مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

توجيه بعض أقوال الإمام البخاري في تجريح الرواة: “انتقاء وتعريف”

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعلى آله وصحبه

تقديم:

        إن علم الجرح والتعديل يعد فرعا مهما من فروع علم الحديث النبوي الشريف، وهو الذي يبحث في أحوال الرواة من حيث قبول رواياتهم أو ردّها، ولما كان هذا العلم قائما على على نقد الرجال توثيقا وتضعيفا، كانت الحاجة ماسة إلى معرفة أقوال النقاد وعباراتهم المتعددة والمختلفة ، وبيان مراد الأئمة منها على الوجه الصحيح، و يعرف ذلك بالاستقراء والتتبع، ومن العلماء من بيَّن مرادهم منها؛ كالإمام الذهبي، والعراقي، والسيوطي، وغيرهم، ومعرفة المعنى والمغزى المقصود من هذه الألفاظ أمر في غاية الأهمية؛ لأجل ذلك جاء هذا المقال ليسلط الضوء على بعض عبارات التجريح عند العلامة المحدث الفقيه الجهبذ الإمام محمد بن إسماعيل البخاري ( ت: 256هـ )، للتذكير بها أولا،  ثم لبيان معناها كما فسرها بعض العلماء الأعلام ثانيا، هذا ولم أشأ أن أعرِّف بالإمام البخاري رحمه الله ؛ لأنه علم معروف ، والتعريف بالمعرف لا يُعرف، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

توجيه بعض أقوال الإمام البخاري في تجريح الرواة

    كان الإمام البخاري -رحمه الله- لطيف العبارة في التجريح ؛ وكثيرا ما يستعمل ألفاظا  مستعملة عند غيره في الجرح الخفيف، ويعني بها هو  الجرح الشديد، تبين ذلك من خلال استقراء وتتبع  العلماء لأقواله رحمه الله، وهذه بعض ألفاظ التجريح وتفسيرها عنده :   

أولا: لفظ : “فيه نظر”:

      شاع استعمال هذه العِبارة عند الإمام البخاري, كما استعملها غيره من النقاد، وقد قال الحافظ الذهبي (748هـ) في تفسير هذه اللفظة: في كتابه الموقظة: “وكذا عادته- يعني البخاري- إذا قال “فيه نظر” بمعنى أنه: متهم، أو ليس بثقة، فهو عنده أسوأ حالاً من الضعيف” ([1]) ، وقال أيضا في الميزان: “قال البخاري فيه نظر ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً”([2])، وقال في الميزان: ” قلَّ أن يكون عند البخاري رجل فيه نظر إلا وهو متهم “([3]) ، وقال العراقي (806هـ) في شرح الألفية:  “فلان فيه نظر ، وفلان سكتوا عنه، يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه”([4])، وقال الحافظ السخاوي (902هـ): “كثيرا ما يعبر البخاري: “فيه نظر” فيمن تركوا حديثه”([5])، وقال السيوطي (911هـ) في تدريب الراوي : “تنبيهات الأول البخاري يطلق فيه نظر وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه” ([6])، وقال المعلمي (1386هـ) في التنكيل: “وكلمة “فيه نظر” معدودة من أشد الجرح في اصطلاح البخاري” ([7]).

ثانيا: لفظ: “منكر الحديث”.

استعمل الإمام البخاري لفظ: “منكر الحديث”؛ ويقصد به: الجرح الشديد؛ نقل ابن القطان أن البخاري قال: “كل من قلت فيه: “منكر الحديث” فلا تحل الرواية عنه”([8])، وقال السيوطي في تدريب الراوي : “ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه” ([9])

ثالثا: لفظ: “سكتوا عنه”:

أحيانا يقول البخاري في بعض الرواة: “سكتوا عنه”؛ ويعني بها:  الجرح الشديد، قال الذهبي في الموقظة: “أما قول البخاري: سكتوا عنه ، فظاهرها أنهم ما تعرضوا له بجرح ولا تعديل ، وعلمنا مقصده منها بالاستقراء أنها بمعنى: تركوه”([10]).

وقال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث: البخاري إذا قال في الرجل:(سكتوا عنه) فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده([11]).

وقال الحافظ السخاوي في فتح المغيث: ” كثيرا ما يعبّر البخاري بـ “سكتوا عنه” فيمن تركوا حديثه”([12]).

رابعا : لفظ: “بره لنا قديم”

وهذا اللفظ يعد من ألفاظ التجريح النادرة الاستعمال عند الإمام البخاري، وهو لفظ يطلقه على من ترك حديثه، قال: د. عزيز الديني: “وكان محمد بن إسماعيل البخاري إذا قام عن الرجل وترك حديثه قال فيه: “فلان بره لنا قديم” ([13]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

1-يعد علم الجرح والتعديل من فروع علم الحديث الذي يبحث في أحوال الرواة من حيث القبول والرد.

2-يختلف معنى عبارات النقد في الرواة ولا يعرف المراد منها على الوجه الصحيح إلا بالتتبع والاستقراء.

3-تتبع بعض العلماء هذه الألفاظ، وبينوا معناها منها في كتبهم؛ كالذهبي، والعراقي، والسيوطي، وغيرهم.

4-للإمام البخاري عبارات في تجريحه للرواة وعباراته في ذلك عبارات لطيفة؛ فكثيرا ما يستعمل ألفاظا استعملها غيره في الجرح الخفيف ويريد بها الجرح الشديد.

5-أشرت في المقال إلى أربعة ألفاظ مع بيان المراد منها كما بينها الأئمة العلماء : “فيه نظر- منكر الحديث- سكتوا عنه- بره لنا قديم “.  

************************

هوامش المقال: 

([1]) الموقظة (ص: 83).

([2]) ميزان الاعتدال (2 /416).

([3]) ميزان الاعتدال (3 /52).

([4]) شرح الألفية (2 /11).

([5]) فتح المغيث (2/ 290).

([6]) تدريب الراوي (2 /410).

([7]) التنكيل (2 /495).

([8]) نقلا من ميزان الاعتدال (1 /6).

([9]) تدريب الراوي (2 /410).

([10]) الموقظة (ص: 83).

([11])  الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (ص: 101).

([12]) فتح المغيث (2/ 290).

([13]) تاريخ النقد الحديثي وضوابطه (ص: 157).

*******************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير. لأحمد محمد شاكر  . دار الكتب العلمية بيروت لبنان (د.ت).

تاريخ النقد الحديثي وضوابطه. لعزيز رشيد الديني. دار الكتب العلمية بيروت. (د.ت)

التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل. لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي . تخريج وتعليق: محمد ناصر الدين الألباني- زهير الشاويش- عبد الرزاق حمزة. المكتب الإسلامي. بيروت ط2/ 1406هـ- 1986مـ.

شرح ألفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة. لزين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي. دار الكتب العلمية بيروت . (د.ت).

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث. لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي . دراسة وتحقيق: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن الخضير- محمد بن عبد الله بن فهيد آل فهيد. مكتبة دار المنهاج الرياض ط1/ 1426هـ..

الموقظة  في علم مصطلح الحديث. لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. اعتنى به: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. دار البشائر الإسلامية بيروت لبنان.  ط2 / 1412هـ.

ميزان الاعتدال في نقد الرجال. لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: علي محمد البجاوي.  دار المعرفة بيروت لبنان (د.ت).

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. لجلال الدين السيوطي. حققه: نظر محمد الفاريابي. مكتبة الكوثر. بيروت ط 1415هـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق