مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

مشروعية التكبير في أيام العشر من ذي الحجة وصيغه

بسم الله الرحمن الرحيم

    يعد شهر ذي الحجة الشهر الثاني عشر في التقويم الهجري، يأتي بعد شهر ذي القعدة، وهو من الشهور المحرمة الأربعة  التي ورد ذكرها في القرآن الكريم قال الله تعالى : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ([1])، ومن الأعمال الصالحة والعبادات العظيمة المشروعة فيه: “التكبير “، الذي يُستحب الإكثار منه في العشر الأوائل منه، فهي من باب ذكر الله سبحانه وتعالى،وقد قال الله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) ([2])،وقد فسر  ابن عباس رضي الله عنهما الأيام المعلومات بالأيام العشر من ذي الحجة،قال: ” واذكروا الله في أيام معلومات: أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق “([3]) ، ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أنجز فيه مقالا أتناول فيه الآتي:

أولا: مشروعية التكبير وفضله في الأيام العشر من شهر ذي الحجة.

ثانيا: صيغ التكبير .

وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

أولا: مشروعية التكبير وفضله في الأيام العشر من شهر ذي الحجة

   إن التكبير في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة أمر مشروع، يسن للمسلم فيها أن يكثر من التكبير لعموم الآية الكريمة التي تحث على ذكر الله في هذه الأيام وهو قوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) ([4])،  ومن السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر”، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء” ([5])،والتكبير يدخل في عموم العمل الصالح، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي -صلي الله عليه وسلم – قال: “ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير ، والتحميد”([6])، وعن محمد بن أبي بكر الثقفي رضي الله عنه، قال: “سألت أنس بن مالك رضي الله عنه، ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية، كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان يلبي الملبي، لا ينكر عليه، ويكبر المكبر ،فلا ينكر عليه”([7])، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر، ولم ينكر عليهم ذلك كما في هذا الحديث، ثم إن التكبير كان من عمل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، كما جاء في رواية معلقة في صحيح البخاري قال:   “وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وكبر محمد بن علي خلف النافلة”([8]).

وأما عن فضل التكبير في هذه الأيام، فيكفيه شرفا ومنزلة وقوعها في الأيام المباركة التي أقسم الله تعالى بها في كتابه العزيز حين قال: (والفجر وليال عشر) ([9])، والقسم بالشيء دلالة على مكانته وأهميته؛ ولا شك أن العمل الصالح فيها أمر محبب إلى الله تعالى، ومن هذه الأعمال الصالحة: ذكر الله تعالى بالتكبير ، والتهليل، والتحميد.

ثانيا: صيغ التكبير:

لم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم صيغة معينة للتكبير  في هذه الأيام المباركة في نص ثابت عنه؛ وإنما ورد ذلك عن صحابته الكرام ، وعن تابعيهم رضي الله عنهم، في عدة صيغ، وقد أشار إلى ذلك الفقيه ابن رشد في كتابه: “بداية المجتهد” فقال رحمه الله: “وكذلك اختلفوا في صفة الكبير في هذه الأيام… والسبب في هذا الاختلاف عدم التحديد في ذلك في الشرع”([10])،  ومن تلك الصيغ أقف على ثلاثة منها وهي:

الصيغة الأولى:

ما ورد عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه:  قال ابن حجر في فتح الباري:” وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: كبروا الله، الله أكبر، الله أكبر ،الله أكبر كبيرا”([11]).

الصيغة الثانية:

 أثر عن الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر أيام التشريق:” الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”([12]).

الصيغة الثالثة:

أثر عن حبر  هذه الأمة ابن عباس رضي الله عنهما ” أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب: الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد ” ([13]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال أخلص إلى الآتي:

1-يعد شهر ذي الحجة من الأشهر المحرمة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.

2-أن فيه أياما مباركات وهي: العشر الأوائل، وهي من أفضل الأيام التي يسن فيها الإكثار من الأعمال الصالحة.

3-ومن الأعمال الصالحة التي يستحب الإكثار منها: التكبير، وقد أشرت في المقال إلى بعض أدلة مشروعيته من الكتاب والسنة.

4-أما عن فضل التكبير في هذه الأيام فيكفيه شرفا وقوعه في الأيام المباركة التي أقسم الله تعالى بها في كتابه العزيز، والقسم بالشيء دليل على شرفه ومكانته.

لم يعين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم صيغة التكبير في نص ثابت، وإنما ورد ذلك عن صحابته وتابعيهم رضي الله عنهم.

ورد عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم صيغ عدة  للتكبير، وقد أشرت إلى ثلاثة صيغ منها في المقال؛ لكن بأي صيغ كبر المسلم فلا حرج عليه والأمر فيه سعة.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

******************

هوامش المقال:

([1]) سورة التوبة الآية: 36.

([2]) سورة الحج من الآية: (28).

([3]) ذكره البخاري تعليقا في صحيحه (1 /306) كتاب: العيدين، باب: فضل العمل في أيام التشريق. 

([4]) تقدمت الآية.

([5]) أخرجه الترمذي في سننه (2 /122)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في العمل في أيام العشر ، برقم: (757).

([6]) أخرجه أحمد في مسنده (9 /323)  برقم:  (5446)، وقوى هذا الحديث ابن حجر في الأمالي المطلقة (ص: 140) قال: “هذا حديث حسن”.

([7]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 307)، برقم: (970).

([8]) ذكره البخاري تعليقا في صحيحه (1 /306) كتاب: العيدين، باب: فضل العمل في أيام التشريق. 

([9]) سورة الفجر الآية (1) .

([10]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (ص: 206).

([11]) فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/ 536). ولم أقف عليه في مصنف عبد الرزاق.

([12]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 17) برقم: (5702).

([13]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3 /16) برقم: (5697).

***********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الأمالي المطلقة. لأحمد بن حجر العسقلاني. تحقيق وتعليق:  حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل السلفي. المكتب الإسلامي بيروت. ط1/ 1416هـ- 1995مـ

بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي الأندلسي. تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض- الشيخ عادل أحمد عبد الموجود. دار الكتب العلمية 2017مـ

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه، وتصحيحه ، وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ..

الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت.  ط1/ 1996مـ

فتح الباري بشرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي  بن حجر العسقلاني.  تقديم وتحقيق: عبد القادر شيبة الحمد. طبع على نفقة السمو الملكي الأمير  سلطان بن عبد العزيز . الرياض. ط1/ 1421هـ- 2001مـ

مسند أحمد. لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني. (ج9). تحقيق: شعيب الأرناؤوط. – محمد نعيم العرقسوسي- إبراهيم الزيبر. مؤسسة الرسالة بيروت. ط1/ 1416هـ- 1996مـ

المصنف. لأبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم ابن أبي شيبة. تحقيق: أبي محمد أسامة بن إبراهيم بن محمد. الفاروق الحديثة للطباعة، القاهرة. ط1/ 1429هـ- 2008مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق