مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

مدلول مصطلح : “روى أحاديث مناكير عند الإمام أبي حاتم الرازي (287هـ)”

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد؛ فقد درج الإمام أبو حاتم الرازي (287هـ) رحمه الله، على توظيف مصطلح: “روى أحاديث مناكير” في كتاب الجرح والتعديل لابنه عبد الرحمن (327هـ) رحمه الله في وصف بعض رواة الحديث، فتارة يطلقه على الراوي الضعيف، وتارة أخرى يطلقه على الراوي الثقة الذي يروي بعض المناكير عن الضعفاء، وبالتالي فإن القارئ قد يستشكل عليه مقصود الإمام الرازي في معنى هذا المصطلح، مما يدفعنا إلى التثبت والتحري، والتروي في مراد الإمام أبي حاتم من هذا المصطلح؛ ولا يمكن استكناه ذلك إلا بعد تتبع الرواة الذين وصفوا بهذا المصطلح عند أبي حاتم، واستحضار السياق العام والقرائن المرتبطة بهذا المصطلح.

ولأهمية هذا الموضوع فقد أحببت أن أفرده بهذا المقال الذي سأتناول فيه الآتي:

المطلب الأول: تعريف مصطلح “منكر” لغة واصطلاحا.

المطلب الثاني: الفرق بين “الحديث المنكر “، وله “أحاديث مناكير”.

المطلب الثالث: دلالات مصطلح :”روى أحاديث مناكير” عند أبي حاتم.

فأقول وبالله التوفيق:

المطلب الأول:

تعريف مصطلح “منكر” لغة واصطلاحا:

1-تعريف المنكر لغة:

إن وصف مرويات الراوي بالنكارة وصف وارد في اللغة العربية؛ لهذا لابد من تأصيل معنى “المنكر” لغة؛ لأن له علاقة وثيقة جدا بالمعاني الاصطلاحية.

قال ابن فارس (395هـ):”النون والكاف والراء أصل صحيح يدل على خلاف المعرفة التي يسكن إليها القلب، ونكر الشيء وأنكره: لم يقبله قلبه ولم يعترف به لسانه”[1].

وقال ابن منظور (711هـ):” والنكرة: خلاف المعرفة…والمنكر من الأمر: خلاف المعروف، وقد تكرر في الحديث الإنكار والمنكر، وهو ضد المعروف، وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه، فهو منكر”[2].

من خلال ما ذكره الإمامين الجليلين ابن فارس، وابن منظور، رحمهما الله يتضح لنا أن أصل إنكار الشي: عدم قبول القلب له، وهو في اللغة العربية ضد المعروف.

2-المنكر اصطلاحا:

اختلف علماء الحديث في تعريف حد المنكر بين المتقدمين والمتأخرين، على النحو الآتي:

أ- تعريف المتقدمين:

*تعريف يحيى بن سعيد القطان (198هـ): قال ابن حجر :”ومراد القطان بالمنكر: الفرد المطلق”[3].

*تعريف البرديجي (301هـ): قال ابن حجر:”مذهب البرديجي: أن المنكر هو الفرد، سوا تفرد به ثقة، أو غير ثقة”[4].

ب-تعريف المتأخرين:

* تعريف الذهبي (748هـ)قال:” المنكر: وهو ما انفرد الراوي الضعيف به. وقد يعد مفرد الصدوق منكرا”[5].

* تعريف ابن جماعة (773هـ): قال” المنكر: قيل هو ما تفرد به من ليس ثقة ولا ضابطا”[6].

* تعريف السخاوي (902هـ): قال”المنكر: إنه ما رواه الضعيف مخالفا”[7].

* تعريف السيوطي (911هـ): عرفه أنه ما رواه الضعيف مخالفا لمن هو أوثق منه قال في ألفيته:

المنكر الذي روى غير الثقه***مخالفا في “نخبة” قد حققه[8]

                                                                   المطلب الثاني:

الفرق بين الحديث المنكر وله أحاديث مناكير.

لقد أفصح علماء الحديث، عن معنى قولهم في الراوي: (منكر الحديث)، وبين قولهم: (له أحاديث مناكير)، أو (يروي أحاديث مناكير)، وفرقوا بين المعنيين.

فإذا أطلقوا على الراوي وصف أنه: (منكر الحديث) فهذا دليل على ترك رواية الرجل، وأنه يضعف بذلك، بخلاف قولهم: (له أحاديث مناكير)، أو (يروي أحاديث مناكير)، فهذا لا يقتضي ترك روايته، حتى تصير صفة النكارة ملازمة له؛ إذ ذاك يترك حديثه.

قال الأمام مسلم (261هـ):” فإذا كان الأغلب في حديثه كذلك –أي: النكارة- كان مهجور الحديث، غير مقبوله، ولا مستعمله”[9].

وقال الإمام  أبو الحسن ابن القطان الفاسي (628هـ):” وفرق عند المحدثين بأن يقولوا: (روى مناكير)، أو (منكر الحديث)؛ منكر الحديث: هو الذي يقولونه لمن سقطت الثقة بما يروي، لكثرة المنكرات على لسانه، كالذي يشتهر فيما بيننا بقلة التوقي فيما يحدِّث به، وتتكرر فضيحته، حتى يكون إذا سمعنا حديثًا منكرًا نقول: فلان حدَّث به، إلا لما قدم به عَهدُنا من نكارة حديثه؛ فهذا عندهم هو الذي يطلقون عليه أنه منكر الحديث، ولا تحل الرواية عنه. أما الذي يقولون فيه: (عنده مناكير)، أو (روى أحاديث منكرة)، فإنه رجل روى ما لا يعرفه غيره وحاله مع ذلك صالحة، فهذا لا يضره الإنفراد، إلا أن يكثر منه”[10].

ولهذا قال الإمام الذهبي :” ما كل من روى المناكير يضعف”[11].

المطلب الثالث:

دلالات مصطلح :”روى أحاديث مناكير” عند الإمام أبي حاتم الرازي.

بعد البحث والتتبع لاطلاقات أبي حاتم الرازي لمصطلح “روى أحاديث مناكير” في كتاب الجرح والتعديل الذي ورد عنده بصيغ عدة منها: “يروي مناكير”، أو “روايته مناكير”، أو”أحاديثه مناكير”، أو “يروي أحاديث مناكير”، أو “يأتي بمناكير”، أو “يحدث بالمناكير”، أو “عنده مناكير”، أو “حدث بأحاديث منكرة”، أو “أحاديثه منكرة”، أو “يروي أحاديث منكرة”، أو “روى أحاديث منكرة”…الخ.  وجدت أنه يطلق هذا الاصطلاح تارة على الرواة الضعفاء ، وتارة أخرى على الرواة الثقات، وذلك وفق التفصيل الآتي:

1-أطلقه على تفرد الراوي الضعيف الذي لا يكتب ولا يحتج بحديثه:

وقد يصرح باسم هذا الراوي، وقد لا يصرح به، ومن أمثلة ذلك:

المثال الأول: سعيد بن  ميسرة البكري أبو عمران قال أبو حاتم: “هو منكر الحديث: ضعيف الحديث، يروي عن أنس المناكير. قلت يكتب حديثه؟ قال: ليس يعجبني حديثه”[12].

المثال الثاني: آدم بن عيينة أخو سفيان بن عيينة، قال أبو حاتم:” آدم بن عيينة لا يحتج بحديثه يأتى بالمناكير”[13].

2- أطلقه على تفرد الراوي الضعيف الذي يكتب حديثه:

 ومن أمثلة ذلك:

المثال الأول: أبو صيفي بشير بن ميمون الواسطي، قال أبو حاتم:”ضعيف الحديث وعامة روايته مناكير يكتب حديثه على الضعف”[14] .

المثال الثاني: عبد العزيز بن عبيد الله، قال أبو حاتم:” ضعيف الحديث منكر الحديث، يكتب حديثه، يروى أحاديث مناكير، ويروى أحاديث حسانا” [15].

3- أطلقه على تفرد الراوي الضعيف الذي يروي البواطيل والمناكير:

 ومن أمثلة ذلك:

محمد بن شرحبيل، قال أبو حاتم:” متروك الحديث يروى أحاديث بواطيل مناكير”[16].

4- أطلقه على تفرد الرواة المجاهيل:

ومن أمثلة ذلك:

المثال الأول: الفضل بن المختار البصري، قال أبو حاتم:” مجهول وأحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل”[17].

المثال الثاني: النضر بن منصور، قال أبو حاتم:” هو شيخ مجهول يروى أحاديث منكرة”[18].

5- أطلقه على تفرد الراوي الضعيف الذي يخالف كثيرا الثقات:

ومن أمثلة ذلك:

المثال الأول: سلمة بن وردان الليثي المدني قال أبو حاتم:” ليس بقوي، تدبرت حديثه فوجدت عامتها منكرة، لا يوافق حديثه عن أنس حديث الثقات إلا في حديث واحد، يكتب حديثه”[19].

المثال الثاني: رشدين بن سعد أبو الحجاج المصري، قال أبو حاتم:” رشدين بن سعد منكر الحديث وفيه غفلة، ويحدث بالمناكير عن الثقات، ضعيف الحديث، ما أقربه من داود بن المحبر، وابن لهيعة استر، ورشدين أضعف”[20].

6- أطلقه على الراوي الذي يسند ما ليس له إسناد :

ومثال ذلك:

سلمة بن مسلمة أبو معاوية ختن عطاء، قال أبو حاتم:” ليس بقوي، عنده مناكير، يدل حديثه على ضعفه، يسند كثيرا مما لا يسند”[21].

7- أطلقه على الراوي الذي يروي أحاديث لا يتابع عليها :

ومثال ذلك: محمد بن معاوية النيسابوري أبو علي ، قال أبو حاتم:” روى أحاديث لم يتابع عليها، أحاديث منكرة فتغير حاله عند أهل الحديث”[22].

8- أطلقه على تفرد الراوي الثقة الذي يروي عن بعض المجاهيل :

ومن أمثلة ذلك:

المثال الأول: أحمد بن محمد بن غالب غلام الخليل قال أبو حاتم:”  روى أحاديث مناكير عن شيوخ مجهولين ولم يكن محله عندي ممن يفتعل الحديث وكان رجلا صالحا”[23].

المثال الثاني: عبد الرحمن بن محمد المحاربي الكوفي قال أبو حاتم:”: صدوق إذا حدث عن الثقات ويروى عن المجهولين أحاديث منكرة فيفسد حديثه بروايته عن المجهولين”[24].

الخاتمة:

1-اختلفت تعاريف المحدثين قدماء ومحدثين في معنى : “الحديث المنكر”، فالقدماء أطلقوه على التفرد المطلق، سواء تفرد به الثقة أو غيره، والمحدثين أطلقوه على ما انفرد به الراوي الضعيف مخالفا لما رواه الثقات.

2-فرق علماء الحديث بين قولهم في الراوي: “منكر الحديث”، وبين “له أحاديث مناكير، أو “يروي أحاديث مناكير”، فالأول: يطلقونه على من ترك حديثه جملة ولا يحتج به، وأما الثاني: فلا يقتضي ترك روايته حتى تكون صفة النكارة ملازمة له فيلحق بالأول.

3-دلالات مصطلح “روى أحاديث مناكير” عند أبي حاتم يطلقه على:

أ- تفرد الراوي الضعيف الذي لا يكتب ولا يحتج بحديثه.

ب – تفرد الراوي الضعيف الذي يكتب حديثه.

ت – تفرد الراوي الضعيف الذي يروي البواطيل والمناكير.

ث- تفرد الرواة المجاهيل.

ج – تفرد الراوي الضعيف الذي يخالف كثيرا الثقات.

ح – الراوي الذي يسند ما ليس له إسناد.

خ – الراوي الذي يروي أحاديث لا يتابع عليها.

د – تفرد الراوي الثقة الذي يروي عن بعض المجاهيل.

والحمد لله رب العالمين.

************************

هوامش المقال:

[1]  – معجم مقاييس اللغة (5/ 476).

[2]  – لسان العرب (5/ 233).

[3]  – تهذيب التهذيب (5/ 360).

[4]  – هدي الساري (ص:  478).

[5]  – الموقظة (ص: 42).

[6]  – المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي (ص: 51).

[7]  – فتح المغيث (2/ 13).

[8]  – ألفية السيوطي (ص: 23).

[9]  – مقدمة صحيح مسلم (ص: 10).

[10]  – أحكام النظر (ص: 480).

[11]  – ميزان الاعتدال (6/ 259).

[12]  – الجرح والتعديل  (4 /63).

[13]  – الجرح والتعديل (2/ 267) .

[14]  – الجرح والتعديل  (2/ 379).

[15]  – الجرح والتعديل  (5/ 387).

[16]  – الجرح والتعديل  (7/ 285).

[17]  – الجرح والتعديل  (7/ 69).

[18]  – الجرح والتعديل  (8/ 479).

[19]  – الجرح والتعديل  (4/ 175).

[20]  – الجرح والتعديل  (3/ 513).

[21]  – الجرح والتعديل  (4/ 178).

[22]  – الجرح والتعديل  (8/ 104).

[23]  – الجرح والتعديل  (2/ 73).

[24]  – الجرح والتعديل  (5/ 282).

*************************

لائحة المصادر والمراجع :

إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر. لأبي الحسن بن القطان. ت: إدريس الصمدي. مراجعة : فاروق حمادة. دار القلم دمشق. سوريا ط1/ 1433هـ- 2012مـ.

ألفية السيوطي في علم الحديث. ت: أحمد شاكر المكتبة العلمية بيروت لبنان. 2018مـ.

تهذيب التهذيب. لابن حجر العسقلاني. ت: عادل أحمد عبد الموجود علي معوض. دار الكتب العلمية. بيروت لبنان. 2012مـ.

الجرح والتعديل. لأبي محمد عبد الرحمن بن محمد  بن أبي حاتم الرازي. دار إحياء التراث العربي. بيروت مصورة عن الطبعة الهندية دائرة المعارف حيدر آباد. ط1/ 1271هـ- 1952مـ.

صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج . دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2018 مـ.

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث. لشمس الدين السخاوي. ت: د عبد الكريم الخضير ود. محمد بن عبد الله آل فهيد. مكتبة دار المنهاج. الرياض. ط1/ 1426هـ.

لسان العرب. لابن منظور الإفريقي، دار صادر ط6/1417هـ- 1997مـ

معجم مقاييس اللغة. لأبي الحسين أحمد بن فارس. ت: عبد السلام هارون. دار الفكر بيروت 1399هـ- 1979مـ.

المنهل الروي في مختصر  علوم الحديث النبوي. لبدر الدين ابن جماعة. ت: د محيي الدين رمضان. دار الفكر دمشق. ط2/1406هـ

الموقظة في علم مصطلح الحديث. للذهبي. ت: عبد الفتاح أبو غدة مكتبة المطبوعات الإسلامية. دار البشائر بيروت ط2/ 1412مـ

ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، ت: الشيخ علي معوض وآخرون، دار  الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2008م.

هدي الساري مقدمة فتح الباري، لابن حجر، ت: عبد القادر شيبة الحمد، ط1، 1421هـ-2001م.

*راجعت المقال الباحث: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق