مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

القـول المرجـوح 1

د/ادريس غازي

باحث بمركز دراس بن اسماعيل 

 

لقد لاحظ العلماء في مرجوحية القول أمرين:

أ- ضعف الدليل.

ب- التفرد والمخالفة.

فباعتبار الأمر الأول اصطلح عليه بالقول الضعيف، وهو القول الفقهي الذي لم يقو دليله، وبهذا المعنى فهو يقابل القول الراجح الذي لوحظ فيه قوة الدليل. وهو قسمان:

– القول الضعيف ضعفا نسبيا: وهو وإن كان له قوة في نفسه، غير أن له معارضا أقوى منه، فيكون ضعيفا بالنسبة لمعارضه.

– القول الضعيف من جهة المدرك: وهو ما كان ضعيفا في نفسه، وكان ضعفه آت من جهة مخالفته للمدارك الأصولية كالإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي. قال العلامة محمد بن قاسم القادري: “إن مقابل الراجح يسمى بالضعيف، فالضعيف حينئذ هو ما لم يقو دليله، بأن يكون عارضه ما هو أقوى منه، فيكون ضعفه نسبيا أي ضعيف بالنسبة لما هو أقوى منه وإن كان له قوة في نفسه، أو يكون خالف الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي، فيكون ضعيفا في نفسه، ويسمى هذا القسم الثاني من الضعيف بضعيف المدرك”[1].

وقال العلامة أبو حفص عمر الفاسي عند قول الزقاق في لاميته:

وعدل فلا وانقض خلاف قواعد

 

ونص وإجماع وقيس قد انجلا

“وتنقض –أي أحكام القاضي– إن خالفت نصا قاطعا أو إجماعا أو قياسا جليا أو قواعد مذهبية”[2].

ولقد بين القرافي أن أحكام القضاء المبنية على أقوال ضعيفة المدرك تقتضي المراجعة والنقض، قال في السؤال التاسع والعشرين:

“أما سبب النقض فإن الإجماع معصوم لا يقول إلا حقا، ولا يحكم إلا بحق، فخلافه يكون باطلا قطعـا، والباطل لا يقرر في الشرع فيفسخ ما خـالف الإجمـاع. وأما القواعـد والقياس الجلـي والنص –وإن كانت في صورة الخلاف– فالمراد إذا لم يكن لها معارض راجح عليها، أما إذا كان لها معارض فلا يفسخ الحكم إذا كان وفق معارضها الراجح إجماعا، كالقضاء بصحة عقد القراض والمساقاة والسلم والحوالة ونحوها، فإنها على خلاف القواعد والنصوص والقياس، ولكن لأدلة خاصة مقدمة على القواعد والنصوص والأقيسة، لأنها عامة بالنسبة إلى تلك النصوص. ومتى لم يكن هذا المعارض، بل عدم بالكلية بأن يكون الاجتهاد لتوهم ليس بواقع في نفس الأمر، أو اعتمادا على استصحاب براءة الذمة ونحوه، لعدم الشعور بتلك القواعد والنصوص والأقيسة، أو يكون ثم معارض مرجوح من حديث مضطرب الإسناد ونحوه، فإنه لا يعتد به وينقض ذلك الحكم لوقوعه على خلاف المعارض الراجح، فهذا هو سبب النقض، فإن مثل هذا لا يقر في الشرع لضعفه، وكما لا يتقرر إذا صدر عن الحكام كذلك، أيضا لا يصح التقليد فيه إذا صدر عن المفتي، ويحرم اتباعه فيه، ولذلك نقول: ليس كل الأحكام يجوز العمل بها، ولا كل الفتاوى الصادرة عن المجتهدين يجوز التقليد فيها، بل في كل مذهب مسائل إذا حقق النظر فيها امتنع تقليد ذلك الإمام فيها كالحكام حرفا بحرف”[3].

وجاء في الفرق الثامن والسبعين ما نصه:

“كل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع، أو القواعد أو النص أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس، ولا يفتي به في دين الله تعالى، فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه، وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد، وهذا لم يتأكد، فلا نقره شرعا والفتيا بغير شرع حرام، فالفتيا بهذا الحكم حرام وإن كان الإمام المجتهد غير عاص به، بل مثابا عليه لأنه بذل جهده على حسب ما أمر به، وقد قال النبي عليه السلام: ﴿إذا اجتهد الحاكم، فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران﴾، فعلى هذا يجب على أهل العصر تفقد مذاهبهم، فكل ما وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به، ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه، لكنه قد يقل وقد يكثر، غير أنه لا يقدر أن يعلم هذا في مذهبه إلا من عرف القواعد والقياس الجلي، والنص الصريح وعدم المعارض لذلك، ولذلك يعتمد تحصيل أصول الفقه والتبحر في الفقه”[4].

 


[1] – رفع العتاب والملام ص 20.

[2] – تحفة الحذاق بشرح لامية الزقاق ص 118.

[3] – الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، للقرافي ص135-136.

[4] – كتاب الفروق للقرافي2/197 وما يليها، دار المعرفة بيروت (د.ت)، كما اعتمدت طبعة بضبط وتصحيح خليل المنصور، الطبعة الأولى 1418 هـ / 1998 م، دار الكتب العلمية بيروت لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق