مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

نساء فقيهات (4) حفصة بنت سيرين: حياتها وفقهها (الجزء الأول).

_ حياتها الخاصة: 

  • نسبها ومولدها ونشأتها:

التابعية الجليلة حفصة بنت سيرين الأنصارية البصرية،كنيتها أم الهذيل.

ولدت حفصة بالبصرة في سنة ثلاثين للهجرة -على الأرجح-،في بيت فضل وخير؛ فوالدها هو سيرين المكنى بأبي عمرة مولى أنس بن مالك، كان من سبي عين تمر فكاتبه أنس رضي الله عنه وأعتقه[1]، وأمها هي صفية مولاة أبي بكر رضي الله عنه[2].

كان لحفصة إخوة كثر؛ أشهرهم: محمد بن سيرين الفقيه الإمام، وأنس ومعبد ويحيى وكريمة كلهم من رواة الحديث[3].

ذهب ابن سعد في طبقاته إلى أن حفصة كانت أكبر إخوتها؛ قال:” كانت حفصة بنت سيرين أكبر ولد سيرين من الرجال والنساء من ولد صفية”[4]. أما ابن منده فقد أورد في كتابه “فتح الباب في الكنى والألقاب” أن حفصة كانت أصغر إخوتها؛ قال:” وكانوا خمسة أخوة…أصغرهم حفصة بنت سيرين”[5].

ولقد روى ابن سعد في ترجمة محمد بن سيرين عن أنس بن سيرين أنه قال: “ولد محمد بن سيرين لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وولدتُ أنا لسنة بقيت من خلافته”[6]، فإذا صحت هذه الرواية فإن حفصة قد ولدت قبلهما.

  • زواجها وأبناؤها:

تزوجت حفصة من عبد الرحمن بن أذينة بن سلمة العبدي الكوفي قاضي البصرة[7]، ولها منه هذيل بن عبد الرحمن وبه تكنى[8]. ولقد كان الهذيل غاية في البر بأمه؛ فقد روي عنها أنها كانت تقول: ” بلغ من بر ابني الهذيل بي أنه كان يكسر القصب في الصيف فيوقد لي في الشتاء. قال: لئلا يكون له دخان. قالت: وكان يحلب ناقته بالغداة فيأتيني به فيقول: اشربي يا أم الهذيل، فإن أطيب اللبن ما بات في الضرع”[9].

ثم إنها ابتليت بوفاته، وكانت كلما ذكرته نكأت ذكراه جراح قلبها المكلوم، إلى أن تدبرت في إحدى الليالي آية من القرآن الكريم فذهب عنها ما كانت تجد؛ فقد روي عنها أنها قالت: “مات –الهذيل- فرزقت عليه من الصبر ما شاء أن يرزقني، فكنت أجد مع ذلك حرارة في صدري لا تكاد تسكن. قالت: فأتيت ليلة من الليالي على هذه الآية: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:96] فذهب عني ما كنت أجد”[10].

  • مناقبها:

كانت حفصة بنت سيرين من العابدات العاملات؛ فقد ذكر ابن الجوزي في “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” أنها كانتتختم القرآن الكريم كل يومين، وتصوم الدهر، وتقوم الليل.

وروي عن هشام بن حسان أنه قال: “ما رأيت أحدا بالبصرة أفضله على حفصة؛ ختمت القرآن وهي بنت اثنتي عشرة سنة، وماتت وهي بنت اثنتين وتسعين سنة، وكانت تتوضأ ارتفاع النهار وتدخل مسجدها في بيتها، فلا تخرج منه إلى مثلها من الغد، وكان يأتيها أنس بن مالك، وأبو العالية مسلمون عليها”[11].

ومما حكي من أحوالها ما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية؛ قال: “حفصة بنت سيرين كانت صاحبة آيات وكرامات؛ سمعت محمد بن طاهر الوزيري يقول: سمعت الحسين بن محمد بن إسحاق يقول: سمعت سعيد بن عثمان الحناط البغدادي قال: أخبرنا سيار بن حاتم عن هشام بن حسان قال: كانت حفصة بنت سيرين، تسرج سراجها من الليل، ثم تقوم وتصلي في مصلاها، فربما طفئ السراج ويضيء لها البيت حتى تصبح”[12].

  • وفاتها:

توفيت حفصة بنت سيرين بالبصرة في حدود سنة مائة فيما ذكره الذهبي في الكاشف. وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: “ماتت سنة إحدى ومائة، وذكرها البخاري في فصل من مات من سنة مائة إلى عشر ومائة”[13].

واختُلف في عمرها حين وفاتها؛ فقيل: سبعين سنة، وقيل: تسعين سنة. وإلى القول الأول تذهب أغلب الأخبار.

وتوثق الروايات أن جنازتها كانت مشهدا عظيما مهيبا حضره خاصة الناس وعامتهم؛ حتى قال صاحب مرآة الزمان: “فلم يبق بكر ولا عانس إلا وشهدها”[14]، وفي هذا دلالة على أن حفصة بنت سيرين كانت معروفة الفضائل في زمانها، طيبة الذكر والأثر.

(يتبع…)

[1] الطبقات الكبرى، ابن سعد (7/119)

[2]نفسه (7/193).

[3] تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي (3/348).

[4] الطبقات الكبرى، ابن سعد (8/484).

[5] ص:108.

[6] الطبقات الكبرى، ابن سعد (7/193).

[7] ينظر: تهذيب التهذيب، ابن حجر (6/135).

[8] ينظر : الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، ابن ماكولا (7/313).

[9]المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي

[10]نفسه.

[11]نفسه.

[12] طبقات الصوفية، أبو عبدالرحمن السلمي، ص:397 (بتصرف).

[13]  (12/410).

[14]مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (11/49).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق