مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

مصطلح التوبة1

ذة. أسماء المصمودي.

باحثة بمركز دراس بن إسماعيل. 

 

 التوبة في اللغة: الرجوع من الذنب، وفي الذنب، وفي الحديث الندم توبة، والتوب مثله، وقال الأخفش : التوب جمع توبة في قوله تعالى” غافر الذنب وقابل التوب”وهو مذهب المبرد وتاب إلى الله ورجع عن المعصية إلى الطاعة، وتاب الله عليه : وفقه لها .[1]

التوبة في القرآن الكريم : نقرأ في موضوع التوبة آيات عدة منها:
“وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات”[2]

“قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا “[3] أي : بشرط التوبة[4]

وقوله جلَّ علاه: “ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده “[5] .

“وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون[6].

“إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم “[7].

“إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا . فأولئك أتوب عليهم ، وأنا التواب الرحيم “[8]

” أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم “[9]

كلها آيات كريمة تدل على أنالعبد يتخبط في سجن الخطيئة التي يأثم بها القلب والله يفتح له منافذ التوبة، على أن التائب ليس بينه وبين الله حجاب ما عليه إلا أن يطرق الباب، ويتنصل من ذنبه متمرغا في ذله طامعا في عفو الله . فالتوبة الرجوع إلى الله والرغبة في عفوه والاطمئنان بجواره، ملاذ العبد وعناية الرب، إن ألهمه إياها بعد الغفلة والزلل. فالاعتراف بالذل اتجاه الأنا والتحقق بالعز للواحد القهار، جعل من التوبة أمرا عظيما في الإسلام، لما تحمل في طياتها من الفرار من الخلق إلى الخالق ومن النفس إلى بارئها ، ومن رعونات الباطل إلى أنوار الحق، ومن ضيق الوعيد إلى رحابة الوعد.

إلا أن للتوبة شروطا نستشفها من الآية الكريمة :”إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن والذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما”[10] .

فالآية الكريمة تفصل في نوع التوبة التي” يقبلها الله والتي تفضل فكتب على نفسه قبولها، وهي تلك التي تصدر من النفس فتدل على أن هذه النفس قد أنشئت نشأة أخرى ، قد هزها الندم من الأعماق ورجها رجاً شديداً حتى استفاقت فتابت وأنابت وهي في فسحة من العمر وبحبوحة من الأمل واستجدت رغبة حقيقية في التطهر ونية حقيقية في سلوك طريق جديد،  أما الذين يعملون السوء بجهالة هم الذين يرتكبون الذنوب، وهناك ما يشبه الإجماع على أن الجهالة هنا معناها الضلالة عن الهدى – طال أمدها أم قصر – ما دامت لا تستمر حتى تبلغ الروح الحلقوم .  والذين يتوبون من قريب : هم الذين يتوبون إلى الله قبل أن يتبين لهم الموت ويدخلوا في سكراته ويحسوا أنهم على عتباته  فهذه التوبة حينئذ هي توبة الندم والانخلاع من الخطيئة والنية على العمل الصالح والتكفير . وهي إذن نشأة جديدة للنفس ويقظة جديدة، هؤلاء يفتح القرآن لهم هذه النافذة المضيئة – نافذة التوبة – يفتحها فتنسم نسمة الأمل في الصدور ، وتقود القلوب إلى مصدر النور ، فلا تيئس من رحمة الله، ولا تقنط من عفوه . فمن شاء فليرجع إلى الحمى الآمن صادق النية[11] .

 

 

 

 


[1] لسان العرب، ابن منظور، ج.1،ص636

[2] الشورى”:الآية : 25

[3] الزمر:الآية : 53

[4] تفسير ابن كثير،الباب47،ج2،ص331

[5] التوبة: الآية : 104

[6]النور:الآية :31

[7] النور:الآية: 5

[8] البقرة، الآية 160

[9] المائدة : الآية :74

[10] النساء، الآية 17ـ 18

[11] في ظلال القرآن ، سيد قطب،الباب 158،ج.1،ص.121

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق