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وعدم الإصرار بالجنان، ومهاجرة سيئ الخلان) [14]. وسئل الجنيد رحمه الله عن التوبة فقال: هي نسيان ذنبك، وبين نسيان الذنب وعدم نسيانه خيط رفيع، إذ الجامع بينهما أن الأول في دوام المراقبة لله عز وجل والثاني في دوام الوقوف على باب الرجاء والعكوف عليه وكلاهما معا في حال توافق مع التذلل في الحضرة الإلهية[15]، ويقول ذو النون المصري: (التوبة توبتان: توبة الإنابة وتوبة الاستجابة، فتوبة الإنابة أن يتوب العبد خوفا من عقوبته، وتوبة الاستجابة، أن يتوب حياء من كرمه) [16].

   وقيل بأنَّ التوبة: (هي عبارة عن ندم يورث عزماً وقصداً، وذلك النّدم أورته العلم بكون المعاصي حائلاً بينه وبين محبوبه)[17]، ويقول الإمام أبو علي زين الدين على المعيري: (والتوبة هي الندم على الذنوب الماضية، وإعادة الفرائض بقدر الإمكان، ورد المظالم إلى أربابها ثم ورثتهم ثم التصدُّق واستحلال الخصوم إن أمكن ثم الإحسان إليهم، والعزم على أن لا يعود، وتربية النّفس في طاعة الله كما رباها في معصيته)[18].

   وفي أحقية التوبة ووجوبها قال العلماء: (التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى، لا تتعلق بحق آدمي؛ فلها ثلاثة شروط. أحدها: أن يُقْلِعَ عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته)[19]. وقال ابن جزي: (التوبة واجبة على كل مكلف، بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وفرائضها ثلاثة: الندم على الذنب من حيث عُصِيَ به ذو الجلال، لا من حيث أضر ببدن أو مال. والإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان، من غير تأخير ولا توان، والعزم ألا يعود إليها أبداً. ومهما قضى الله عليه بالعود، أحدث عَزْماً مُجَدَّداً. وآدابها ثلاث: الاعتراف بالذنب، مقروناً بالانكسار، والإكثار من التضرع والاستغفار، والإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من الأوزار. ومراتبها سبع: فتوبة الكفار من الكفر، وتوبة المُخَلِّطِينَ من الذنوب الكبائر، وتوبة العدول من الصغائر، وتوبة العابدين من الفترات، وتوبة السالكين من عِلَلِ القلوب والآفات، وتوبة أهل الورع من الشبهات، وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات. والبواعث على التوبة سبعة: خوف العقاب، ورجاء الثواب، والخجل من الحساب، ومحبة الحبيب، ومراقبة الرقيب، وتعظيم المقام، وشكر الإنعام. هـ.[20].

  وهناك من العلماء من اشترط في التوبة شروطاً وعلامات ومنهم الإمام الغزالي في الإحياء قوله: (التوبة شروط وهي: الندم وترك المعصية في الحال. والعزم الأكيد، والنية الصادقة على عدم فعل الذنب في المستقبل. ويقول الشيخ أحمد بن عجيبة: شروط التوبة: الندم، والإقلاع، ونفي الإصرار. وأما رد المظالم ففرض مستقل تصح بدونه، كما تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من غير نوعه) [21].

    كما أن للتوبة مجموعة من العلامات تظهر على التائب ومن ذلك يقول الشيخ أبو طالب المكي: علامات التوبة: (قطع أسباب الهوى، والزهد فيما كانت النفس راغبة فيه)[22]، ‏وقسم الإمام الغزالي أقسام العباد في دوام التوبة إلى طبقات:

‏­   الطبقة الأولى: أن يتوب عن المعاصي إلى آخر عمره فيتدارك ما فرط من أمره ولا يحدث نفسه بالعود إلى ذنوبه، وهذا التائب هو السابق بالخيرات، وهذه هي التوبة النصوح، وهذه هي النفس الساكنة المطمئنة التي ترجع إلى ربها راضية مرضية.

‏   الطبقة الثانية: أن يتوب عن المعاصي ويترك كبائر الفواحش إلا أنه تعتريه لحظات ضعف ويبتلى في بعض الذنوب من غير عزم، وسرعان ما يندم ويتوب ويعزم على ألا يقع فيها.. وهذه هي النفس اللوامة، وهذه هي حال معظم التائبين، وهذه الطبقة هي التي عناها الله بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ).

  الطبقة الثالثة: أن يتوب عن الذنوب ويستمر على الاستقامة ثم تغلبه الشهوات وينقاد لها ويقدم عليها عن قصد وشهوة لعجزه عن مقاومتها ومع ذلك فإنه يحرص على مواظبته على الصالحات وترك معظم الذنوب وتسول له نفسه أن يترب من جديد، ويعزم على ذلك، وسرعان ما تقهره شهواته، وهذه هي النفس المسوّلة التي عناها الله بقوله : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة التوبة، الآية: 102]، وعسى الله أن يتوب عليه وأن يتداركه بفضله[23].

‏   الطبقة الرابعة: أن يتوب ثم يعود مرة ثانية إلى مقارنة الذنوب من غير أن يحدث نفسه بالتوبة، وينهمك في الشهوات انهماك الغافل، وهذه هي النفس الأمارة بالسوء. . ويخشى على هذه النفس من سوء الخاتمة.

   وهكذا يتبين أنَّ التوبة هي والإقلاع عن ارتكاب الذنوب والمعاصي والمحرمات، والحرص على حفظ الجوارح سواء ما ظهر أو ما بطن من الوقوع في الآثام، فتوبة النفس للعوام وتوبة القلب للخواص وتوبة الروح لخواص الخواص[24]، قال تعالى: (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الاثْمِ وَبَاطِنَهُ) [سورة الاَنعام،121]؛ وهي أول الطرق التي تفتح للسالك مقامات السير والتوجه إلى حضرة الله،

 وأنشد أحد الصوفية:

[الوافر]

إلى كم أنت في بحر الخـــطايا           تبـــارز مـــن يـــــــراك ولا تــــــــراه

وَسمْتُك سمْـتُ ذي ورع ودين          وفِعْلُك فِعْلُ مُتَّبــــــــع هَـــــــــــــواه

فيا من باتَ يخلو بالمعاصـي             وعيــــــــنُ الله شاهــــــدة تــــــــراه

أتطمع أن تنال العـــفو مـمـــن            عصيت وأنت لم تطلب رضـــــــــاه

وتفرح بالذنـــــــوب والخـــطايـا          وتنسـاه ولا أحـــــــــــــد ســــــــواه

فتُب قبل الممات وقبــل يـــوم             يلاقي العبد مــا كسبت يـــداه [25]

 فإذا تاب السالك لطريق أهل التصوف وجعل التوبة أول شرط لدخول هذه التجربة الباطنية وتطهَّر من براثن المعاصي والآفات القلبية، فإنّه لا محالة سيتحلى بحلل الإيمان ويحصل من الفوائد الجمة والحلل البهية ما يجعله يستشعر درجات القرب من الله ويذوق حلاوة الإيمان.

الهوامش:

——————

[1] . سنن أبي داود، أبواب النوم  باب ما يقول إذا أصبح، ج: 4، ص: 316. رقم الحديث: 5067. السنن الكبرى، للنسائي، كتاب عمل اليوم والليلة، ج: 9، ص: 210، رقم الحديث: 10326.

[2] . إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية، (ط/ت)، الباب الحادي عشر: في علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه ج: 1، ص: 75.

[3] . صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، ج: 1، ص: 462. رقم الحديث: 667.

[4] . تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس لابن عطاء الله السكندري، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2005، ص: 6.

[5] . قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد، لمحمد بن علي بن عطية الحارثي، أبو طالب المكي، تحقيق: د. عاصم إبراهيم الكيالي، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية، 1432 هـ -2005م. الفصل الثاني والثلاثون شرح مقامات اليقين وأحوال الموقنين ج: 1، ص: 302. الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل، لعبد القادر بن موسى بن عبد الله بن جنكي دوست الحسني، أبو محمد، محيي الدين الجيلاني، أو الكيلاني، أو الجيلي، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1997م. القسم الثالث في المجالس، مجلس: في قوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) ج: 1، ص: 228.

[6] . صحيح مسل، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، ج: 4، ص: 2075، رقم الحديث: 2702.

[7] . سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب الاستغفار، ج: 2، ص: 253 رقم الحديث: 8314.

[8] . صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار، توبة، ج: 4، ص: 106. رقم الحديث: 2749. مسند أحمد بن حنبل، مسند المكثرين من الصحابة  مسند أبي هريرة رضي الله عنه، ج: 13، ص: 445، رقم الحديث: 8082.

[9] . سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، ج: 2، ص: 419 رقم الحديث: 4248.

[10] . إحياء علوم الدين، ربع المنجيات، ج: 4، ص: 2.

[11] . الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل، المؤلف: عبد القادر بن موسى بن عبد الله بن جنكي دوست الحسني، أبو محمد، محيي الدين الجيلاني، أو الكيلاني، أو الجيلي، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1997م. (فصل) والتوبة فرض عين، ج: 1، ص: 231.

[12] . حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، الناشر: مطبعة السعادة – بجوار محافظة مصر، عام النشر: 1394 هـ – 1974م، مقدمة المؤلف، ج: 1، ص: 22.

[13] .  اللمع، أبو نصر السراج الطوسي، تحقيق عبد الحليم محمود دار الكتب الحديثة بمصر ومطبعة المثنى ببغداد، طبعة 2010 ص: 68. الغنية لطالبي طريق الحق، لعبد القادر الجيلاني، فصل: في ذكر أقاويل شيوخ الطريقة في التوبة، ج: 1، ص: 268.

[14] . البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، الناشر: الدكتور حسن عباس زكي – القاهرة، الطبعة: 1419هـ. سورة النور، الآية: 24، ج: 4، ص: 34.

[15] . لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، لعبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي، تحقيق وتعليق: الأستاذ الدكتور تقي الدين الندوي، الناشر: دار النوادر، دمشق – سوريا

الطبعة: الأولى، 1435 هـ – 2014م. ج: 5، ص: 144.

[16] . مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، لشمس الدين أبو المظفر يوسف بن قِزْأُوغلي بن عبد الله المعروف بـ سبط ابن الجوزي، تحقيق وتعليق: محمد بركات، كامل محمد الخراط، عمار ريحاوي، محمد رضوان عرقسوسي، أنور طالب، فادي المغربي، رضوان مامو، محمد معتز كريم الدين، زاهر إسحاق، محمد أنس الخن، إبراهيم الزيبق الناشر: دار الرسالة العالمية، دمشق – سوريا، الطبعة: الأولى، 1434 هـ – 2014م. ج: 16، ص: 470.

[17] . مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، ذكر أبواب مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم  الباب السادس والثلاثون: في ذكر فصاحته صلى الله عليه وسلم، ج: 4، ص: 383.

[18] . التحرير والتنوير تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، الناشر: الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر: 1984هـ. ج: 28، ص: 368.

[19] . رياض الصالحين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة: الثالثة، 1419هـ/1998م. باب التوبة، ص: 33.

[20] . البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة، سورة النور، آية 23، ج: 4، 34.

[21] . مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة، 1416هـ – 1996م. ج: 1، ص: 199. شرح زروق على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، المؤلف: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي، المعروف بـ زروق، أعتنى به: أحمد فريد المزيدي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1427 هـ – 2006م. باب جمل من الفرائض ومن السنن الواجبة والرغائب، ج: 2، 1039.

[22] . قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد، أبو طالب المكي، ج: 1، ص: 169.

[23] . إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، الركن الثالث في تمام التوبة وشروطها ودوامها إلى آخر العمر  بيان أقسام العباد في دوام التوبة، ج: 4، ص: 43.

[24] . البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة، سورة النور، آية 23، ج: 4، 34.

 [25]. نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار، لمحمود مقديش، تحقيق: علي الزواري، محمد محفوظ الناشر: دار الغرب الاسلامي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1988م. الباب الرابع في ذكر بعض أهل الخير والصلاح من العلماء والأولياء المتقدمين بصفاقس ووطنها..، ج: 2، ص: 275.

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق