مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من أحداث ربيع الأول: غزوة دُومة الجندل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أعز المؤمنين بنصره، وأذل الكافرين بقهره، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، ونبي الملحمة، وعلى آل بيته الأشراف الشجعان، وأصحابه ليوث الميدان.

أما بعد:

فإن شهر ربيع الأول من الشهور التي وقعت فيه أحداث كبرى في السيرة النبوية؛ ومن ذلك غزوة دومة الجندل، ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أفرده بهذا المقال الذي سأتناول فيه:

أولا: التعريف بدومة الجندل.

ثانيا: تاريخ وقوع الغزوة.

ثالثا: أحداث هذه الغزوة.

رابعا: بعض الدروس المستفادة من هذه الغزوة.

أولا: التعريف بدومة الجندل:

قال ابن سيد الناس (734هـ): “سميت بدومة بن إسماعيل؛ لأنه نزلها “[1].

وقال ابن القيم (751هـ): “دومة الجندل؛ وهي بضم الدال، وأما دَومة بالفتح فمكان آخر .. ودُومة الجندل: بينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، وهى من دمشق على خمس ليال”.[2]

وقال الثعالبي: “وهي قرية من تبوك”[3] .

ثانيا: تاريخ وقوع الغزوة:

تاريخ وقوع غزوة دومة الجندل: “في ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ربيع الأول، وقدم لعشر بقين من ربيع الآخر”[4].

فالغزوة كانت في شهر ربيع الأول، في السنة الخامسة من الهجرة النبوية كما ذكرابن هشام[5]، نقلا عن ابن إسحاق، وكذلك الواقدي[6]، وتبعه عليه تلميذه ابن سعد[7].

ثالثا: أحداث الغزوة:

ذكر الواقدي في مغازيه تفاصيل هذه الغزوة فقال: ” أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدنو إلى أدنى الشام، وقيل له: إنها من أفواه الشام، فلو دونت لها كان ذلك مما يُفزع قيصر وقد ذُكِر له أن بدومة الجندل جمعا كثيرا، وأنهم يظلمون من مر بهم من الضَّافِطَة، وكان بها سوق عظيم وتجار، وضوى إليهم قوم من العرب كثير ، وهم يريدون أن يدنوا من المدينة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فخرج في ألف من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له: مذكور، هادٍ خريت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغذا للسير، ونكب عن طريقهم، ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دومة الجندل – وكان بينه وبينها يوم أو ليلة سير الراكب المعتق – قال له الدليل: يا رسول الله إن سوائمهم ترعى فأقم لي حتى أطلع لك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم . فخرج العذري طليعة حتى وجد آثار النعم والشاء وهم مغربون، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقد عرف مواضعهم، فسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصاب، وهرب من هرب في كل وجه،وجاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد بها أحدا ، فأقام بها أياما وبث السرايا وفرقها، حتى غابوا عنه يوما ثم رجعوا إليه، ولم يصادفوا منهم أحدا ، وترجع السرية بالقطعة من الإبل؛ إلا أن محمد بن مسلمة أخذ رجلا منهم فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أصحابه، فقال: هربوا أمس حيث سمعوا بأنك قد أخذت نعمهم . فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أياما فأسلم، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة سباع بن عُرفطة”[8].

قال ابن سعد: “وفي هذه الغزاة وادع رسول الله صلى الله عليه و سلم عيينة بن حصن أن يرعى بتغلمين وما والاه إلى المراض، وكان ما هناك قد أخصب وبلاد عيينة قد أجدبت، وتغلمين من المراض على ميلين، والمراض على ستة وثلاثين ميلا من المدينة على طريق الربذة “[9].

رابعا: بعض الدروس المستفادة من الغزوة:

1-هذه الغزوة التي انتصر فيها المسلمون على قطاع الطرق من الأعراب كان لها شأن آخر، وصدى نفسي أعظم ألا وهو: إحداث تأثير في الوجود الروماني في شمال الجزيرة العربية؛ حيث ملك قيصر، وهو ما يطلق عليه بالردع العسكري.

2-جواز الإغارة على المشركين من غير إنذار لتأذيبهم.

3-اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش الإسلامي، وتجنب كل ما من شأنه أن يشق عليهم؛ حين كان يسير بهم بالليل لاعتدال هوائه وحتى لا يراهم العدو، ويكمن بالنهار لتجنب شدة حره وقيظه ، ولصرف أنظار العدو عن مكان الجيش الإسلامي.

4-جواز الاستعانة بأهل المعرفة والأكفاء في معرفة الطرقات والقيام بالمهام الدقيقة في السير بالجيش في الطرق الآمنة؛ وذلك من خلال اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم أحد بني عذرة دليلا اسمه: مذكور، وكان هاديا خريتا، حاذقا بالطرق والمسالك الوعرة.

5-جواز اتخاذ طلائع وعيون للجيش الإسلامي لترصد حركات العدو.

6-جواز أخذ واغتنام أموال المشركين المحاربين.

7-جواز أخذ أسرى المشركين، وعرض الإسلام عليهم.

8-جواز موادعة ومصالحة زعماء القبائل، ومنحهم بعض المراعي لرعي مواشيهم لتأليفهم على الإسلام؛ وذلك حين منح النبي صلى الله عليه وسلم لعيينة بن حصن  أن يرعى إبله ومواشيه بأرض تغلمين إلى المراض.

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

1-شهر ربيع الأول وقعت فيه أحداث كبرى في السيرة النبوية ومن ذلك: غزوة دومة الجندل.

2-تاريخ وقوع غزوة دومة الجندل هو: في السنة الخامسة من الهجرة في شهر ربيع الأول.

3-تضمنت أحداث هذه الغزوة المباركة دروسا وعبرا، وقد ذكرت بعضها في مقالي.

والحمد لله رب العالمين.

*************************

هوامش المقال:

[1]  – عيون الأثر (2/ 83).

[2]  – زاد المعاد (3/ 228-229).

[3]  – الرسالة المحمدية (ص: 305).

[4]  – مغازي الواقدي (1 /402).

[5]  – السيرة النبوية (ص: 452).

[6]  – المغازي (1/ 402).

[7]  – الطبقات الكبرى (2/ 59).

[8]  – مغازي الواقدي (1 /402-403-404)

[9]  – الطبقات الكبرى (2/ 59).

*******************************

لائحة المصادر والمراجع:

الرسالة المحمدية من نزول الوحي إلى وفاته صلى الله عليه وسلم. لعبد العزيز الثعالبي ت: د صالح الخرفي. دار ابن كثير . دمشق. بيروت. (د.ت).

زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم الجوزية. ت: شعيب الأرنؤوط- وعبد القادر الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة. ط3/ 1418هـ- 1998مـ.

السيرة النبوية لابن هشام. دار ابن حزم بيروت. لبنان. ط2/ 1430هـ- 2009مـ.

الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد. ت: د علي محمد عمر- مكتبة الخانجي. القاهرة. ط1/ 1421هـ- 2001مـ..  

عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. لابن سيد الناس. ت: د. محمد العيد الخطراوي- ومحيي الدين ميستو. دار ابن كثير بيروت. (د.ت).

كتاب المغازي. لمحمد بن عمر الواقدي. ت: د مارسدن جونس. عالم الكتب (د.ت).

*راجع المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق